عكّار تردّ على المجزرة: لن ندفن أبناءنا قبل استقالة النوّاب


2021-08-17    |   

عكّار تردّ على المجزرة: لن ندفن أبناءنا قبل استقالة النوّاب

تحتار عكّار كيف تروي حكايتها مع جريمة العار، جريمة صهريج البنزين الذي فُجّر أو انفجر في “التليل” ليل السبت 14 آب 2021 وأودى بحياة 29 من أبنائها حتى الآن، فيما حوّل عصفه العشرات منهم إلى شهب نارية قذفها بعيداً عن أتون اللهب مصيباً إيّاهم بحروق ستلازم من ينجو منهم كلّ العمر.

وتحتار عكار في وصف لون عيني أولادها المفقودين الذين بقي أهلها حتى ساعة متأخّرة من عصر الأحد يبحثون في المستشفيات ومسرح الجريمة ومحيطه عن أثر لهم ولا يجدون غير أشلاء جمعوها في أكياس وسلّموها إلى الصليب الأحمر على وقع ارتفاع ألسنة اللهب والدخان الحالك الذي غطّى سماء المنطقة. ألسنة النار بقيت ترتفع حتى فجر أمس الإثنين بعدما أنهى الشبّان الغاضبون إضرام النار في 25 آلية موجودة في أرض جورج رشيد إبراهيم، ابن التليل، حيث وقعت الجريمة. شبّان عكار لم يتركُوا أبناء الدريب الأوسط وحدهم، وكيف يفعلون وقد تخطّت الفجيعة حدود تقسيماتها العقارية، فنُصبت خيم العزاء في كلّ مكان، وخرجت نساؤها بالأسود وقد صرنَ جميعهنّ أمهات وزوجات وشقيقات وبنات ثكالى.

تحتار عكار من أين تبدأ بوصف وجعها: من أمّ شعبان عزّ الدين محمد التي تمدّ سجّادة الصلاة بين الفينة والأخرى لتطلب من الله أن يعيد صغيرها بخير ظنّاً منها أنّه مفقود بينما تعرّف إليه شقيقه خالد من “سنسال” يزيّن عنقه. تضع أم شعبان طفلتيه في حضنها وتطلب من الله أن يعيد أباهما: “بجاه هالطفلتين ترجع لنا شعبان يا رب، بجاه هالملايكة الصغار ما تيتّمهن، وما تحرمني شعبان يا الله”. شعبان ابن الـ 22 عاماً، الفقير، الذي ازداد فقراً مع إقفال أخيه ملحمته حيث كان يساعده، لأنّ غالبية أهالي عكار صاروا عاجزين عن شراء وقية لحم. كيف يشتري العكّاريون اللحوم و52% من بينهم يراوح دخلهم بين 650 ألفا ومليون و200 ألف ليرة [1] لبنانية قبل انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدّلات البطالة لتشمل معظم أبنائها.

خالد، شقيق شعبان، لم يخبرْ أمه بعد بمقتل صغير أبنائها هي التي دفنت قبل 40 يوماً شقيقه بعدما قتله مجهولون في تلّ عباس في إشكال لم تُكشف أسبابه بعد: “أمي مريضة وتعبانة خفت تروح فيها” يقول والدمع يسبق يده التي امتدت لتمسح عينيه المتوّرمتين.

تحتار عكار كيف تسرد حكاية خطيبة الضحية محمد رضوان خضر التي تعرّفت إلى عريسها من خاتم الخطوبة. هناك في المستشفى الحكومي في طرابلس أخرجوا لها جثماناً تحوّل إلى ما يشبه “الورق المحروق” كما يصفه قريبه محمد عبدو لـ”المفكرة”. بحثتْ الصبيّة التي كانت تتحضّر لعرسها بعد أشهر، عن اليد “بدّي شوف إذا في محبس”، قالت قبل أن تشهق وهي تمسك بالحلقة الذهبية التي صارت بوصلتها إليه.

حتى حكاية النجاة فيها الكثير من الدموع في عكار. نجا محمد عبدو بأعجوبة بسبب اصطحابه طفلته ابنة السنتين معه: “تلبّكت بالعجقة حول الصهريج وخفت ضيّعها ففلّيت”. يروي محمد، ابن المجدل، أنّه سمع أنّ شبّان البلدة يتهافتون على ما أسموه “بنزين ببلاش بالتليل”، وتحمّس بدوره ولحق بهم “ما معي بنزين لروح ع شغلي، قلت لو بدّي إدفع حقّه بدّي جيب”. طلب من زوجته مرافقته: “إنت مرا ما بينطّروك وبيعبّوا لك قبل الكل”، لكنّها توسّلت إليه ألّا يذهب “دخيلك يا محمد ما تروح قلبي مقبوض بدّو يصير شي”. لكنّه لم يسمع كلامها وغادر مع صغيرته “ما بتفارقني هيدي البنت، وطلعت هي رحمة الله عليي”. يقول “رحمة الله” لأنّه نجا بفضلها وبإصرار زوجته على عدم مرافقته “وإلّا كنت خسرت حبيبتي وشريكة حياتي وبنتي ويتّمت أولادي الباقيين”. كان محمد يفتح باب بيته عائداً عندما سمع صوت الانفجار. نظر صوب مكان الحريق ورأى ألسنة اللهب تكاد “تصل السماء”، فجلس على الأرض وبدأ يبكي ويبكي ويبكي “بكيت ع حالي، ع مرتي لي كنت روّحتها وع بنتي، وكتير بكيت ع كلّ الشباب لي تركتهم هونيك”.

“وهونيك” شاهد محمد فيلم رعب لم يتوقّع أن يشهده في حياته “أركض شمال ويمين وما صدق وأصرخ مع الناس لي عم تصرخ”. على الطريق، فوق موقع الانفجار-الحريق، وجد معظم الجرحى بعدما قذفهم عصف التفجير إلى أعلى بعيداً عن بركة البنزين المشتعلة وفي قلبها الضحايا الذين قضوا: “كانوا الجرحى ع الطريق والنار شعلانة فيهم وصريخهم واصل لآخر الدني”. صار أهل عكار يخلعون ثيابهم ويحاولون إخماد النيران عن أجساد الجرحى “ما ضلّ ع الشباب إلّا البوكسرات”. وصار البعض يأتي بالتراب بين يديه عن حوافي الطرق ومن بور الأرض ليطفئ النيران التي تأكل الأحياء. ولأنّ محمد عمل في أحد المشافي فترة من عمره، هرع إلى مستشفى رحّال “كان في كتير ضحايا بالمستشفى قلت بساعد الممرضين”، وهناك شاهد “فيلم رعب” آخر “ضحايا بالأرض عم يصرّخوا، برك دم من الجروح لي عم تنزف، وناس منهارة عم تفتش ع أولادها، وقيامة وقايمة”.

وتحتار عكار، حزّان الجيش، في استيعاب ردّ الجميل لها، هي التي لا يخلو حبل غسيل في بيوتها من الثياب المرقّطة للعائدين في مأذونيات من خدمة لا تردّ عليهم حتى أجرة الطريق من وإلى مواقعهم العسكرية وما بدّلوا تبديلا. تُركت المحافظة التي تتصدّر أعلى نسب الفقر واستيلاب الحقوق في الصحة والتعليم والتنمية وحيدة في العتم والعوز وفي حرمان لم يعد الإنماء المتوازن يصوّبه بعدما تحوّلت كلّ البلاد إلى عكار. مشهد الجنود وهم يتهافتون كما كلّ المواطنين للحصول على غالون بنزين أبكى ابن فنيدق خالد البعريني: “بتعرفي شو يعني يموت عسكري لأنّه معاشه ما بيكفّيه ليشتري تنكة بنزين بالسوق السودا ليروح ع خدمته؟”، يقول قبل أن يؤكّد أنّ هناك نحو 12 ضحية للجيش عدا عن المتقاعدين.

ولكن عكار الجريحة تحتار في كلّ شيء إلّا في موقفها وفي ثورتها التي وحّدت ناسها وراء موقف حازم وثابت. فها هي خيم العزاء تخلو للمرّة الأولى من النوّاب الذين لا يتعرّفون إلى الناس إلّا في العزاوات عادة. “ممنوع يجي نايب واحد يعزي” عبارة سمعها من جاؤوا يجسّون نبض الناس. لم يجرؤ أيّ ممّن يفترض أن يكونوا ممثليها والناطقين باسمها، ومعهم كلّ مسؤولي الدولة، على التوجّه إلى منازلها الغارقة في حزنها، فيما قال أهالي الضحايا كلمتهم: “لن ندفن شهداءنا قبل أن يستقيل نوّاب عكّار السبعة”، وفق ما نقل محمد عبدو لـ “المفكرة” عمّا نتج عن التشاور الذي يقوده بعض ذوي الذين التهمتهم نار الإهمال وأزمة الوقود ومعهما فقر الناس العاجزين عن مجاراة السوق السوداء للتزوّد بما يمكّنهم من الانتقال إلى أشغالهم أو إضاءة بيوتهم.

واختارت عكار أن تُشيّع الضحايا بما يليق بهم ويفضح هول الجريمة في مأتم جماعي تنقل خلاله الجثامين من كلّ المستشفيات سواء في بيروت أو طرابلس وعكار في موكب واحد ثم تحمل التوابيت على الأكتاف إلى صالة المختار في الدوسة حيث تقام الصلاة ثم تتسلّم كلّ عائلة ابنها لمواراته ثرى بلدته.

ويكفي عكّار غضبها وأهلها عاجزون لحظة الجريمة عن إيجاد ليتر بنزين يشغّلون به محرّكات سياراتهم ليخرجوا يتفقّدون أبناءهم أو اللحاق بهم إلى المستشفيات، فسار معظمهم على الطرقات من كلّ حدب وصوب بحثاً عمّن يعطف عليهم وينقلهم إلى حيث الفاجعة.

وعكّار “جائعة” كما قال شقيق أحد الضحايا عندما لم يجدْ ربطة خبز في أيّ من أفرانها “والله بدّي طعمي أمي وبيي” وهو يصرخ “قتلونا وجوّعونا وذلّونا”، كما نقل صاحب أحد الأفران عنه لـ”المفكرة”، وهو يبكي لبكاء الشاب المفجوع “كان عندي ربطة خبز بالتلّاجة رحت جبتلّه ايّاها، بيكفّي أهله مصيبتهم كمان بدهم يجوعوا بعد؟”.

لكنّ عكّار “تعرف كل شيء وستحاسب”، وفق محمد مسلماني، أحد ثوّار البيرة وثوّار عكار “نحن واحد”، الذين طالبوا الجيش اللبناني بمصادرة كلّ خزانات الوقود من بنزين ومازوت، المزروعة في كلّ مكان كقنابل موقوتة في القرى وبين المنازل “وتوزيعها على المستشفيات والأفران لإسعاف المرضى وتأمين علاجاتهم وإطعام الناس التي لا تجد رغيف خبز”. ووفق المسلماني “تعرف عكّار أنّ نوابها مسؤولون عن أزمتها” وأنّ صهريج البنزين الذي انفجر بناسها ليس إلّا نقطة في بحر “كارتيل السياسة والتهريب المستفحل” في المحافظة المفتوحة على سوريا في طول حدودها وعرضها “بيتخانقوا بالإعلام ومتّفقين من تحت الطاولة على كل شيء”، كما يقول. ويسرد المسلماني وقائع: “عنّا معطيات عن علاقات ومصالح متشابكة بينهم كلّهم وسبق وضبطنا كميونات باطون مهرّب إلى سوريا لجورج رشيد إبراهيم، صاحب الأرض في التليل، وهو على علاقة بأحد نوّاب تيار المستقبل في المحافظة (طارق المرعبي)”. يخبر ثوّار عكّار على لسان المسلماني ما حدث معهم إثر جريمة الصهريج عندما حاولوا الوصول إلى خزانات الوقود بالقرب من منزل نائب التيار الوطني الحر أسعد درغام في التليل: “أخبرنا بعض سائقي صهاريج التهريب عن وجود نحو 200 ألف ليتر مخزّنة بينما لا يوجد ليتر مازوت واحد تضيء به مولّدات الاشتراك بيوت الناس”. لكنّ حرّاس درغام أطلقوا النار باتجاه الشبان الغاضبين “على مرأى من القوى ألأمنية التي لم تحرّك ساكناً”، كما يؤكّد، فيما ركّز الجيش اللبناني حاجزاً عند مدخل الطريق المؤدية إلى منزله (منزل درغام) ليمنع السيارات والمشاة حتى من المرور بقربه.

 

الجريمة

كان ثوّار عكار ظهر السبت 14 آب ينتظرون قوّة من الجيش اللبناني في أعالي بلدة التليل، وتحديداً على مسافة “ألف متر من موقع الجريمة، لمصادرة خزّان وقود تأكّدوا من وجوده وبداخله “50 ألف ليتر مازوت” مُعدّ للتهريب: “اتّصلنا بالجيش وطلبنا منه مؤازرتنا لكي يصادر المازوت ويوزّعه على المستشفيات التي تعاني من نقص كبير”. لكنّ الثوار فوجئوا بتوجّه قوّة الجيش إلى أرض جورج إبراهيم “قالوا في صهريج بنزين بسعة 60 ألف ليتر”. وفوراً التحق الثوار بالجيش لمساندته وطلبوا مصادرة البنزين واستبداله بالمازوت وتوزيعه على المستشفيات والأفران. “ما في ربطة خبز بعكّار” يؤكّد المسلماني “نحن أمنّا بنزين للصليب الأحمر حتى قدر ينقل الجرحى ع المستشفيات” يقول. ولكن الأوامر أتت للقوّة العسكرية بترك البنزين المصادر للناس  كما أكد أكثر من شاهد لـ”المفكرة”.

وعلى الإثر، شاع خبر توفّر بنزين “ببلاش” في التليل كالنار في الهشيم. وبدأ أهالي عكّار يتوافدون بكثافة إلى المكان. “في البداية نظّم الجيش الوافدين في صفّين “واحد للعسكر والتاني للمدنيين، بس رجع اختلط الحابل بالنابل”، كما يؤكد لـ”المفكرة” أحد العسكريين الذي جاء للحصول على غالون بنزين “كنت بمأذونيّتي وكلّ العسكر لي استشهدوا مع الناس أو جرحوا ما كانوا بالخدمة”. مع الاكتظاظ الذي حصل، ترك الجيش الأمر للناس “فتحوا لنا العسكر الصهريج وقالوا للناس عبّوا وخدوا”. وبينما كان الأهالي يتدافعون من حول الصهريج وبعضهم كان على متنه في محاولة لسحب الوقود من الفتحة في سقفه، وقع الانفجار “أنا كنت ع سقف الصهريج وكنت محظوظ إنّه قوّة التفجير طيّرتني وجيت بعيد عن النار” كما يقول عبده شريتح. هناك نهض وصار يطفئ النيران عن قدميه “شلت صباطي الولعان وبالتراب طفّيت إجريي وإيديي وركضت لشوف إبن عمي ورفقاتي لي كانوا معي”. وهناك، في بركة البنزين المشتعلة نتيجة فتح الصهريج وتدفّق الوقود ومن ثم انفجاره “دابوا”، يتمتم وهو يغصّ بحسرته.

 

تحقيق شفاف لتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة

يقول محمد المسلماني من ثوّار عكار إنّ ناجين كثراً وجرحى “أفادونا أنّهم هربوا لدى سحب ريشار إبن جورج رشيد إبراهيم (قبض عليه الجيش لاحقاً)، المسدّس مهدّداً إيّاهم بحصول مجزرة”. هنا، بالنسبة للثوّار لم يعد مهمّاً من يملك صهريج البنزين “سواء كان لصبحي الفرج من وادي خالد الذي قبضت القوى الأمنية قبل 3 أشهر على ابنه بتهمة التهريب، أم لجورج رشيد وحده، فكلّهم شركاء وهذه مهمّة القضاء والدولة في تحديد المسؤوليات والتحقيق في ما حصل وكيف، والأهم محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة”.

وعلى طريق العدالة نفسها وتحديد المسؤوليات، ارتفعت أصوات في عكار تطالب المؤسّسة العسكرية بإجراء تحقيق داخلي بموازاة التحقيق في الجريمة ومحاسبة مرتكبيها ومحتكري الوقود والمهربين، وتحقيق حول ما حصل وهل كان ترك الأمر للناس للتهافت بالمئات على الصهريج صائباً في وقت “لا نجد في عكّار نقطة بنزين أو مازوت وحتى جرّة غاز أو ربطة خبز”، كما قال كثر وبينهم ذوو ضحايا “كلّ عمرها عكّار حاضنة الجيش، ووفاء لها تستحق تحقيقاً شفافاً داخل المؤسسة العسكرية حول أي تقصير أو قرارات غير صائبة اتّخذت في هذا الظرف العصيب”.

وجاءت إحدى فقرات بيان بلديات الدريب الأوسط والغربي في الإطار نفسه حيث طالب المجتمعون الذين ضمّوا رؤوساء بلديات ومخاتير وناشطين بـ “إجراء تحقيق شفاف عادل وعاجل من قبل الجيش لكشف مسببّي الانفجار وإصدار بيان بذلك من قبل المؤسّسة العسكرية منعاً للتأويلات والتحليلات ووأداً للفتنة وللمصطادين بالماء العكرة واستغلال الواقعة لغايات سياسية، كما معاقبة المقصرين في الأسلاك العسكرية في حال ثبت ذلك”.

وتمسّك المجتمعون بضرورة “إحالة ملفّ الانفجار إلى المجلس العدلي لكشف المتورّطين في تخزين المحروقات وتهريبها واحتكارها وجلب كلّ المشاركين والفاعلين والمحرّضين إلى قوس العدالة وإنزال أشدّ العقوبات بحقّهم مهما علا شأنهم ولأي طائفة أو حزب انتموا”.

وطالب البيان بـ “اعتبار الضحايا والجرحى شهداء شرف وتخصيصهم برواتب تقاعدية أسوة بباقي شهداء المؤسسة العسكرية، واعتبار ضحايا المؤسسة العسكرية من الجنود المأذونين أصولاً شهداء شرف أيضاً وتخصيص الجميع بتعويضات لذويهم وتوفير العلاج اللازم للجرحى على نفقة وزارة الصحة”.

كما شكّلوا لجنة للتواصل مع ذوي الضحايا لتحديد قطعة أرض وتخصيصها مقبرة للشهداء. لكنّ هذه الفكرة لم تلق إجماعاً من قبل ذوي الضحايا الذين رغب بعضهم في دفن أبنائهم إلى جانب عائلتهم وفي قراهم.

كما تسبّبت نقطة “رفض المجتمعين أي مشاركة رسمية نزولاً عند رغبة ذوي الضحايا باستثناء الأجهزة الأمنية والعسكرية خلال التشييع وتقديم التعازي”، بجدل بين مؤيّد ومعارض بذريعة “ضرورة ترك الخيار لذوي الضحايا ليقرّروا، كوننا لا يمكن أن نفرض على أحد من يستقبل في بيته”، وفق ما أكّد رئيس اتّحاد بلديات الدريب الأوسط أحمد كفا لـ”المفكرة”.

وعلى خلفية بعض التوتّر الطائفي الذي نتج إثر الجريمة والمتسببين فيها، طالب المجتمعون “قيادة الجيش بالضرب بيد من حديد لكلّ من تسوّل له نفسه الإخلال بالأمن وزرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء عكار ولا سيّما أبناء الدريب”، ورحّبوا بـ “البيانات الصادرة عن فعاليات التليل والمرجعيات الدينية فيها التي طالبت بإلقاء القبض على أصحاب خزانات الموت وتسليمهم للعدالة ورفع الغطاء عن أي متورّط معتبرين أنفسهم من ذوي الضحايا والشهداء”.

وأعقب صدور البيان عقد اجتماع روحي وبلدي في بلدية التليل شارك فيه رجال دين مسيحيون ومسلمون في عكار، أكد فيه المجتعون على وحدة الصفّ وهول الجريمة التي طالت جميع أبناء عكار من مختلف الطوائف، مشدّدين على المطالب نفسها التي تضمّنها بيان اتحاد البلديات وعلى رأسها معاقبة كل المتورطين إلى أي طائفة أو جهة سياسية انتموا، وكذلك التأكيد على أنّ أهالي عكار “سيبقى خيارهم الدولة العادلة التي تؤمّن كافة حقوق مواطنيها بالتساوي ولاسيما بالحفاظ على الأمن ورفض الأمن الذاتي والتفلت الأمني”.

تحديد المسؤولية و”تحقيق العدالة لعكار” هو ما أكد عليه أيضاً نقيبا المحامين في بيروت ملحم خلف وطرابلس محمد المراد خلال تفقدهما عكار وأهلها ومسرح الجريمة، مؤكّدين وضع النقابتين “كلّ إمكانيّاتهما القانونية في تصرّف أهالي الضحايا والجرحى والمتضرّرين في هذه القضية الفاجعة، وهما على أتمّ الاستعداد لتكليف محامين متطوّعين، لمواكبة هؤلاء قانونياً وقضائياً حتى النهاية”.

واعتبر النقيبان أنّ هذه الجريمة بالغة الخطورة بحيثياتها وأسبابها وظروفها وتبعاتها على المستوى الوطني، ومن الضروري إحالتها أمام المجلس العدلي؛ وأنّ أهالي الضحايا والجرحى المصابين، لهم الحقّ المُطلق، في مواكبة التحقيقات لتبيان كامل الحقائق ولتحديد المسؤوليات، وفي محاكمةٍ عادلة، توصّلاً للاقتصاص من المرتكبين، وإحقاقاً لحقوقهم الشخصية، تحقيقاً للعدالة”. واعتبرا أنّ “تعزية أهالي الضحايا وكلّ اللبنانيين، أمرٌ لم يعد يكفي، أمام المصائب اليومية التي يفتعلها مَن هم مؤتمون على حياة الناس؛ تجاوَزَ التعسُّف كلّ المدى، وما يجري بحقّ الشعب اللبنانيّ هو ذروة الظُلم، ولا يمكن لأيّ أحد أنْ يبقى صامتاً أو شاهد زورٍ! إنّ اللبنانيين في وضعية الرهائن لهؤلاء “اللا مسؤولين”، وتحرير الناس مِن مخالب هؤلاء أضحى أمراً واجباً ومداهماً”.

“حق عكار والعدالة بس بيشفوها” يقول شقيق الضحيّتين الشقيقين خالد وجلال معين شريتح في بلدته الدوسة “معظم الضحايا أخوة وأولاد عم، معظم بيوت عكار فيها شهيد وجريح، وجعنا ما رح يخلص، بس محاسبة المسؤولين بيحسّسنا إنّه ما رح نضل متروكين”، يختم.

[1] دراسة أحوال المعيشة في لبنان، إدارة الإحصاء المركزي، أرقام 2018-2019

 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، أجهزة أمنية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني