نواب عكار… الحوربة فوق جراح الضحايا


2021-08-20    |   

نواب عكار… الحوربة فوق جراح الضحايا

 

لم تكن الدماء جفت، ولا الضحايا أحصيت، ولا الحريق أخمد، حين امتشق نوّاب عكّار سيوف المبارزة التقليديّة. فوصف الأوّل الثاني ب”الرخيص” ليردّ عليه الآخر بنعته بال “خسيس”. وكأنّه هؤلاء يتحسسون حيال مشهدية الهمّ الإنساني المجتمعي والمعيشي فيهرعون إلى إعادة التجييش الإعلامي الحزبي وسردياته إلى الواجهة. في السابق، كانوا يردّدون أن عكّار محرومة، كما يردّد الجميع… بعضهم يستعرض استقدامه لمساعدات عينيّة لا تُغني أو تسدّ حاجة. ومؤخراً تحدث بعضهم عن تفاقم الأزمة في عكار على نحو أكثر قساوة من بقيّة المناطق، وكذلك فعل الجميع…

لكن أين كان نواب عكار، وماذا فعلوا عندما وقعت مجزرة التليل؟ للجواب على هذا السؤال، قمنا برصد تعليقاتهم في يوم المجزرة والأيام اللاحقة لنستطلع ردود فعلهم على الأحداث.

أوّل ردود الأفعال جاءت في تغريدة لأحد ممثلي عكّار، النائب في تيّار المستقبل محمد سليمان. فمن دون أي مقدمات، غرّد سليمان أنّ دماء الشّهداء “برقبة ميشال عون وفريقه السياسي وأولهم صهره جبران باسيل”،. وأنّه يجب محاكمة عون. بدوره، صوّب النائب وهبة قاطيشا من كتلة الجمهورية القوية كما زميله سليمان إلى استهداف عون. قال “قراراتك في المجلس الأعلى للدفاع للأمن والصحة و…لا تحيي ضحايا ولا تعالج مصاب”. وطالبه بإعطاء الأمر لإقفال الحدود لبلسمة جراح اللبنانيين.

لكن أكثر ما لفت هي المبارزة الكلامية بين النائبين وجيه البعريني من تيار المستقبل وأسعد درغام من التيار الوطني الحرّ، وقد تطوّرت على إثر إعادة نشر معلومات قديمة حول تورطهما ومعهما النائبين سليمان والمرعبي في عمليّات التهريب (مؤخراً تهريب المازوت والبنزين) والتي تتم عبر الحدود إلى سوريا، فضلا عن انتشار معلومات صحافية أو نقلا عن أهالي عكار عن علاقة صاحب الخزانات بأحد هؤلاء النوّاب، وعلاقة صاحب الأرض بنائب آخر، كذلك علاقة نائبين من هؤلاء بالمهرّب وبقضيّة التهريب في عكّار عامّة.

وعلى خلفية كل هذه المعلومات، باشر النائب درغام المبارزة بنفي علاقته بصاحب الأرض في مقابلة له على “الجديد”، مؤكّدا أنّ الأخير تابع لتيار المستقبل. كما علّق درغام في تغريدة على تويتر قائلاً “الاتهامات الرخيصة والاستغلال السياسي مرفوض ومدان”. وفي بيان أشبه برد على النائب درغام وعلى التيّار الوطني الحر تحدّث النائب وجيه البعريني في تغريدة عن “استغلال كارثة انسانية لأهداف سياسية”، وذلك من خلال “زجّ اسم النائب البعريني في روايات لا أساس لها من الصحة”. ثمّ عاد البعريني ليصرّح على تلفزيون “الجديد” متحدثاً عن معرفة سطيّة فحسب بصاحب الخزانات نافياً أنه يقوم بتغطيتهم، وأكّد وجود تهريب إلى سوريا لكنه غير مغطى سياسياً من أحد، ورداً على درغام (وكل ما تقدّم لا زلنا في 15 آب)، قال: “الخساسة والندالة ما فينا نشيلا من الانسان ويروح هوي وتيارو ورئيسو وهني بدن مشكل وفتنة”. وعليه، حوّل النائب درغام التهمة الموجهة إليه نحو النائبين وجيه البعريني ومحمد سليمان في تيار المستقبل، بعد أن أحرقت صوره في عكار، داعيا إلى رفع الحصانة عن نفسه. وكذلك فعل البعريني من خلال رد التهمة إلى التيار الوطني الحر مع مطالبته هو أيضا متوجهاً إلى الرئيس بري برفع الحصانة عن نفسه، في حال ثبوت أنّه يغطي أحد المهربين. وبذلك، بدا النائبان وكأنما كلا منهما اعتمد اتّهام الآخر في موقف دفاعي عن نفسه في حين اشتركا في تجاهل الهمّ الإنساني والدم الغزير الذي سال في المنطقة التي يفترض أنهما انتخبا كممثلين عنها.

وفي حين اكتفى طارق المرعبي من تيار المستقبل، بداية بتعزية أهالي الضحايا ومطالبة الأجهزة الأمنية والقضائية بإجراء التحقيق، فإنه سرعان ما انشغل بالدفاع عن نفسه بعدما قام متظاهرون باقتحام دارته في بيروت. وعليه، وفي اليوم نفسه الذي حصلت فيه المجزرة، عمد المرعبي إلى تقديم شكوى ضد هؤلاء الذين تم توقيف 16 منهم، ليعود عن شكواه بعد حملة العار التي شُنّت عليه. ومن اللافت أن كلمة مرعبي للإعلان عن تراجعه عن الدعوى صبت في معظمها على الدفاع عن نفسه وتقديم التبريرات في بيان كان يقرأه بتوتر فيصحّح له أحدهم في الخلفيّة مضمون البيان، من دون أي إشارة إلى أي متابعة أو تعهد منه بشأن المجزرة التي ألمّت في من يفترض أنهم ناخبوه.

وفي حين اكتفى النائب مصطفى حسين رئيس الحركة الشعبية اللبنانية بتعزية الأهالي والمطالبة بالتحقيق، فإن النائب هادي حبيش لم يعلّق إطلاقا على الحادثة، ولكنه صوّب في اليوم التالي (16 آب) على رئيس الجمهورية خلال حديث ل”صوت لبنان“، معتبراً أنّ “المشكلة في تعاطي رئيس الجمهورية مع الواقع الذي نعيشه”.

أمام بحر التصريحات هذه، لم يقدم نوّاب عكار ما يشير إلى دورهم التمثيلي لأبناء المنطقة أو إلى أي نية بالدفاع عن حقوق المصابين في المجزرة بالعدالة التي أتت كنتيجة ليس فقط للتهريب بل لعقود من الحرمان، حرمان غالبا ما سكت عنه نواب المنطقة… وما برحوا يسكتون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني