كلمة نزار صاغية، (بصفته وكيل نجاة حشيشو ولجنة ذوي المفقودين في لبنان)


2013-09-27    |   

كلمة نزار صاغية، (بصفته وكيل نجاة حشيشو ولجنة ذوي المفقودين في لبنان)

بالطبع، دعوى محيي الدين حشيشو لم تكن دعوى عادية اطلاقا. فإصرار زوجته نجاة على محاسبة الفاعلين وتجاوز الصعوبات والمشقات وطوال عقود، لمعرفة الحقيقة جعلها رمزا ليس فقط لقضية المفقودين وذويهم والتي باتت طبعا الشاهد الأكبر على فظاعة الحرب، انما أيضا للمواطن الذي يتمسك بحقه ويناضل من أجله مهما سعت الطبقة الحاكمة الى تهميشه. وإذا ترافق نضال نجات مع نضال كثيرين وكثيرات من ذوي المفقودين، فانه تميز بجانبين أساسيين أولهما انه نضال يحصل على مسرح القضاء مع ما يعنيه ذلك من أبعاد حقوقية، في مواجهة الجبروت الذي يستبيح مشاعر الناس وحقوقهم من دون أي رادع. أما الجانب الثاني، فهو الإصرار على محاسبة الجهة الفاعلة، وهو حق لذوي المفقودين طالما أن جرم الاخفاء القسري يبقى مستمرا حتى تحديد المصير ولا يسقط لا بالعفو ولا بالتقادم.
وما زاد من رمزية هذه القضية هو الوقت الطويل الذي استغرقته. وبذلك، باتت هذه القضية بمثابة علامة استفهام كبرى ومتواصلة على مد عقود، وهي علامة استفهام تطرح أولا في القضاء ومن خلاله على الرأي العام اللبناني بأكمله، فيشكل أي خبر بشأنها ازعاجا كبيرا للجهة الخاطفة التي تأبى الاعتراف بحقوق أي من ضحاياها. ومع صدور الحكم اليوم، سأل كثيرون، وفي مقدمهم ذوو المفقودين: ماذا يعني ذلك؟ هل سقط الرمز ومعه الحق، رغم النضال الطويل؟ هل سيبقى الخاطف، أيا كان، من دون محاكمة ومن دون عقاب، وأهم من ذلك، الضحية من دون معرفة، وكأنما مآل هذه الجريمة أن يبقى الفاعل فيها مجهولا تماما كما هو مصير الضحية، بالنتيجة، هل ذهب الحكم في الاتجاه نفسه الذي سلكه المشرع ومعه الطبقة السياسية طوال سنوات طويلة، فكان قانون العفو بمثابة اعفاء ذاتي وأبيض غير مشروط، من دون أي التفاتة الى الضحية؟
وجواب اللجنة التي لي واجب وشرف تمثيلها، هو أن الحكم يشكل على العكس من ذلك علامة استفهام أكبر من الدعوى بحد ذاتها، وهي علامة استفهام تفتح آفاقا أكثر شمولية وتطرح إشكاليات أكثر عمقا. فاذا كان السؤال خلال الدعوى: “هل هؤلاء المتهمون مذنبون لمشاركتهم في عملية الخطف؟”، أصبح السؤال الأكبر الأكثر شمولية اليوم: “من هو الفاعل والمسؤول اليوم عن استمرار الاخفاء القسري؟” وأهم من ذلك، “أين محيي الدين حشيشو اذا كان حيا؟ وأين جثمانه في حال تم قتله؟”
وفي هذا السياق، نبدي الملاحظات الأربع الآتية:
أولا، بخصوص الحكم بحد ذاته: مع احترامنا للمحكمة، فان تعليلها لتبرئة أحد المتهمين لا يقنعنا وسنعمد تاليا الى الطعن فيه أمام محكمة التمييز. فالمتهم المذكور الذي يسكن على كليمترات بعيدا عن صيدا، قد أقر بتواجده على أمتار من موقع الجريمة وأنه كان هنالك في الوقت نفسه الذي حضر فيه الخاطفون، كل ذلك غداة مقتل بشير الجميل، في ظل حداد واغلاق شاملين، وفي ظل منع تجول فرضه الجيش الإسرائيلي لأيام عدة (وقد بين الحكم أن طائرات الهيلكوبتر الإسرائيلية كانت تدعو الى منع التجول). لماذا كان هنالك؟ ولماذا تجاوز جميع هذه العوائق؟ كان جوابه الأوحد: للاستفهام عن موعد الامتحانات في جامعة اليسوعية. وهي بالطبع، حجة لا يصدقها أحد وتفضح التناقض والسعي الى إخفاء السبب الذي تواجد حقيقة هنالك من أجله، وهي تتناقض مع عدد من المستندات الموجودة في الملف. لهذا السبب، سنطعن في حكم محكمة لجنايات أمام محكمة التمييز على أساس النقص في التعليل والتناقض الحاصل فيه.
ثانيا، بخصوص دور النيابة العامة، فانه يتعين عليها اليوم اتخاذ موقف من الحكم وفي كل الأحوال من الجرمية المستمرة بحد ذاتها. فهل ستميز الحكم؟ وفي حال النفي، وفي حال سلمت ببراءة هؤلاء، فما هي الخطوات التي ستتخذها لتحديد هوية الخاطف ولوقف هذه الجريمة المستمرة؟ فهل يعقل أن تبقى هذه الأجهزة على تقاعسها وحيادها في هذه القضية وكأنها غير معنية بها، فتحمل الضحية وحدها عبء توفير الدليل، عبء الاستقصاء وجمع الشهادات لوقائع حصلت قبل عقود، وكأنها تلزم الحياد في هذه القضية.
ثالثا، أنه مهما صدر من أحكام في هذه القضية الجزائية، فان قضية الاخفاء القسري بحد ذاتها لا تنتهي الا بالتعرف على مصير محيي الدين حشيشو وذلك عملا بحق المعرفة الذي نجحت اللجنة في تكريسه من خلال أحكام أخرى صدرت عن قضاة أمور مستعجلة في بيروت وبعبدا في عدد من القضايا التي نأمل أن تصل الى خواتيمها المرجوة للتعرف على مصائر المفقودين.
ومن هذا المنطلق، سيترافق الطعن بحكم الجنايات، بدعوى مدنية جديدة تهدف الى إلزام الجهات المعينة بالخطف بالإدلاء بما لديها من معلومات عملا بحق المعرفة. فمهما تكن المسؤوليات الجزائية، فمن حق ذوي المفقودين أن يعرفوا مصائرهم، وعلى الذين يملكون أدلة أو معلومات أن يدلوا بها عملا بهذا الحق نفسه.
رابعا، سنعمد من خلال لجنة أهالي المفقودين في وضع آلية لتلقي معلومات بشأن عمليا الفقدان، آملين أن يعوض تضامن المواطنين مع ذوي المفقودين عن تقاعس الدولة في أجهزتها كافة عن القيام بموجباتها في هذا المجال.
خامسا، في موازاة ذلك، سنعمل على تمرير مشروع قانون المفقودين والمخفيين قسرا، والذي من شأنه أن يفتح بابا للتعرف على مصائر المفقودين. فمع هذا الحكم، أصبح لهذا المشروع بالطبع اسم وصورة: اسمه اليوم هو مشروع قانون محيي الدين حشيشو.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني