اقتراح للسماح بإعادة انتخاب نقيب الأطباء: “إصلاح” يهدّد ثقافة التداول في النقابات الحرّة


2024-07-04    |   

اقتراح للسماح بإعادة انتخاب نقيب الأطباء: “إصلاح” يهدّد ثقافة التداول في النقابات الحرّة

تقدم النواب قاسم هاشم وحيدر ناصر وفادي علامة بتاريخ 11 حزيران 2024 باقتراح قانون يرمي إلى تمكين نقيبَيْ الأطباء في بيروت والشمال الترشح لولاية ثانية خلافا لأحكام القانون الحالي رقم 313 الصادر في 6 نيسان سنة 2001 التي تحظر عليهما ذلك. وتنصّ الأسباب الموجبة على أنّ القانون الحالي يرسي تمييزًا بين النقيب وأعضاء مجلس النقابة بحيث يمكن إعادة انتخاب الأعضاء لولاية جديدة من دون أن يكون ذلك متاحًا للنقيب. وتعتبر الأسباب الموجبة أن السماح بإعادة انتخاب النقيب “يؤمن مبدأ المساواة بينه وبين أعضاء المجلس” ويتيح للنقيب “فرصة متابعة الإشراف على تنفيذ المشاريع والمبادرات التي تعود بالخير على النقابة والتي تكون قد انطلقت في خلال ولايته”. 

إن هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية : 

اقتراح يشذّ عن القواعد المعمول بها في انتخابات النقابات المهنية في لبنان

إن إرساء مبدأ التجديد لنقيب الأطباء لولاية ثانية متتالية إنما يشكّل خروجًا عن الأنظمة المعمول بها في مجمل النقابات المهنية وفي مقدمتها نقابات المحامين والمهندسين في بيروت وطرابلس، ونقابة الممرضين والممرضات ونقابة الصيادلة كما في نقابات مهنية عديدة أخرى. بمعنى أن الاقتراح يشذ عن قاعدة باتت جزءا أساسيا من ثقافة التداول على المراكز الأعلى في النقابات المهنية الكبرى منذ نشوئها، وهي ثقافة صمدت في مواجهة أعتى الظروف التي مرّت على لبنان. ومن المهمّ بمكان التشديد هنا أن هذه القاعدة معمولٌ بها منذ وضع قانون إنشاء نقابتين للاطباء الصادر في 7 كانون الأول 1946.

وأكثر ما نخشاه هنا هو أن يشكل هذا الاقتراح محفّزًا لاقتراحاتٍ مماثلة تهدف إلى تعديل هذه القاعدة في النقابات المهنية الأخرى. بمعنى أنها رسالة مغرية لن يتأخر عدد من نقباء المهن الحرة عن الاستفادة منها أملا بالتمكن من الترشح لولاية ثانية.   

مبادرة كتلة نيابية بمعزل عن أيّ مطلب مهني

وما يفاقم من الطبيعة الاستثنائية لهذا الاقتراح هو أنه يتم بمبادرة من نواب ينتمون إلى كتلة واحدة هي كتلة التنمية والتحرير بما يعكس إرادة هذه الكتلة أو رغباتها السياسية، من دون أن تبين أسبابه الموجبة وجود أي مطلب مهني في هذا الخصوص، فلا نجد أيّ إشارة لوجود أيّ مطلب أو توصية مهنيّة في هذا الشأن، سواء صدرت من الجمعيّة العموميّة لأي من نقابتي الأطباء أو من مجلسيْهما. من هذه الزاوية، تبدو خلفية الاقتراح سياسية أكثر منها مهنية، مع ما يستتبع ذلك من أسئلة حول أي روابط أو علاقات قائمة بين المستفيدين من هذا الاقتراح (نقيبيْ الأطباء) وكتلة التنمية والتحرير. 

اقتراح يعزز من شخصنة النقابة

يتبين أن الأسباب الموجبة ركزت فقط على ايجابيات إعادة انتخاب النقيب بينما أغفلت كليا المحاذير التي قد تنجم عن هكذا أمر، وهي المحاذير التي برّرت سواد هذه القاعدة في مجمل النقابات المهنية في لبنان. فعدم السماح بانتخاب النقيب لولايتين متتاليتين هو في الحقيقة تكريس لمبدأ عدم شخصنة العمل النقابي وتأكيد لضرورة تداول السلطة في النقابات. 

وبالتالي فإن تشديد الأسباب الموجبة على ضرورة التجديد للنقيب بهدف منحه الفرصة لاستكمال “المشاريع التي قد تكون انطلقت في ولايته” إنما يتناقض مع منطق العمل المؤسساتي كون استمرارية المشاريع التي تشرف عليها النقابة تتأمن عبر مجلس النقابة وليس عبر شخص النقيب بمفرده. 

ويتجلى ذلك في القانون رقم 313 وفي النظام الداخلي الصادر بناءً على هذا القانون، إذ يتبين أن مجلس النقابة يتمتع بالصلاحيات الأساسية التي تتيح له إدارة مختلف شؤون النقابة. فالتشاركية في العمل النقابي تظهر بشكل واضح في الطبيعة الجماعية لمجلس النقابة الذي يتخذ قراراته بالتداول ما يعني أن تجديد انتخاب النقيب لن يساهم بالضرورة في حسن تنفيذ المشاريع التي أقرت في ولايته الأولى كون ذلك مرتبطا بمجلس النقابة الذي يمكن اعادة انتخابه أصلا لولاية جديدة عملا بالنص الحالي.

خلاصة

في الخلاصة، يثير هذا الاقتراح المخاوف نظرًا لتماشيه مع أساليب التمديد والتجديد المعتمدة في العمل السياسي في لبنان، ما يشي بتسلل هذه الممارسات إلى داخل نقابات المهن الحرة. وقد يصبح الأمر أكثر خطورة في حال أدّى تبني هذا الاقتراح إلى بروز اقتراحات مشابهة من أجل تعديل القوانين الناظمة لسائر النقابات بحيث تتم المطالبة بتعديلها من أجل السماح بتجديد ولاية النقيب. وبالرغم من إمكانية وجود ملامح إيجابية في فتح المجال للتجديد، يبقى أن لهذا الأمر سلبيات أيضًا ومنها استغلال هذا الأخير لموقعه ونفوذه بهدف إعادة انتخابه عبر تغليب المصالح الشخصية والحزبية على “خير النقابة”. فالاقتراح الحالي يبالغ في طبيعته الاصلاحية بينما التعديلات التي يهدف إلى تحقيقها لا تشكل حاجة ملحة ولا من موجب حقيقي يبررها، لا سيما وأن المستفيد الفعلي من تبني هذا الاقتراح هو النقيب الحالي للأطباء والجهات السياسية الداعمة له ما يعني أن هدف الاقتراح الحقيقي هو تعزيز سطوة هذه الجهات على النقابة وضرب ما تبقى من مبدأ تداول السلطة في لبنان.    

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، المرصد البرلماني ، البرلمان ، نقابات ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني