اخلاء سبيل الشبان المتهمين في قضية اغتصاب فتاة طرابلس


2016-08-12    |   

اخلاء سبيل الشبان المتهمين في قضية اغتصاب فتاة طرابلس

مساء الخميس 11/8/2016 أصدرت الهيئة الاتهامية في محكمة الاستئناف في طرابلس برئاسة القاضي ناجي عيد قراراً بإخلاء سبيل الشبان الثلاثة المتهمين في قضية اغتصاب الفتاة في طرابلس بحق ودون كفالة. جاء هذا القرار بعد أيام على صدور القرار الظني في القضية عن قاضي التحقيق المنتدب في لبنان الشمالي ناجي الدحداح، الذي ظن بالمدعى عليهم بمقتضى المادة 505/3 من قانون العقوبات، التي تعاقب من جامع قاصرا أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة كما ظن بعمة الفتاة بجناية المادة 403/217 من قانون العقوبات وذلك بجريمة تحريض الفتاة على الادعاء الكاذب على الشبان الثلاثة. وكان قاضي التحقيق قد قرر اخلاء سبيلهم سنداً للمادة 113 من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي توجب صراحة على قاضي التحقيق "في الجنحة التي لا يتجاوز فيها الحبس السنتين ان يخلي سبيلهم بعد انقضاء خمسة ايام على التوقيف ما لم يكن محكموم عليهم بعقوبة جرم شائن او عقوبة الحبس مدة سنة على الاقل". وقد استأنف محامي الفتاة، محمد حافظة، قرار إخلاء السبيل هذا أمام الهيئة الاتهامية التي ردت الاستئناف وأخلت سبيل الشبان.
 

شغلت هذه القضية الرأي العام لأكثر من شهر وقد خلق التعاطي الاعلامي معها جدالاً واسعاً بعد أن ركز على الجانب الفضائحي فكشف اسماء المعنيين وصورهم متجاهلاً قرينة البراءة وحساسية القضية. جاء القرار الظني بمعطيات جديدة لا تمنع عن الفتاة صفة "الضحية" ولا تنفي عن الشباب جنحة ارتكبوها بحقها الا انها تصوّب مجرى الأحداث.

القرار الظني الذي وصفته بعض وسائل الاعلام "بالذكوري" كان واضحاً الى درجة كبيرة وقد حمل بعداً اجتماعياً. فلم يغفل عن اعتبار الفتاة القاصر "ضحية التفكك الأسري"  لافتاً الى وضع الفتاة الاجتماعي بدءًا من خسارة والدتها وتربيتها في كنف جدها وصولاً الى عدم اكمال تعليمها المدرسي. وقد عرض القرار لمجريات الاحداث مفصلة بدءاً من الاعتراف في الادعاء الاول للفتاة بتاريخ 10/7/2016 لدى فصيلة الميناء في طرابلس على الشباب باغتصابها بالقوة بعد تهديدها هي وعائلتها بالقتل.
وتناول القرار تقرير الطبيب الشرعي دوميط أيوب الذي قامت النيابة العامة بتكليفه الكشف على الفتاة القاصر والذي افاد بعد معاينتها بانها "فاقدة البكارة منذ فترة تزيد عن الأسبوع…وان لا آثار عنف على الفتاة وان ما ظهر من تكدم واحمرار على اماكن محددة بجسدها هو نتيجة المداعبات الجنسية ونتيجة المجامعة العادية من الخلف".

وأورد القرار أيضاً الإفادة الجديدة التي ادلت بها الفتاة لدى عناصر فرع التحقيق في شعبة المعلومات بحضور مندوبة الاحداث بتاريخ 11/7/2016 ومن ثم لدى قاضي التحقيق بحضور ممثل النيابة العامة القاضي غسان باسيل بتاريخ  18/7/2016 والتي "تراجعت كلياً فيها عن اقوالها التي اعطتها لدى فصيلة الميناء وبالتالي تراجعت عن اتهام الشبان الثلاثة باغتصابها وتهديدها. واكدت في هذا الاطار ان عماتها الثلاث هن من ارغمنها على قول ما قالته لاسيما عمتها أ. م. التي ضربتها وهددتها بالقتل في حال لم تدلِ برواية الاغتصاب".
اما في ما خص مسألة فض بكارتها، فقد اكدت الفتاة بحسب القرار "انه ليس للمدعى عليهم حاضراً أي علاقة بالامر وأن من أقدم على ذلك يفترض ان يكون الجندي في الجيش اللبناني ب.ر. وهو زوج عمتها د. م. وذلك من خلال مداعباته لها بأصبعه. وكان قد سبق له أيضاً أن مارس معها الجنس من الخلف لعدة مرات خلال فترة فاقت السنة وقد اضحى الآن ملاحقاً أمام القضاء العسكري بالجرم المذكور".
كما كانت أشارة الى تطابق افادة الفتاة مع اقوال الشبان مع الاشارة الى "انها لم تلتقِ بأي منهم او بأي فرد من عائلتها منذ بدأ التحقيق معها لدى شعبة المعلومات وحتى مثولها امام قاضي التحقيق؛ خاصة بعد ان كانت محكمة الاحداث في طرابلس قد اتخذت قرار حماية لها وتم تسليمها الى مندوبة الأحداث التي أودعتها أحد مراكز الرعاية ومنع اي كان من مقابلتها من دون اذن من المحكمة".

وكيل الفتاة مع التحفظ
بعد صدور القرار الظني حاولنا مراراً الوقوف عندي رأي  وكيل الادعاء الأستاذ محمد حافظة. لكن هذا الأخير طلب بعض الوقت للاطلاع على القرار، ثم اكتفى فيما بعد بالاشارة الى قيامه بالاستئناف. وذكر ان هناك ضغوطات تمارس على الفتاة دون اعطاء المزيد من المعلومات.
 
أنت الخصم والحكم
وكانت الـ"المفكرة القانونية" قد اتصلت بوكيل أحد الشباب، الأستاذ محمد حسنة قبل صدور قرار الهيئة الاتهامية بإخلاء سبيلهم. ولفت المحامي الى أن "القصة ليست اغتصاب ولا ما يحزنون". ورداً على سؤال حول اذا ما كانت هناك ضغوط تمارس لعدم اخلاء سبيلهم، أجاب: "للأسف، النقابة اخذت موقف خصم في هذه القضية، علماً أنه لا يجب أن تأخذ هذا الموقف. انت "الخصم والحكم". المادة 11 من شرعة حقوق الانسان تقول بأنّ لكل انسان الحق بتوكيل محامي والحق في الدفاع عن نفسه. كان من المفروض على النقابة ان تبقى على الحياد وتدع المحامين يقومون بما يرونه مناسباً. وانا للصراحة لدي عتب على النقيب الذي أخذ موقفا استباقياً واعتبر انه المدافع الاول والحصري عن الفتاة. كلنا نريد الدفاع عن الفتاة، فهي بالنهاية قاصر وضحية بشكل او بآخر. ولكن لا نقوم بالاستماتة بالدفاع للموت من أجل تحقيق مكسب سياسي".
وبسؤاله عن اعمار الشباب، أجاب "بأن أعمارهم ليست بعيدة عن عمر الفتاة التي ما كانوا يعرفون انها  قاصر، لأن لا يوجد شيء يوحي بذلك" في محاولة ضعيفة لتبرير سلوكهم. وتبيّن أن الشباب تتراوح اعمارهم بين 20 و 23 عاماً فيما هناك فتى قاصر وحيد هو الذي أمن الشقة ولم يكن له علاقة مع الفتاة.

 نقيب المحامين في طرابلس: لا تراجع لا استسلام
وعلى الرغم ما جاء به القرار الظني، الا ان نقيب المحامين في طرابلس فهد المقدم ظل ثابتاً على موقفه في الدفاع عن الفتاةواعتبار ما تعرضت له اغتصاباً بغض النظر عن الوقائع وعن أقوالها. كما أنه لم يتراجع عن تصريحاته السابقة والتي وصلت الى حد منع توكيل محامي للشبان. وفي اتصال معه قبل صدور قرار الهيئة الاتهامية باخلاء سبيل الشباب، اعتبر "ان القرار الظني غير حاسم" فهو ليس "ليس حكماً للمحكمة يمكن ان يبنى عليه ان كانوا قد ظلموا ام ان كانت هذه الحقيقة او لا". القرار الظني هو القرار الذي بموجبه يقوم قاضي التحقيق بتحويل الملف الى المحكمة لتحاكم الشباب".
لم يطلع المقدم على القرار الظني واعتبر أن لا داعي لذلك "لأنه يعرف الأمور بتفاصيلها وسوف يعقد مؤتمر صحافي حول الموضوع". وسأل المقدم :"اي قرار ظني سيبنى عليه ان جاء القاضي وسألها ان كان الشاب قد نام معها وأجابته بالنفي فردّ عليها لكن هو اعترف بذلك. وفي ختام التحقيق تطلب من القاضي ان يدعها تراه وتقول له "خليني شوفو". هذه الفتاة لا احد لها وهي محرومة من الحبّ والحنان، فجاء هذا الشاب وقام باستغلالها".

وتابع: "لقد تعرضت الفتاة الى الخداع من قبل شاب أوهمها انه يحبها وسيتزوجها واصطحبها الى الشقة لينام معها". ورفض المقدم فكرة قبول الفتاة بذلك لأن برأيه "الرضى معيوب" كون الفتاة قاصر. وأضاف: "القانون يقول: اذا كان الأمر تمّ بالإكراه أو بالخداع أو استغلّ حالة ضعف جسدي أو فكري. وهذه هي حالة الفتاة التي استغل صغر سنها".
ورداً على تعليق حول الأعمار متقاربة بين الشبان والفتاة، أجاب المقدم: "في عمر الـ21 سنة يحق للشاب أن ينتخب لأنه راشد. أمّا بعمر الـ16 عاماً فهي لا يحق لها لأنها قاصر". وربما غفل عنه في محاولة تبريره هذه اختلاف سن الاقتراع بين لبنان وباقي دول العالم. فبعض الدول تسمح لمواطنيها بممارسة حق الانتخاب في سن الـ16.

ولفت الى أنه "منذ اليوم الأول كانت هناك محاولات لتحوير التحقيق لإيصاله الى ما جاء في القرار الظني. ومنذ البداية حاولوا الهروب من مسألة "فض البكارة" لتمويه القضية وحاولوا إلصاق التهمة بزوج عمتها"، مشيراً الى أنه "تمّ اخلاء سبيله من قبل المحكمة العسكرية".
وفيما استطرد النقيب في تبرير قناعاته قبل الدفاع عن الفتاة، توّجه بسؤال فيه مقاربة غريبة للقضية قائلاً: "لو كانت الفتاة مثلما يقومون بوصفها، هل كانت ستكتفي بعلاقتها بهؤلاء الشباب فحسب؟ بعمرها كانت نامت مع 300 آخرين ولكنها لم تفعل. وهذا دليل على أن هؤلاء الشباب قاموا بخداعها وابتزازها ليقوموا بالتناوب عليها بهذه الطريقة".
وأكد مقدم أنّ "الشباب اعترفوا بفعلتهم. لكن الاختلاف اليوم هو على مسألة الرضا أو الخداع". ولفت الى أنه قام باستشارة عدة قضاة اخبرهم بما حصل مع الفتاة فأبدوا استغرابهم من القرار الصادر. وشدد على أنه "سيدافع عن الفتاة للنهاية" وأن "الشيء الوحيد الذي لم يسعفنا بالتحقيق الاولي ان الفتاة متعاطفة مع الشاب لأنها تحبه".
 
الشباب يطالبون بالتعويض
وفي اتصال جديد مع المحامي محمد حسنة بعد صدور قرار اخلاء سبيل الشباب، أعرب الأخيرعن سعادته بالقرار لافتاً الى أن "أول اجراء سيتخذه وكلاء المدعى عليهم هو بالادعاء على عمة الفتاة ا.م. بتهمة اختلاق جرائم جنائية كاذبة". وأكدّ أنه "سيصار الى توقيفها حكماً بالجنايات. لأنه وبحسب القانون، عندما يتمّ الادعاء على احدهم امام محكمة الجنايات، يتمّ توقيفه حتى ولو كان بريء الى حين صدور الحكم".
ورداً على سؤال حول ان كان على علم باخلاء سبيل زوج عمة الفتاة المتهم باغتصابها أجاب: "وصلتني معلومات انه تمّ اخلاء سبيله ولكنني لست متأكداً من ذلك". وأشار الى أن "اخلاء السبيل اذا تمّ حقاً فليس من قبل المحكمة العسكرية. وذلك لأن ملف القضية كان لا يزال أمام قاضي التحقيق العسكري الذي لديه سلطة استنسابية بتصديقه أو عدم تصديقه. ولكن الملف لم ينتهِ وأظن أن بانتظاره محاكمة".
وأضاف أن "النقطة الاساسية والأهم أن الفتاة قالت بكامل ارادتها واعترفت اعترافاً واضحاً انه مضى على علاقتها بهذا العسكري نحو السنتين، والفتاة ليست من النوع الذي يكذب. سنتان يعني عمرها دون الخمسة عشر عاماً وهذا يعني انه ارتكب بحقها جناية". وختم مؤكداً "متابعة المحاكمة الى الأخير والمطالبة بالتعويض عن العطل والضرر الذي تعرض له الشباب من جراء القضية" . 
لم تنتهِ قضية الفتاة باخلاء سبيل الشبان الثلاثة. لا تزال هي الضحية ولا يزالون متهمين بإلحاق إيذاء كبير بحقها. وعلى الرغم من المعطيات الجديدة التي ظهرت في قضيتها، لا يزال الحكم مبهماً ولا تزال هي عالقة بين مطرقة مجتمع ظالم لا يرحم وسندان عدالة تأمل ان يمنحها اياها قضاء عادل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني