العدلية ملأى بدعاوى ضد المعارضين خلال الحراك: جرائم طابات البينغ بونغ


2018-06-23    |   

العدلية ملأى بدعاوى ضد المعارضين خلال الحراك: جرائم طابات البينغ بونغ

مرة جديدة يمثل فيها ناشطو الحراك المدني أمام القضاء العدلي على خلفية الأحداث التي تفاعلت في العام 2015 جراء أزمة النفايات، والتي أنتجت معارضة سياسية شعبية حولت مسار العمل السياسي في لبنان.

بدأت الدعاوى تظهر الواحدة تلو الأخرى على هؤلاء المعارضين: أفراداً ومجموعات يمثلون أمام القضاء العدلي بسبب أفعالهم الاعتراضية السلمية بعد مرور ثلاث سنوات على تلك الأحداث. الدعاوى تتعلق بالتعبير عن شعارات سياسية عبر رش غرافيتي واستخدام طابات “بينغ بونغ” ورفع يافطات خلال المظاهرات. وبدأت أدراج العدلية تفيض بهذا النوع من الدعاوى، حيث مثل بعض المعارضين أمام المحكمة وعشرات آخرون ينتظرهم بلاغ استدعائهم. وقد رصدت المفكرة القانونية لغاية الآن عشر دعاوى من الحق العام بحق أكثر من 30 معارضاً أمام القضاء العدلي، وذلك بالإضافة إلى ثلاث دعاوى لا تزال عالقة امام القضاء العسكري. ويُعد هؤلاء المعارضون من الوجوه البارزة في الحراك، علماً أن الاعتصامات والتظاهرات شارك فيها مئات اللبنانيين، لكن لطالما واجه المعروفون من الناشطين استدعاءات إلى مخافر الدرك بسبب سهولة تحديد هوياتهم.

ثلاثة ملفات نظرت بها بتاريخ 21 حزيران 2018 القاضية المنفردة الجزائية في بيروت عبير صفا، بموجب سلسلة ادعاءات من النيابة العامة الاستئنافية برئاسة القاضي زياد أبو حيدر.

طابات البينغ بونغ ويافطة “حكومة الزبالة”

قبل ثلاثة أعوام، وتحديداً في تاريخ 9 كانون الثاني 2016 قام الناشطان علي سليم وكلود جبر بحركة اعتراضية على تقاعس الحكومة عن أداء دورها تجاه حل أزمة النفايات.

أدار سليم سيارته بمرافقة جبر، ومعهم أكياس مليئة بطابات “البينغ بونغ”، وهي طابات صغيرة خفيفة الوزن مصنوعة من البلاستيك، كتبوا عليها بخط يدهم عبارات تندد بالحكومة بشكل عام وليست موجهة لشخص معين، ومنها “وزير حرامي، زبالة لبنان، 24 فاسد، فساد، فاسدين، فاسد”.

توجه الشبان نحو السراي الحكومي في وسط بيروت. خرجوا من السيارة ورموا الطابات تجاه الأرض عند مدخل السراي، ومضوا في سبيلهم. سرعان ما تحركت الأجهزة الأمنية وسطرت محضراً بما حصل، بعدما تمكنت من ضبط سبع طابات من اللون البرتقالي. بعد التعرف على سليم وجبر تم استدعاؤهم إلى مخفر البرج والتحقيق معهم فيما حصل. واليوم بعد مضي ثلاثة أعوام، يُستدعى الشابان للمثول أمام القضاء الجزائي بجرم التحقير والقدح والذم بالمسؤولين (المواد 383 و386 و388 من قانون العقوبات)، بادعاء من النيابة العامة الاستئنافية.

ليست هذه الدعوى الوحيدة التي مثل فيها الناشطان سليم وجبر أمام القاضية صفا، إنما مثلا أيضاً في دعوى أخرى على خلفية مشاركتهم في تحرك بتاريخ 15 كانون الثاني 2015، وكانوا من بين عشرات حملوا الصورة التذكارية للحكومة التي تجمع الوزراء كافة مرفقة مع عبارة “زبالة لبنان”، مدونة في أسفلها.

استمعت القاضية صفا إلى إفادتي سليم وجبر، اللذان شددا على أن ما أقدموا عليه هو صورة سلمية لعملية التعبير عن الرأي وتذكير الحكومة بواجبها لحل أزمة النفايات. وأشار جبر إلى أنه استخدم طابات “البينغ بونغ” كطريقة مبتكرة تحمل نفساً فكاهياً لأجل التعبير عن رأيه بطريقة سلمية، ولا سيما أن الطابات ذات وزن خفيف ولا تؤذي”. وأضاف، بالنسبة للعبارات التي كُتبت عليها فهي “ليست بهدف تحقير شخص معين ولا للنيل من كرامة أحد. من جهته لفت سليم أنه قام “برمي طابات “البينغ بونغ” بهدف توعية الرأي العام حول أزمة النفايات”.

وفي الدعوى الثانية المتعلقة بالصورة التي تجمع الوزراء، أكد جبر أنها كانت “لأجل إنذار الحكومة بتحمل مسؤولياتها”. من جهته، أشار علي سليم إلى أنه رفع الصورة بسبب الأداء الفاشل للحكومة لحل أزمة النفايات، وبسبب تقصيرها في هذا الملف”.

مرافعة وكيلة المدعى عليهم المحامية غيدة فرنجية في الدعويين المرفوعة ضدهما كانت متجانسة، حيث لفتت إلى أن كافة الأفعال التي قام بها الشابان جاءت في سياق التعبير عن الرأي السياسي المعارض للحكومة التي يجب أن تخضع للمساءلة والمحاسبة. وشددت على أنها أفعال اعتراضية رمزية “تُشكل معارضة سياسية في إطار اعتراض شعبي على استنكاف الحكومة عن القيام بمسؤولياتها بالنسبة لأزمة النفايات السائدة.”  كما أكدت فرنجية أن ادعاء النيابة العامة على الناشطين يُشكل ملاحقة سياسية فيما يقومون بممارسة حق طبيعي، وأساسه التعبير عن الرأي والمعارضة السياسية”. أما بالنسبة للدعوى المقامة ضد سليم وجبر على خلفية صورة أعضاء مجلس الوزراء، لفتت فرنجية إلى أن الناشطين استخدما الصورة في تظاهرة شارك فيها مئات الأشخاص، علماً أن كُثرا ممن شاركوا في التظاهرة حملوا الصورة نفسها،” مستغربة استهداف هؤلاء الناشطين واستهدافهما رغم مشاركتها في فعل اعتراضي جماعي. وشددت فرنجية أن النيابة العامة الاستئنافية تُحمل القضاء عبءاً في تراكم هذا النوع من الملفات، حيث أن العبء الناتج عن هذه الملاحقات تجاوز أي ضرر قد يكون نتج عن الأفعال الرمزية التي قام بها ناشطو الحراك.

واعتبرت فرنجية أن العناصر المادية والمعنوية المسندة إلى جبر وسليم غير متوافرة في الملف الراهن، لا سيما في ظل عدم توافر النية الجرمية، وذلك لجهة النيل من كرامة أي شخص أو تحقير شخص معين. لذا طلبت فرنجية إبطال التعقبات بحق الشابين سنداً للمادة 183 من قانون العقوبات التي تفيد بأنه “لا يُعد جرماً الفعل المرتكب في ممارسة حق بغير تجاوز”. وبتفسيرها لهذه المادة، رأت فرنجية أن التعبير عن رأي سياسي هو حق طبيعي يضمنه القانون.

اختتمت محاكمة سليم وجبر وحددت القاضية صفا نهار 30 تشرين الأول 2018 لأجل إصدار أحكامها في الدعويين.

أكياس النفايات أمام السراي الحكومي

ملف آخر كان موضوع جلسة لدى القاضية صفا، وهو محاكمة خمسة ناشطين قاموا في العام 2015 بحركة اعتراضية ضد الحكومة اللبنانية، فجلبوا نفايات ووضعوها أمام مبنى السراي الحكومي في بيروت. وكانت هذه الحركة كردة فعل على فيديو انتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر سيولاً من الأمطار تحمل نفايات في شوارع بيروت. تم تسطير محضر بحق خمسة أشخاص من الناشطين الذين شاركوا في وضع النفايات على السراي، وتم استدعاؤهم في وقت لاحق إلى مخفر البرج في وسط بيروت والتحقيق معهم لأكثر من ثمانية ساعات، وهم: وليد العياش ويسار الانداري ومحمود قاروط وايمن مروة وكاثي مروة. وقد تم التعرف على هوية الناشطين عبر تقرير تلفزيوني أعده تلفزيون الجديد حينها. لم تنعقد جلسة هؤلاء بسبب غياب أيمن مروة، فتم إرجاؤها إلى تاريخ 7 شباط 2019.

جبر ملاحق في ثلاث دعاوى حتى الآن

ليست المرة الأولى التي يلاحق فيها الناشط كلود جبر في قضية تتصل بمشاركته في الحراك المدني صيف 2015.  فكان قد مثل في تاريخ 13 شباط 2018 أمام القاضية صفا بادعاء من النيابة العامة الاستئنافية، بتهمة تحقير رئيس الحكومة السابق الرئيس تمام سلام. وجاء ذلك على خلفية مشاركة جبر مع عشرات الأشخاص في تحرك رُفع فيه شعارات عدة منها “حكومة الزبالة” و”يا تمام ويا سلام حاج تكذب على الإعلام”. وكانت القاضية صفا قد أبطلت التعقبات بحق جبر لعدم توافر العناصر المعنوية للجرم، في قرار أصدرته في تاريخ 3 نيسان 2018. وثمنت القاضية صفا في قرارها أهمية التعبير عن الرأي في ظروف معينة، ولا سيما أزمة النفايات التي جرّت تظاهرات شعبية في صيف 2015. ولقد اعتبرت أن العبارات التي وجهها جبر إلى رئيس الحكومة تمام سلام تأتي في معرض مشاركته في اعتصام شعبي وتعبيره عن معاناة الشعب اللبناني في مختلف المناطق اللبنانية. كما لفتت في متن القرار (…) إلى أن تلك الشعارات، قد صدرت عن المدعى عليه الناشط اجتماعياً، تعبيراً عن الاستياء العام الذي لم يكن خافياً على أحد، في المرحلة التي كانت في النفايات تطال جميع المناطق اللبناني وتمس بصحة المواطنين أجمعين”.

ما أن صدر قرار القاضية صفا الذي أنصف الناشطين حتى استأنفه المحامي العام الاستئنافي القاضي هاني الحجار بتاريخ 18 نيسان 2018، وعلل ذلك بتمسكه باتهام جبر على أنه تعرض لرئيس الحكومة من خلال العبارات التي أدلى بها. كما اعتبر أنها تخرج عن إطار التعبير عن الرأي الذي كفله الدستور اللبناني. كما وسجل اعتراضا على موقف صفا من أهمية التعبير عن الرأي في ظروف معينة، حيث رأى أنه لا يمكن تبرير التعرض للغير في سياق التعبير عن الرأي بالظروف السائدة في حينه.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني