تمديد حالة الطوارئ ما بين الرقابة القضائية وأعمال السيادة: لا تحصين لأي عمل إداري ازاء رقابة القضاء


2013-10-22    |   

تمديد حالة الطوارئ ما بين الرقابة القضائية وأعمال السيادة: لا تحصين لأي عمل إداري ازاء رقابة القضاء

أقامت عدد من المنظمات الحقوقية طعنًا أمام محكمة القضاء الإداري بغية وقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 587 لسنة 2013 بشأن مد حالة الطوارئ، والسابق إعلانها بتاريخ 14 أغسطس من العام الجاري بموجب القرار الجمهوري رقم 532 لسنة 2013، والذي بموجبه أعلنت حالة الطوارئ لمدة شهر من تاريخ إعلانها.

إن القرار الصادر من رئيس الجمهورية بشأن مد حالة الطوارئ أثار الجدل حول مشروعيته، ومدى مطابقته للإعلان الدستوري 2013، كما أثار التساؤل حول مدى إمكانية تصدي محاكم القضاء الإداري للفصل في مثل هذا الطعن.

وفي حقيقة الأمر، يسهل على الشخص العادي أن ينتهي إلى عدم مشروعية قرار مد حالة الطوارئ، وذلك لمخالفته للإعلان الدستوري المشار إليه، وذلك من جانبين: (1) أن المشرع الدستوري اشترط لمد حالة الطوارئ أن يعرض ذلك على الشعب في استفتاء عام، ومن ثم لا يجوز مدها إلا إذا وافق الشعب على ذلك. وتكمن العلة من وضع شرط الاستفتاء الشعبي لمد حالة الطوارئ حتى لا يتسنى للسلطة التنفيذية تأبيد حالة الطوارئ وإعلانها دون حاجة لها مثلما كان يحدث في ظل الأنظمة السابقة. (2) اشترط أيضًا أن يكون مد حالة الطوارئ لمدة مماثلة، وهذا ما لم يحدث. حيث أن إعلان حالة الطوارئ من البداية تقرر لمدة محددة بثلاثين يومًا، إلا أن قرار مدها جاء متجاوزًا ذلك عندما قرر مدها لمدة شهرين.

بالمقابل، تطرح مسألة اختصاص القضاء في النظر في مشروعية قرار مماثل أسئلة أكثر صعوبة، في ظل صدور العديد من الأحكام عن المحكمة الدستورية العليا، والتي انتهت إلى أن القرار الصادر بشأن إعلان حالة الطوارئ ومدها يدخل ضمن الأعمال السياسية التي تنحسر عنها الرقابة القضائية باعتباره عملًا من الأعمال التي تتخذها الدولة في حدود وظيفتها السياسية للمحافظة على سلامتها وأمنها، مما يجعل الطعن بعدم دستورية إعلان حالة الطوارئ ومدها خارجا عن ولاية هذه المحكمة. وهذا ما يفرض علينا التطرق إلى مفهوم "أعمال السيادة" وفقًا للقانون وأحكام المحاكم المصرية.

فالمشرع المصري لم يورد تعريفًا جامعًا أو تحديدًا لأعمال السيادة التي نص عليها قانون السلطة القضائية حينما قرر "منع المحاكم من نظرها بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، ولم يعرض لتعريفها أيضًا في قانون مجلس الدولة الذي قرر خروج هذه الأعمال عن ولاية المحاكم الإدارية، وبالتالي فإنه يتعين على القضاء أن يقول كلمته في وصف العمل المطروح في الدعوى، وبيان ما إذا كان يعد من أعمال السيادة أو يخرج عنها. وهذه الأعمال تتميز بالصبغة السياسية البارزة فيها لما يحيطها من اعتبارات سياسية، فهي تصدر عن السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم فينعقد لها في نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة كلها والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها في الداخل والخارج. فالأعمال التي تصدر في هذا النطاق غير قابلة بطبيعتها لأن تكون محلا للتقاضي لما يكتنفها من اعتبار سياسي يبرر تخويل السلطة التنفيذية الحق في اتخاذ ما ترى فيه صلاحا للوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء أو بسط الرقابة عليها فيه".[1]
كما أن أحكام المحكمة الإدارية العليا تواترت على أن "نظام الأحكام العرفية ونظام الطوارئ، وإن كان نظامًا استثنائيًا إلا أنه ليس نظامًا مطلقًا. فقد أرسى الدستور أساسه وأبان القانون حدوده وضوابطه ومن ثم يخضع لمبدأ سيادة القانون –رقابة القضاء هي وحدها دون غيرها الرقابة الفعالة التي تكفل للناس حقوقهم الطبيعية وتؤمن لهم حرياتهم العامة وتفرض للقانون سيادته- لئن ساغ القول بأن قرار إعلان حالة الطوارئ من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة بحسبانه من الإجراءات العليا التي تتخذ في سبيل الدفاع عن كيان الدولة أو استتباب الأمن أو النظام العام بها. إلا أن التدابير التي يتخذها القائم على إجراء النظام العرفي تنفيذًا لذلك سواء كانت تدابير فردية أو تنظيمية، يتعين أن تتخذ في حدود القانون ولا تنأى عن رقابة القضاء، أساس ذلك أن هذه التدابير لا تجاوز دائرة القرارات الإدارية التي تخضع للاختصاص القضائي لمجلس الدولة".[2]

وتجدر الإشارة الى أنه على الرغم من كثرة المحاولات من جانب المحاكم المصرية لوضع مفهوم لأعمال السيادة إلا أنها باءت كلها بالفشل، كما أن بعض هذه الأحكام جاءت لتؤكد على صعوبة وضع مثل هذا المفهوم. فلا يوجد معيار محدد يمكن على أساسه التفرقة بينها وبين القرارات التي تخضع لاختصاص القضاء، وان أخذ القضاء المصري في فترة معينة بمعيار الباعث السياسي، والمتمثل في حيثيات أحكامه لجهة أن "أعمال السيادة هي الأعمال التي تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم، تمييزًا لها عن الأعمال التي تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة إدارية فتخضع للرقابة القضائية".
ففي فترة (1946-1955)، رفض مجلس الدولة في المرحلة الأولى لقضائه الأخذ بمعيار الباعث السياسي وتبنى معيار طبيعة العمل في التمييز بين أعمال السيادة وغيرها من الأعمال، مغلقًا بذلك باب التوسع في أعمال السيادة، منزلًا هذه الأعمال منزلة الاستثناء البحت، موسعًا بذلك الحقوق والحريات.[3]

وقد لقي تضمين النص الخاص بأعمال السيادة في القانونين المتصلين بمجلس الدولة (112 لسنة 1946، 9 لسنة 1949)[4] تعدادا لأمثلة عنها، اعتراضات عدة على أساس أن أعمال السيادة هو من عمل الفقيه وليس من عمل المشرع، وأن هذا التعداد يمكن أن يشكل عقبة في طريق التطور القضائي، فضلًا عن أنه يوحي برغبة المشرع والحكومة في التوسع في أعمال السيادة بمدها إلى أعمال أخرى لم يشملها النص. وانطلاقا من ذلك، اقتصر قانونا مجلس الدولة رقما 165 لسنة 1955، 55 لسنة 1959 على إعلان مبدأ عدم اختصاص مجلس الدولة بنظر أعمال السيادة دون إيراد أمثلة لهذه الأعمال. إلا أن المشرع عاد ثانية وبمقتضى القانون رقم 31 لسنة 1963 ليضفي صفة أعمال السيادة على قرارات معينة هي تحديدا قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.[5]
وفي هذه المرحلة من قضاء مجلس الدولة (1955- 1971)، ظهر معيار الباعث السياسي، حيث سلمت الأحكام المتعلقة بأعمال السيادة التي صدرت في هذه الفترة، بأن ما تراه الثورة ماسًا بسلامتها –ولو كان عملًا إداريًا عاديًا- يعتبر من أعمال السيادة، مضيقة بذلك على الحقوق والحريات العامة.[6]

وبالتالي فإنه لا يسعنا سوى القول بأنه "في حالة تنظيم المشرع للظرف الاستثنائي فلا داع على الإطلاق الحديث عن مرونة أو تخفيف مبدأ المشروعية، فهذه درجة لمصطلحات تحرك نزوات الإدارة وشهواتها، أملا في الوصول إلى أقصى درجة من المرونة حتى ينقطع حبل المشروعية كلية، فالأجدر بنا أن نقول إن المشروعية قائمة وبنفس قوتها وعنفوانها ولا تسامح ولا تساهل حيال الإدارة إن هي جاوزت النطاق المسموح به في القوانين المعالجة لحالة الأزمات".[7]

وما يعزز هذا القول هو ما أكد عليه الإعلان الدستوري 2013 في الفقرة الثالثة من المادة 15 بقولها "ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء". فهذه الفقرة تعد بمثابة الخلاص من نظرية أعمال السيادة، وذلك عندما استخدم المشرع الدستوري لفظي "أي عمل"، و" (أي) قرار إداري" ليؤكد على عدم التمييز بين الأعمال التي تباشرها الحكومة بوصفها سلطة الحكم أيًا كان الباعث من وراءها، وبين القرارات الإدارية التي تصدرها بوصفها سلطة إدارية.

كما أن هذه الفقرة جاءت لتؤكد على مبدأ سيادة القانون الذي يعد أساس الحكم في الدول، ومن ثم فإن هذا المبدأ يقيد الدولة في ممارستها لسلطاتها –أيًا كانت وظائفها أو غايتها- بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها أو هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك لأن سلطاتها هذه -أيًا كان القائمون عليها – لا تعتبر امتيازًا شخصيًا لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إدارة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها. ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.



[1] محكمة النقض المصرية – طعن رقم 5191 لسنة 67 قضائية – جلسة 24 يونيو 1999
[2] المحكمة الإدارية العليا – طعن رقم 1439 لسنة 31 قضائية – جلسة 25 يونيو 1989.
[3] د. فاروق عبد البر – دور مجلس الدولة المصري في حماية الحقوق والحريات العامة- الجزء الثالث- المجلد الثاني- طبعة 1998.
[4] عددت المادة 6 من القانون 112 لسنة 1946 والمقابلة للمادة 7 من القانون 9 لسنة 1949 الأمثلة للأعمال التي تدخل تحت مظلة أعمال السيادة وهي "القرارات المتعلقة بالأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي البرلمان وعن التدابير الخاصة بالأمن الداخلي والخارجي للدولة وعن العلاقات السياسية أو المسائل الخاصة بالأعمال الحربية وعلى العموم سائر الطلبات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة".
[5] د. فاروق عبد البر – المرجع السابق.
[6] د. فاروق عبد البر – المرجع السابق.
[7] د. رأفت فودة – مصادر المشروعية الإدارية ومنحنياتها- دراسة مقارنة- طبعة 2012/2013- دار النهضة العربية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، مصر ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني