العاملون في مستشفى رفيق الحريري يقاتلون على جبهتين: تحصيل حقوقهم ومواجهة الكورونا


2020-03-23    |   

العاملون في مستشفى رفيق الحريري يقاتلون على جبهتين: تحصيل حقوقهم ومواجهة الكورونا

تتعالى الإشادات بموظفي مستشفى رفيق الحريري الحكومي وبطاقمه الطبي من أطباء وممرضين ومساعدين وطلاب طب وتمريض متطوّعين، لكنّ قلة من الناس تعرف أنّ هؤلاء، طاقم المستشفى الذي بقي متروكاً ومنسياً إلى حين جاءتنا الكورونا، يحاربون على جبهتين: الأولى للقيام بواجباتهم في مواجهة فيروس الكورونا معرّضين أنفسهم للخطر في ظل عدم تأمين مقوّمات صمودهم وخصوصاً في المكاتب خارج الطوارئ وقسم الكورونا، والثانية هي تحصيل حقوقهم ودرجاتهم وحرمانهم من الإفادة من سلسلة الرتب والرواتب.

يقاتل هؤلاء البالغ عديدهم نحو 950 مستخدما/ة وأجيرا/ة، وهم يداومون في أشغالهم دوامات كاملة بعكس إدارات ومؤسسات الدولة كافة، ليس من دون حوافز فقط، بل يخوضون عراكاً لتثبيت الحد الأدنى من حقوقهم البديهية. المحرومون من الدرجات التي تنعكس زيادات تلقائية على رواتبهم، ممنوعة عليهم سلسلة الرتب والرواتب منذ إقرارها في 2017، وهم أيضاً لا يتمتعون براتب تقاعدي أسوة بموظفي الدولة المنضوين تحت لواء تعاونية موظفي الدولة. من يصدّق أنّ موظفي مستشفى رفيق الحريري اليوم الذين يتركون عائلاتهم ليهتمّوا بمرضى الكورونا معرّضين أنفسهم وذويهم للخطر وسط ضغوط نفسية هائلة، لم يتلقّوا أيّة زيادة على رواتبهم أو تقديمات إضافية، اللهم إلاّ وعوداً من إدارتهم بمنحهم نصف راتب إضافي في الشهر. وحتى يوم الجمعة 20 آذار 2020، لم تكن كل مكاتب الموظفين قد تمّ تعقيمها ولم يكن كل الموظفين خارج الطوارئ وقسم الكورونا قد زُوّدوا بالتجهيزات الحمائية وهم الذين يستقبلون الغالبية الساحقة من المشتبه بإصابتهم بالكورونا مع أفراد عائلاتهم المحتمل إصابتهم أيضاً.

بعد أكثر من شهر على اكتشاف أول حالة كورونا، تمكّن مستخدمو وأجراء مستشفى رفيق الحريري من انتزاع وعود من الحكومة ووزير الصحة حمد حسن بالإستجابة لمطالبهم بعد سلسلة اعتصامات وبعدما شهد كل لبنان أنّ المستشفيات الحكومية هي التي تقف مع الناس وتتحمل العبء الأساسي في وقت نفض القطاع الخاص يديه في بداية الأزمة. "المفكرة القانونية" تضيء على قضية العاملين في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، أولئك الذين لا يحتاجون للتصفيق لهم والإشادة بهم فقط، ولا لمنّة من أحد، بل جلّ ما يحتاجونه هو منحهم حقوقهم البديهية المحقّة لا غير، وألّا ننسى أنهم خاضوا معركة حتى أوقفت الإدارة العمل بالبصمة في زمن تنتقل فيه العدوى باللمس أيضاً. (المحرر)

وعود من وزير الصحّة لحلّ مشكلة سلسلة الرتب

يبلغ عدد المستخدمين والأجراء في مستشفى رفيق الحريري حوالي 950 موظّفاً، ينقسمون بالنصف تقريباً بين أجراء ومستخدمين. يشغل المستخدمون وظيفة فنيّة وتستخدمهم المستشفى (مؤسّسة عامّة) بعد الخضوع لمبارة في مجلس الخدمة المدنيّة، وتلحظ هذه الوظيفة في ملاك المؤسّسة، وبالتالي يخضع المستخدمون لسلسلة الرتب والرواتب. أمّا الأجراء، فتوظّفهم الإدراة في حالات طارئة وهم في مستشفى رفيق الحريري يشغلون وظائفهم منذ عدّة سنوات. وبحسب بعض الموظّفين فهم دخلوا إلى مستشفى الحريري بدون الخضوع لأيّة مباريات، وكانوا حينها مياومين، ولكن منذ 10 سنوات تقريباً، اعتبرهم مفتشٌ من الضمان الاجتماعي أجراءً لأنّ عملهم في المستشفى دائم، وأصبحوا مسجّلين في الضمان ويخضعون لسلسلة الرتب والرواتب أيضاً. ويتحدّث بعض الموظّفين عن تدخّل بعض الأحزاب السياسيّة في تعيين الموظّفين وخاصّة أولئك الذي لا يخضعون لمباراة الخدمة المدنيّة.

في 17 آذار الجاري، أعلن وزير الصحّة حمد حسن في مؤتمر صحافيّ بحضور إدارة مستشفى الحريري ولجنة المستخدمين والأجراء فيها، أنّ الرئيس دياب وعد بإنهاء معاناة الموظفين عبر تقديم مساهمات ماليّة تغطّي سلسلة الرتب والرواتب وتسدّد درجات المتعاقدين. كما طُلب من مجلس الوزراء أن يقرّ مساهمة ماليّة سنويّة دائمة للمستشفى لضمان استمراريّـتها في عملها. وعلى ضوء هذا المؤتمر، علّقت لجنة المستخدمين والأجراء الإضراب الذي بدأته الأسبوع الماضي وأصدرت بياناً أعربت فيه عن تفاؤلها بالتجاوب الذي أبداه رئيس الحكومة، متمنيّة من المعنيّين الإسراع في تنفيذ ما جاء في المؤتمر حتّى يتسنّى للموظفين قبض أموالهم المستحقّة منذ سنوات. 

لم يذكر وزير الصحّة في مؤتمره ما إذا كانت المساهمات التي تعد بها الحكومة ستغطّي المفعول الرجعيّ لسلسلة الرتب والرواتب للموظّفين، أي إلى تاريخ إقرارها في 21 آب من العام 2017، والذي كان أحد مطالب الموظّفين خلال تحرّكاتهم السابقة. حرم عدم تطبيق السلسلة منذ إقرارها الموظّفين في المستشفى من أكثر من 30 معاشا شهريّاً، ومع ذلك يقول أمين سرّ لجنة المستخدمين والأجراء في المستشفى سامر نزّال لـ"المفكّرة" إنّ اللجنة غضّت النظر عن تلك الشهور حالياً، ليبدأ الموظّفون بقبض مستحقاتهم اعتباراً من هذا الشهر، بحسب الوعود الأخيرة، معتبراً أنّه لا يمكن التصعيد في وجه من يقدّم يد المساعدة للموظّفين. 

ولمتابعة تنفيذ الوعود، اجتمعت اللجنة مع وزارة الصحّة يوم الخميس في 19 آذار لطلب متابعة موضوع الدرجات تحديداً، كونه موضوعاً عالقاً منذ أكثر من 10 سنوات، ويتطلّب حلّه بالتزامن مع حلّ موضوع سلسلة الرتب والرواتب. فيشير نزّال لـ"المفكّرة" إلى أهميّة الدرجات للأجراء والمتعاقدين (درجة كلّ 24 شهراً) كونهم لا ينالون درجاتهم منذ سنوات عديدة، وهذا مخالف للقانون. وبالتالي، فتكون مستحّقات عدد من المتعاقدين العاملين منذ أكثر من 10 سنوات في المستشفى مثلاً أكثر من مستحقّات سلسلة الرتب والرواتب. وصرّح نزّال بأنّ اللجنة تحضّر ملفّاً يظهر حقوق كلّ موظّف من درجات ترقية ومن سلسلة الرتب والرواتب، وستسلّمه اللجنة للإدارة مع بداية الأسبوع الجاري على أن تسلّمه الإدارة أو اللجنة نيابة عنها ـ إذا وافقت عليه ـ إلى وزارة الصحّة ليتمّ العمل به.

انتشار الكورونا يؤثّر على حقوق الموظّفين

تستهجن موظّفة في مستشفى رفيق الحريري المساعدات التي يقدّمها بعض النوّاب والوزراء عبر التبرّع ببعض مخصصاتهم الشهريّة للمستشفى، معتبرة أنّه كان الأجدر بهم مساعدة الموظفين على نيل حقوقهم سابقاً، خاصّة أنّ عدداً من الموظّفين كان يطلب منذ ثلاث سنوات من النوّاب التقدّم باقتراح قانون يضمن معاشاً تقاعديّاً للموظّفين في المستشفيات الحكوميّة. ويقترح هؤلاء الموظّفون بأن يكون المعاش التقاعدي على الأقل اختياريّاً، كون موظّفي المستشفيات الحكوميّة ينالون تعويضاً لنهاية الخدمة، ولا يخضعون لنظام تقاعد موظّفي الدولة.

ولا ينكر أمين سرّ لجنة المستخدمين والأجراء أن انتشار فيروس الكورونا وبالتالي تسليط الضوء في الإعلام على مستشفى رفيق الحريري كونه حمل العبء الأساسي لمواجهة الفيروس، أدّى دوراً أساسيّاً في الوصول إلى الوعود الجديّة التي أعلن عنها وزير الصحّة في مؤتمره يوم الثلاثاء. ولكنّه اعتبر أيضاً أنّ انتشار الفيروس، أضاف أزمة جديدة على الموظّفين وأجبرهم على تبديل أولويّاتهم، فأصبحوا يفكّرون في كيفيّة حماية أنفسهم، خلال عملهم، من الإصابة بالفيروس قبل التفكير في نيل جميع حقوقهم التي يطالب فيها الموظّفون منذ سنوات عديدة. ومن المرجّح، أن تقوم الإدارة بحسب ما وعدت العاملين في القسم المخصّص للكورونا، بزيادة نصف راتب على رواتبهم نهاية الشهر الحاليّ.

دوام كامل في مكاتب غير معقّمة 

يقول نزّال لـ"المفكّرة" إنّ من حقّ العاملين الشعور بالحماية نظراً إلى أنّ معظم المصابين بفيروس كورونا متواجدون في المستشفى، لذلك كان مطلبهم الأساسيّ تأمين التعقيم والوقاية في مكاتب الموظّفين، أسوة بمكاتب باقي الإدارات العامّة، وبأقسام الطوارئ والعناية بمصابي كورونا في المستشفى. وطالبت لجنة المستخدمين أيضاً وقف عمل المستشفى بنظام البصمة لأنّ الآلة المستخدمة قد تكون وسيلة لنقل الفيروس بين الموظفين وتعرّض بالتالي حياتهم للخطر، حتّى وإن استخدموا المعقّمات قبل البصم وبعده. وافقت الإدارة على هذا الطلب وأوقفت العمل بنظام البصمة مع بداية الأسبوع الماضي، من دون أن تعمّم ذلك بقرار خطي.

ويقول أحد الموظّفين في المكاتب الإداريّة لـ"المفكّرة" إنّ المراحيض في مكاتبهم ظلّت بدون صابون ومحارم لمدّة أسبوع بعد انتشار الكورونا، ولكنّ الإدارة عادت وزودّت المكاتب بها. ورغم تعليق الإضراب وعودة الموظّفين إلى مكاتبهم، ما زالت بعض المكاتب غير معقّمة ولم يزوّد الموظّفون بأدوات تعقيم في مكان عملهم. والجدير ذكره أنّ الموظّفين يعملون بدوام كامل وبدون مناوبات، رغم صدور تعميم من مجلس الوزراء يطلب من الإدارات العامّة إجراء مناوبات بين موظّفيها، ورغم إرسال أحد الموظّفين كتاباً إلى الإدارة يطلب منها أن يشملهم التعميم، ورغم اعتراض لجنة المستخدمين والأجراء.

موظّفو الحريري يخضعون لقرارات إداريّة "غير قانونيّة"

إلى جانب كلّ ما ذكر سابقاً، ما زال موظّفو مستشفى رفيق الحريري يتحمّلون مسؤولية قرارات إداريّة غير قانونيّة تساهم إمّا في تخفيض معاشاتهم الشهريّة أو حرمانهم من حقوقهم الإداريّة كموظّفين في إدارة عامّة تابعة لوزارة الصحّة. ويستنكر الموظّفون الذين تواصلت معهم "المفكّرة"، كلّ ما يتعرّضون له، وهم الذين تابعوا عملهم وصمدوا في أزمات عديدة، لم تكن الكورونا أوّلها، ووضعوا حياتهم وحياة عائلاتهم في خطر من أجل الاستمرار في متابعة عملهم، من حرب تموّز والمعارك في جرود لبنان إلى انتشار فيروس H1N1

ومن القرارات المجحفة في الآونة الأخيرة، اعتبار إدارة المستشفى الأيّام التي اضطر أن يغيب فيها الموظّفون خلال الانتفاضة، بسبب الإضرابات أو قطع الطرقات أو صعوبة التنقّل، أيّاماً من الإجازات الإداريّة السنويّة للموظّفين (وهي 20 يوماً). وفي حال كان الموظّف قد أنهى أيّام إجازته السنويّة، فتحتسب الأيّام التي غابها في الانتفاضة من أيّام إجازته في السنة المقبلة. قدّم الموظّفون اعتراضهم لوزارة الصحّة، بدون أن يحصل أيّ شيء بهذا الخصوص، في حين أنّه يحقّ للمستشفى أن تخصم، خلال الأيّام التي لم يحضر فيها الموظّفون، أجرة بدل النقل فقط، بحسب استشارة حصل عليها الموظّفون من التفتيش المركزيّ.

قرار آخر اتخذته إدارة المستشفى، وما زالت تعمل به منذ سنتين (13 آب 2018)، يقضي بأن تحسم للموظّف، بعد تأخّره أكثر من 6 ساعات عن دوام العمل، قيمة ساعتين من أجره عن كلّ ساعة تأخير. وبحسب نزّال، تقوم الإدارة بذلك بسبب غياب عدد من الموظّفين وتأخرّهم. ولكنّ الموظّفين يعدّون هذا القرار غير قانونيّ لأنّه لا ينسجم وآليّة العقوبات المعتمدة واعترض الموظّفون على هذا القرار أمام وزارة الصحّة أيضاً لكن دون نتيجة. 

وعانى الموظّفون في مستشفى رفيق الحريري أيضاً من مشكلة مع الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ بحيث كان الأخير ينوي التوقّف عن إمداد موظفي المستشفى بالأدوية اللازمة، في حين أنّ من بينهم مرضى يعانون من أمراض مزمنة وبحاجة دائمة إلى أدوية. وجاء هذا القرار رداً على تأخّر المستشفى عن دفع مستحقّات الضمان عن الموظّفين. وصرّح نزّال لـ"المفكّرة" عن تراجع الضمان عن قراره هذا. ويتحدّث بعض الموظّفين عن عدم دفع الإدارة ضريبة الدخل لوزارة الماليّة، وعدم دفعها لفواتير الكهرباء، وتأخرّها عن دفع مستحقّات الضمان بالرغم من أنّها تحسمها من رواتب الموظّفين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني