دافعوا عن لبكي وهاجموا ضحاياه: لمّا تأتي العدالة في مواجهة “الطائفة”


2016-06-07    |   

دافعوا عن لبكي وهاجموا ضحاياه: لمّا تأتي العدالة في مواجهة “الطائفة”

فاز منصور لبكي بحملة تضامنٍ لبنانيّةٍ مستمرة معه تصدّ عنه إدانة الفاتيكان، رأس الكنيسة. تتبنّى هذه الحملة نظريّة متكاملة تفيد بأن لبكي تعرّض لمؤامرة من البشر ولظلمٍ من الكهنوت، يشكّلان خشبتي صليبه، حسبما أفاد أكثر من مرّة. إن صدّ التهمة عن لبكي لا يقف عند حدود الرجل، وإنما هو أيضاً دفاعٌ عن ترفّع رجال الدين عن أيّ مساءلة، حتى ولو أتت من مرجعيتها البابوية. على مستوى الإيمان الفرديّ، يشي ذلك بأن حصانة رجل الدين هي شرطٌ من شروط الإيمان، فهو “ظلّ الله على الأرض” بحسب تعريف الدولة العثمانيّة للخليفة الحاكم. على مستوى الجمعيّ، هذه الحصانة هي عنصرٌ مؤسّس في المنظومة اللبنانيّة: للطوائف حدود معرّفة يقوم على تجمّعها البناء الوطنيّ. وبالتالي، فأيّ إتهامٍ لوجهٍ من وجوه المرجعيّة الطائفية هو تهديدٌ لكامل الهويّة وواقعها المعاش، على مستوى الإنتماء والوجود ولكن أيضاً إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً. لن تتدخل الدولة بمؤسساتها في شؤون الطوائف، لأنها تقوم على توازنٍ في تلاقيها. ولن تتدخل الطوائف بشؤون الطوائف الأخرى، في عرفٍ غير محكيّ ومؤسّس في “الطائفيّة” يقتضي المعاملة بالمثل: كلّ مؤسسة دينيّة تمتلك حكماً ذاتياً على رعاياها (ولو بالإغتصاب) وإدارة داخليّة لشؤونها (ولو بالفساد)، لا تتخطاه طائفةٌ فلا يُتخطى بحقّها. وقد بدا لافتاً في هذه التجربة مبادرة “المؤمنين” إلى إتهام الكنيسة البابوية بالفساد في معرض تبرئة الكنيسة المحليّة (متمثّلةً بلبكي) من التحرّش. ما يوحي بأن لبكي يمثّل يجسّد في عيون مناصريه الكنيسة اللبنانيّة أكثر مما يمثّل الإيمان المسيحيّ: المنظومة الداخليّة، لا القناعات المجرّدة.
تقدّم “المفكّرة القانونيّة” هنا عرضاً لمروحةٍ من الأقوال المعلنة في مديح لبكي دفاعاً عنه وذمّاً بضحاياه، في سعي لتوضيح حجم تجذّر الحصانة الممنوحة لمواطنين دون سواهم في الدولة، بما يصون سلطتهم على سواهم في الدولة. كذلك، في العرض ما يظهّر قوة المنظومة المتبناة إجتماعياً وفردياً، وقدرتها على طحن كلّ نقدٍ، إلغاء المدنيّ في مضمونه، وتحويله إلى مواجهةٍ في العقيدة والإيمان، قوامها الطائفة لا المواطَنة.
 

  •  “القضية ل. ب. ك.” (Affaire LBK) هو إسم المدوّنة التي تأسّست بمبادرة من “حلقة من الأصدقاء (قدامى دار رعاية “دوفر لا دليفرنس”، رهبان، متديّنون ومتديّنات، رؤساء شركات، محامون، صحافيّون، حرفيّون…) اجتمعت حول المونسنيور منصور لبكي، الذي شكّل بالنسبة إلينا مثالاً للصداقة والثقة”، حسبما ورد في زاوية “من نحن” على المدوّنة. وأشارت الزاوية إلى أن المدوّنة هي “شهادة شخصيّة يقدّمها كلّ منا في المونسنيور لبكي الذي كان وسيبقى مرجعاً للإنسانيّة والطيبة، سعة الإستقبال والإحسان”.
    تضمّ مواد المدوّنة عرضاً لقضية لبكي يتبنى وجهة نظره كاملةً، “مقالات مفضّلة”، “مقالات حديثة”، “المؤتمر الصحافي” الذي عقده أهله وداعموه، “التشخيص” (تضمّ قراءات تحليليّة لبراءته والمؤامرة ضده، قدّمها داعمو لبكي على التلفزيون وفي المقالات المنشورة)، “الحلقة المستديرة التي استضافها تيلي لوميار”، “إتهامات كاذبة”، “إنتهاكات للعدالة”، بورتريه للبكي، “أخبار” قضيته، “لقاء مع البطريرك الراعي”، و”شهادات” فيه.

    إلى الرهبان والراهبات الكنسيين، دافع/ت عن لبكي على المدوّنة كلّ من: أمين عام جامعة الحكمة و”تيلي لوميار” د. أنطوان سعد، عميد كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية د. جورج كلّاس، رئيس مجلس شورى الدولة السابق والمحاضر في جامعة الحكمة القاضي الراحل يوسف سعد الله الخوري، الصحافيّة في “النهار” ميّ منسّى، الإعلامي بسّام براك، …

 

  • البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “كشف” في 18 آذار 2016 خلال اللقاء السنوي التقليدي في عيد مار يوسف – عينطورة، تفاصيل “حملة ممولة ضد الكنيسة والبطريرك والكهنة والمطارنة والمدارس” تعرّض لها لبكي. وقال ما حرفيّته: “ما حدث أنه حصلت حملة مركزة تحمل الكثير من الكذب، ولدينا الملفات بين أيدينا، وتحرّكت المحاكم في حقّه بدون سؤال أو جواب، وحدث ما حدث. وصدرت الإشاعات، تارة بالحرم وتارة بمحاكماتٍ أخرى. ما حصل أخيرًا هو أنهم أزالوا عنه الحرم الكنسي، وليس المنع عن المشاركة في قداسات واحتفالات علنية وإعلامية. إنه يتحمل هذا الأمر، ويعتبره تتويج كهنوته وصليب قداسته. وأنا في مقابلتي الأخيرة مع قداسة البابا، وضعت بين يديه ملفات الأب لبكي التي فيها الكثير من حملات التجني والأكاذيب، ولها أسبابها”.
    ولكن في 23 نيسان 2016، تراجعت أمانة سرّ البطريركية المارونية وأصدرت بياناً تنفي فيه مسّها بالقرار الصادر عن الفاتيكان، وتؤكّد أن “غبطة البطريرك لم يكن يومًا ولن يكون متساهلًا، بأي شكلّ من الأشكال، في موضوع التحرّش الجنسي الذي يعتبره جريمة بحقّ كل مَن اعتُدي عليه، وهو أمر غير قابل لأي تردد أو مساومة على الإطلاق، متراجعاً عن محورية الوثائق التي قدّمها البطريرك للفاتيكان، وطالباً من الإعلام توخّي الدقّة مستقبلاً في نقل أقواله.

 

  • عرض “تيلي لوميار” في أواخر 2015 حلقات “نور الحقيقة” عن حياة لبكي وإنجازاته. المسلسل مكوّن من 13 حلقة.
     
  • مدير تحرير “النهار” غسان حجار، كتب في 26 أيار 2014 رسالةً وجدانيّة إلى لبكي هي “بمثابة اعتذار منك ومن مقامك ومن الإنسان الكبير الذي فيك والذي تحمّل المشقات في عيش الكهنوت كما تحمل المهانة في الحملة الجائرة التي خيضت ضده”. وحدّد حجار أنه لا يعتذر عن “تلك الفرنسيّة”، أي محامية الضحايا في محاكمة كاين، “لأني غير معني بها ولا أعرفها، بل قد عرفت منها سيئاتها من خلال متابعتي لمسيرتها”. لكنه إعتذر عن اللبنانيين الذين صدّقوا التهمة، وعن الإعلام “الذي صار بعضه فضائحياً، بل ورخيصاً، يفتّش عن خبر تحرّش أو شائعة إعتداء جنسيّ، لا لتنبيه المجتمع إلى تلك القضايا، بل لجذب أناس تحكمهم التابوهات والعقد والكبت الجنسيّ”.
    وفي سابقةٍ من نوعها، ختم حجّار مطالعته بمنح لبكي صكّ براءةٍ ولو أخطأ، علماً أن الكاتب ليس من الضحايا: “لا يهمني إن كنت في حياتك أخطأت مرّةً وأكثر، فكلنا خطأة، ونقاط ضعفنا تغلبنا أحياناً كثيرة. الخطيئة ليست مهمة بقدر رجوعنا عنها”.

 

  • كتبت الصحافيّة المخضرمة ميّ منسّى في “النهار” بتاريخ الأول منأيار 2014، وتحت عنوان: “المونسنيور لبكي صامت، وبراءته تغنيه عن الكلام”، مقالاً يثور لأجل لبكي مروّجاً أن الفاتيكان برّأه، هنا مقتطفات منه: “مثلما لم تهزّ الأكاذيب والإفتراءات المغرضة إيمانه بدعوته الكهنوتية، فظل في خلوته لدى راهبات دير الصليب يؤلف التراتيل ويلحنها، كذلك تلقى خبر براءته التي أعلنتها الدوائر الفاتيكانية الرسمية، دون تعليق أو إبتهاج. (…) منصور لبكي الذي أغنى الكنيسة المارونية بتراتيله التي تهف اليها قلوب الفرح، هو اليوم في صومعته الإجباريّة التي تلقّاها من المسيح فرصة للتأليف، (…) صار يكلم المصلوب بآيات تتفجر حبّاً في هذا الإمتحان المرير. لقد فهم أعمق كلمة يسوع منازعاً على الصليب “أغفر لهم يا أبت لأنهم لا يعرفون ما تقترفه أيديهم””.

 

  • الإعلامي بسام براك شارك في مؤتمر صحافي في بعبدات دعماً للبكي (12 -11 – 2013)، أكّد فيه براءة الأب والخشوع أمام عظمة عطائه وثقل صليبه، ثم وجّه نداءً “لكنيستنا المارونية”، برأسها وآبائها وتلامذتها ورعاتها و… “علكم تتمكنون من نيل إستئناف لهذا الحكم، بهدف قرار نهائي فاتيكاني نعلق عليه دموعنا وأملنا وإيماننا، وننحني راضين بما تكتبه السماء من عدالة على وجه الأرض”.

 

  • نشر موقع “ليبانون فايلز” (لداني حداد، 11-10-2013) مقالاً اتهم فيه إدارة الأخبار في “أل بي سي” بـ”اليساروية” والتسييس في مقاربة قضية لبكي. ونقل بإعجاب مقارنة “معبّرة” كتبتها إعلامية سابقة في “أل بي سي” اسمها نورا خوري على “فايسبوك”، ما بين نقل القناة لخبر إدانة لبكي وبين دفاعها عن “إغلاق ملهى لواط ودعارة باسم الحريّة والديمقراطيّة. (…) لكن الله، الذي لا تعرفه هذه الحثالة وهؤلاء السماسرة الصغار نظراً لإنتماءاتهم الماضية والحاضرة، ما عندو حجار”. وقد ختمحداد هذه الإلياذة بعبارة: “ثمّة حجارة كثيرة سترمى في قضيّة المونسنيور منصور لبكي، ولو أنّ الخطأة كثيرون”.

 

  • الصحافية م. من “النهار” أيضاً، روت في حديثٍ لـ “جبيل نيوز” (جوليان الحاج، 11-10-2013)، القصة البديلة لـ”الحملة” التي بدأت ضد لبكي بدأت في لورد بعدما “طلب إلى سيّدة تدعى ل.، مكرّسة راهبة علمانية، أن تدير البيت. وكان قد تعاون معها سابقاً في مشاريع إنسانية أخرى. لم تقم ل. بالواجب وجعلت البيت مكاناً للقاء مع أصدقائها وعشيقها. والد ل. يدعى ج، محامٍ وكاتب وصحافي معروف في فرنسا تجمعه علاقات وطيدة بمسؤولين كبار في الفاتيكان. شكرها المونسنيور لبكي ل.، وأبعدها، وآثر أن يسلّم البيت إلى راهبات دير الصليب. جنّ جنون ل. واشتكت إلى والدها وقالت له إن المونسنيور لبكي اغتصبها في سنّ الثامنة عشرة. عملت ل. مع السيدة ش. (فتاة كان لبكي ساعدها) وتكاتفتا معًا ليختلقا قصّة البيدوفيليا. وقد تم التواطؤ لاحقاً مع إبنة أخت لبكي، التي “لا تجمعها علاقة جيّدة بعائلتها وذلك بسبب إكتئاب يسكنها وبفعل طبعها الغريب. اقتنعت س. بالسير معهما طمعًا بالإرث، إذ أن “تركيبة” ل. ش. مربحة وذكية”.

    وبطبيعة الحال، الزميلة في “النهار” لا تصدّق “الإتهامات البشعة” بحق رجل “هو كالقربانة بعذوبته وكرمه”. وكالعادة الدفاعية السائدة في تكذيب الضحايا، تساءلت: “لمَ انتظرت المظلومات – إذا صح هذا التعبير – حتى العام 2011 للبوح بهذا الاعتداء؟”. وخارج العادة، كانت حملة الدفاع عن لبكي جاهزة لإدانة الكنيسة البابوية في معرض تبرئة بطلها المحليّ: “في الفاتيكان فساد كبير”. وما يتيح لكاتب المقال أن يختم بالبراءة: “في الماضي، صدرت أحكام كثيرة عن الفاتيكان وتبيّن في ما بعد أن المتهمين أبرياء. هل نحن أمام حالة من هذا النوع؟”.

نشر في العدد 39 من مجلة المفكرة القانونية
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، جندر ، فئات مهمشة ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني