ملاحظات على قانوني “تنفيذ العقوبات” و”تخفيض السنة السجنية”: المشرع يسرق دور القضاء في تخفيض العقوبات، ويضع مقاييس جديدة للوقت


2012-04-11    |   

ملاحظات على قانوني “تنفيذ العقوبات” و”تخفيض السنة السجنية”: المشرع يسرق دور القضاء في تخفيض العقوبات، ويضع مقاييس جديدة للوقت

«Il est un lieu qui échappe malgré tout à l’accélération délirante du temps socialà laquelle nous assistons aujourd’hui : la prison».
François de CONINCK[1]

في غضون اقل من سنة، وتبعا لانتفاضة الاشخاص المحتجزين في رومية، اظهرت السلطات العامة اهتماما فائقا في تحسين اوضاع هؤلاء، وبشكل خاص فيما يتصل  بصراعهم الدائم مع الوقت. وفيما عمد هؤلاء الى المطالبة بقانون عفو عام، اتى جواب المشرع من خلال قوانين اربعة، احدثها عهدا القانون الصادر في 30 آذار 2012 بتحديد السنة السجنية بتسعة اشهر. ومن اللافت ان هذا القانون صدر على وقع اعمال كسر وحرق في سجن رومية، احتجاجا على المماطلة والتأجيل في اقراره.
اما القوانين الثلاثة الاخرى، فقد تم اقرارها في 2011: الاول، بتخصيص سلفة مالية لبناء سجنين جديدين[2]، والثاني، بزيادة رواتب القضاة املا بتحفيزهم وتسريع المحاكمات على نحو يؤدي الى تقصير امد التوقيف الاحتياطي[3]، والثالث، وهو ما يعنينا بشكل خاص، بادخال تعديلات على قانون تنفيذ العقوبات الصادر في 2002، والذي يسمح للقضاء بتخفيض هذه العقوبات في حالات عدة[4]. وكان السجناء قد انتظروا طويلا بدء تطبيق هذا القانون الذي لم يحصل الا في 2009، فكانت خيبتهم على حجم الانتظار والآمال المعقودة عليه بعدما اكتشفوا الثغرات والشوائب التي تعتريه والتي تمنع تطبيقه في غالبية الحالات، اقله في حالات السجن لفترات طويلة.
وهكذا، يكون المشرع قد اقر في غضون اقل من سنة قانونين يذهبان في اتجاه تخفيض امد عقوبة السجن، انما بطرق وبفاعلية متباينة. فالاول آل الى توسيع مدى تطبيق قانون تنفيذ العقوبات وتفعيله انما من خلال اجراءات قضائية بقيت معقدة نسبيا، والثاني آل فور صدوره الى تخفيض عقوبات الحبس بشطبة قلم بنسبة ربع هذه العقوبات.  
وهكذا، وامام سجناء هم في اوج صراعهم ضد الوقت، بدا المشرع وكأنه يوجه رسالة اليهم ومعهم الى الرأي العام: فبمقدوره اذا شاء ان يحسم جزءا مهما من عقوباتهم بشطبة قلم (وهذا ما ظهر سريعا في وسائل الاعلام كافة من خلال الافراج عن فايز كرم الذي استفاد من تخفيض عقوبته على ضوء المقاييس الجديدة للوقت في غضون ايام من اقرارها)، فيما ان اللجوء الى القضاء يبقى اجراء بطيئا معقدا، رغم الاصلاحات التي تم ادخالها. بل كأنه يسعى الى تبييض صفحته ازاء السجناء وتكريس مرجعيته مع اضعاف ثقتهم بالقضاء وتحميله نقمة انتظاراتهم، وذلك على غرار ما ينتهجه النظام السياسي بشكل عام لجهة تكريس مرجعيته في حماية المواطنين وتلبية مطالبهم، مع تهميش دور القضاء واحيانا من خلال التدخل في اعماله. ومن هذه الزاوية، تبدو مزاوجة هذه القوانين في هذا الظرف غير موفقة. وما يعزز هذه القراءة هو ان قانون تحديد السنة السجنية جعل تخفيض مدة هذه السنة الى تسعة اشهر تلقائية من دون ان يضع اي آلية او امكانية من شأنها اسقاط حق السجين بالاستفادة منها في حالات معينة. وهكذا، وخلافا لتجارب دول عدة شكل فيها تخفيض السنة السجنية جزءا لا يتجزأ من آليات تنفيذ العقوبات، بات هذا التخفيض في لبنان بمثابة تدبير لا صلة له بمدى استحقاق السجين ومدى تطوره داخل السجن بل بمثابة هبة تشريعية هي ابعد من الخير والشر[5].
وما يزيد الامر سوءا هو ان يصدر هذا الموقف في هامش توجه تشريعي كان منح سابقا القضاء دورا مميزا في السياسة العقابية وفي ادارة كيفية تنفيذها على نحو يؤدي الى تحفيز السجين على القيام بجهود اضافية لزيادة حظوظه في الاندماج الاجتماعي. وهكذا، وبعد اظهار تقصير القضاء في المحاكمات، سرق المشرع الاضواء منه مجددا في اتجاه اعادة تهميش دوره في فترة ما بعد المحاكمة ومعه كل الانتظارات التي قد تتصل باداء هذا الدور.
وتنشر المفكرة في هذا العدد مقالا لكريم نمور بشأن ابرز التعديلات التي طرأت على قانون تخفيض العقوبات (المحرر). 
انتطبيق قانون تنفيذ العقوبات في صياغته السابقة كان اظهر شوائب اساسية تمثلت في أمور عدة: الأول، استثناءفئة واسعة من السجناء من الاستفادة من تخفيض عقوباتهم[6]، والثاني بطء الاجراءات المتخذة بهذا الشأن وقد ظهر ذلك واضحا من خلال رد بعض الطلبات على أساس أنها باتت من دون موضوع بعدما ثبت ان الشخص المعني بها قد اكمل تنفيذ العقوبة قبل النظر بطلب تخفيضها. كما ثمة شائبة ثالثة متأتية عن الوضع العام للسجون ومفادها نقص الامكانات الآيلة الى تأهيل السجناء، وذلك في ظل غياب فرص التعليم والعمل او الخدمة الاجتماعية، مما يجعل تقويم مدى تطورهم امرا مستعصيا. وقد جاءت التعديلات في هذا المجال وكأنها ترمي الى حل المشكلتين الأوليين اي في اتجاه توسيع المستفيدين من القانون وتفعيل العمل المؤسساتي، انما من دون اي التفاتة الى تطوير امكانات اعادة تأهيل السجناء، بل من دون اخذها بعين الاعتبار في التعديلات المقترحة. وبذلك، وتماما كما حصل لاحقا مع تخفيض السنة السجنية، بدا المشرع وكأن همه الاساسي ارضاء السجناء من خلال تعزيز امكانيات وفرص تخفيض عقوباتهم من دون التوفيق بين هذا الهم وهم اعادة اندماجهم الاجتماعي.
حرمان فئات من المحكوم عليهم من قرينة امكانية التأهيل عملا باعتبارات غير مفهومة
في هذا المجال، يسجل بداية توسيع حالات المستفيدين من تخفيض العقوبة. فالتعديل الحاصل الغى الاستثناء في عدد من الجرائمكالارهاب والحريق المقصود وترويج العملة المزيفة والعصابات المسلحة وجمعيات الاشرار والجنايات المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات[7]وجنايات اغتصاب القاصرين. كما فتح المجال للمحكوم عليه المكرر للمرة الاولى بالاستفادة من امكانية تخفيض عقوبته، على شكل مماثل لتخفيض عقوبة المحكوم عليهبعقوبات جنائية مؤقتة بموجب المادة 549 من قانون العقوبات (اي بمعدَل يتراوح بين سدسها وثلثها)، مما يوسع هنا ايضا الفئات المستفيدة من القانون. بالمقابل، فقد بقي الاستثناء قائما بشأن عدد من الجرائم الاخرى (الجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى المال العام وتزوير العملة أو تقليدها والاتجار بالمخدرات) مما يفتح المجال امام التساءل بشأن خلفية هذا التعديل.
فهل هو اكتفى بفتح مجال تخفيض العقوبة امام عدد اكبر من السجناء اكراما للانتفاضة، ام انه اراد تحفيز عدد اكبر منهم على اعادة تأهيلهم على نحو يوفق بين مصالح المجتمع ومصالحهم؟
والواقع، أن ابقاء بعض الاستثناءات على هذا الوجه يدل من وجهة نظر المشرع، على ان الجرائم التي ما تزال مستثناة اخطر من غيرها، بحيث ان مرتكبيها لا يستحقون أي تخفيض لعقوباتهم. وهو بذلك كرس هرمية جديدة للجرائم وفق خطورتها على نحو يظهر، عند مقارنتها بالهرميات المكرسة في قوانين اخرى، تخبطا تشريعيا بكل ما للكلمة من معنى. فالجرائم المستثناة هنا تختلف كليا عن الجرائم التي صنفها قانون العقوبات على انها الاخطر وهي حكما الجرائم التي تصل عقوبتها الى الاعدام. وهكذا، لا يستثنى عدد من هذه الجرائم من امكانية التخفيض فيما ان غالبية الجرائم المستثناة من التخفيض لا يعاقب عليها بالاعدام. وفي الاتجاه نفسه، تختلف الجرائم المستثناة من التخفيض عن الجرائم التي يصنفها قانون اصول المحاكمات الجزائية على انها الاخطر وهي الجرائم التي لا يضع حدا اقصى للتوقيف الاحتياطي بشأنها (اي التوقيف قبل اصدار الحكم)[8].كما تختلف عن الهرمية التي اقامها قانون تحديد السنة السجنية بتسعة اشهر والذي استثنى من هذه القاعدة المكررين ومعتادي الجرائم. وما يزيد من وضوح هذا التخبط، انه يصعب حقيقة فهم كيف ان تزوير العملة أو الاتجار بالمخدرات اخطر من الارهاب أو انشاء العصابات المسلحة أو جنايات اغتصاب القاصرين. وهذا الامر انما يبين ان الاعتبارات والخيارات السياسية طغت عند تحديد الاستثناءات في هذا القانون، بمعزل عن الخلفيات الفلسفية او المبدئية للقانون الجنائي والذي هو يميل الى الغاء الاستثناءات كافة في اتجاه اتاحة الفرصة امام الجميع لاثبات قدراتهم على الاندماج الاجتماعي بمعزل عن الافعال التي عوقبوا عليها.
كما يسجل في هذا المجال ان المشرع سعى، استباقا لاعتراضات الضحايا، الى مراعاة حقوقهم بما يتصل ببعض الجنايات الخطرة وهي الجنايات المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات[9]، بعدما ازال عنها الاستثناء؛ فقد اشترط ان يتم ابلاغ فرقاء الادعاء الشخصي لابداء ملاحظاتهم بالنسبة الى استفادة المحكوم عليهم بموجب المادة 549من تخفيض عقوباتهم، وجعل اخضاع هؤلاء للرقابة الاجتماعية، الزاميا.لا بل ذهب ابعد من ذلك بحيث اشترط موافقة الضحية لاتخاذ اي قرار بتخفيض عقوبة الاعدام، وكأنه بذلك يجعلها شريكاً في العفو من “الاعدام” ويجعل في الآن نفسه حياة السجين رهناً لارادتها او رحمتها او انسانيتها. وبذلك، يكون المشرع قد اوجد حالة جديدة للعفو من عقوبة الاعدام؛ ففي حين كان العفو يحصل اما بموجب قانون عفو عام أو بموجب مرسوم عفو خاص، بات للمحكوم عليه ان يستفيد من استبدال عقوبته هذه بموجب ما هو اقرب الى العفو الشخصي طالما أن العفو هنا يتوقف على موافقة الضحية. واللافت انه في هذه الحالات، يخضع القانون الاشخاص المعنيين للرقابة الاجتماعية بشكل الزامي، فيما يغض الطرف عن فئات اشد خطورة كالمتهمين بالارهاب. وبذلك، بدا وكأنه يراعي جانب الضحية في قضايا مماثلة، تماما كما راعى جوانب سياسية عند تحديد الاستثناءات، كل ذلك بمعزل عن مدى تطور وضع السجين وحظوظه في اعادة الاندماج الاجتماعي، بل ايضا كل ذلك بمعزل عن حماية المجتمع او مصالحه.
بالمقابل، سمحالتعديل التشريعي للمحكوم عليه الذي رفضت المحكمة طلبه بتخفيض عقوبته كلياً أو جزئياً، أن يتقدم بطلب آخر بعد ستة أشهر من قرار الرفض. وبذلك، فتح المجال لتعزيز دينامية العمل القضائي في هذا المجال، بحيث يكون للقضاء منح السجين فرصا عدة، او ربما توجيهه الى تحسين حظوظه بالنجاح من خلال القيام باعمال محددة.
كما تجدر الاشارة الى قيام القانون بتصحيح خطأ تشريعي سابق في اتجاه اخراج طلبات سجناء بتخفيض العقوبة لاسباب صحية[10] صراحة من الاستثناءات، طالما ان تخفيض العقوبة لهذا السبب يكون مبنيا على اسباب انسانية صرف.
اما على الصعيد المؤسساتي، فقد تم تفعيل النظر في طلبات تخفيض العقوبات من جهتين:
–       توسيع النطاق الزمني لعمل اللجنة المختصة بتقديم اقتراحات بتخفيض العقوبات، بحيث بات بامكانها الاجتماع واتخاذ قرارات على مدار السنة، في حين كان القانون ينص في صياغته السابقة على اجتماعها مرتين في السنة فقط، ما حد من امكانية عدد من المحكوم عليهم بالاستفادة من تخفيض العقوبة، لا سيما المحكوم عليهم بعقوبة حبس قصيرة الاجل، اذ انه تم رد بعض طلباتهم[11] على أساس أنها باتت من دون موضوع بعدما أكمل الشخص المعني بها تنفيذ العقوبة.
–        زيادة عدد المحاكم الناظرة في تخفيض عقوبات المحكوم عليهم، بحيث بات هنالك محكمة مختصة في كل محافظة بعدما كانت الطلبات تعرض كلها امام احدى غرف محكمة الاستئناف في بيروت، الأمر الذي كان يؤدي الى ابطاء عملية البت بطلبات التخفيض وجعل قسما منها من دون موضوع بسبب اكمال طالب التخفيض تنفيذ عقوبته.
ولعل الانتقاد الابرز في هذا المجال هو تقاعس المشرع عن تعزيز دور القاضي رئيس اللجنة، والذي يبقى دوره استشاريا من دون ان يكون له اي دور تقريري حتى في الجرائم او في التدابير قليلة الشأن. وتاليا، تبقى هذه الوظيفة مهمشة في نظر السجناء، بل ايضا والى حد ما، في نظر القضاة الذين يتولون القيام بها طالما انها تبقى استشارية محض. وما يزيد الامر سوءا هو انه يتعين على هذا القاضي القيام بدوره الاستشاري من دون ان يكون له اي امكانية لتقويم مدى تطور السجين او حظوظ اندماجه وفق ما سبق بيانه.



[1]F. de CONINCK, L’écroulement du temps carcéral ou le temps virtuel des prisons contemporaines in L’accélération du temps juridique, Publications des Facultés Universitaires Saint-Louis, Bruxelles, 2000.
[2] قانون فتح اعتماد في الموازنة العامة لعام 2011الصادر في 3/9/2011.
[3] قانون تحويل سلاسل رواتب القضاء الصادر في 3/9/2011.
[4] وقد صدر في 13 تشرين الاول 2011.
[5] عكس ما نقرأه في القانون الفرنسي مثلاً، حيث يمكن ان يفقد المحكوم عليه التخفيض التلقائي في حال اساء سلوكه في الاحتجاز.
[6]وقد سجلت المفكرة القانونية في دراستها السابقة عن بدايات تدبيق القانون، ان رد غالبية الطلبات (92.6 % منها) حصل نتيجة الأحكام القانونية التي استثنت حكما السجناء المحكومين في جرائم معينة.
يراجع: https://legal-agenda.com/article.php?id=16&lang=ar
[7] تنصالمادة549منقانونالعقوباتعلى عقوبة الإعدام بمرتكبي جرائم القتل قصداًإذا ارتكبت عمداًأو تمهيداً لجنايةأو جنحةأو تنفيذاً لها،أو تسهيلاًلفرار المحرضينأو الفاعلينأو المتدخلين،أو لوقوعها على أحد الأصولأو الفروع،أو لاقترانها بأعمال التعذيب والشراسة،أو لحصولها على الموظف،أو بسبب الإنتماء الطائفي،أو ثأراً لجنايةارتكبها غير المجنى عليهمنطائفتهأومنأقربائهأو محازبيه،أو باستعمال المواد المتفجرة،أو بقصد التهربمنجنايةأو جنحةأو لإخفاء معالمها
[8] وهي تشمل بالاضافة الى جنايات الاعتداء على امن الدولة والمخدرات والجنايات ذات الخطر الشامل وجنايات القتل وجرائم الارهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة جنائية
[9] يراجع الهامش رقم 7.
[10] الاصابة في السجن باي مرض عضال ميؤوس من شفائه او الذين يعانون من مرض خطير يهدد حياتهم او حياة الآخرين من السجناء، او الذين اصبحوا مقعدين غير قادرين على خدمة أنفسهم او القيام بعمل ما.
[11] يراجع تعليق المفكرة القانونية عن بدايات تطبيق قانون تنفيذ العقوبات، المذكور اعلاه.
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني