مخيّمات في الجامعات الأميركية لمقاطعة إسرائيل (2): الحراك بعيون الأساتذة والطلاب


2024-06-28    |   

مخيّمات في الجامعات الأميركية لمقاطعة إسرائيل (2): الحراك بعيون الأساتذة والطلاب
لافتة في جامعة كولومبيا، تقول: "مرحبا بكم في جامعة الشعب لأجل فلسطين". الصورة لعباد ديرانية، ويكيبيديا

أي شخص متعلّق بفكرة الجامعة كمكان للبحث الفكري الحر وتحقيق الذات لا يمكن إلا أن يشعر بالحزن عند رؤية الصور الأخيرة لحرم “جامعة كولومبيا-مورنيغ سايدا” وهو فارغ خلف خط متاريس الشرطة .

– من مقال في الغارديان لرئيسة المعهد الجامعي الأوروبي باتريسيا نانز، 27/5/2024

تعليقاً على مجريات اعتصامات الطلاب في الولايات المتحدة، برز على وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة كبيرة من المؤرخين وبعضهم يهود ومنهم المعنيين في دراسة جرائم الإبادة. وبرز مفكّرون وباحثون عرب، وأساتذة في الفلسفة والأدب والحقوق والعلوم الإجتماعية، كما استقبلت وسائل الإعلام البديل مجموعات منوّعة من الطلّاب الناشطين في الحراك، تحدثوا كلّ من موقعه ومشاهداته عن الحراك الطالبي

في سياقاته التاريخيّة ومطالبه، وقارب أغلبهم مسعى وصم الحراك بالعنف ومعاداة السامية والتغطية الاعلامية التي تبنّت هذا الوصم. ووصف بعضهم العنف المُستخدم ضدّ الطلاب، فيما تحدّث بعضهم الآخر عن دور الحراك وتكتيكاته وتأثيره، إلخ.. وفيما يلي توليفة من مقتطفات من شهاداتهم وآرائهم. 

العبور يستدعي ضرب السرديّة الوثنيّة أولاً

كان خطاب نعومي كلاين الأبرز وهو بالغ الأهميّة في رمزيّته. ألقته آخر أيّام الفصح اليهودي، في “يوم العبور” في 24 نيسان. أتى ذلك عقب تظاهرة حاشدة نظّمتها “صوت اليهود لأجل السلام” قرب جسر بروكلين دعماً لطلّاب كولومبيا. وكانت خطابات لمجموعة كبيرة من المثقّفين والفنانين والناشطين (أبرزهم إلى جانب كلاين، الممثلة سوزان سارندون، الممثل الشهير والاس شون، المخرج مايكل موور، والمخرجة آبي مارتن). وصفت كلاين احتفاءهم بعيد الفصح في الشارع بأنه ثوري وتاريخي وشبهته بيوم العبور، مشيرةً إلى قصّة غضب النبي موسى حين نزل من الجبل ليجد بني إسرائيل يعبدون عجلًا ذهبيًا. وقالت “الكثير من شعبنا يعبدون صنما زائفا مرة أخرى، إنهم مبتهجون فيه، سكرانون عليه، مدنّسون به، وهذا الصنم الكاذب يدعى بالصهيونية”. وأردفت أنّ الصهيونيّة “تستولي على أعمق قصصنا الكتابية عن العدالة والتحرر من العبودية ــ قصة عيد الفصح بحد ذاتها ــ وتحوّلها إلى أسلحة وحشية لسرقة الأراضي الاستعمارية، وخرائط طريق للتطهير العرقي والإبادة الجماعية”. وتساءلت حول الخطر الذي يمكن أن يشكّله طلّاب كولومبيا حتّى تستدعي الجامعة شرطة نيويورك. وختمت بالقول “لقد سُمح لوثن الصهيونية الزائف بالنمو دون رادع لفترة طويلة جدًا. لذلك نقول اليوم: ستنتهي هنا”.

البروفيسور في الفلسفة في جامعة “يال”، جاسون ستانلي (وهو يهودي وحفيد أيلز ستانلي، أحد أساطير المقاومة الذي حرر 400 شخص من معسكرات الإعتقال النازيّة)، أكّد على سلميّة الحراك الذي جرى قمعه في جامعة “يال”، وقال في مقابلة مع الصحافيّة الفلسطينيّة رولا جبرايل على قناة “zeteo” أنّ الطلّاب يعتصمون اليوم ضد دعم الولايات المتحدة لجريمة الإبادة الجارية في غزّة، كما فعلوا دائماً في مناهضتهم الحروب. وأردف أن ما نواجهه (كمعتصمين) هو “تقاليد قواعد لعب السلطة” (authoritarian playbook)، “حيث تهاجم التيارات اليمينيّة الجامعات، الأمر الذي عرفناه في الهند، وفي المجر (هنغاريا) و في تركيا، وفي كل الدول التي تنمو فيها القوميات الإثنية السلطويّة authoritarian ethno nationalism، أو حتى حيث لا قوميّة إثنيّة مهيمنة مثل الصين. يستهدفون الجامعات لأنهم يعلمون أنّ الطلاب هم مصدر لمواجهة السلطويّة”. وما نشهده إزاء ذلك، يضيف ستانلي، هو “الطاعة بالتواطؤ” من قبل إدارات الجامعات للسلطة anticipatory obedience، لإيمانهم أنهم بانصياعهم وانبطاحهم، ستدعهم السلطة وشأنهم. وتصدّى ستانلي لمحاولة تغييب اليهود وتهميش مشاركتهم في الاعتصام، ولبروباغندا مفهوم “معاداة السامية”.

ما قاربه أكثر البروفسور أومر بارتوف (اسرائيلي)، المتخصص في موضوع الهولوكوست وجرائم الإبادة. فبعد زيارته المخيمات في الجامعات إلى جانب صديقه المؤرّخ راز سيغال، تناقشا مع الطلاب حول كيفيّة استخدام مفهوم معاداة الساميّة كأداة وسلاح ضد الطلّاب. وأشار كيف أصبح أي نقد لاسرائيل أو مجرد حمل العلم الفلسطيني أو استخدام كلمة انتفاضة يعتبر معاداةً للسامية. وأردف أنّ مقاومة الاحتلال ليست معاداة للسامية. وقال “يجب التفريق بين السياسة وإلقاء الأحكام المسبقة، فحين لا نميّز بينهما، فما نفعله بحكم الواقع هو فرض نوع من الصمت حيال السياسات التي تسيّرها حكومة إسرائيل منذ فترة طويلة، والتي أدّت بنحو تراكمي إلى تحقيق الدمار التام لغزّة”.

كما أشار المؤرّخ راز سيغال خلال مقابلة له مع الصحافي مهدي حسن، إلى تجاهل الإعلام رأي 60 باحثا في موضوع الإبادة، من بينهم يهود وإسرائيليين. وأكّد سيغال على ضرورة تصويب الجدل على موضوع الإبادة والدعم الأميركي لإسرائيل، مشيراً إلى كون حراك المقاطعة Divest، وما يقوم به الطلاّاب هو عملياً ما يمكن فعله لإنهاء الإبادة في غزّة، على اعتبار أنها تستمر فقط بسبب الدعم الأميركي، وأنّه إذا ما انتهى هذا الدعم فالإبادة ستتوقّف.       

وحول اتهام الطلاب بالعنف، طرح البروفيسور في العلوم الإجتماعيّة كريغ كالهون خلال إحدى المقابلات، السؤال عن السبب وراء تكوين المؤسسات التعليميّة والحريات الأكاديميّة، ثم نجد تظاهرات تقوم هناك. وأجاب أنّ أحد الأسباب هو أنّ الطلّاب يجتمعون في هذا المكان، وهم يتم تشجيعهم على التفكير في الأمور الكبيرة في عصرهم، لذا فهم يتخذون مواقف. وأردف أن التظاهرات عملياً اليوم، تقوم على هؤلاء الطلّاب وموقفهم بخصوص “لماذا لا يكون هناك وقف لإطلاق النار في غزّة”، ولكنهم أيضاً ينخرطون في العلميّة التعليميّة لأنهم يجادلون ويتناقشون ما بينهم على نحو عابر للكليّات. وحول الاتهامات ب”عسكرة المخيمات”، قال كالهون أنها فعلياً إعادة تمثيل لمخيمات اللاجئين في غزة، وأنّ جلّ ما فعله الطلّاب هو عرقلة عمل الجامعة disruption، ولكن هذا جزء من حراك العصيان المدني disobedience،  والجامعات سبق وشهدت هذا النوع من الاحتجاجات. وأوضح كالهون أن هذا ليس عنفاً فالعنف هو حين يكون هنالك تهديد أو عنف جسدي مباشر أو ضرر، إنه ليس عندما يشعر الناس بعدم الارتياح إنما حين يتعرضون للأذى. وأعطى مثالاً جامعة UCLA حيث بدأ العنف مع حضور مناصرين لإسرائيل من خارج الجامعة لا من الطلاب أنفسهم. وأعطى أمثلة أخرى حيث قاد رؤساء للجامعات (في نورث وسترن، وبراون، وويزلين، روتجرز، الخ..) تسويات سلميّة مع الطلاب بدلاً من استدعاء الشرطة وقمعهم.

من جهته البروفيسور اليهودي بروس روبنز استهجن كيف تدعو شفيق سلوكه هو كيهودي، وسلوك جمعيات مثل JVC بأنها معادية للسامية. وأكّد روبنز أنّه من الواضح لدى مراجعتنا لتاريخ حراكات المقاطعة divestment أنها لن تؤدّي إلى القضاء بالضربة القاضية death blow على أي جامعة أو مؤسسة. وأعطى مثلاً حراك المقاطعة في الثمانينيات ضد الأبارتايد في جنوب أفريقيا حين قاومت الجامعات لفترات طويلة، حتّى استسلمت لمطلب المقاطعة، وانتهى نظام الفصل العنصري بعدها بسنوات قليلة، واستمرت الأمور بشكل اعتيادي. وأكّد روبنز على سلميّة الحراك، عكس ما حاول أن يظهره الإعلام من دون أدلّة موثقة مصوّرة، وعكس ما جرى في تظاهرات 1968 المناهضة للحرب. 

وفي ما بدا هفوةَ من أحد إعلاميّي “الماين ستريم”، مايك غراهام، استقبل المؤرّخ أفي شلايم ليسأله عن عنف الطلّاب. إلا أن الإعلامي لم يجد حرجا في التعليق بانفعال على إجابات شلايم في حديثه عن إقامة الطلاب مكتبة عامة وعملهم التثقيفي السلمي ولجهة أنّ ذلك لا يشكّل خطرًا بتاتاً على الطلاب اليهود، ب (“But that is nonsense”). وأوضح شلايم أنّه إذا ما كان فعلاً من مظاهر “معاداة-للسامية” حول العالم، فهي بسبب الحرب العدوانيّة التي تشنها إسرائيل، أمّا الجامعات فهي أقلّ الأماكن التي تظهر فيها معاداة السامية. بالتالي، لم يرق للمقدّم كلامه، فقال له “انت لا تتواصل مع الجانب صاحب الحق في هذه المسألة”، فأجاب شلايم أن الحكومة لدينا تبالغ جداً في الكلام عن معاداة الساميّة، وأنها منحازة للسرديّة الإسرائيلية. وهذا ما برّره المقدّم بقوله أن إسرائيل دولة ديمقراطية. فرد شلايم موضحاً أنها نظام فصل عنصري لا ديمقراطية، وعليه ختم المقدّم المقابلة غاضباً “سأنهي هذا النقاش فهو مضيعة للوقت، وربما عليك أن تثقّف نفسك أفي!”. وشكّلت تلك المقابلة أشبه بفضيحة لإحدى قنوات الإعلام المهيمن في انحيازها العبثي إلى السرديّة الإسرائيلية.

مطالب الحراك

سلمى حمامي طالبة في جامعة ميشغن ورئيسة “تحالف الطلبة للحرية والمساواة”، تروي كيف بدأ المخيم في الجامعة مع 60 طالبا في 22 نيسان، وبدأ ينمو ويستقطب متضامنين منذ ذلك الوقت، وتجاوز مطلع أيار 180 طالباً ملتزماً بالتخييم، ليحتلوا ضعفي مساحة المخيم عما كانت عليه في بدء الاعتصام. وتشرح حمامي كيف قسموا المخيم بين مركز رئيسي للبرامج، ومساحة فيها شاشة عرض، وأخرى حُولت إلى مكتبة تحررية، ومساحة أخرى خصصت للتنظيفات، الخ.. وكان التواصل يتم بين الطلاب حول أهمية حمايتهم للمخيم، والتركيز على سبب وجودهم ورفضهم لمغادرة المكان، وأنه لا يتعلّق بالدفاع عن زملائهم بعد قمع حراكهم في كولومبيا، إنما بالعدوان على غزّة. وأكدت على أهمية البيان التضامني معهم من طلاب من غزّة ووقعه المعنوي. ولفتت إلى أن “ما نشهده اليوم –من اعتصامات- هو تراكم للحزن والذعر والغضب، ولكنه في المقام الأول تضامن وأمل  ومثابرة”.

فيما لفتت أمبر ماكوي طالبة دراسات عليا ومنظمة قسم في “منظمة الموظفين الخرّيجين في جامعة ميشيغن”، إلى أن الطلاب بدأوا يتعرّفون على بعضهم البعض في ساحات الاعتصام، وعبّرت عن سعادتها برؤية التحالفات الطالبية تتشكّل مع الوقت، وقالت أن منظمتها هي جزء من تحالف واسع يضم نحو 90 مجموعة ومنظمة، والتي كانت تعمل مع الطلاب منذ 6 أشهر (في أوّل أيار).  وتحدّثت هي وحمامي عن العمل البحثي الذي قام به الطلاب حول علاقات الجامعة المالية مع إسرائيلية، وأوضحت حمامي أن طلب المقاطعة divest، هو أكثر تحرّك ملموس tangible أقلّه لتحييد جزء من الماديات اللازمة للقيام بالإبادة. وعن السؤال حول إذا كان الاعتصام يجعل الطلاب اليهود يشعرون بعدم الأمان تساءلتْ حمامي عن أي قسم من الطلاب اليهود يتحدثون، على اعتبار أن جزءا معتبرا من الطلاب المعتصمين هم من اليهود، وأن لكثير منهم أدوارٌ قياديّة.

جاكوب وهاشم طالبان من جامعة شابل هيل نورث كارولينا تحدثوا إلى الجزيرة، ويرد جاكوب على سؤال المقدّم عن سبب تحوّل القضيّة إلى قضيّة تعنيه شخصياً، يقول أنه بسبب أمرين أساسيين. فهو يشهد “كيف تتحوّل مساهماتنا الضريبيّة في تمويل الإبادة والإحتلال والأبارتايد، ولكن أيضاً لأنني يهودي، وهم يستخدمون يهوديتي، ويتسلحون بديانتي، لارتكاب جرائم جماعية”. أمّا هاشم فيجيب أنه بسبب الإحباط الذي يعيشه في الولايات المتحدة، وتواطؤ الحكومة في الحرب. ولكن أيضاً لرؤيته مدى دعم الطبقة السياسية لإسرائيل بالرغم من جرائمها. مشيراً الى الشرخ الكبر بين موقف الناس من الحرب وفق استطلاعات الرأي، وممثليهم في السلطة. وأكّد هاشم أن حفاظهم على مبادئهم الأخلاقيّة كطلّاب يتقدّم على اعتبارات نجاحهم الأكاديمي. ووافقه جاكوب بالقول أن تضحياتهم قليلة جداً بالمقارنة مع تضحيات يقدمها آخرون، وأنه شخصياً مستعد لفعل ما بوسعه، ولن يتوقفوا حتّى تحقيق مطالب الحراك.  

الطلاب يستعدون لمداهمة شرطة نيويورك للحرم الجامعي في 30 نيسان (اسوشيتد برس)

القمع وتهميش الطلاب

وفي القمع الأكاديمي، للأساتذة والمفكرين العرب باع طويل. سبق وتعرّض المفكر إدوارد سعيد لحملات تشويه مستمرّة من اللوبي الصهيوني، إحداها طالبت بطرده من الجامعة إثر صورة رمزيّة التقطت له وهو يرمي حجراً من على بوابة فاطمة. فيما واجه البروفيسور في جامعة كولومبيا جوزيف مسعد (وهو تلميذ سعيد) الحملات ذاتها، ووجهت إليه تهم عام 2004 بمسمّى “معاداة الساميّة” (برأته منها الجامعة). وقد تصاعد التضييق أكثر منذ تشرين الثاني الماضي على إثر مقال له عن العدوان الإسرائيلي على غزّة. مؤخراً تحدث جوزيف مسعد على قناة “الغد” عن تواطؤ كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لقمع حراك الطلّاب وأهميّة استخدام الشرطة بالنسبة إليهما، على اعتبار أنّ قمع الحراك في كولومبيا سيؤدي إلى قمعه في بقيّة الجامعات.

ولفت مسعد الى أنّ التضييق على حرية التعبير لم يقتصر عليه داخل حرم الجامعة إنما خارج أسوارها أيضاً. وأشار إلى التشابه بين طرد الأساتذة من الجامعات فترة الماكارثيّة في الخمسينيّات تحت ذرائع انتمائهم إلى الشيوعيّة، وأنّ القمع نفسه كان في الستينيّات عقب نشوء حركات السّود التحرريّة الداعية إلى إنهاء نظُم الفصل العنصريّ. وأردف أنّ القمع عاد في الثمانينيّات، وكان هناك قمع للرأي العربي، والأـمر نفسه بعد عام 2001 عقب هجمات أيلول، “زاد القمع حتى من منطلق قانوني لا على المستوى الممارساتي والمؤسساتي فحسب”. وأوضح أنه عقب حرب 2014 على غزّة، كان هناك ما شكّل تدريبا على حملة القمع التي نراها اليوم، حين تمّ فصل عدد من الأساتذة بعد تنديدهم بالحرب على وسائل التواصل الاجتماعي. وأشار مسعد الى أنّ الطلّاب اليهود برزوا منذ نحو عقدين وأصبحوا يقودون الكثير من الجهود في مناوءة السيّاسات الإسرائيلية ومساندة الشعب الفلسطيني.

البروفيسورة سحر عزيز من جامعة Rutgers  تحدثت بدورها عن قمع الأساتذة، وتحقيقات الكونغرس مع “مركز الأمن والعرق والحقوق” في كليّة الحقوق في الجامعة، خلال مقابلة لها مع “مؤسسة السلام في الشرق الاوسط”. وأشارت إلى كون المركز المستهدف هو الأوّل والوحيد الذي ينشغل في موضوع حقوق جماعات العرب والمسلمين وجنوب آسيا. وعليه، فإن دوره ضروري وبالغ الأهميّة. والنقد الوحيد الذي وجّه إلى المركز كان على إثر دعوة أكادميين فلسطينيين لعرض أعمالهم وأبحاثهم في المركز. وكانوا كل مرّة يستضيفون فيها رشيد خالدي أو لارا شيحا أو جوزف مسعد أو نورا عريقات، يتعرضون للهجمات. وأردفت أنّ الهجمات أصبحت هستيرية أكثر بعد العدوان على غزة. وأكّدت على استهداف المفكرين الفلسطينيين أكثر من سواهم على اعتبار أنهم أكثر خبرةً وتخصصاً حول القضيّة الفلسطينية. قالت عزيز بأن عملها نحو 23 عاماً على قوانين التمييز العنصري ما بعد أحداث 11/9، جعلها تكتشف مبكراً أنّ مثاليات الولايات المتحدة بشأن حريات التعبير لا تنطبق على أرض الواقع، بخاصة فيما يتعلّق بالعرب والمسلمين والجنوب آسيويين. لكنها كانت تعتقد أن الجامعة بقيت مكاناً آمناً وأن إدارة الجامعة تلتزم بمبادئها أكثر من الانجرار إلى مصالح شخصيّة اقتصاديّة أو مهنيّة أو أيديولوجيّة. “وقد تعلّم الكثير منا أننا في لحظة أزمة تتعلّق بالأكاديميا والتعليم العالي”. وأردفت أنها ممتنّة ل520 أستاذ قانون وقعوا على عريضة تضامن مع حرياتها وحريات المركز الأكاديميّة وأرسلوها إلى لجنة الكونغرس. 

 أميمة محمد طالبة الطب في جامعة أموري، تحدثت إلى Democracy Now  كيف سعى الطلاب منذ بداية العدوان إلى وقف ما يتعرضون له من قمع لحرية التعبير ومن عمليات “الدوكسينغ” والتنمر على الطلاب المتضامنين مع فلسطين، وقالت أنهم في كل مرة كانت تحاول الجامعة كسرهم وتقوم بمعاقبتهم وإسكاتهم. “وفي لحظة ما قررنا أننا لن نقبل بعد الآن أن يذهب ما ندفعه من أقساط ومن ضرائب لتمويل الإبادة النشطة”. وتقول أنّ هذا العامل الأساسي الذي دفع الكليات والطلاب لكي يجتمعوا ويقولوا “نحن نرفض ذلك فحسب، نحن نرفض التحرك من أماكننا حتى تسمعنا الجامعة”. وتحدثّت عن تواطؤ كليّة الطب في أموري مع الاحتلال بدلاً من الوقوف إلى جانب ما يتعرض له زملاؤهم من الطاقم الصحّي في غزّة. وذكرت كيف طردت أموري طبيبة فلسطينية، بعد نشرها على صفحتها على “فيسبوك” منشور “private” داعم لفلسطين. بالمقابل “ذهب بروفيسور في الطب في أموري ليعمل في الجيش الاسرائيلي، وعاد إلى أموري، رغم مساهمته في الإبادة، ليعلّم الطلاب كيف يعتنون بالمرضى”  

المخيم في جامعة  UCLA هو أحد المخيمات الذي تعرّض للعنف والترهيب الشديدين، تقول إحدى المنظمات للحراك هناك (أبقت اسمها مجهولا) في رسالة وجهتها في تاريخ 30 نيسان إلى موقعجدلية عقب غزوة عنيفة جداً قام بها مناصرو إسرائيل -ونسمع في الخلفية صوت المروحيات التي تحلق فوق المعتصمين-، تتحدث عن مساعدات لوجستية قدّمها الأهالي لهم من دروع واقية للرأس وغسول للعيون (لعلاج رشّ الرذاذ الحارّ ورذاذ الدببة الذي يجرم القانون استخدامه، وقد أصيب أكثر من مئة معتصم جراء استخدامهما). وتشير إلى تعرض 5 طلاب للاصابة بالرصاص المطاطي. وتعلم المتحدثة الموقع بالمفاوضات مع إدارة الجامعة التي أصر الطلاب على جعلها علانيّة. وهي تلفت إلى ثبات الطلّاب وتعبيرهم عن الغضب الشديد من مواقف الإدارة التي لم توافق على مطاليبهم، ولم تحمِهم حتى من عنف الدّخلاء. وفي اتّصال مع الموقع في الثاني من أيار، تقول أن الاعتقالات تجاوزت المائة. وهي تشرح كيف أن الإدارة قالت بأنها استدعت الشرطة لتأمين حماية الطلاب من الهجمات، لكنهم لم يصلوا إلا في وقت متأخر جداً، وحين وصلوا لم يفعلوا شيئا لحماية المعتصمين “وهذا يقول لنا من يعدون أمانه أولويّة”. وأكدت أنّ كل الذين تهجموا على الطلاب ذهبوا في حال سبيلهم دون أية عاقبة على أفعالهم. 

إيدن خميس، أحد منظميتحالف إنديانا للمقاطعة وعضو في لجنة التضامن مع فلسطين، قال أنه ما أن بدأوا اعتصامهم في إنديانا في 25 نيسان حتى وجدوا أمامهم شرطة الولاية. فقد كانت إدارة الجامعة سريعة جداً في استدعائها، على حد تعبيره. ومنذ اليوم الأوّل تواجد قناصون فوق أسطح الأبنية المجاورة، ويوضح خميس أنهم بقيوا يرون هؤلاء لثلاثة أيام. وفي اليوم الأوّل وحده تم اعتقال نحو 33 طالباً، “لكن اليوم التالي لم يعتقل أحد بل مورس نوع من الحرب النفسيّة عوضاً عن ذلك”، لكن في اليوم الثالث عاد القمع ليشتد أكثر مع قوات من التدخل السريع، مع آلياتهم، واستخدمُوا القنابل المسيلة للدموع، والرذاذ الحار، علاوة على القناصين. وتم اعتقال نحو 20 طالبا بما فيهم خميس نفسه. وتكررت الأمور في الأيام التالية، فكان يتمّ تخريب المخيّم من قبل الشرطة، فيعود الطلاب ويقيمون المخيم من جديد، وهكذا دواليك. ويتحدّث خميس كيف أنه في اليوم الثامن، تراجعت أعداد الشرطة، كنوع مختلف من الحرب النفسية وفقه، فأصبح على الطلاب أنفسهم أن يتصرّفوا إزاء اعتداءات مناصري إسرائيل. والذين بدأوا بالتنمّر والتحرّش الجنسي اللفظي بالمعتصمين، علاوة على خطاب إسلاموفوبي ومعادٍ لليهودية (ينعتون اليهود المشاركين بأنهم غير يهود). لكنه أكد على ثبات الطلاب حتى تحقيق مطالبهم. 

إحدى الطالبات من ستنافورد (أبقت اسمها مجهولاً)، تبدأ في مقابلة مع “The Real News Network Podcasts”، بالحديث عن درجة الحماية التي حالت دون تعرّضهم لما تعرّض له زملاؤهم في جامعات أخرى من عنف الشرطة، لكنها تتحدث عن القوانين الصارمة في الجامعة، وتردف أنهم أقاموا المخيم في ستانفورد نهار الخميس في 25 نيسان بعد مسيرة داعمة لفلسطين، وبدؤوا المخيم ببناء جدار “الانتفاضة”، واستطاعوا أن يستقطبوا إليهم نحو 100 طالب. اليوم ذاته، استدعت الإدارة الشرطة، وأصدرت رسالة، مفادها باختصار بحسب الطالبة، أنه في حال لم يوقفوا نشاطهم سيواجهون كافة التهم المتعلقة بانتهاك أنظمة الجامعة، وأصدروا بالفعل في اليوم التالي مجموعة قرارات بحق 15 شخص (أغلبهم عرب أو مسلمون وبينهم أيضاً من السود واليهود المناهضين للصهيونية) تتراوح بين تعليق الانتساب للجامعة والطرد. موضحة أن “خيار الأشخاص بدا عشوائياً، لكن بأي حال، نما الحراك وتوسّع أكثر من ذلك الوقت، فجل ما حاولوا فعله هو إسكاتنا”. وأردفت مستشهدة بأحد طلاب جامعة إنديانا، يقول “ما نعانيه لا يساوي كسر fraction، من كسر من كسر ممّا يعانيه أهالي غزّة”. عليه تقول أنّ واجبهم الأخلاقي استكمال حراكهم، في مواجهة ما سمّته الحرب السيكولوجيا التي تمارسها إدارة الجامعة رغم عدم قمعهم من الشرطة، لكن تتبع الإدارة الطلاب “كأنها ظلهم” وتلتقط لهم صوراً وفيديوهات وترفع تقارير بحقّهم. وقد وصل الأمر بهم أنّ “أحد رجال أمن الجامعة تبع طالباً في طريقه إلى منزله وأخذ له صوراً”. وكانوا يفعلون ذلك حتى ليلاً كتهديد أمن الطلاب. وقالت إنها إحدى الطلاب الذين واجهوا اتهامات كاذبة، لذا أبقت هويتها مجهولة.

وتحدثت رئيسة المعهد الجامعي الأوروبي باتريسيا نانز في مقالة لها في “الغارديان” عن الصدمة التي أحدثها القمع، مع ثنائها على الجيل الصاعد في الجامعات. قالت أن هذا الجيل “وُصف بأنه غير سياسي ومنغمس في نفسه”، فهو نشأ في عالم ما بعد 11 أيلول، وأنّ مستقبله محجوب بسبب الأزمة المالية عام 2008 والانهيار المناخي، علاوة على “الوباء الذي تسبب في خسائر تعليمية وعاطفية فادحة”. وأردفت أنه من الملهم “نجاحه في تنظيم حركة عالمية منسقة وذكية وإنسانية” ومدفوعة بالارتباط بالسلام والحياة الإنسانية. لذا برأيها كان رد الفعل القمعي لإدارات الجامعة صادمًا، فإنّ “أي شخص متعلّق بفكرة الجامعة كمكان للبحث الفكري الحرّ وتحقيق الذات لا يمكن إلا أن يشعر بالحزن عند رؤية الصور الأخيرة لحرم “جامعة كولومبيا-مورنيغ سايدا” وهو فارغ خلف خط متاريس الشرطة”. وأردفت أنه “من المفارقات أن الجامعات الغربية من دون طلاب أصبحت صورة طبق الأصل للطلاب الفلسطينيين من دون جامعات”. وأوضحت أنه خلال العقود الماضية أصبحت إدارات الجامعات بيروقراطية ضخمة، ولّادة للمصالح الخاصة بالشركات، مهمشةً بذلك أصوات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وأكدت أن “إتاحة الاقتصاد السياسي للجامعة للمناقشة مع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أمر حيوي لضمان عدم تعريض الجامعات لمبادئنا عند التعامل مع شركاء خارجيين”.

شرطي يصعق أحد المتظاهرين إخلاء اعتصام “مخيم غزة” في جامعة إموري في 25 نيسان (عن موقع emorywheel)

التكتيكات وتأثيرها

يعود تنظيم الحراك إلى ثمانية أشهر، مع بداية العدوان على غزة، حيث بدأ انتظام الطلاب الداعين لوقف الحرب على غزّة ضمن مجموعات (بعضها عابر للجامعات وأبرزها مجموعتي، Students for Justice in Palestine SJP، وJewish Voice for Peace JVP)، وعلى سبيل المثال، استطاع تحالف طلاب كولومبيا لكشف الاستثمارات وحجبها CUAD، أن يشبك 116 مجموعة من المجموعات الفاعلة ومن كليّات عدّة -جزء كبير منها داعم للطلّاب في وجه إدارة جامعة كولومبيا- وفي 9 من فروعها. أمّا التخييم encampment  فهو الشكل الذي اتخذه الحراك الطلّابي منذ 17 نيسان.

يقوم التخييم على احتلال باحة كبرى في الجامعة بعشرات الخيم قد تبدأ مع 60 طالباً على استعداد للمبيت أيام طويلة، وقد تتجاوز أعداد هؤلاء ال200 في جامعات وباحات أكبر حجماً، ثم يبدأ زملاء بالإنضمام إليهم. كما يجري تنظيم برامج يوميّة للطلاب، وينضم لهم زملاؤهم (غير القادرين على التخييم) سواء في برامج التبادل الثقافي والرقص والغناء، أو في البرامج التثقيفية من عرض الأفلام والمحاضرات Teach in، ويشار في هذا الصدد إلى أن عددا كبيراً [1] من الكليّات في جامعات عدّة نظمت حلقات نقاش و TeachIn أسبوعيّة حول تاريخ وحاضر غزّة. وجرى التركيز في كل من هذه الأنشطة على كثرة الأعلام والشعارات الفلسطينيّة وارتداء الكوفيّة، مع التأكيد الدائم على سلميّة الحراك من جهة ودحض سرديّة معاداة الساميّة من جهة أخرى. أمّا بعد التصعيد ضدهم من قبل إدارة الجامعة وتدخّل الشرطة لتخريب الخيم، بدأ الطلاب يحتلون قاعات ومبانٍ في الجامعات على طريقة الSit In، وعمل الأساتذة على الوقوف في الصفوف الأماميّة حيناً للدفاع عن طلّابهم إزاء عنف الشرطة، واضطر الطلاب حيناً آخر إلى الإنتظام وحماية بعضهم البعض إزاء هجمات مناصري إسرائيل. وتنوعّت التكتيكات التي استخدمها الطلاب تبعاً لحجم الجامعات، أو لمستوى العنف والتضييق الممارس ضدهم.

بروفيسيرة التاريخ في هارفرد أليسون فرانك جونسون، أوضحت في إحدى المقابلات مع “democracy now”، أن التلامذة وحدهم يقودون الحراك، والكليات تدعمهم لا تمثلهم، وقالت أنها تدعمهم متماشيةً مع التزام الجامعة بأن يحقق الطلاب كل ما هو مطلوب منهم للتخرّج، ومنها انخراطهم في احتجاج سلمي. وأكدت أن عقابهم على ذلك في تعليق تخرّج نحو 13 طالبا لا يتوافق مع سوابق الجامعة حيث كان الاحتجاج السلمي يعدّ جزءاً من العمليّة التعليميّة. وأكدت البروفيسورة أنّ “الطلاب يطبقون ما علّمناهم إياه حول العصيان المدني وحول إحداث التغيير وتحريك المجتمع قدماً، وحول كيفيّة تشجيع أناس على التفكير في أمور في الوقت الذي يؤثر فيها صدّ تفكيرهم بشأنها”. وأردفت أنهم أخذوا هذه الأمور وطبقوها في باحة الجامعة.  

وعن شجاعة الوقوف دعماً للطلاب، شهدنا موقفاً لديب كوين (يهوديّة)، وهي بروفسورة الجغرافيا في جامعة تورونتو، (أكبر جامعات كندا، وحيث المخيم الأكبر للطلّاب في شمال أميركا، مع نحو 175 خيمة ونيران مقدّسة أوقدها مشايخ الشعوب الأصلية)، وفي خطاب تحذيري للسلطة وإدارة الجامعة، قالت ديب باسم مجموعة من الأساتذة، “إذا ما قررتم التحرّك ضد الطلّاب فعليكم أن تعبروا من خلالنا أولاً”. وقالت ديب خلال مقابلة لها مع democracy now، أنا ما قالته هو صدى لنقيبة اتحاد العمال في أونتاريو –ممثّلةً ملايين العمال و45 نقابة- حين قالت أنه “إذا ما أردتم التحرّك ضد الطلّاب، فعليكم العبور من خلال العمال أولاً”. وعن سبب مناعة اعتصامهم، أوضحت أن ذلك يعود للتشبيك بين “شبكة اليهود في الكليات” و”تحالف الرعاية الصحية لأجل فلسطين” مع “جماعة فلسطين” في الكليّة، وهم يعملون معاً منذ سنوات.

وحول التكتيكات أيضاً، تحدثت بروفيسورة التاريخ (يهودية) أنا ليز أورلك، المتخصصة في مجال الدراسات اليهودية -التي جرى اعتقالها بعنف في جامعة دارتمواث-، قالت أنها ومجموعة أساتذة وعدد منهم يهود، لم يتوقعوا أن يتمّ اعتقال الطلاب ولكن توقعوا معاملتهم بشدّة نظراً للائحة ضوابط وموانع فرضتها الجامعة عليهم، لذا قامت إلى جانب أساتذة ونساء يهود (أغلبهم مسنّات) بالوقوف بين الشرطة والطلّاب، بهدف منع أيّ احتكاكات عنيفة. أردفت “لم يحصل ذلك، فقد تعرّضت أنا وطلابي لعنف شديد”. تم سحل البروفسورة ووجهها ملامساً للأرض، وضغط أحد أعضاء الشرطة بركبته على جسدها. بل أكثر من ذلك منعت البروفسورة من دخول حرم الجامعة.

الطالبة نُسيبة من جامعة جورج مايسون– شمال فيرجينيا، تقول أنه لا يوجد لديهم مخيم في حرم جامعتهم، ولكنهم يشكلون جزءاً من الائتلاف الأوسع من SJP، ذلك أن طلابا عدة من الجامعات (نحو ثماني جماعات من الSJP) في ولايتي واشنطن وفرجينيا، قرروا إقامة مخيّم واحد في 25 نيسان بدل من مخيمات عدة منفصلة، مع توجيه ضغطهم على كل إدارات الجامعات. وكانت محاولات ناجحة لحجز الطلاب بالمتاريس، حيث جرى حجز الطلاب لمدة أسبوع في باحة الجامعة دون قدرة الوصول على دور المياه، ومصادر الكهرباء، وإذا ما غادروا ما كان يسمح لهم بالعودة. وتضيف نسيبة أن الأهالي (community) استطاعوا خرق الحصار، واستطاع الطلاب استعادة باحة الجامعة وتحريرها. وتشير إلى أنهم أقوى من أي وقت مضى للحماية من هجمات مناصري إسرائيل. وتشير الى مساعدة الأهالي لهم بالمياه والغذاء حاجات النوم وشتى الحاجات اللوجستيّة، وحتى أنهم أقاموا مكتبة في المنطقة المحررة، وينضمّ كثيرون من الطلاب سواء للتثقف السياسي أو لأداء الموسيقى أو الرقص، أو إقامة ورشات العمل، الخ..  

البروفيسور روبنز في حديثه على موقع “ميدل ايست آي” عن تأثير الحراك في كولومبيا الذي عرقل مراسم تخرّج الطلّاب، والأمر نفسه حصل في جامعات أخرى، ما يشير برأيه إلى عدم أهليّة إدارة الجامعة، من خلال اتخاذ موقف ضد مخيّم الطلاب encampment. وقد عبّر روبنز أمام طلّابه المعتصمين عن أنه في حال قامت الجامعة بنجاح بتغريب (alienation) كليّاتها وقسم كبير من طلّابها، -بمعنى التجاهل التام لحقهم في تكوين رأي منتج وفاعل في إدارة شؤون الطلاب والكليّات وحرمهم الجامعي-  ستنتهي الى تغريب كلّ الطلّاب، ما يشكّل إعلاناً لعدم أهليّة الإدارة، وهذا الإعلان(الهزيمة) سيكون بمثابة فوز للقضيّة الفلسطينيّة برأيه. وأكّد روبنز أنّ شهادة نعمت شفيق في 17 نيسان مدعاة خجل، “كونها انهارت أمام الجمهوريين رافضةً الثبات على المبادئ الأساسيّة التي تعمل من خلالها الجامعة، أي الحريّات الأكاديميّة والإدارة التشاركيّة للجامعة والشفافيّة”، وأردف أن ما قالته فعلياً هو أنّها ستعمل بكل قوتها على “مطاردة معاداة الساميّة التي تجتاح الجامعة”. وأضاف أنها أثناء إدلائها بذلك كان الطلّاب شرعوا في مخيمهم، “مستغلين بذكاء تسليط الإعلام الضوء على جامعة كولومبيا”.

ويشار إلى كثرة الاعتصامات الرمزية في حفلات التخرج،  لعل أبرز ما أثير الجدل بشأنه تضامن طلاب هارفرد مع 14 من زملائهم الذين حرموا من التخرج. تحوّل الحفل في هارفرد الى تظاهرة داعمة لفلسطين، مع طلاب ساروا بصف وهم يحملون الأعلام وشعارات تحرير فلسطين، وزملائهم في الحشود يهتفون “دعوهم يمروا!”. وكان خطاب مؤثّر لاحدى الطالبات، تحدثت فيه عن استهدافها واستهداف زملائها من غير ذوي البشرة البيضاء بعمليات “الدوكسينغ”، وأردفت “في هذا الفصل أصبح تعبيرنا الحر، وتعبيرنا بالتضامن، أمرين يستأهلان العقاب، في ترك تخرجنا في حالة الشك”. وقالت أنه لا يمكنها الا أن تتحدث عن زملائها الذين لم يتخرجوا اليوم، “كم خاب أملي بخصوص الحق في التعبير والحق في العصيان المدني”. وتحدثت عما يزيد عن ألف وخمسمئة طالب وعن كليات الجامعة التي وقفت ضد هذه العقوبات على زملائها. “بالنسبة لي كطالبة من هارفرد، ما يجري في حرم الجامعة يتعلّق بالحريات والحقوق المدنية، والالتزام بالمبادئ الديمقراطيّة. الطلّاب قالوا كلمتهم! الكليات قالت كلمتها! هارفرد، هل تسمعينا!”

صورة مرفقة من يوتيوب -جدلية

تمدد الاعتصامات إلى دول أخرى

في النهاية، لابد أن نذكر أن الإعتصامات تمددت من جامعات أميركا إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا والعديد من الدول الأوروبيّة. ووقعت اشتباكات بين الطلاب والشرطة في أمستردام، وقمع الطلّاب بوحشيّة في برلين، وكان الحراك أقوى في فرنسا حيث تمكّن الطلاب من احتلال قاعات جامعة باريس التي تلونت بألوان علم فلسطين. فيما بدت مشاهد الاعتصامات في جامعات بريطانيا مشابهة لاعتصامات الولايات المتحدة، لعل مخيم الاعتصام في أوكسفورد أكثرها تنظيماً وحشداً للطلّاب. وشهدت جامعات أستراليا اعتصامات بدورها، فاحتلوا مباني في جامعة ملبورن، وشهدنا بالفيديوهات كيف شنّ مناصرو اسرائيل هجوماً بالألعاب الناريّة على مخيّم الطلّاب في جامعة Adelaide، لكن بخلاف القمع الشديد في الولايات المتحدة كان التعاطي مع الطلاب أقلّ عدوانيّة في أستراليا. ووصلت الاعتصامات إلى كندا والهند والأرجنتين واليابان والمكسيك، وشهدنا في كل منها مشاهد مماثلة للخيم واليافطات والندوات ومشاهد ال Sit-In داخل حرم الجامعة. وتزداد أهميّة الاعتصامات في الدول الأكثر قرباً وعلاقات مع اسرائيل، فيما كان تضامن الطلاب العرب في جامعات مصر ولبنان على سبيل المثال، أقرب إلى التضامن الرمزي والمعنوي مع اعتصامات الطلاب حول العالم.

الاعتصامات مستمرة اليوم رغم العطلة الصيفيّة للجامعات، ولم تنجح مفاوضات الجامعات مع الطلاب، يقول المؤرّخ انغست جونستن “”لقد بدت العديد من الاتفاقيات وكأنها تأجيل الأمور على الطريق، وشراء الوقت دون حلّ الكثير”. ويشار الى أن  “افرغرين ستايت” كانت الكلية الوحيدة التي وعدت بدرجة معينة من سحب الاستثمارات. أمّا التساؤل الأهم اليوم فهو حول الدور المستقبلي لحركة BDS، في الجامعات وخارجها، لإنهاء الاحتلال والضغط لوقف الجرائم بحق الفلسطينيين.


[1] Arab Studies Institute, Georgetown University’s Center for Contemporary Arab Studies, George Mason University’s Middle East and Islamic Studies Program, Rutgers Center for Middle Eastern Studies, Birzeit University Museum, Harvard’s Center for Middle Eastern Studies, Brown University’s Center for Middle East Studies, University of Chicago’s Center for Contemporary Theory, Brown University’s New Directions in Palestinian Studies, Georgetown University’s Center for Muslim-Christian Understanding, Simon Fraser University’s Centre for Comparative Muslim Studies, Georgetown University-Qatar, American University of Cairo’s Alternative Policy Studies, Middle East Studies Association’s Global Academy, University of Chicago’s Center for Middle Eastern Studies, CUNY’s Middle East and Middle Eastern American Center, University of Illinois Chicago’s Arab american cultural Center, George Mason University’s AbuSulayman’s Center for Global Islamic Studies, University of Illinois Chicago’s Critical Middle East Studies Working Group, George Washington University’s Institute for Middle East Studies, Columbia University’s Center for Palestine Studies, New York University’s Hagop Kevorkian Center for Near Eastern Studies.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني