نقيب المحامين في طرابلس: أخلاقنا، أخلاقنا، أخلاقنا ثم…. حق الدفاع


2016-07-13    |   

نقيب المحامين في طرابلس: أخلاقنا، أخلاقنا، أخلاقنا ثم…. حق الدفاع

بتاريخ 11/7/2016، استيقظ الطرابلسيون على خبر تعرض فتاة قاصر لم تبلغ الـ 16 من عمرها، وهي من سكان منطقة أبي سمراء، للاغتصاب في محلة ضهر العين – الكورة، من قبل 3 شبان من منطقة الزاهرية. وعلى الفور، تمّ إلقاء القبض على المشتبه بهم وتوقيفهم، كما بوشر بالتحقيق معهم بإشراف القضاء المختص. وقد أحال القاضي المختص الملف بصورة فورية الى المفرزة القضائية في طرابلس. وبعدما انتشرت قضية الفتاة عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، برزت مواقف تؤيد دعم الضحية وأخرى توجّه الملامة إليها. من جهتها، خرجت بعض وسائل الاعلام عن مبادئ الأخلاقيات المهنية في تغطية الموضوع المذكور، فنشرت اسم الفتاة كاملاً. وبانتظار تطورات القضية فيما بعد، برز موقف لافت لنقيب المحامين في طرابلس فهد المقدم وصل في بعض مراحله إلى حدّ التنكر لقرينة البراءة وحق الدفاع بدافع المحافظة على الآداب العامة. وهذا المقال مخصّص لمناقشة هذا الموقف الذي يعكس توجها خطيرا لتحوير عمل نقابة المحامين عما يشكل سبب وجودها أي صون حق الدفاع. فمهما كانت الجريمة شنيعة ومهما بلغت درجة التعاطف مع الضحية، تكمن مهمة المهن القانونية الأساسية في ضمان محاكمة عادلة لمرتكبها بمنأى عن ردود الأفعال الغرائزية، وأن أي تخلّ عن هذه المهمة تحت وطأة هذه الجريمة أو تلك يشكل بالضرورة انكفاءً لدولة القانون وما تقوم عليه من قيم ومبادئ.
 
الموقف الأول: انكار كامل لحق الدفاع ولقرينة البراءة
الموقف الأول لنقيب المحامين في طرابلس فهد المقدم جاء على شكل تصريح STATUSعلى صفحته على الفايسبوك: "ما حصل في مدينتي الغالية طرابلس أمر مستنكر غريب عن نسيج مدينتي.أدعو القضاء لاتخاذ أشد العقوبات بالمجرمين الثلاثة الذين قاموا باغتصاب فتاة قاصروسأصدر غدا إن شاء الله تعميما بمنع أحد من الزملاء المرافعة عن هؤلاء المجرمين...واني سأتابع الملف مع القضاء المختص". ونلحظ اذا أمرين: الأول أن النقيب لم يجد اي حرج في اصدار حكمه البات في هذه القضية حين أطلق وصف مجرمين على هؤلاء من دون أي مراعاة لقرينة البراءة، والثاني أنه لم يجد حرجا في منع المحامين من الدفاع عن أي منهم. وبالطبع، يتماشى هذان الموقفان: فلماذا يتكلف محام بالدفاع عن هؤلاء طالما أن نقيب المحامين سبق تكليفهم باصدار حكمه البات بحقهم. 
في اثر هذا التصريح، أجرت "المفكرة القانونية" مع المقدم نهار الاثنين 11/7/2016، اتصالا للاستفسار عن مضمونه. وقد جاء جوابه ليزيد من موقفه غرابة. فهو لفت الى انه سمع بالقضية من خلال وسائل الاعلام وأنه س "يتحدث الى المدعي العام ليعرف خلفيات القضية والتي على أساسها سيتخذ القرار المناسب". وقال: "أن دور نقابة المحامين هو الدفاع عن الحقوق والحريات وعن المبادئ والقيم التي نؤمن بها. ما حصل مع الفتاة القاصر هو "جناية". لا شك أن حق الدفاع مقدس ولكن ضمن الأصول القانونية". ووعد "بالاتصال بجد الضحية وتكليف محامٍ لها على نفقة النقابة". وأكد المقدم أنه "كله ثقة في القضاء. ولكن كما تعلمون في هكذا موضوع تحدث تدخلات والقانون لدينا malleable". وأن "جريمة مثل هذه يجب التشدد بها من دون التوسعة الموجودة في القانون حتى يشكل عقاب المتهمين رادعاً لغيرهم". ورداً على سؤال اذا كان يمكن تحقيق العدالة دون منع المتهمين من توكيل محامٍ للمرافعة عنهم، أجاب: "ان كانت ملابسات القضية مثلما وصلتني، فأنا سأتجه الى هذا التصور وسأصدر تعميماً على الزملاء لأتمنى عليهم عدم التوكل في هذه القضية. إن المراحل القانونية في هذه القضية عديدة من التحقيق الأولي الى انتقال الملف الى قاضي التحقيق وصولاً الى المحاكمة. وهذه الاجراءات تأخذ وقتاً. دور المحامي يكون عند قاضي التحقيق وفي المحاكمة. في البداية سأعرف ما القضية وسأتخذ القرار المناسب على ضوئها. لكن بالأساس نحن كنقابة محامين نقف الى جانب الفتاة وندافع عنها حتى آخر لحظة ونطالب بأشد العقوبات بحق من افتعل ذلك بها".
وبقراءة متأنية لهذا التصريح، يظهر أن النقيب لا يجد حرجا ليس فقط في التدخل لمنع حق الدفاع عن المشتبه بهم، ولكن أيضا لفرض عقوبات شديدة على القضاة وكلّ ذلك من دون أن يكون لديه إطلاع  كاف على الملف، وفق ما جاء في أقواله بالذات.

الموقف الثاني: رسم حدود حق الدفاع في الجرائم الشنيعة
وفي تاريخ 12/7/2016، أصدر نقيب المحامين في طرابلس فهد المقدم بياناً استكماليا لما بدأه على صفحة الفايسبوك ولو مع بعض التعديل. وقد جاء فيه:"استوقفتنا وصدمتنا الجريمة البشعة التي تعرضت لها فتاة قاصر بعدما اعتدى عليها زمرة من الشباب في فعل مناف للأخلاق والأعراف والأعراض.وإننا ندين ونستنكر هذه الجريمة بأشد المواقف الشاجبة لها، نتضامن مع القاصرة وذويها ونشد على أيدي الطفولة والبراءة في مجتمع تحيد فيه الأخلاق عن مسارها الصحيح.أمام هذه الجريمة، وأمام المسؤولية المعطاة بالقانون للنقابة، كلفت الزميل المحامي محمد حافظة القيام بمهمة الدفاع عن القاصرة المعتدى عليها، وأتوجه إلى الزملاء الراغبين في التوكل في هذه القضية عن المدعى عليهم، بالرغم من موقفي الرافض بتمثيلهم بأي محام أمام المحاكم، على أن يتصفوا بأصول وآداب المهنة وأداء أفضل رسالة متميزة بالآداب وأعراف وتقاليد المهنة، وأن يسعوا إلى الإسراع في المحاكمات توصلا إلى تحقيق العدالة في هذه الجريمة.  إن نقابة المحامين تمارس نشاطها لتحقيق الحق والعدالة والدفاع عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها مجتمعنا وفقا لنص القانون".
وفي اتصال جديد مع نقيب المحامين في طرابلس لاستيضاحه حول التبدل الحاصل في موقفه، أجاب: "لقد تمنيت على المحامين الالتزام بآداب المهنة. وانا قصدت بالمنع عدم السماح للمحامي بالتدخل في التحقيقات الأولية أو أن يكون هناك تجاوز في حق الدفاع أو ممارسة أي ضغط على الفتاة، فأنا أريد الاستعجال بالمحاكمة لتوضيح الامور". وأكد: "حق الدفاع مكفول، لكن هذه قضية انسانية وفي رقابة للنقابة عليها. أنا لا يمكنني منع محام من الدفاع عن المتهمين على العكس فأنا أعمل على معرفة الحقيقة".

وتاليا، نفهم على أي محام يرغب في التوكل في هذه القضية أن يكون مثاليا فلا يتدخل في التحقيقات أو يمارس أي ضغوطات على الطرف الآخر وأن يمتنع عن اي اجراء قد يؤخر محاكمة موكليه حسبما جاء في أقواله. وكأنه بذلك يمهد للتمييز بين واجبات المحامين في التقيد بأصول المهنة، وفق مدى شناعة الجريمة التي يتولون الدفاع فيها. فالتدخل في القضاء الذي لم يسجل للنقابة أي موقف أو حساسية ضده في السنوات الأخيرة حسبما بينت المفكرة في أكثر من مكان، يبدو فجأة مستهجناً في الجرائم التي يقدّر النقيب أنها شنيعة، مستهجناً لدرجة تصبح معها النقابة على استعداد لتأديب أي محام تسوله نفسه التورط فيه. فحظا سعيدا لمن سيتولى مهمة الدفاع هذه.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني