استقلالية المحامي وحصانته في وجه “مذكرة الإخضاع”: لماذا يمنع محامون من الدفاع عن حقوق الأجانب في دوائر الأمن العام؟


2012-10-05    |   

استقلالية المحامي وحصانته في وجه “مذكرة الإخضاع”: لماذا يمنع محامون من الدفاع عن حقوق الأجانب في دوائر الأمن العام؟

ألقت حلقة النقاش التي خصصتها المفكرة القانونية هذا الشهر (أيلول 2012) لموضوع “إستقلالية المحامي في الدفاع عن حقوق الأجانب لدى الأمن العام”، الضوء على أكثر من قضية في آن واحد. وبينت الحلقة، وعبر دراسة قانونية مفصلة للمحامي أديب زخور، وشهادات محامين، عدم قانونية إجراءات الأمن العام الخاصة بتنظيم دخول المحامين إلى مكاتبه وإداراته، وتأثير ذلك على حصانة واستقلالية المحامين. كما ركزت على أبرز الإنتهاكات في مذكرة الأمن العام المتمثلة بمنحها المدير العام للأمن العام صلاحية إصدار ما يعرف ب”مذكرة الإخضاع” بحق المحامين المخالفين.
وربطت المفكرة كل ذلك بتأثير الإجراءات عينها على الموقوفين في الأمن العام، وبالدرجة الأولى على الفئات المهمشة، وتحديداً الأجانب من لاجئين وعمال وعاملات في المنازل. وطالب المحامون المشاركون في الحلقة بوضع نقابة المحامين أمام مسؤولياتها، واتخاذ موقف واضح من قضية حساسة تنال من حصانة المحامين واستقلاليتهم ومهامهم في الدفاع عن الفئات التي تحتاج للحماية اكثر من غيرها.
 
ووصفت “المفكرة” في عنوان حلقتها إجراءات الأمن العام الخاصة بالمحامين ب”قيود غير قانونية تصل إلى حد الإخضاع”، في إشارة إلى مذكرة الإخضاع التي يصدرها مدير الأمن العام بحق بعض المحامين ويمنعهم بموجبها من الدخول إلى مباني المديرية. كما اشار المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية الذي ادار الندوة إلى عدم اقتصار مذكرة الإخضاع على المحامين، وانما تنسحب على اي مواطن يرتأي المدير العام للأمن العام انه يحق له “إخضاعه”. واعتبر صاغية ان مفهوم “الإخضاع” يتناقض ومفهومي الحرية والمواطن.
وفند المحامي اديب زخور خلال حلقة النقاش عدم قانونية مذكرة الأمن العام وإجراءاتها بحق المحامي في دراسة قانونية قدمها إلى نقابة المحامين. واستند زخور إلى الدستور اللبناني والقوانين اللبنانية، ليطالب نقيب المحامين بإلغاء مذكرة الأمن العام بكل مفاعيلها، وليس تعليقها على اللوحة الداخلية للنقابة. 
وتساءل محامون شاركوا في الحلقة، ومنهم الأساتذة رولان طوق ونزار صاغية واديب زخور، كيف يمكن للنقابة التي يجب ان تحرص على استقلاليتهم وحصانتهم وحمايتهم ان تعلن موافقتها وشراكتها في وضع إجراءات ثبت عدم قانونيتها. وهو موقف يتلاقى مع مواقف اعضاء سابقين وحاليين في مجلس النقابة نفسها.
وكان للتغطية التي نشرتها جريدة “السفير” عن الحلقة، وأوردت فيها موقفي المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ونقيب المحامين نهاد جبر، ان تضع بعض النقاط على الحروف، وتزيد من عمق التباين بين مواقف بعض المحامين ومعهم اعضاء مجلس النقابة وبين النقيب جبر من الموضوع. وبالفعل، أفاد مصدر مسؤول في المديرية العامة للأمن العام لجريدة “السفير” أن “مذكرة الأمن العام بخصوص تنظيم دخول المحامين وادائهم مهامهم، قد وضعت إثر جلسة مشتركة بين المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم  ونقيب المحامين نهاد جبر، وبعدما تمت مناقشة الموضوع بين الطرفين” (السفير، 28-9-2012). وتم خلال الجلسة، وفق المصدر نفسه، “التوافق على كل الإجراءات المتخذة بما يضمن حق الدفاع عن الموكلين وحسن سير وانتظام العمل داخل المديرية العامة للأمن العام”.
وبما ينسجم مع رأي الأمن العام، اشار النقيب جبر ل”السفير” ان الدراسة القانونية التي تقدم بها المحامي زخور “تعبر عن رأيه الشخصي” (رأي زخور)، مشيراً إلى أن النقابة عقدت اتفاقية مع الأمن العام، “ويتم تطبيقها نصاً للأتفاق بيني وبين اللواء ابراهيم”. واشار جبر إلى أنه “ليس هناك اي مخالفة للقانون في الإجراءات المتخذة من قبل الأمن العام، وانه لا وجود لأي شكاوى من قبل المحامين، وأن جميعهم مرتاحون لهذه التدابير”.
وتعليقاً على مذكرات “الإخضاع” التي يحق للمدير العام للأمن العام إصدارها بحق المحامي المخالف لإجراءات المديرية وفق مذكرتها التنظيمية، اكد جبر انه لم يبق وفق الإتفاقية “اي إجراء يتخذ بحق اي محام”. ولفت إلى أنه في حال مخالفة اي محام لإجراءات الأمن العام، ترسل المديرية كتاباً إلى نقيب المحامين بالموضوع، وهو يتولى التحقيق بالأمر وإتخاذ الإجراء اللازم مسلكياً بحق المحامي”. اما عن مذكرات الإخضاع القديمة الموجودة بحق بعض المحامين، فقد اكد جبر أنه “تمت معالجتها مع الأمن العام وان لا مذكرات إخضاع جديدة”، داعياً “اي محام لديه مذكرة من هذا النوع إلى مراجعته لمعالجتها”، وفق ما نشرت “السفير” حرفياً.
 ولم تنطلق المفكرة في طرحها للموضوع من حرصها على استقلالية المحامي وحصانتها فقط، وإنما ايضاً على المواطنين كافة، وعلى  انعكاس تقييد حرية المحامين في مراكز الأمن العام، سلبا على حقوق الدفاع للفئات الأكثر ضعفا وهشاشة من لاجئين وعمال اجانب وعاملات في المنازل وغيرهم. وامل صاغية ان تحرك الحلقة المياه الراكدة حول القضية، وتساهم في تصويبها دفاعا عن استقلالية المحامي، ومعها حقوق الفئات الأكثر حاجة لمن يدافع عنهم”، مؤكداً أن الإجراءات الإدارية للأمن العام لا تستند إلى اي قانون، وإنما إلى رغبات مؤسسة امنية”.
وكان للحلقة ان توثق تعرض بعض المحامين المدافعين عن حقوق بعض المصنفين ضمن الفئات المهمشة في البلاد، لمذكرات اخضاع صادرة عن المدير العام للأمن العام، ومنذ سنوات، منعوا بموجبها من دخول مراكز الأمن والقيام بأي معاملة لديه (بما فيها الحصول على جواز سفر احياناً). ويرى صاغية في مذكرة الإخضاع التي صدرت إثنتين منها بحقه شخصياً، “عقوبة ادارية يطبقها الأمن العام (الرقيب) تعسفا كلما أغضبه أمر، ووفق ما يشاء ويريد وخارج أي نص قانوني، بحيث تبقى حقوق الدفاع وخصوصا حقوق الأجانب تحت سقف رغباته”.
 وتحدث زخور خلال الحلقة عن الطعن الذي قدمه امام مجلس شورى الدولة في العام 2008، بقرار المدير العام للامن العام بمنعه من دخول مباني الأمن العام (وفق مذكرة إخضاع). واعتبر ان قرار المجلس بإبطال  قرار المديرية العامة للأمن العام بحق زخور لعدم قانونيته، هو “قرار جوهري يمكن البناء عليه في موضوع إعطاء المديرية صلاحيات لنفسها في منع المحامين من دخول مبانيها وممارسة مهامهم، وهي صلاحيات مخالفة للقانون”.   
ويؤكد المحامون ان المذكرات التنظيمية حديثة نسبياً إذ لم يكن معمولاً بها في بداية التسعينات. وربما بدأت القصة، مع زيادة توافد العمال الأجانب إلى لبنان في منتصف التسعينيات تقريباً (1996-1997). وعليه منحت المديرية العامة للأمن العام نفسها صلاحيات، يصفها زخور في دراسته ب “الباطلة في الشكل والأساس، وتمس بجوهر وعمل نقابة المحامين ورسالة المحامين السامية، وتمنع ممارسة المحامين لمهنتهم المؤتمنين عليها في الخدمة العامة والدفاع عن حقوق موكليهم”.
وقدم المحامي رولان طوق خلال الحلقة توثيقاً لأربع شهادات لمسيرته في الدفاع عن عاملات المنازل، وعلاقته بالأمن العام التي انتهت بإصدار مذكرة اخضاع بحقه، وتأثير ذلك على ادائه مهمته وعلى قيامه بالدفاع عن الموقوفين والموقوفات لدى الأمن العام.
عدم قانونية إجراءات الأمن العام
وتقول الدراسة التي عرضها زخور انه “لا يوجد اي مادة في اي قانون، بما فيها ذلك الذي يتعلق بصلاحيات وعمل الأمن العام، تمنح المديرية العامة للأمن العام صلاحية إتخاذ اي تدابير بحق المحامين لناحية تنظيم دخولهم إلى إداراتها او منعهم من دخول بعض الدوائر”.
وتخالف الإجراءات ايضاً، وفق زخور،  قانون تنظيم مهنة المحاماة التي تنحصر بالنقابة والمحامين، ويمنع على اي قانون اخر، او ادارة رسمية، التدخل بشؤون المحامين ونقابتهم وتمنحهم حصانة الكاملة لممارسة مهنتهم”.
كما أن “قانون اصول المحاكمات الجزائية الذي يعطي الحق للموقوف، في المادة 47 منها، بالإتصال بمحام ومقابلته، وتدوين الوكالة على محضر التحقيق، من دون الحاجة إلى وكالة رسمية، وهو ما يخالف ما جاء في مذكرة الأمن العام، ويلحق الضرر بشريحة كبيرة من الموقوفين”.
وتخالف المذكرة، وفق زخور ايضا، “احكام عقد الوكالة كما يرد في قانون الموجبات والعقود التي تعطي الصلاحية للوكيل (اي المحامي هنا) بتمثيل موكله في كافة الدوائر والمحاكم. كما لا يحق للأمن العام تحديد المدة الزمنية للوكالة بسنتين، وهو بذلك يخالف قانون الموجبات والعقود نفسه “الذي لا يحدد مدة زمنية لصلاحية الوكالة” كما يؤكد زخور.
ونشرت المفكرة دراسة زخور القانونية بالتفصيل على موقعها على الإنترنت، ويمكن لمن يرغب بالإطلاع عليها قراءتها على الرابط.
 
تأثير تطبيق المذكرة على حقوق الموقوفين
ولكن ماذا تعني ترجمة المذكرة على الأرض، وخصوصاً لناحية انعكاسها على حق الموقوفين بالدفاع عنهم؟
يشير المحامون الرافضون للمذكرة إلى أنه “في حال توقيف اي شخص يجب على الأمن العام تأمين اتصاله بمحام ومقابلته وتدوين توكيله على محضر التحقيق ومتابعة كافة الإجراءات مباشرة امام دائرة التحقيق والإجراء، وهو ما لا يحصل”. وعليه “يحرم الموقوف من حقه بالحصول على محام للدفاع عنه منذ لحظة توقيفه وهي لحظة اساسية يبنى عليها ملفه”. وإن كان لا يحق للمحامي حضور التحقيقات مع الموقوف، إلا ان مقابلته للموقوف في بداية توقيفه “تساعد الأخير كثيراً في تعريفه على حقوقه امام المحققين، وتسهل متابعة ملفه امام النيابة العامة والمحاكم المختصة”. ويطالب المحامون المعترضون بالسماح لهم ب”مقابلة موكليهم مباشرة منذ اللحظة الأولى لتوقيفهم، ومواصلة مقابلتهم عند اللزوم والتنسيق معهم لمتابعة ملف الدعوى والتحقيق إلى النهاية”.
ويؤدي عدم التواصل بين الموقوف وموكله المحامي على سبيل المثال، وليس الحصر، إلى تنفيذ قرارات قد تكون مجحفة بحقه، ومنها الترحيل، حيث يمكن ترحيل الأجنبي مثلاً من دون منحه فرصة التواصل مع اي محامي وبالتالي الدفاع عنه وتوقيف ترحيله”.
(المحرر)

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني