انتحار خديجة.. قضية تلخص معاناة الناجيات من العنف بالمغرب


2016-08-16    |   

انتحار خديجة.. قضية تلخص معاناة الناجيات من العنف بالمغرب

الحديث الغالب هذه الأيام داخل الأوساط الحقوقية المغربية هو الحديث عن قضية انتحار الطفلة خديجة، ذات الستة عشر ربيعا، والتي أضرمت النار في جسدها  احتجاجاً على إطلاق القضاء سراح شبّان قالت أنهم اغتصبوها بشكل جماعي، واستمرّوا في تهديدها بنشر صورِ لحظات الاغتصاب على مواقع التواصل الاجتماعي.
قضية الطفلة خديجة هزت الرأي العام الوطني وأعادت الى الأذهان قضية مماثلة تفجرت قبل سنوات حينما أقدمت الطفلة أمينة الفيلالي على الانتحار بعدما أرغمت على الزواج من مغتصبها، وهي القضية التي أثارتغضب الهيئات المدنية المدافعة عن حقوق النساء بالمغرب، وعجلت بإلغاء الفقرة الأخيرة من الفصل 475 التي كانت تسمح للمختطف بالزواج من المختطفة للاستفادة من العذر المخفف من العقاب[1].

قضية خديجة قصة تلخص معاناة القاصرات والنساء في ولوج العدالة
تعود فصول القضية إلى تاريخ 22/04/2015 حينما تقدمت الطفلة خديجة مصحوبة بوالدتها بشكاية إلى الضابطة القضائية ببن جرير -ضواحي مدينة مراكش- تعرض فيها بأنها تعرضت لاغتصاب جماعي من طرف مجموعة من الأشخاص، وذلك بعدما استدرجها صديقها المدعو شرف إلى منزل. وقد وجدت الفتاة هناك مجموعة من رفاقه يعاقرون الخمر ويدخنون المخدرات. وحينما طلبت منه المغادرة، طمأنها ودعاها لقضاء الليلة برفقته. وأضافت أن أحد رفاق صديقها طلب منها ممارسة الجنس، لكنها رفضت فقام بتعنيفها، ومارس عليها الجنس تحت التهديد والتعنيف، وذلك قبل أن يتناوب رفاقه على اغتصابها بشكل وحشي، من قبلها ودبرها، مؤكدة ان هذا الاغتصاب أسفر عن حملها.
واستمعت الضابطة القضائية للمشتكى بهم. فأكد المدعو شرف أن الطفلة المشتكية صديقته، وأنه يمارس معها الجنس بمقابل، وعن طيب خاطر، نافيا واقعة الاغتصاب. كما عرضت الضابطة القضائية على الفتاة القاصر مجموعة من الأشخاص وتعرفت على المتهمين وأكدت أنهم هم من قاموا باغتصابها جماعيا، لكنهم أنكروا المنسوب اليهم.

وتم احالة الشكاية على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف التي أجرت تحقيقا في القضية، واستمع قاضي التحقيق للطفلة المشتكية، بوصفها شاهدة وأعفاها من أداء اليمين. وقد أكدت أنها تعرفت على صديقها المدعو شرف ووعدها بالزواج لانتشالها من ظروفها الاجتماعية المزرية، وبأنه كان يعطف عليها، ويمنحها بعض المبالغ المالية، كما أنها مارست معه الجنس عن طيب خاطرها. وأضافت بأنه دعاها ذات مرة إلى منزله، فتفاجأت بتواجد مجموعة من رفاقه يدخنون المخدرات ويعاقرون الخمر، وقد عرضوها لاغتصاب جماعي نتج عنه حمل.
واستمع قاضي التحقيق للمتهمين الذين أنكروا واقعة الاغتصاب..
وقرر قاضي التحقيق متابعة المتهمين جميعا من أجل استدراج قاصر بالتدليس، واغتصاب قاصر عن طريق الاستعانة بأشخاص اخرين، وهتك عرض قاصر بالعنف، واستعمال أعمال وحشية لارتكاب افعال تعتبر جناية، والمشاركة في ذلك، مع اضافة تهمة الاتجار في المخدرات للمدعو شرف.
وبتاريخ 17/11/2015، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية في محكمة الاستئناف بمراكش قرارها في القضية وقضت ببراءة المتهمين من المنسوب اليهم واطلاق سراحهم، وإدانة صديق الضحية شرف من أجل الاتجار في المخدرات وهتك عرض قاصر بدون عنف، ومعاقبته بالحبس ثمانية أشهر.
 
انتحار الطفلة خديجة صرخة تشق جدار الصمت
في وقت متأخر من ليلة (29/07/2016)، غادرت الطفلة خديجة غرفة متواضعة كانت تكتريها والتحقت بمجموعة من أصدقائها بإحدى الساحات العمومية. وكانت تحمل قنينة بلاستيكية اعتقدوا في البداية بأنها مياه للشرب، قبل أن يتأكدوا لاحقا بأنها تحوي مادة حارقة سبكتها على جسدها ثم أضرمت النار بواسطة ولاعة كانت تحملها بيدها الأخرى، لتشتعل النيران وتتحول، في ظرف دقائق قليلة، إلى جسد متفحم.
وحلت عناصر الشرطة بعين المكان، دقائق قليلة بعد ذلك، ليستفسر أحد رجال الأمن الضحية عن سبب إقدامها على إحراق نفسها، فردت بصوت خافت: "لم تأخذوا لي حقي من المعتدين عليّ.. لم تنصفوني فأخذته بنفسي ومن نفسي..".
قبل أن تحل سيارة إسعاف، بعد حوالي نصف ساعة، لتنقلها إلى المستشفى الإقليمي بابن جرير ومن هناك إلى قسم المستعجلات بمستشفى ابن طفيل، الذي ظلت تتلقى به للعلاج لمدة يومين، قبل أن تفارق الحياة مساء يوم الأحد 31/07/2016.
 
نسيج مدني للمطالبة بإنصاف الطفلة خديجة وملاحقة المغتصبين
ساعات قليلة بعد تداول خبر انتحار الفتاة خديجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تداولت عدة وسائط اعلامية تصريحات نسبت إلى مصدر أمني مسؤول بالمنطقة أكد فيها بأن خديجة، سبق أن كانت موضوع متابعة من أجل السكر العلني والفساد، وبأنها أم عازبة لطفلين، وبأن السلطات الأمنية قامت بدورها حينما نظرت في الشكاية التي قدمتها بخصوص تعرضها لاغتصاب جماعي، وقامت بملاحقة الجناة، وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للقضاء، وهنا انتهى دور السلطات الأمنية.
استفزت هذه التصريحات المنسوبة لمصدر أمني منظمات المجتمع المدني والجمعيات النسائية التي حملت السلطات مسؤولية انتحار الطفلة خديجة، حيث لم تأخذ شكاياتها المتعددة ضد المعتدين طريقها إلى التحقيق القضائي، بسبب حالتها المادية المتردية، فضلا عن عدم أخذ تظلماتها على محمل الجد بذريعة أن لها سوابق في السكر والفساد.
 
النيابة العامة تفتح تحقيقا جديدا بشأن ظروف انتحار الطفلة خديجة
تقدمت والدة الضحية من جديد بشكاية إلى الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، مطالبة بفتح تحقيق في ظروف انتحار ابنتها. وأعادت الوالدة في شكواها التأكيد على أن ابنتها الراحلة، تعرضت لاغتصاب جماعي من طرف ثمانية شبان اعتدوا عليها جنسيا وجسديا بواسطة أسلحة بيضاء، وصور بعضهم فيديوهات لعملية الاغتصاب الجماعي بواسطة هواتفهم النقالة. وأضافت في شكواها بأن الضحية، التي كانت تدافع عن نفسها بسبب عجزها عن تأمين الأتعاب المادية لمحام يؤازرها في قضيتها، ظلت تصر أمام الدرك الملكي وقاضي التحقيق بأن واقعة الاعتداء الجنسي الجماعي عليها كانت مقرونة بظرف تشديد يتعلق بتصويرها في أوضاع خليعة وهي تتعرض للاغتصاب الجماعي، مطالبة بإجراء معاينة لهواتف بعض المتهمين وتفريغ هذه الفيديوهات وتحمليها في قرص مدمج وتقديمها للنيّابة العامة كأدلة تدين مغتصبيها. وفي النهاية، أكدت الشكوى أن مطالب الضحية لم تتم الاستجابة لها، وسرعان ما تحولت الفيديوهات التي كان مفترضا أن تكون قرائن في مواجهة المتهمين إلى وسائل للابتزاز والانتقام ضد الضحية نفسها.
وأوضحت بأن بعض المتهمين، وما إن انتهت الفترة التي قضوها خلال الاعتقال على ذمة التحقيق، حتى عمدوا إلى الاتصال بابنتها وتهديدها وابتزازها، فاضطرت الى مغادرة منزل والدتها واكتراء غرفة بحي شعبي. لكن ذلك لم يحُل دون استمرار التهديدات التي تعرضت لها بنشر الفيديوهات انتقاما منها وابتزازا من أجل الرضوخ لنزواتهم الجنسية.
 
قضية الطفلة خديجة أمام القضاء من جديد ونسيج مدني للمطالبة بإنصاف الضحية
دعا تحالف ربيع الكرامة إلى وقفة يوم الاثنين 15/08/2016 صباحا أمام محكمة بن جرير, للتعبير عن الاحتجاج الصارخ من مكونات الحركة النسائية والحقوقية ضد العيوب الكثيرة التي شابت ملف قضية الاغتصاب الجماعي الذي تعرضت له الطفلة خديجة، وللمطالبة بالانتصاف القضائي للضحية، ومن أجل تشريعات جدية تحمي النساء من العنف والتمييز وتضمن لهن الولوج الآمن إلى العدالة[2].في الوقت ذاته، ما تزال محكمة الجنايات الاستئنافية بمراكش تنظر في الطعن المقدم من طرف النيابة العامة ضد الحكم الابتدائي الصادر في القضية، كما فتحت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية ببن جرير ملفا جديدا تابعت فيه المتهمين من أجل المساعدة على الانتحار، وحيازة صور خليعة، والابتزاز والتهديد..

وتزامنا مع عرض هذه الملفات بشكل عاجل على القضاء على خلفية انتحار الطفلة خديجة، يبقى السؤال قائما: من يتحمل مسؤولية هذه الفاجعة؟ هل فعلا تم استنفاذ جميع الاجراءات القضائية اللازمة للتحقيق في اداعاءات الضحية؟ وهل استفادت من جميع الضمانات التي يخولها لها القانون خاصة حق المساعدة القانونية باعتبارها طفلة ضحية تعيش وضعية الهشاشة والتهميش؟
أسئلة وان تأخرت إجاباتها إلا أنها تطرح بقوة ضرورة التعجيل بإصدار قانون شامل لمناهضة العنف ضد النساء بالمغرب، قانون يتضمن الى جانب الشق المتعلق بالتجريم، مقتضيات تتعلق بالحماية والتكفل بالضحايا المعنفات وهي المقتضيات التي يبدو أنها ظلت غائبة تماما في ملف الطفلة خديجة.

لتحميل البيان بشأن ملف الضحية خديجة السويدي، الضغط على العنوان أدناه.




[1]– كان الفصل 475 من القانون المغربي الجنائي ينص قبل التعديل الأخير على ان "من اختطف او غرر بقاصر تقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف او تهديد او تدليس او حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فان القاصر التي اختطفت او غرر بها، اذا كانت بالغة وتزوجت من اختطف بها أو غرر بها، فانه لا يمكن متابعته الا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته الا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقا".
[2]– أنظر نص بلاغ تحالف ربيع الكرامة ضمن المرفقات.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني