مشروع قانون المحكمة العسكرية: التشريع من دون منهجية ولا مبادئ


2014-02-14    |   

مشروع قانون المحكمة العسكرية: التشريع من دون منهجية ولا مبادئ

منذ عدة أيام،نشرت وزارة العدل على موقعها الإلكتروني،مشروعها لتعديل قانون القضاء العسكري رقم 24 تاريخ 31/4/1968 وتعديلاته، والذي أعدته اللجنة المكلّفة من قبل وزير العدل لهذه الغاية، والمؤلفة من القضاة جان فهد ومنير حنين والمقدّم رشيد مزهر وفوزي داغر والنقيبين السابقين للمحامين في بيروت بطرس ضومط وفي الشمال رشيد درباس. وقد اطلّعت اللجنة المذكورة، في سبيل إعداد مشروع التعديل المكلّفة به، على قانون القضاء العسكري المعمول به حالياً وعلى مشروع التعديل الموضوع من قبل لجنة تحديث القوانين في مجلس النواب في العام 2012، وذلك حسب ما ورد في مقدّمة المشروع. وعليه، وبعد أن محّصنا في التعديلات التي اقترحتها اللجنة وفي الأسباب الموجبة التي اعتمدت عليها لإقرار هذه التعديلات، فقد أثيرت لدينا ملاحظات عديدة أبرزها الآتية:
 
في الملاحظات على اقتراح اللجنة بالإبقاء على تسمية "مفوض الحكومة" لدى المحكمة العسكرية:
في هذا المجال، أصرت اللجنة على الإبقاء على تسمية مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بدل تسمية النائب العام التي اقترحتها لجنة تحديث القوانين في مجلس النوابتماشياًمع هذه التسمية لدى المحاكم  العدلية والمدنية. وقد بررت اللجنة المكلّفة من وزير العدل موقفها بالإبقاء على تسمية "مفوض الحكومة" بأن مواضيع الصلاحية التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري هي مواضيع تتعلّق بالإرهاب والتجسس والإقتتال الطائفي والفتن الداخلية ومحاكمة رجال الجيوش الأجنبية وأن هذه المواضيع بشكل عام تتعلّق بسيادة الدولة وبلا Raison D'etatأي أنه يعود للدولة أن تتخذ المواقف النابعة من سيادتها أو من علاقتها بالدول الأخرى او بالمؤسسات الدولية وبالتالي يكون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية يمثّل لحدّ ما رأي الدولة في هذه المفاهيم المحكي عنها دون أن يتجاوز مسؤولياته القضائية وصفاته هذه.

ومن الملاحظ في التعليل الذي اعتمدته اللجنة لهذه الناحية، هو اتخاذها موقفاً مسبقاً من صلاحية المحاكم العسكرية وتثبيتها للصلاحيات الحالية لهذه المحاكم كأمر مسلم به، وهو ما سيكون موضوع تعليق تفصيلاً من قبلنا لدى الوصول إليه.

ومن ناحية أخرى، فإنه حتى لو سلّمنا بما اعتمدته اللجنة للإبقاء على تسمية مفوض الحكومة لأسباب متصلة بسيادة الدولة، فإن ذلك يقتضي من باب أولى تعديل تسمية "مفوض الحكومة" واستبدالها بتسمية "مفوض الدولة"، كما هو معمول به في العديد من دول العالم. فمسؤولية مفوض الحكومة لم تعد كالسابق حيث كان يعتبر ممثلاً للملك وينفذ أوامره.

وكان اقتراح قانون السلطة القضائيةالمقدّم إلى مجلس النواب في العام 1997([1])نص أصلا على أن: تستبدل كلمة «دولة» بكلمة «حكومة» في عبارة «يمثل المدعي العام الحكومة» الواردة في نص المادة 25 من المرسوم الاشتراعي الرقم 82 الصادر بتاريخ 16/9/1983، المتعلق بتنظيم ديوان المحاسبة، وفي تسمية «مفوض الحكومة» الواردة في النصوص القضائية» بيد أن هذا الاقتراح لم يبصر النور في حينه.
 
في الملاحظات على اقتراح اللجنة باستبدال تسمية "السلطة العسكرية العليا" الواردة في قانون القضاء العسكري بتسمية "قائد الجيش":
لاحظت اللجنة أنه وردت أحياناً عبارة "السلطة العسكرية العليا" وأحياناً أخرى عبارة "قيادة الجيش" كي يؤخذ رأيها أو تتخذ قراراً معيناً في بعض الحالات، وجدت أنه من الأفضل أن تستبدل التسمية بعبارة "قائد الجيش" لإبعاد الالتباس.
وإننا إذ نشاطر اللجنة رأيها في ضرورة إبعاد الالتباس الناجم عن عبارة "السلطة العسكرية العليا" أو "قيادة الجيش"، فإننا نخالفها الرأي فيما انتهت إليه من اعتبار قائد الجيش هو المعني بهاتين العبارتين وكنا نفضّل استبدال العبارتين المشار إليهما بعبارة "المجلس العسكري" وهو المجلس المنصوص عنه في المادة 26 من قانون الدفاع الوطني والذي يتولى الصلاحيات الإدارية والتنظيمية الهامة داخل المؤسسة العسكرية بحسب أحكام المادة 27 من القانون نفسه، خاصّة وأن عبارة "قيادة الجيش" أو "السلطة العسكرية العليا" تدل على كيان جماعي وليس على شخص بمفرده، هذا مع العلم بأن اعتبار المجلس العسكري هو المعني بالعبارتين المشار إليهما من شانه أن يبعد الاعتبارات الشخصية عن القرارات المتخذة، لا سيما أنه ليس هناك ما يمنع من خضوع قائد الجيش نفسه للمحاكمة العسكرية وهو ما تعبّر عنه الفقرة الثانية من المادة 8 من قانون القضاء العسكري، ولو بشكل ضمني، الأمر الذي يتوجب معه الحيلولة دون أي علاقة أو سلطة مباشرة لقائد الجيش على المحاكم العسكرية تأميناً لتجردها من أي ضغط أو نفوذ، هذا مع العلم أننا نرى وجوب تخفيض صلاحيات السلطة العسكرية العليا تجاه المحاكم العسكرية إلى أقصى الحدود وإعادة النظر بالنصوص التي ترعى هذا الأمر هو ما لم تتطرق إليه اللجنة.
 
في الملاحظات على موقف اللجنة من اقتراح إنشاء هيئة اتهامية لدى المحكمة العسكرية
 في هذا المضمار، ارتأت اللجنة ابقاء الحال على ما هو عليه بخلاف ما ذهبت اليه لجنة تحديث القوانين، والاكتفاء باستمرار قاضي التحقيق العسكري قائماً بدور الهيئة الاتهامية، لعدة أسباب اعتمدتها تبريراً لهذا الموقف وهي: أن الرقابة القضائية متوفرة بصورة جدية على قرارات قاضي التحقيق العسكري القابلة للنقض أمام محكمة التمييز الجزائية في القضاء العدلي، وأن الطعن بقرارات قاضي التحقيق العسكري محصور بالحق العام وبالتالي فلا حاجة لوجود مرجع جديد في ظل عدم أحقية المدعي الشخصي بتقديم أي طعن، وإن الاكتظاظ الموجود لدى الهيئات الاتهامية يجعلنا نبحث عن حل له، ولا أن نزيد هيئة جديدة تفاقم هذ الاكتظاظ وتعرقل سرعة مسار الدعوى العسكرية وأن استحداث هيئة اتهامية في المحكمة العسكرية مقارنة بالمحاكم العدلية يعد توسيعاً لصلاحياتها في حين أنها محاكم استثنائية.

فلجهة ما طرحته اللجنة من رقابة محكمة التمييز الجزائية على قرارات قاضي التحقيق العسكري، فإننا نلاحظ أن ذلك يعدّ غير كافٍ إذ لا يجوز للمدعى عليه اللجوء إلى هذه المحكمة إلا في حالات نادرة، وحتى فيما خص الدفوع الشكلية التي لا يجوز له ان يميّز منها سوى ما تعلّق بالصلاحية بحسب أحكام المادة 78 ([2])من قانون القضاء العسكري.

أما لجهة ما طرحته اللجنة من أن المحاكم العسكرية هي محاكم استثنائية وأن إنشاء هيئة اتهامية يوسع صلاحياتها، فإن هذه الحجة تسقط عندما ننظر إلى ما اعتمدته اللجنة لناحية صلاحيات المحكمة العسكرية والتي لم تطرح بشأنها أي تعديل جدي لا بل عمدت إلى توسيعها عملياً في بعض الأحيان، وبالتالي لا يحق لها أن تتذرّع بهذا الأمر خاصة أن قولها هذا يشكّل حجة عليها وكان يجب ان يلزمها باقتراح تحجيم هذه الصلاحيات إلى أقصى الحدود أو حتى اقتراح إلغاء المحاكم العسكرية من أساسها.

واستكمالاً لما عرضناه أعلاه، فإننا نقترح أيضاً إلغاء المادة 78 من قانون القضاء العسكري،التي لم تتطرق لها اللجنة، والمتعلّقة بالدفوع الشكلية، على أن تخضع تلك الدفوع لقانون أصول المحاكمات الجزائية دون غيره ولطرق المراجعة الواردة فيه.
 
في الملاحظات على تمثيل الأسلاك العسكرية في هيئات المحاكم العسكرية:
من الملاحظ أن مشروع تعديل المادة 14 من قانون القضاء العسكري الذي اقترحته اللجنة حدد مدة تولي الضابط العسكري للمهام القضائية في المحاكم العسكرية، بحيث لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن ثلاث سنوات، مع الغاء إمكانية قيام وزير الدفاع بعزل هذا الضابط من مهامه القضائية.
بيد أن المشروع قد أبقى بالمقابل على صلاحية وزير الدفاع في التعيين.

كما ان المشروع ومن نحو آخر قد اشترط أن في الضابط الذي يعين كقاض منفرد عسكري أن يكون مجازاً في الحقوق، فيما لم يشترط ذلك في الضباط القضاة في هيئات المحاكم العسكرية الأعلى درجة (المحكمة العسكرية الدائمة، محكمة التمييز العسكرية…) بل جاء النص على أنه "يفضّل" أن يكونوا من المجازين في الحقوق.

وإننا لا نرى أي مبرر لهذا التمييز، ونحبّذ أن يشترط لدى جميع القضاة من الضباط وفي جميع هيئات المحاكم العسكرية ان يكونوا من المجازين في الحقوق.تعزيز المحاكم العسكرية بقضاة عدليين من درجات ملائمة:

إن ما اقترحته اللجنة لهذه الناحية ولا سيما لجهة زيادة عدد أعضاء القضاة العدليين في هيئات المحاكم العسكرية وحصر تولي قضاء التحقيق ومفوضية الحكومة بالقضاة العدليين، يلقى ترحيباً منّا، انما يؤسف بالمقابل بأن الأغلبية في هيئات المحاكم العسكرية تبقى رغم هذا التعديل من القضاة العسكريين. الضابطة العدلية العسكرية:

في هذا الصدد، اقترحت اللجنة تعديل المادة 19 من قانون القضاء العسكري التي تعتبر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية من أفراد الضابطة العدلية. وما توصّلت اليه اللجنة في هذا المجال يتعارض صراحة مع أحكام المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي نصّت على أن:«يقوم بوظائف الضابطة العدلية، تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز، النواب العامون والمحامون العامون.
يساعد النيابة العامة،ويعمل تحت إشرافها في إجراء وظائف الضابطة العدلية، كل في حدود اختصاصه المنصوص عنه في هذا القانون وفي القوانين الخاصة به الآتي ذكرهم:….».

ما يعني ان قانون أصول المحاكمات الجزائية من خلال النص الوارد أعلاه، قد اعتبر أن النواب العامين والمحامين العامين هم أشخاص الضابطة العدلية الأصيلين بحيث يعملون جميعاً تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز، فيما يعتبر الأشخاص الآخرون، من المحافظين والقائمقامين ومختار القرى وقادة السفن والطائرات والقوى الأمنية والعسكرية، مجرّد مساعدين للنيابة العامة ومكلّفين بتمثيلها في إجراء وظائف الضابطة العدلية. وهذا ما يجعل اقتراح اللجنة في هذا المضمار مخالفاً للأسس التي قامت عليها الإجراءات الجزائية في لبنان بما يشكّل إخلالاً فادحاً بها، خاصة وأن التعديل المشار إليه من شأنه أن يجعل لمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية مركزاً قانونياً موازياً للنائب العام لدى محكمة التمييز، فيما يفترض أن يكون مفوّض الحكومة خاضعاً لسلطة النائب العام لدى محكمة التمييز الذي يعود له أن يوجه إليه التعليمات الخطية والشفهية حسبما تفرضه المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وبالتالي، فإن ما اقترحته اللجنة في هذا المجال يعد أمراً خطيراً جداً ومن شأنه، بقصد أو بدون قصد، تمييز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية عن غيره من النواب العامين وهو أمر لا يستوي لا واقعاً ولا قانوناً. وعلى صعيد الضابطة العدلية العسكرية أيضاً، كنا نتمنى أن يتطرّق مشروع اللجنة لإخضاع هذه الضابطة لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية خاصة المادتين 32 و47 منه. فهذه المادة الأخيرة  تحظر احتجاز أي شخص دون إشارة من النيابة العامة وتحدد مدّة الاحتجاز للمشتبه فيه بثمانٍ وأربعين ساعة قابلة للتمديد مدة مماثلة بموافقة النيابة المذكورة، وتعطي المشتبه فيه أو المشكو منه حقوقاً فور احتجازه.
 
المحامون لدى المحكمة العسكرية:
 منالملاحظ أن اللجنة قد أبقت على فرض استعانة المدعى عليه بمحام لدى المحكمة العسكرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية، وأبقت على المحامين العسكريين. وهنا نجد أنه كان يقتضي على اللجنة إخضاع المحاكم العسكرية لنص الفقرة الأخيرة من المادة 251 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على أنه:«إذا أصر المتهم على رفض تكليف أي محامٍ عنه فتجري محاكمته في هذه الحال دون محامٍ».
كما كان يقتضي على اللجنة أن تلغي جميع النصوص الخاصّة بالمحامين في قانون القضاء العسكري، وأن تحيل كل ما يتعلّق بهذا الشأن إلى قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 8 تاريخ 11/3/1970 وتعديلاته والأنظمة الصادرة بمقتضاه،لا سيما المادة 61 منه التي لا تجيز توكيل غير المحامين لدى المحاكم، الأمر الذي يفترض معه إلغاء ما يعرف بالمحامين من الضباط العسكريين.
 
صلاحية واختصاص المحاكم العسكرية:
لعل أكثر ما كان منتظراً في مشروع اللجنة لتعديل قانون القضاء العسكري هو التعديلات التي ستقترحها في موضوع صلاحية واختصاص هذه المحاكم. بيد أن النتيجة التي خرجت بها اللجنة قد جاءت مخيبة للآمال وبعيدة كل البعد عن التوقعات: ففي حين كان من المتوقع تقليص صلاحيات هذه المحاكم إلى أقصى حد ممكن ، من الملاحظ أن المشروع قد اكتفى بادخال التعديلات المقرّة بموجب المرسوم الإشتراعي رقم 110 تاريخ 30/6/1977 وتعديلاته الذي استثنى الجرائم الواقعة من أو على الأشخاص التابعين لهذه الأسلاك من صلاحية القضاء العسكري إذا وقعت خارج نطاق الوظيفة أو إذا وقعت أثناء التحقيقات العدلية أو في المحاكم أثناء انعقاد جلسات المحاكمة ضمن قانون القضاء العسكري رقم 24/1968. وبالتالي فإن ما جاء به اقتراح اللجنة في هذا الخصوص لم ياتِ بأي جديد.

وإننا بالمناسبة نستغرب الإبقاء على تمييز عناصر الجيش عن غيرهم من عناصر الأسلاك العسكرية والأمنية الأخرى عبر اعتبار جميع الجرائم المتعلّقة بهؤلاء وحتى لو كانت خارجة عن الوظيفة من صلاحية القضاء العسكري. كما ان اكثر ما اثار دهشتنا هو نص الفقرة 10 من المادة 24 التي اقترحتها اللجنة إذ اخضعت لاختصاص القضاء العسكري:«الجرائم المتعلّقة بالأعمال الإرهابية أو بإثارة الحرب الأهلية أو الإقتتال أو النعرات الطائفية المنصوص عنها بالقوانين المرعية الإجراء لا سيما قانون 11/1/1958». وإن مثار الإستغراب لهذه الناحية أن قانون 11/1/1958 هو قانون مؤقت وينبغي العمل على حسم وضعه إن كان لناحية إلغائه وإعادة العمل بمواد قانون العقوبات المعلّقة بمقتضاه أو لناحية إدخال نصوصه بشكل دائم في قانون العقوبات،لا أن يتم تكريسه في نص دائم هو قانون القضاء العسكري. كما أن من المستهجن توسيع صلاحية القضاء العسكري في هذا المجال لتشمل جرم تمويل الإرهاب المنصوص عنه في المادة 316 مكرر من قانون العقوبات، وأكثر من ذلك فإن الملاحظ أن جميع الجرائم الإرهابية تقريباً أضحت تحال إلى المجلس العدلي وهو يتألف من قضاة عدليين وبالتالي فلا مانع من جعل هذه الجرائم من اختصاص القضاء العادي بشكل دائم وإخراجها من اختصاص القضاء العسكري.

كما اننا لا نرى موجباً لإبقاء جرائم الخيانة والتجسس والصلات غير المشروعة بالعدو من صلاحية القضاء العسكري وكأنما هذا القضاء هو أكثر حرصاً من  القضاء العادي على مصلحة الوطن وأمن الدولة الداخلي والخارجي. كما أنه لا داع لإبقاء الجرائم المرتبطة بالأسلحة والذخائر الحربية من صلاحية القضاء العسكري، خاصة وأن هذه الجرائم عادة ما تكون متلازمة مع جرائم أخرى من صلاحية القضاء العادي، الذي ينظر فيها حالياً بمفعول هذا التلازم. وإننا نرى أيضاً إلغاء التوسع الحاصل في اختصاص القضاء العسكري، ومنع محاكمة المدنيين امامه إلا في حالات ضئيلة جداً، إذ نرى حصر اختصاص القضاء العسكري بالجرائم المرتكبة في المعسكرات وفي المؤسسات والثكنات العسكرية والجرائم التي تقع على معدات وأسلحة وذخائر ووثائق وأسرار الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام أو امن الدولة أو الضابطة الجمركية وبشكل عام كل جريمة تمس المصالح المادية لهذه القوى. كما ينبغي حصر اختصاص القضاء العكسري بالجرائم الواقعة بين أشخاص جميعهم من العسكريين ولا علاقة لأي مدني بها،على أنه إذا وجد فاعل أصلي أو شريك أو متدخل او محرّض في هذه الجرائم من غير العسكريين فتحال الجريمة إلى القضاء العادي.

 تعزيز حقوق المتضرر أمام القضاء العسكري:
من الملاحظ ان اللجنة قد أبقت على عدم إمكانية إقامة دعوى الحق الشخصي أمام المحاكم العسكرية، لا بل عمدت إلى تعزيز موقع المتضرر إذ يمارس جميع حقوق المدعي الشخصي باستثناء المطالبة بالتعويض، إذ يجب على المتضرر مراجعة القضاء المدني المختص للمطالبة في هذا التعويض على أن يتوقف هذا المرجع عن النظر في الدعوى المدنية المقامة أمامه ريثما يصدر قرار نهائي وقطعي عن المحكمة العسكرية والذي يتمتع بقوة القضية المقضية أمام المحكمة المدنية.

إننا لا نرى طائلاً من هذه الإجراءات المعقّدة المفروضة على المتضرر، كما نقترح تطبيق أحكام الفقرة الثانية من المادة 6 من قانون أصول المحاكمات الجازئية التي أجازت للمتضرر إقامة دعوى الحق الشخصي تبعاً لدعوى الحق العام أمام المرجع القضائي المقامة لديه هذه الدعوى، أو إقامتها على حدة امام المرجع المدني المختص حسبما يختاره.
 
اقتراح اللجنة بشأن المواد 65و60و75 من قانون القضاء العسكري:
من الواضح أن اللجنة قد اقترحت إضافة فقرة على المادة 60 من قانون القضاء العسكري بحيث تكون هذه الفقرة على الشكل الآتي:«يسقط حق المدعى عليه بالتذرع لاحقاً في جميع مراحل المحاكمات بمخالفات لأصول سابقة للشروع في المحاكمة الأولية من تبليغات لقائمة الشهود أو القرار الإتهامي وغيرها من المعاملات المتعلّقة بالأصول وذلك إن لم يدلِ بهذه الدفوع في بدء المحاكمة، وللمحكمة أن تصحح هذا الخلل في حال ثبوته قبل متابعة الدعوى».

ومن المعلوم ان المادة 60 نفسها قد تحدّثت عن دفع عدم الصلاحية أيضاً وقيّدته بإجراءات مماثلة. ولذلك فإننا نرى أنه لا طائل من هذا التعديل، ونقترح الإفساح في المجال أمام النيابة العامة وأمام المدعى عليه،أو لوكيله دون حضور موكله، لإبداء الدفوع الشكلية السبعة المنصوص عنها في المادة 73 من قانون أصول المحاكمات الجزائية سواء امام قاضي التحقيق أو امام المحكمة،على أن يكون لكل من أطراف الدعوى حق الطعن بالقرار الصادر بشأن هذه الدفوع خلافاً لمطالبه مهما كان موضوعها ودون أي قيد.

أما لجهة المادة 75 فقد اقترحت اللجنة تعديل الفقرة الأخيرة منها بحيث تصبح على الشكل الآتي:«تجري محاكمة المتهم أو الظنين دون توقيفه في أثناء المحاكمة إلا إذا قضت المحكمة بالتوقيف بقرار معلّل».وبالتالي فإن اللجنة قد حذفت من أوّل هذه الفقرة عبارة «إلا أنه خلافاً لأحكام المادة 129 من قانون أصول المحاكمات الجزائية»،وذلك فيما يبدو أنه لتأمين الإنسجام مع إقرار قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد الذي تغير مضمون المادة 129 منه عمّا كان في السابق.

بيد أنه غاب عن اللجنة أن السياسة الإجرائية الجديدة التي اعتمدها قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد تحظر على قضاء الحكم إصدار مذكرات التوقيف إلا في حالتين اثنتين وعلى سبيل الحصر، هما الحالة المنصوص عنها في المادة 177 من قانون أصول المحاكمات الجزائية  التي تجيز للقاضي المنفرد إذا أعلن عدم اختصاصه لكون الفعل المدعى به من نوع الجناية أن يحيل ملف الدعوى إلى جانب النيابة العامة، بحيث يكون له أن يصدر مذكرة توقيف في حق المدعى عليه إذا كانت الدعوى قد أقيمت مباشرة أمامه، والحالة المنصوص عنها في المادة 193 من القانون نفسه التي اجازت للقاضي المنفرد أن يصدر مذكّرة توقيف بحق المدعى عليه إذا قضى بإدانته وجاهياً بعقوبة الحبس أكثر من سنة على الأقل شرط ان يكون قرار التوقيف معللاً، وتبقى هذه المذكرة نافذة رغم استئناف الحكم. كما لاحظنا في اقتراح اللجنة غياب أي نص يجيز وقف مفعول مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها قاضي التحقيق العسكري بحقه لحين صدور الحكم في الدعوى أسوة بما هو وارد في الفقرة (2) من المادة 157 أصول جزائية.
 
إقتراحنا بإقرار عفو عام عن بعض الجرائم المحكوم بها بموجب قانون القضاء العسكري ووجوب إقرار بعض الإجراءات الإنتقالية:
إن كل ما طرح بشأن الإصلاح في قانون القضاء العسكري يظهر أن هذا القانون لم يكن مراعياً لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان ما يجعل الأحكام الصادرة عنه في دائرة الشك، ولذلك،فلا بد من إقرار عفو عام عن جميع الجنح المحكوم بها من قبل القضاء العسكري  قبل إقرار التعديلات المقترحة، أما بالنسبة للجنايات المحكوم بها من قبل القضاء المذكور فنقترح فتح الباب امام المحكوم عليه لطلب إعادة المحاكمة بشأنها أمام القضاء العادي في حال أصبحت هذه الجرائم من اختصاص هذا القضاء بموجب التعديلات المقترحة. أما بالنسبة للجرائم التي هي موضع نظر أمام المحاكم العسكرية بتاريخ إقرار التعديلات والتي اصبحت من اختصاص القضاء العادي فتحال حكماً وبالصورة إلإدارية إلى هذا القضاء الأخير دون أي إجراء آخر ودون دفع أي رسم.
 
وبعد هذا العرض، نجد أن المبدأ الأساسي الذي يجب ان يرعى تعديل قانون القضاء العسكري هو حظر محاكمة المدنيين أمام هذه المحاكم إلا في أضيق الحدود وتأمين انسجام أحكام هذا القانون مع احكام قانون أصول المحاكمات الجزائية،توصلاً بشكل تدريجي إلى إلغاء هذه المحاكم بشكل نهائي خاصة ،كما ندعو إلى إقرار تعديل دستوري يمنع إنشاء مثل هذه المحاكم،ويهمنا في هذا المجال أن نستذكر النائب الشيخ يوسف الخازن الذي اقترح عند إقرار الدستور في العام 1926 أن يحظر إنشاء مثل هذه المحاكم في المادة 20 من  الدستور التي تتناول السلطة القضائية،إذ أدلى في الجلسة المخصصة لإقرار تلك المادة بما حرفيته«نحن نريد ان لا يحكم في البلاد غير المحاكم العادية. فيجب ان يذكر في هذا الدستور أنه لا يجوز احداث محاكم عسكرية او محاكم أخرى استثنائية في أي حال من الأحوال. ومن جهة أخرى فأني أرى ان يضمن استقلال القضاة باضافة "فيقضي بأن لا يعزل القاضي ولا ينقل الا بعد محاكمة"»([3])إلا أن اقتراحه لم يلقَ قبولاً فلم يقر في حينه.
 
 



[1]))- هذا الاقتراح قدم من النواب: حسين الحسيني، سليم الحص، عمر كرامي، بطرس حرب، محمد يوسف بيضون ونسيب لحود، إلى مجلس النواب بتاريخ1/7/1997 وعرض على الهيئة العامة لمجلس النواب في الجلسة الثانية (البند 21 من جدول الأعمال) من العقد العادي الثاني من الدور التشريعي العشرين، المنعقدة في الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر يومي الثلاثاء والأربعاء الواقعين في 4 و5 كانون الأول 2001.
[2]))- يراجع لطفاً: محكمة التمييز الجزائية، الغرفة السادسة، قرار صادر بتاريخ 10/12/2013، النائب السابق علي يوسف عيد/الحق العام.
[3]))-يراجع:مجلس النواب اللبناني،محاضر مجلس النواب،الدور التشريعي الاول،محاضر البحث في مشروع الدستور،الجلسة الثالثة المنعقدة بتاريخ 20/5/1926.  
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني