بيان للمفكرة القانونية بشأن قضية زياد عيتاني: لماذا نترك الضحية التي بكيناها جميعا، وحيدة؟


2020-01-10    |   

بيان للمفكرة القانونية بشأن قضية زياد عيتاني: لماذا نترك الضحية التي بكيناها جميعا، وحيدة؟

قضية الممثل زياد عيتاني ليست قضية عادية ولا هي قضية قابلة للنسيان. بالطبع، ثمّة ارتكابات جسيمة حصلت بحقه من قبل أفراد، إحداهم مسؤولة سابقة في جهاز أمني، يمثلون اليوم أمام محكمة التمييز بتهمة تلفيق تهمة العمالة. لكن ارتكابات هؤلاء على جسامتها، ما كانت لتتسبب بما أمكن تسميته مظلمة عيتاني، لولا كمّ من الارتكابات والإخلالات في سير المرافق العامة للدولة وأجهزتها الرقابية والأمنية والقضائية، من دون الحديث عن الخلل في السلطات السياسية والتي غالبا ما تؤدّي إلى تعزيز الحصانات القانونية بحصانات فعلية غير قابلة لأي خرق. ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه المظلمة تحوّلت بفعل تراكم هذه الارتكابات وانكشافها إلى مجسّم فاقع ومكبّر والأهم إلى كاشف لإخلالات يعاني منها آلاف المتقاضين كل يوم هنا وهنالك بفعل سوء تنظيم المرافق العام وانهيار نظام المساءلة فيها. فهي بيّنت بشكل مكبّر انعدام آليات الوقاية من التعذيب والنقص الهائل في احترام معايير المحاكمة العادلة في عمل النيابات العامة والأجهزة الأمنية، فضلا عن انهيار قرينة البراءة. وعليه، حوكم وأدين عيتاني بالعمالة في الشارع إلى درجة تحويله إلى فزّاعة ينبذه أقرب المقربين منه، وكل ذلك وهو في الانفرادي والعزلة التامة من دون أن يكون بإمكانه التواصل مع أحد أو الدفاع عن نفسه.

وعدا عن طابعها الرمزي الهائل والذي أمكن كل مواطن أن يتبينه بشكل جلي واضح، فإنها قضية خلّفت وراءها (وهذا ما ننساه أو نتناساه) ضحيّة تكبدت ضررا هائلا وهي لم تتمكن حتى الآن، ورغم تسليم الجميع بحجم المظلمة المرتكبة بحقها، من تحصيل أي تعويض عن هذا الضرر، على نحو كشف خللا لا يقل جسامة عن الخلل الذي أدى إلى مظلمتها. فلا الحكومة اعترفت بأي مسؤولية للدولة نتيجة تراكم الإخلالات الحاصلة في عدد من مرافقها العامة. ولا النيابة العامة تحرّكت بشكل جدّي وفعّال في قضية التعذيب والتواطؤ التي قدمها عيتاني ضد مجموعة من الضباط، فيما تعين على عيتاني أن يحضر محاكمة أخذت في بعض جوانبها طابعا هزليا للذين تسببوا بتلفيق التهمة له، من مقاعد الحضور، على أساس أنه ليس للضحية أن تتمثل أمام المحكمة العسكرية. وما يزاال الوضع على حاله على أمام محكمة التمييز.

وبذلك أصبحت القضية رمزا ليس فقط عن الظلم الذي قد تؤدي إليه منظومة العدالة، بل أيضا عن العوائق الهائلة التي يتعين على ضحايا هذه المنظومة مواجهتها واجتيازها لرد اعتبارهم والحصول على تعويض جبرا لأضرارهم.

والواقع أن مطلب عيتاني لم يعد بنتيجة كل ذلك مرتبطا بخطأ منعزل ارتكبه هذا الموظف العمومي أو ذاك، بل بات مرتبطا بمجموعة من الارتكابات والإخلالات المترابطة والتي اشترك فيها العديد من الأجهزة العامة بالفعل أو بالإهمال، وفي مقدمتها جهاز أمن الدولة والنيابة العامة التمييزية والعسكرية والمجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع، وظهر من خلالها عمق الخلل الحاصل في المرافق العامة الإدارية والأمنية والقضائية على حد سواء. وقد أدت هذه الأخطاء بفعل ترابطها إلى تفاقم ضرر عيتاني وإلى حدّ كبير إلى الحؤول دون تحصيل حقه بالطريقة القضائية الاعتيادية.

انطلاقا من ذلك، ومع تمسكنا بمحاسبة المسؤولين عن مظلمة عيتاني وإنزال عقوبات مناسبة مع خطورة ارتكاباتهم، نعلن في الوقت نفسه مساندتنا التامة لطلب التعويض وجبر الضرر الذي تقدم به زياد عيتاني بتاريخ 8 كانون الثاني 2020 زياد عيتاني من الدولة اللبنانية، والذي يؤمل منه أن يعيد إليه، ومعه كل شاهد على مظلمته، الحد الأدنى من الشعور بالمواطنة والثقة بمؤسسات الدولة. فالدولة التي نريدها بقوة الثورة هي دولة ديمقراطية وعادلة محور وجودها كرامة المواطن، وهي أيضا وبالأخص دولة فاعلة قادرة على صون هذه الكرامة وردع أي انتهاك ضدها.

بهذا المعنى، طلب التعويض المستحق والذي نقدمه اليوم هو في عمقه دعوة للدولة للنهوض مجددا والتحرر من أدران النظام المهيمن طوال عقود، للارتقاء إلى ما يجدر بها أن تكون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني