3 طرق لتعبئة البنزين طابور الذلّ ليس دائماً واحداً منها


2021-09-22    |   

3 طرق لتعبئة البنزين طابور الذلّ ليس دائماً واحداً منها
شمسية الانتظار

“كل يوم بروح بوقف بالصف خمس ساعات لعبّي سيارتي بنزين وما بيجيني الدور، حتى طوابير الذل ما نجحت معنا”، يوصّف عقيل (55 عاماً) ظاهرة صفوف السيارات المنتظرة عند محطات الوقود، عقيل الذي يعمل كسائق تاكسي بات عمله مهدداً بسبب عدم قدرته على تعبئة خزان سيارته. 

فقد أدى انعدام توفر المحروقات وتهافت الناس للحصول على حفنة من البنزين إلى زحمة سير خانقة في الشوارع المحيطة بالمحطات التي أضحى الذهاب إليها من المهمّات الصعبة التي تحتاج إلى استعداداتٍ نفسية ومالية ولوجستية والكثير الكثير من الوقت. 

وحال المحطات اليوم هو حال “شريعة الغاب” حيث “القوي يأكل الضعيف” بكلّ ما للكلمة من معنى، وعلى المحطة يتجسّد معنى الفساد والمحسوبيات والواسطات على هيئة شباب يوكلون بتنظيم السير وآخرون تحوّلوا إلى تجّار سوق سوداء يستغلّون الأزمة للتربّح. وفي صف المحطة الطويل من ينتظر دوره بانتظام واحترام ويفني نهاراته، وخارج الصف من بات يعلم من أين تؤكل كتف هذه الظاهرة فيملأ خزان سياراته بدقيقة واحدة.

ولم تحسّن القرارات العديدة التي اتخذتها السلطات المعنية ووزارة الطاقة والمياه والمديرية العامة للنفط مؤخراً من الحال المزري، حيث عمدت إلى رفع الدعم جزئياً عن المحروقات بعد أن تمّ خفض الدعم من احتساب الدولار عند 8000 ليرة إلى 12800 ليرة أي وفق سعر صرف “منصة صيرفة”، ليصل سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان، وفقاً لجدول أسعار المحروقات الصادر بتاريخ 17-9-2021 إلى 180 ألف ليرة،. واليوم الأربعاء صدر جدول الأسعار الجديد الذي رفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان إلى 202400 ليرة و98 إلى 209300، ما يعني احتساب الدولار على سعر 15 ألف ليرة، وكلّ ذلك وظاهرة الطوابير ما زالت موجودة. 

وقد دفعت هذه الأزمة بالبعض إلى استغلال حاجة الناس لتحصيل الأرباح فتشكّلت مهن جديدة ومصادر دخل جديدة توفر أرباحاً معقولة، وراح هؤلاء يزاحمون المواطنين للحصول على البنزين باتوا يأخذون دورهم وأدوار غيرهم ما خلق حالة من الفوضى أدت إلى نشوب مواجهات عدة خلال الأشهر الماضية سقط فيها قتلى وجرحى ذهبوا ضحية أزمة المحروقات. 

هذا الأمر دفع بالبلديات إلى المسارعة لتنظيم عملية التوزيع، وأرسل محافظ بيروت مروان عبود الأسبوع الفائت بلاغاً إلى أصحاب المحطات العاملة ضمن نطاق مدينة بيروت طالباً منها عدم فتح محطاتهم ليصار إلى تأمين المؤازرة من قبل فوج حرس بيروت وقوى الأمن الداخلي حرصاً على سلامة الجميع. 

كذلك سعت البلديات في  بعض القرى إلى ضبط الأمور عبر استحداث منصاتٍ إلكترونية يتمّ عبرها حجز موعد لتعبئة البنزين، أو تنظيم الأدوار بحسب أرقام السيارات المتسلسلة ما ساهم في التخفيف من زحمة السير وحدوث المشاكل. 

اليوم هناك ثلاث  طرق للحصول على مادة البنزين وهي : إما الذهاب إلى محطة الوقود والانتظار في الصف، إما التوجّه إلى تجار البنزين غير الشرعيين الذين يبيعون الوقود بغالونات سعة عشر ليترات، والطريقة الثالثة هي تكليف سائق بديل مهمّته الوقوف والانتظار في صفّ المحطة مقابل مبلغ من المال. 

في هذا التحقيق نحاول تتبّع طرق التعبئة الثلاثة وسلسلة السماسرة و”المهن” الجديدة التي نشأت نتيجة الأزمة والحاجة ونروي القصّة اليومية للناس الذين يفنون أيّامهم على محطّات البنزين. 

محطّات الوقود “أهلاً بك في عالم الرعب”

“نحن لمّا منقرّر نفتح المحطة منكون نازلين إيدنا على قلبنا، نازلين على ساحة معركة”، يروي محمد دلباني صاحب إحدى محطات الوقود لـ”المفكرة”. ويوضح أنّ قرار فتح المحطّة بات يحتاج إلى شجاعة وجرأة كبيرتين، فالقتل وافتعال المشاكل وحرق المحطة باتت ممارسات واردة ومتوقّعة. 

لذلك لا يقتصر قلق دلباني وغيره من أصحاب المحطات على كيفية تنظيم عمل المحطة، بل يتعداه إلى الخوف من إشكالات يتمّ فيها إشهار الأسلحة وتتسبب بمقتل أحدهم أو إلحاق الأضرار بمعدات المحطة، “نحن إذا بيتكسر شي بدنا ندفع حقه بالدولار لنصلحه لأن ما حدا بيعوض علينا”. 

ويعتبر دلباني أنّ ما يحدث على الطرقات من زحمة سير خانقة وما يحدث من إشكالات لا دخل لأصحاب المحطات بها فبرأيه من يفتعل المشاكل هم الشبّان الذين وجدوا في الأزمة فرصةً لتحصيل أرباح وقوت يومهم، هؤلاء ما إن يعلموا بأنّ هناك محطّة ستفتح أبوابها حتى يتجمهروا أمامها ويبدأوا بإدخال أزلامهم لتعبئة سياراتهم ومن ثمّ تفريغ البنزين في غالونات لبيعها بطريقة غير شرعية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مشاكل تتطوّر إلى ضرب بالسكاكين واستعمال الأسلحة. والحل برأي دلباني هو توكيل جهاز أمني برصد هؤلاء والقبض عليهم. 

زحمة السير على محطة بنزين

سلسة من السماسرة تحرم المواطن ليتر البنزين

“صوتي رايح من كثر الصريخ والحكي مع الناس” ، بصوت خافت يروي علاء الذي استلم وظيفة تنظيم حركة دخول وخروج السيارات إلى إحدى المحطات لـ”المفكرة” ما يحدث داخل المحطة. ويشرح أنّ عملية توزيع البنزين باتت تدار من مجموعة سماسرة، “المحطات وتوزيع البنزين هو بإيد مجموعة سماسرة بيوزّعوا على بعضهم البعض”، وأنّ معظم المحطات باتت تسيطر عليها إمّا جهات حزبية وإمّا شباب المنطقة الذين بدأوا يتحوّلون إلى مجموعة عصاباتية محاولين فرض سيطرتهم بقوّة الزند والسلاح. ويعدّد علاء بالتدرّج من هم السماسرة المستفيدون من الأزمة والذين يتسبّبون بزحمة السير الخانقة.  

“أوّلاً عندك بعض أصحاب المحطّات” 

بحسب علاء يحاول بعض أصحاب المحطّات الاستفادة من الأزمة لتحصيل أرباح من خلال بيع جزء كبير من مخزونهم للتجّار غير الشرعيين أي ما أصبح يعرف بـ”السوق السوداء” مقابل بدلات مالية. لكن هذا لا ينطبق على جميع أصحاب المحطات فمنهم من يمتنع عن الرضوخ لهؤلاء التجّار والتعبئة خارج الأطر الشرعية، ما يؤدّي غالباً إلى التصادم وحصول إشكالات تتطوّر إلى تكسير المحطّة. 

“ثانياً أبناء المنطقة أو القبضايات” 

يروي علاء أنّ تمركز شبّان المنطقة على المحطّات المحيطة بهم بات بمثابة العرف السائد، وهو أمر يحصل بطلب من صاحب المحطة لحماية نفسه ومحطّته من التكسير “لمّا بيشغل أولاد المنطقة ما حدا بيسترجي يقرّب عليهن وهنّي رح يحموا مكان عملهم ورزقهم”. هؤلاء بحسب علاء مهمتهم تنظيم السير لكنهم أيضاً أكثر المخلّين بالنظام ويسعون لتمرير جماعتهم وأقاربهم من أبناء الحي. ويوسعون نشاطاتهم إما بالعمل في تجارة البنزين حيث يقومون بتعبئة الغالونات لبيعها لاحقاً بسعر مضاعف أو عبر تسهيل أمر تجّار السوق السوداء عبر تمرير السيارات ممتلئة بالغالونات مقابل بدلات مالية. والطريقة الثالثة هي عبر تسهيل مرور بعض السيارات المخالفة من دون حاجة صاحبها للانتظار، وهذ خدمة لها تسعيرتها الخاصّة. 

“ثالثاً موظّفو الماكينات”

المجموعة الثالثة من سلسلة السماسرة هم الموظفون الذين يفرغون الوقود في خزانات السيارات مباشرة، هؤلاء يتمّ رشوتهم إما مقابل عدم التزامهم بالقيمة المحدّدة للتعبئة حيث يقومون بملء خزان السيارة بدلاً من تعبئته بقيمة 100 ألف  ليرة مثلاً، وإما مقابل تسهيل عمل شباب التنظيم وبالتالي التجار غير الشرعيين في تعبئة غالونات بطريقة سرية، علماً أن عمل هؤلاء ينشط ليلاً وتحت جنح الظلام حيث تدخل السيارات والشاحنات الممتلئة بالغالونات الفارغة لتتمّ تعبئتها.  

“رابعاً العناصر الأمنية” 

يروي علاء أيضاً أنّ من يتسبّب بزحمة السير على المحطة التي يعمل عليها هم عناصر الجيش المخوّلون ضبط النظام، “ضابط الجيش بدّو يمرّق كلّ عناصره عكس خط الانتظار وبيبعت سيارات كلّها غالونات”، يفضّل علاء عدم حضورهم إلى المحطة “الجيش ما لازم يتدخل إلاّ لمّا يصير مشكل”. 

رحلة إلى المحطة  

عند الساعة السادسة صباحاً كان موعدنا في منزل أبو أحمد (اسم مستعار) الذي قرّرنا مرافقته إلى محطة الوقود لتعبئة سيارته التي اختار أن يركنها عند المساء على أن يعود صباحاً مع فتح المحطة أبوابها، “هيك بفيق مرتاح حاجز مطرح وبوصل على مهلي”. وكان أبو أحمد فرحاً كونه لا يسبق سيارته في الصف المنتظم أكثر من 15 سيارة “هلق منخلّص بسرعة ما في قدّامنا حدا”. 

خليط من مشاعر الخوف والرهبة والفرح تنتاب أبو أحمد. قبل ذهابه تناول وجبة فطور دسمة تحسّباً لطول وقت الانتظار، أمّا زوّادته فاحتوت على بعض اللفافات والفاكهة بالإضافة إلى قنينة ماء تم وضعها مسبقاً في الثلاجة حتى تجمّدت وسيتكفّل حر النهار بتذويبها تدريجياً وتحويلها إلى مياه باردة تروي عطش أبو أحمد خلال فترة انتظاره.  

انطلقنا إلى المحطة وبصعوبة تمكّن أبو أحمد من العثور على سيارته المركونة، إذ انتظم صفّ ثان بموازاة الصفّ الأوّل وامتد لمسافة بعيدة. وكما تستيقظ الحقول والمدن والقرى يستيقظ صف الانتظار، رويداً رويداً يأتي أصحاب السيارات المركونة ليستقرّوا فيها، يشغلّوها متفقّدين علّام الوقود. دقائق معدودة يعودون إلى إطفائها توفيراً لما تبقى في خزانها، منهم من يشغّل أغاني فيروز، منهم من حضر عند الساعة الخامسة صباحاً وأكمل نومته في السيارة. يبدأ أصحاب السيارات المجاورة بالتجمّع وتبادل أحاديث قليلة، يتعازمون على شرب القهوة والسجائر، ثم يهيّئون أماكن جلسات تضمن راحتهم لساعات الانتظار، منهم من يرتّب مجلساً طبيعياً في فيء شجرة ، منهم من يأخذ من فيء السيارات مجلساً له، يتحدّثون في وضع البلاد وما آلت إليه الحال. 

عند الساعة الثامنة صباحاً يمرّ أحد شباب التنظيم على درّاجته النارية يوزّع على المنتظرين “بونات” عبارة عن أوراق مدوّن عليها أرقام،  يتمسّك المنتظرون بالبونات فبدونها لا يمكن العبور إلى المحطة، هي بمثابة صك ملكية دورهم في الصف. ويحدّد صاحب المحطة عدد البونات التي سيصار إلى توزيعها بناء على عملية حسابية تقوم على  تقسيم كمية الوقود المتواجدة على القيمة المقطوعة للتعبئة (100 ألف ليرة للسيارة الواحدة) فيحصل على عدد السيارات التي تكفيها الكميّة. وفي ذلك اليوم تمّ توزيع  100 بون. 

عند التاسعة، تأهّب عمّال المحطّة، تمّ تشغيل الماكينات وانطلقت عملية التعبئة، ببطء شديد يتقدّم السير، مرّت ساعة ساعتان ثلاث ساعات وما من تقدّم ملموس. 

مع اشتداد حرارة الشمس راح أصحاب السيارات المنتظرون يستعينون بما لديهم من حاجيّات لحماية أنفسهم من أشعة الشمس الحارقة ، يبتكرون مظلّاتهم الخاصّة، فمنهم من يعلّق قميصاً أو كنزة أو شرشفاً قديماً أو حتى سجّادة صلاة. 

وفي “طابور الذلّ” المنتظم لا أفضلية مرور لا لسيّدة ولا لمسنّ ولا لمريض، في “طابور الذل” المنتظم الكلّ سواسية وما من أحد من المنتظرين يقوى على افتعال المشاكل ضدّ من يحاول تجاوزهم من أصحاب الواسطة. فخارج صف الانتظار اللغة السائدة هي لغة النفوذ والقوّة  لذلك يعضّ المنتظر على جرحه ويسكت وإلاّ فثمنه سكّين أو رصاصة.

نترجّل من السيارة ونقطع المسافة القليلة الباقية للدخول إلى المحطة، المدخل محصّن بعوازل حديدية هدفها الظاهر هو قطع الطريق عن كلّ متسلّل يحاول تجاوز الخط. ولكن وحدهم شباب التنظيم والجيش والقوى الأمنية والعمّال وصاحب المحطة من يقرّر متى تفتح العوازل ومن يمكنه المرور. وحده صف السيارات المنتظم الذي جاء أصحابه منذ ساعات الفجر الأولى بكل احترام لا يتحرّك ولا تعبر سيارة منه على الرغم من حصول أصحابها على بونات. يرهق الانتظار الشباب والشابات المنتظرات ولا يعترض أحد منهم لا على سوء التنظيم ولا على الواسطات والمحسوبيات، كذلك هو حال كبار السن الذين لا حيلة لهم ولا قوّة يجلسون في سياراتهم يأكل التعب والعرق والقهر والذل من لحمهم وحيلهم وكرامتهم. 

تفتح العوازل وتمرّ السيارات المخالفة من دون تنظيم، من الجهة الثانية سيارات تأتي عكس السير في محاولة لدخول المحطة. وإذا ما تجرّأت على سؤال أحدهم لماذا يسمح للمخالفين بالمرور يكون الجواب جاهزاً “حالات استثنائية، حالات مرضية، عجزة”. الحس الإنساني لدى هؤلاء المنظمين المعرقلين لا يلتفت إلى العجزة والمرضى في الصف المنتظم، هي إنسانية استنسابية لا تبرز سوى على الحالات الاستثنائية المخالفة.

أكثر من ساعتين ولم يتمكّن أحد من تفكيك شيفرة السير، الجميع عالق في متاهة. 

وغالباً عندما تشتد وتيرة الغضب وتتعالى صيحات الاعتراض، فيعلن صاحب المحطّة توقّف الماكينات عن العمل، ويسود المحطّة جوّ من الخوف والرعب من عراك يتطوّر إلى إشهار سكاكين وأسلحة، أهلاً بكم في عالم الرعب. 

كل هذا يجري على المحطة وأصحاب السيارات في الصف المنتظم في الخلف لا يدرون بشيء، منهم من يتعب فيغادر بعد انتظار ساعات، ومنهم من يبقى صامداً في مكانه. 

 شارفت الساعة على الثالثة بعد الظهر وسيارة أبو أحمد لم تصل بعد إلى المحطة. مرّت ساعة أخرى في الانتظار وإذ بأبي أحمد يعود منتصراً في خزان سيارته وقود بقيمة 100 ألف ليرة. هذه المرّة كان حظه يسيراً من يدري في المرة المقبلة ماذا سيحدث؟ فطبعاً طابور الذلّ لا ينتهي دائماً بتعبئة البنزين فمع التجاوزات المستمرّة للصف، يمكنك أن تنتظر ساعات وأنت تحمل رقماً ولكن يأتي موظّف المحطّة ويخبرك أنّ المخزون قد نفذ. 

نيّال من له تاجر سوق سوداء في لبنان 

أن يكون الحظ حليفك في هذه الأيام القاحلة لا يعني أن تجد محطّة وقود عليها صف سيارات قصير لأنّ الأمر أصبح مستحيلاً. الحظ يحالفك إن كنت على معرفة بأحد أصحاب المحطّات أو على علاقة بأحد تجّار الوقود غير الشرعيين، حيث يمكنك شراء غالونات بنزين بسعر مضاعف عنه في محطة الوقود، غالونات توفّر عليك الوقوف في “طابور الذلّ” لساعات.

يروي أنيس (اسم مستعار) وهو أحد التجّار غير الشرعيين أنّ تجارة البنزين اليوم هي من أربح المهن، “يمكن أن يصل دخلك يومياً إلى مليون ومليون ونصف تقريباً”. أنيس الذي يعمل في إحدى المطابع قلّل من ساعات حضوره في مقابل استئجار سيارة كي يتمكّن من تعبئتها وتفريغ خزّانها في غالونات ومن ثمّ بيعها بأسعار مضاعفة. أنيس على معرفة بأحد منظمي السير في إحدى المحطات وهو يقوم بتسهيل مروره. يزور المحطّة حوالي ثلاث مرات يومياً، أحياناً يتمكّن من تعبئة غالونات على الفور، ويكلّفه غالون البنزين سعة عشر ليترات حوالي 120 ألف ليرة من ضمنها حصّة شباب التنظيم ويقوم ببيعه بـ 250 ألف ليرة كحد أدنى. يتمكّن أنيس من تخزين 6 غالونات على الأقلّ في النهار الواحد يمكن إعادة بيعها بحوالي ثلاثة ملايين ليرة لبنانية. 

ولا يعمل أنيس وحده في الحي بهذه المهنة الجديدة فمعظم شبّان الحي باتوا يحترفونها. يقول إنّ منطقته تعوم على بحر من البنزين، “الله يسترنا من كارثة”. وخلال المقابلة بدت حركة الناس والشباب في الشارع متوتّرة، همس أنيس في أذني قائلاً “هلّق جاي رابّيد مليان”، بدا الشباب في حالة استنفار وراحوا يوسّعون الطريق للسيّارة الآتية والمحمّلة في صندوقها غالونات من البنزين، وصلت السيارة، سهّل الجميع مهمّة حجب حمولتها عن الأنظار، وراح الجميع يتعاون على تفريغ الحمولة التي زادت عن 70 غالون نقلوها إلى إحدى الشقق المهجورة. 

يقول أنيس إنّه على الرغم من أنّ الحمولة تخصّ أحد أصدقائه لكنّ الجميع على وفاق يتعاونون ويتكاتفون، “نحن بيهمّنا الناس يضل ماشي حالها وما ينقطعوا من البنزين”، يقول محاولاً ربّما تبرير عمله.

يسترق حسن صديق أنيس السّمع ويقاطعه قائلاً “سؤال: إنتو لولانا شو كنتوا عملتوا؟ لو ما في بنزين بهيدي الطريقة كانت الناس ماتت”، يتوقّف ليرد على مخابرة هاتفية من أحد الزبائن الذين يريدون البنزين “أنا بوصلّك غالونين، إنت وين؟ أنا بجي على الموتسيكل؟”، ينهي حسن المكالمة ويلتفت صوبنا ” شوفي هلّق رايح ساعد واحد مقطوع”. 

السائق البديل مهنة جديدة مقدّراتها “الصبر” 

طريقة أخرى يمكن للمواطن الذي لا يستطيع الوقوف في طابور المحطة استخدامها وهي الاستعانة بسائقٍ بديل تكون مهمّته الوحيدة الوقوف في الصف. “أنا  وقّفوني عن الشغل فبدل ما روح أسرق بشتغل أي شي”، محمد أب لولدين خسر وظيفته بعدما أقفل المطعم الذي كان يعمل به مؤخراً، فوجد في سوق البنزين مصدر رزق.

ولأنّه لا يريد مخالفة القوانين وتعبئة غالونات لبيعها في السوق السوداء، قرّر الاستفادة من الأزمة معمّماً رقمه على أصحابه ومعارفه كسائق بديل يمكنه الانتظار في طابور السيارات عند محطّات الوقود لتعبئة السيارات، “في كثير ناس ما بتقدر توقف أو ما بتقدر توقّف شغلها لتوقف عالمحطة، أنا بوقف مطرحها”. يتقاضى محمد عن كل سيارة يقوم بتعبئتها من خمسين إلى مئة ألف ليرة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أطراف معنية ، أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، حقوق المستهلك ، فئات مهمشة ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني