هاجس إرضاء الطوائف يخيم على قبة المجلس النيابي: اقتراح “تزويج القُصًّر” يبيح الإستثناء بطلب منهم


2018-03-08    |   

هاجس إرضاء الطوائف يخيم على قبة المجلس النيابي: اقتراح “تزويج القُصًّر” يبيح الإستثناء بطلب منهم

تدرس لجنة الإدارة والعدل النيابية حالياً إقتراح قانون أنجزته لجنة برلمانية فرعية شُكلت لدراسة ثلاثة اقتراحات مشاريع قوانين تدور حول "تزويج القُصَّر". يدمج التقرير بين مقترحيّن قدم أحدهما النائب غسان مخيبر (مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة في 2014) وآخر النائب إيلي كيروز (مع التجمع النسائي الديموقراطي 2017)، وثالث اقترحته وزارة حقوق الإنسان بشخص الوزير أيمن شقير. وينصّ على تحديد سن الزواج ب 18 عاماً مع إمكانية الإستثناء لأسباب "جوهرية" وبترخيص قضائي، لمن أكملوا  16 سنة.

وبالإضافة إلى منع أي استثناء تحت سن 16 عاماً، لعل أهم ما في المسودة الدامجة هو منح صلاحية تقديم طلب الإستثناء للقاصرة نفسها[1]، وليس للوصي عليها، كما قال القاضي جون القزي، ممثل وزارة العدل في اللجنة، في ندوة خصصت للموضوع. يحصل هذا في وقت تبدو منظمات المجتمع المدني غير رافضة للإستثناء إنطلاقاً من مبدأ "أفضل الممكن حالياً".

"المفكرة القانونية" تروي حكاية اقتراح القانون الحالي بين الطوائف ومنظمات المجتمع المدني ومجلس النواب بينهما في هذا التحقيق.

 

بدأت القصة مع جوابيْن اثنين وردا إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء رداً على استمزاج الرأي الذي حاولت الأمانة العامة للمجلس إجراءه قبل أربعة أشهر حول إقرار مشروع "قانون لحماية القُصًّر من التزويج المبكر".  يومها وصل رد الطائفتين السنية والدرزية كأول الغيث ويفيدان بما معناه: "ليس لكم رأي لتشريع قوانين تمس الأحوال الشخصية". وصل المشروع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء من مجلس النواب. وهو اقتراح قانون تقدم به النائب إيلي كيروز بالشراكة مع التجمع النسائي الديموقراطي. ينص الإقتراح على حماية القُصَّر ذكورا وإناثا من التزويج المبكر، عبر تحديد سن ال 18 عاماً، السن القانونية للزواج، ومنعه تحت هذا السن تحت أي ظرف كان.

يكمل جوابا طائفتين أساسيتين من الطوائف في لبنان الرسم البياني لمواقف الطوائف حيال التشريع في مجلس النواب، وتحديدا حيال تشريعات تتعلق بالأحوال الشخصية للمواطنين. هنا نجد أن الطوائف تجيد الدفاع عن مصالحها وصلاحياتها بشراسة، وتنجح في كل مرة، في تغيير مسار مقترحات قوانين لصالح مراعاة رؤساء الطوائف وأحكام قوانين الأحوال الشخصية الطائفية. هذا لا يمنع تسجيل خروقات إيجابية أحياناً، ومنها، على سبيل المثال، تشريع حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري برغم بعض "التشوه" الذي اعترى القانون بسبب التدخل الطائفي عينه.

واليوم، يخيم هاجس موقف الطوائف الرئيسية في لبنان على قبة المجلس النيابي، وتحديدا القاعة التي تعقد فيها لجنة الإدارة والعدل النيابية جلساتها للبحث في اقتراح اللجنة الفرعية التي شُكلت للبحث في اقتراح قانون يتعلق بتزويج القاصرات.  

وفي محاولة من اللجنة للحصول على موافقة رجال الدين كان هناك اقتراحات عدة تتمثل بدعوة رؤساء الطوائف إلى انتداب من يشارك في جلسات اللجنة (وهو أمر لم يستجيبوا له ولم يحضر أحد)، أو توجيه سلسلة أسئلة إليهم لاستمزاج رأيهم ونيل موافقتهم، أو على الأقل زيارتهم للإستئناس برأيهم.

وتشي الأسئلة التي كانت معدة (وربما هي مقترحة من الهيئة الوطنية لشؤون المرأة) ب"الرهبة" التي تغلّف علاقة المشرّع بالطوائف، إذ تغلب عليها سمة ولغة ولهجة الإستجداء والتوسل أكثر مما هي حفظ حق الدولة في صياغة تشريعات تنظم حياة مواطنيها. ويتسلح البعض بالمادة التاسعة من الدستور التي ضمنت للطوائف حق تنظيم أحوال رعاياها.

 

قبول مدني بالإستثناء

من خلال اتصالاتها، علمت "المفكرة القانونية" أن اللجنة الفرعية رفعت تقريرا إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية توائم فيه بين المقترحات الثلاثة برغم تمسك النائب كيروز برفض أي استثناء للتزويج تحت سن 18 عاماً، مستندة إلى "ليونة" لدى منظمات المجتمع المدني لتقبل فكرة التدرج في التشريع، وتحديدا الإستثناء لمن هم بين 16 و18 تحت ضغط ظروف سميت ب"الجوهرية". وتقول المديرة التنفيذية لمنظمة "كفى عنفاً واستغلالاً" زويا روحانا أن "كفى مع تحديد سن الزواج ب 18 عاماً، ولكن إذا كان ذلك مستحيلاً وحصل إجماع على إمكانية الإستثناء لمن أكملوا 16 عاماً وفق ضوابط، فإننا نقبل بذلك".

نجد التوجه نفسه عند نائبة رئيسة التجمع النسائي الديموقراطي كارولين سكر التي توضح أن "سقف التجمع هو الذي عبرنا عنه في مقترح القانون الذي تقدم به النائب إيلي كيروز. ولكن، إذا تم إقرار قانون لحماية القُصَّر من التزويج المبكر مع إمكانية الإستثناء بعمر 16 سنة، فإننا نعتبر ذلك انتصاراً".

وفيما يتمسك النائب إيلي كيروز بسن ال 18 عاماً "انسجاماً مع اتفاقية حقوق الطفل التي تحدد سن الطفولة ب18 سنة"، كما قال في لقاء للقوات اللبنانية حول اقتراح القانون، يقول النائب غسان مخيبر أن اللجنة الفرعية توصلت إلى مسودة تدمج مقترحي القانون (ومنهما مقترحه)، آخذة بعين الإعتبار سن الزواج في عدد من الدول ومنها فرنسا التي تسمح بالإستثناء بعمر 16 عاماً إثر طلب يُقَدَم إلى المدعي العام. وكان اقتراح قانون مخيبر (2014) ينص على إمكانية الإستثناء من دون تحديد سن دنيا لذلك، ولكنه حصر صلاحية القرار بقاضي الأحداث (أي قاض مدني) وليس بقضاة الأحوال الشخصية التابعين للمحاكم الدينية.

من جهته، يقول مستشار وزارة حقوق الإنسان فاروق مغربي أن الوزارة تؤيد تحديد سن الزواج ب 18 سنة "لكننا أدخلنا إمكانية الإستثناء ولأسباب "جوهرية" لمن أكملوا 16 سنة، وذلك من باب تجاوز الرفض القاطع لبعض المرجعيات الدينية بمنع الزواج قبل سن ال 18 عاماً". ويشيد بمنح صلاحية البت بالإستثناء إلى قاض مدني، وبالتالي فإن "تقدير الاستثناء الجوهري هو على عاتق القضاء وفي حال المخالفة من الأهل أو رجل دين أو موظف، هناك عقوبات مالية كبيرة وعقوبة بالسجن في حال التكرار".

ورأى مغربي أن المقترح يوائم بين مراعاة الخصوصية الدينية وبين احترام حقوق الإنسان ومصلحة القُصًّر.

ويرى القاضي جون القزي، ممثل وزارة العدل في اللجنة الفرعية، في ندوة حول الموضوع، أن اللجنة سجلت انتصارات عدّة: حصر الإستثناء بمن أكملوا 16 عاماً ولأسباب جوهرية، وبت الإستثناء من قبل قاضي الأحداث (قاض مدني). ويتمثل الإنتصار الثاني بمنح القاصرة نفسها الحق بتقديم طلب الإستثناء أمام قاضي الأحداث وليس الوصي عليها. ويشرح القزي هذا الأمر بأن القانون "يهدف لحماية القُصًّر من التزويج المبكر فكيف نمنح الإذن بطلب الإستثناء للأهل الذين يقومون هم عادة بتزويج القُصًّر؟".

وترى روحانا وسكر أن منح قاض مدني (قاضي الأحداث) صلاحية البت بطلب الإستثناء خطوة إلى الأمام مقارنة بالوضع الحالي حيث يملك قضاة المحاكم الدينية الصلاحيات كافة. كما تشيران إلى أن تحديد سن ال 16 سنة كحد أدنى وربط الإستثناء بأسباب جوهرية هو أفضل من عدم وجود سن أدنى لعقد الزواج كما هي الحال الآن، مع أن المثال بالنسبة ل "التجمع النسائي الديموقراطي (سكر) وكفى (روحانا) هو 18 سنة".

ويرى النائب مخيبر أن هناك فرصة لإقرار قانون تغييري بالنسبة للواقع الحالي، ويحتوي على خطوات جيدة متقدمة. ويشير ل"المفكرة" إلى أن اللجنة بصدد زيارة المراجع الدينية للتحاور معها حول مسودة اقتراح القانون الجامع.

في المقابل، علمت "المفكرة" أنه كان هناك توجه لدى اللجنة لإرسال أسئلة إلى رؤساء الطوائف الذين لم يلبوا دعوتها للمشاركة في إجتماعاتها، تستمزج من خلالها رأيهم بالنسبة لإقتراح القانون.

 

توسل أم أسئلة؟

وتبدو الأسئلة، التي صيغت بطريقة تبين وطأة الطوائف على العمل التشريعي، أسئلة عن بديهيات، بحيث تؤشر إلى طلب المشرع أذنا من المرجعيات الدينية لوضع تشريعات حمائية للمواطنات، القاصرات منهن على وجه الخصوص. ومن الأمثلة على ذلك، أسئلة لاستيضاح رجال الدين ما "اذا كان الزواج المبكر يضر بالقاصرات؟ وما هي نتائجه الاجتماعية الضارة لا سيما لجهة المرأة القاصرة؟ وهل يمكن أن تكون الأم القاصرة مسؤولة عن تربية أطفال وتنشئتهم وبناء مجتمع صالح؟ وما هي النتائج الصحية والجسدية والنفسية لزواج القاصرات؟ وكأن رجال الدين الذين يعملون بروحية شرائع الأديان ويعقدون حاليا عقود زواج لقاصرات من كل الطوائف سيكون لديهم رأي مخالف لما ينفذونه من تعليمات طوائفهم.

كما تسأل اللجنة البرلمانية المراجع الدينية حول الأسئلة التي حصلت "المفكرة" عليها: هل يوجد قاعدة شرعية تجيز زواج القاصرات؟ لا سيما أن إجراء العقود والالتزامات القانونية يحدد سن 18 سنة لجواز القيام بذلك؟ وفي حال الإيجاب، ما هو مصدر هذه القاعدة الشرعية: الكتاب المقدس؟ أم السُنة النبوية عند الإسلام أو الإجتهاد؟

وإذ تُخبر اللجنة المراجع الدينية أن الدولة تسعى إلى تنظيم ما هو مسموح بموجب الدين والشرع، فإنها تسألهم إذا كان قيام الدولة بتنظيم ما هو مباح في الدين والشرع يخالف الأحكام الدينية؟ (وليس إباحة ما هو ممنوع بحسب الدين)، وفق ما توضح اللجنة. وتعطي اللجنة مثلاً توضيحياً يفيد ب: مثلاً إذا كانت القيادة أمرا مسموحا به شرعاً، فهل يوجد في الدين ما يمنع الدولة من تحديد الشروط القانونية للقيادة أو تحديد سنّ أدنى للقيادة؟

وإذ تذكّر اللجنة في أسئلتها المراجع الدينية بأن قاضي الأحداث قد منح(في القانون الرقم 220 الخاص بالأحداث) صلاحية البت في قضايا الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر وتقدير مصلحة الطفل الفضلى من خلال اللجوء إلى أصحاب الإختصاص في علم الاجتماع والطب النفسي والجسدي، تسأل: هل يوجد أي اعتراض على تمكينه من ممارسة مهامه في حماية الطفل عندما يتعلق الموضوع بمنح الإذن بزواجه أو رفضه؟ هنا نرى ان الدولة تستأذن الطوائف لأنها ترغب بتعديل تشريعي يمنح قضاتها المدنيين صلاحية اتخاذ قرارات حمائية للقاصرات.

 

للإطلاع على مقترح القانون كما عدلته اللجنة الفرعية اضغط/ي على الرابط أدناه.


[1]  في هذا المقال، تعتمد الكاتبة الحيادية في استخدام المؤنث أو المذكر في الكلمات الدالة على الأشخاص. وعليه، كلمة قاصرة أو قاصر حين تستخدم بشكل عام، فإنما تعني كل قاصر وقاصرة على حد سواء.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني