18 ضحية غرق في شهرين والبلديات “ما خصنا”: من المسؤول عن سلامة رواد البحر والأنهار؟


2024-05-29    |   

18 ضحية غرق في شهرين والبلديات “ما خصنا”: من المسؤول عن سلامة رواد البحر والأنهار؟

على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، تجلس رُلى (ق) تراقب الأمواج المرتفعة وتحاول الاستمتاع بأشعة الشمس على وقع بكاء ابنها (3 سنوات) الذي يريد السباحة: “حبيبي شوف الموج كتير قوي وعم يقوى أكثر وأكثر ومدير الشط ما بيسمحلنا ننزل عالبحر”. 

لم تلحظ “المفكرة القانونية” أي “مدير” والمقصود به المنقذ البحري، على الشاطئ الرملي الشعبي الوحيد التابع لبلدية بيروت في العاصمة، وبحسب عضو في جمعية “الأزرق الكبير” فإنّ “اليوم عطلة (25 أيار)، والدفاع المدني حذّر من ارتياد الشاطئ بسبب التيارات البحرية والطقس الخطر على ممارسي السباحة”. فيما تقول رُلى إنّها كانت تفضّل اصطحاب طفلها إلى مكان آمن ومراقب “بس من وين بجيب الدولارات؟”، تبرر. كما أنّه هنا يمكن للعائلة جلب بعض السندويشات والماء وحتى العصائر فلا تكلّف “الضهرة” كثيرًا، ولا تدفع بدل دخول. 

في الجانب الآخر من المكان عينه. وعلى كرسي جلبها معه، ينتظر محمد وولداه بقربه، الأوّل في الثالثة عشرة والثاني في الحادية عشرة من العمر، أن تهدأ الأمواج الهائجة لكي يسبحوا. يبرّر محمد اصطحاب ولديه إلى شاطئ الرملة البيضاء بفقدان مدخوله قيمته بعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف في البلاد منذ خريف 2019 “ما بقدر آخدهم على أي مسبح خاص، بدك 100 دولار ع القليلة لكلّ نزلة ع البحر، وراتبي، بعد تحسينه، ما بيتجاوز 300 دولار”. 

“المفكرة” التقت هاتين العائلتين يوم السبت الماضي في 25 أيار، بعد أن كانت المديرية العامة للدفاع المدني قد حذّرت “المواطنين والمقيمين والسائحين من ارتياد الشاطئ، لأنّه قد يعرّضهم لخطر الغرق سيما بعد أن تكرّرت حوادث الغرق في الآونة الأخيرة” وذلك “نظرًا لما يشهده الشاطئ اللبناني من تأثيرات المنخفضات الجوية المتتالية التي طبعت الطقس مؤخرًا، ما تسبّب بارتفاع الأمواج مع سرعة لافتة في حركة التيارات البحرية بتأثير حركة المد والجزر المتأتية عن سرعة الرياح”. 

فمع التحسّن الذي طرأ على الطقس، لا يمرّ أسبوع من من دون حصول حالة غرق أو أكثر في البحر والأنهار والبرك الزراعية، حيث قضى 18 شابًا وقاصرًا منذ 14 آذار الماضي ولغاية 25 أيار الجاري، أي خلال شهرين، 11 ضحية من بينهم في البحر و7 في برك زراعية في مناطق ريفية، وفق ما أكده رئيس وحدة الإنقاذ البحري في الدفاع المدني سمير يزبك، لـ “المفكرة”.

تفتح حوادث الغرق التي تُعرّض حياة اللبنانيين، وخصوصًا الفئة العمرية الشابة المتحمّسة للسباحة، مع بدء فصل الربيع وعلى أبواب الصيف، الباب للتساؤلات حول أمن سكان لبنان وصون حقهم في الاستمتاع بالسباحة في بلد نهب فيه المتعدّون على الأملاك البحرية 80% من مساحة الشاطئ الممتد على 220 كيلومترًا، وفق ما يؤكد رئيس جمعية “نحن” محمد أيوب لـ “المفكرة”. ولم يبق منه سوى 20% متاحة للعموم إما وفق تعريفة دخول مقبولة، أو مجانًا، فيما احتلّ ناهبو الأملاك البحرية مناطق الشاطئ الأكثر أمانًا للسباحة والارتياد ومنعوها عن الناس بتواطؤ من السلطة. ويمعن محتلّو الأملاك البحرية باستثمار منتجعات مترامية في جني أرباحهم و”دولرتها” على حساب المال العام وخزينة الدولة، كما على حساب رواد الشاطئ ومنع الشريحة الأكبر من سكان لبنان من دخولها بعد انهيار مداخيلهم وقدرتهم على تحمّل تسعيرة المرافق السياحية البحرية. فعلى سبيل البيان وليس الحصر، يبلغ رسم الدخول إلى النادي العسكري 20 دولارًا على الشخص نهاية الأسبوع للمشتركين من المدنيين، رغم أنّه الأدنى سعرًا بين المنتجعات السياحية في لبنان، فيما لا يقل الرسم عن 50 دولارًا على الفرد في المنتجعات الخاصّة المصّنفة “مرتّبة”، ولا يقل ثمن وجبة سريعة متواضعة عن 15 دولارًا، وكلفة قارورة المياه عن 5 دولارات ومثلها قارورة المرطبات كمعدل وسطي، طبعًا في مسبح خاص متواضع. وهو مبلغ لا يمكن لأي عائلة من ذوي الدخل المحدود مؤلفة من 4 أشخاص تحمّلها حاليًا.  

أما الـ 20% المتاحة لعامّة الناس فتضيع المسؤولية عنها بين بلديات المناطق الواقعة ضمن نطاقها وبين وزارة الأشغال المسؤولة عن الأملاك البحرية، إضافة إلى تذرّع معظم البلديات بانعدام الموارد لتنظيم الدخول إلى الحيّز البحري العام المجاني، ومعها تحمّل كلفة تعيين عمال إنقاذ بحري، وكذلك صلاحية منع نفاذ الراغبين بممارسة السباحة من دخول الشاطئ عندما يكون البحر خطرًا عليهم، أو حتى رفع أعلام حمراء تحذيرية مع إعلان المديرية العامة للدفاع المدني خطورة ارتياد الشاطئ. إضافة إلى ذلك يبرز استهتار الناس بالتحذيرات وعدم الالتزام بها، كما عدم وصولها أساسًا إلى معظمهم، كما يقول بعض روّاد البحر لـ “المفكرة”: “ما معنا خبر إنه البحر خطر بهالوقت”، وفق العديد ممّن كانوا على الشاطئ، يوم السبت الماضي، في 25 أيار، وممارسة البعض القفز من صخور مرتفعة وعبر صخور خطرة في البحر والأنهار من دون تقدير المخاطر الناجمة على حياتهم من تصرفاتهم تلك.

18 ضحية نتيجة نهب الشاطئ والإهمال والاستهتار

حادثة الغرق الأخيرة التي وثّقتها المديرية العامة للدفاع المدني (لغاية اليوم نهار السبت الماضي في 25 أيار) قضى فيها الشابان يحيى عبوس، ابن طرابلس ووليد سركيس، من كفرحاتا في قضاء الكورة، غرقًا عند شاطئ كفرعبيدا قرب البترون. كذلك وقعت مأساة أخرى في 12 أيار في جبيل حيث توفيّ ثلاثة تلامذة من بلدة دير الأحمر البقاعية غرقًا هم جايسون حبشي وأنطونيو معيكي وشربل كيروز تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، فيما تم إنقاذ ستة آخرين، كانوا برفقتهم. وقصدت المجموعة الشاطئ، “بهدف التدّرب على تقديم عرض المرافقة إلى حفل التخرّج (Promposal) نهاية العام الدراسي”، وفق ما ذكره رئيس بلدية جبيل وسام زعرور لـ “المفكرة”. 

وفي 19 نيسان الماضي قضى ثلاثة أشخاص غرقًا عند شاطئ صور، وفي 26 من الشهر نفسه انتشل فريق الإنقاذ البحري في الدفاع المدني جثة الغريق محمد محمود مهدي، عضو مجلس بلديّة القصيبة، جنوب صور، وكان الدفاع المدني قد أنقذ غريقين في المكان عينه. وفي 27 من نيسان عينه غرقت مجموعة مكوّنة من 7 سوريين على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، قضى ثلاثة منهم غرقًا، وتمّ إنقاذ الأربعة الآخرين. وكان الدفاع المدني انتشل في 11 آذار جثث ثلاثة أطفال سوريين، تتراوح أعمارهم بين 9 و13 سنة، من بركة زراعية يبلغ عمقها 4 أمتار، في تل عمارة-رياق.

وفي 14 آذار قضى الطفل علي شحادة (7 أعوام) في بركة للري قرب منزله في عندقت العكارية، وكما غرق أيضًا الفتى إبراهيم م. ت. (13 سنة) سوري الجنسية، في إحدى البرك الزراعية في خراج البلدة عينها في 4 أيار الحالي.

وفي 18 شباط الماضي، قضى شخصان في بركة زراعية في سهل بلدة العلاق- قضاء بعلبك، جرّاء انحراف “بيك آب” كانا يستقلّانه.

الشاطئ الشعبي متنفّس وحيد

بالنسبة لرُلى، المقيمة في الطريق الجديدة في بيروت، ومحمد المقيم في الشياح، يشكل ارتياد الشاطئ الشعبي المجاني في الرملة البيضاء، “المتنفّس البديل ويكاد يكون الوحيد، الباقي لنا ولأولادنا لقضاء وقت جميل من دون الاضطرار إلى دفع تكلفة مرتفعة، إن كان من ناحية المسابح الخاصة أو المطاعم والملاعب أو أسعار المحروقات التي تمنعنا من التوجّه إلى خارج المدينة”. 

عضو الهيئة الإدارية في حملة “الأزرق الكبير” التي تهدف إلى حماية ومراقبة الشواطئ والحياة البحرية، والمدير المسؤول عن شاطئ الرملة البيضاء نزيه الريّس يشير في حديث مع “المفكرة”، أنّ الشاطئ لم يعد مقصدًا للسباحة فقط، بل أصبح المنتزه المجاني للعموم، يمارس فيه قاصدوه كل أنواع النشاطات الترفيهية من سباحة وألعاب كرة قدم وكرة يد وغيرهما، كما أن الناس يأتونه لاحتساء القهوة وتمضية الوقت ولقاء العائلات والأصدقاء.

يبلغ طول شاطئ الرملة البيضاء، حسب الريّس، 1800 متر بعرض وسطي تقريبي يبلغ 75 مترًا على مدار السنة (حيث حركة المد والجزر تختلف وفق الفصول)، لكن حملة “الأزرق الكبير” مسؤولة فقط عن 600 متر منه، موضحًا أنّ وزارة الأشغال كانت تتكفّل بكل مصاريف الشاطئ،  إلّا أنّه منذ العام 2005 توقفت عن الدفع، “مع منحنا الرخص اللازمة من مجلس الوزراء كجمعية لفتح أكشاك صغيرة وإدارتها وتحمل التكاليف والأجور. وبالتالي تحوّل دور الوزارة إلى الإشراف فقط. واليوم الجمعية مسؤولة عن تنظيف الشاطئ واختيار المنقذين البحريين وحماية مرتادي البحر”.

وعن حالات الغرق التي حصلت وتحصل على الرملة البيضاء، روى الريّس لـ “المفكرة” قصة غرق الشبان الثلاثة في 27 نيسان الماضي: “التقى 7 أشخاص على الشاطئ، وكان البحر هائجًا، جلسوا على الرمل في مكان بعيد عن أعيننا. توجّه أحد رجال الإنقاذ من قبلنا نحوهم، طالبًا منهم عدم السباحة لخطورة حركة التيارات البحرية، إلًا أنّ شخصًا من بينهم لم يتجاوب مع طلبنا، فسحبه التيار، وحاول رفاقه مساعدته فسحب التيار 2 آخرين منهم، وأنقذنا الباقي”. ويومها، تم العثور على جثة أحد الغرقى مساء اليوم نفسه، بالتعاون مع صيادي الأسماك على بعد كيلومتر ونصف من شاطئ الرملة البيضاء، فيما ظهرت الجثة الثانية عائمة على سطح المياه في اليوم الثاني، ووجدت الجثة الثالثة على مقربة من فندق الموفنبيك. 

مسؤولية الناس

إذًا، على الرغم من أنّ فصل الصيف لم يبدأ بعد، وعلى الرغم من كلّ تحذيرات الدفاع المدني المتكررة التي توصي بعدم ارتياد البحر، لا سيما الشواطئ المخصّصة للعموم، بدأ اللبنانيون والمقيمون بارتياد المسابح وخصوصًا الشواطئ المخصصة للعموم، مع بواكير فصل الربيع، واكتظت بعض الأماكن من الشاطئ اللبناني، لا سيما خلال أيام نهاية الأسبوع  بأطفال وطلاب وطالبات وشبان وشابات وعائلات، للتمتع بالدخول الحرّ المجاني إلى المساحات العامة.
إلاّ أن ثمن هذا الإقبال يأتي مرتفعًا وباهظًا حيث يخسر هؤلاء حياتهم وتُنكب أسرهم، سواء في البحر أو في الأنهار أو في البرك الزراعية المخصّصة للري التي يقصدها أبناء الأرياف. وتوثق المديرية العامة للدفاع المدني أنّ عدد ضحايا الموت غرقًا في لبنان، يتراوح سنويًا ما بين 120 و130 شخصًا، يقضي 60% منهم غرقًا في البحر، و40% في الأنهار وبرك الري، وفق يزبك رئيس وحدة الإنقاذ في الدفاع المدني. وسجّل هذا العام حتى الآن وفاة 18 شابًا وقاصرًا غرقًا خلال نحو شهرين فقط، هي ما قبل الانطلاق الرسمي لموسم السباحة الصيفي.
ويرى يزبك، أنّ أسباب الغرق متعددة منها حركة التيارات المائية القوية والأمواج العالية، إضافة إلى عدم امتثال السبّاحين لنصائح الدفاع المدني والتحذيرات التي تنشرها المديرية بشكل دائم ومتكرر عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ويردّ السبب أيضًا إلى تقلّبات الطقس خلال شهر أيار ومعه معدلات درجات الحرارة المتقلّبة من باردة إلى حارة، فتتشكل الأمواج العالية، وتشتدّ حركة التيارات المائية. 

ويشير يزبك إلى أنّ التجاوب مع محاولات الدفاع المدني منع الناس من السباحة في هذا الطقس، معدوم. ويلفت إلى أنّ الأمر لا يقتصر على البحر بل ينسحب على الأنهار أيضًا، بخاصّة لدى ارتفاعها عند ذوبان الثلوج، طالبًا من المواطنين  الابتعاد عن ضفاف الأنهار، محذرًا من السباحة في بحيرات السدود أيضًا “فهي ليست للسباحة وهي خطرة جدًا لبرودة مياهها”. ويوثق يزبك خطرًا إضافيًا يتمثل بعمليات القفز عن صخور مرتفعة، حيث يدفع شبان كثر حياتهم نتيجة الاستعراضات التي يقومون بها، كما أنّ بعض الآباء يصطحبون أولادهم القصّر لتعليمهم القفز الخطر، من دون التنبّه إلى خطورة ذلك على حياتهم.


البلديات تتنصّل من مسؤولياتها وتنتظر إذن وزارة الأشغال

 يحدّد القرار التشريعي 144/س الصادر عام 1925 الأملاك العامّة البحرية الممتدة على طول الساحل اللبناني، على أنّها مساحة تمتد على طول الشاطئ من البحر حتى أبعد نقطة يصل إليها الموج في فصل الشتاء. وتشمل أيضًا جميع المساحات الرملية والصخرية وتلك المكوّنة من الحصى على الشاطئ، ويحقّ لكلّ شخص الوصول إليها. لكن غياب الإرادة السياسية وعدم تطبيق القانون في ظلّ التعدّي الكبير على الأملاك البحرية واستثمارها، يعرقل الوصول الحرّ إلى الشاطئ، وفق رئيس جمعية “نحن” محمد أيوب.

ويشير أيوب في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ وزارة الأشغال حددت عددًا من المسابح الشعبية، تشرف عليها البلديات، فأقامت مساحات في الرملة البيضاء، وأخرى في صيدا وثالثة في صور ورابعة في جبيل، وخامسة في طبرجا. إلّا أنّ البلديات ووزارة الأشغال لا تدير هذه المساحات على الشاطئ بشكل آمن وشامل: “هناك حضور خجول لوزارة الأشغال العامة وغياب تام لدور البلديات وجوابها الحاضر عند حصول حادثة “ما خصّنا”، مع العلم أنّ للبلدية علاقة مباشرة مع كل ما يقع ضمن نطاقها الجغرافي، فهي في النهاية تمثّل الناس في نطاقها وسلامتهم من مسؤوليتها. وبالتالي فإنّ التواصل مع وزارة الأشغال والتنسيق معها لإدارة الأملاك البحرية، هو واجب أساسي من واجبات البلدية”.

وبالفعل، تواصلت “المفكرة” مع رئيس بلدية جبيل وسام زعرور، فنفى نفيًا قاطعًا مسؤولية البلديات عن حالات الغرق في نطاقها، خصوصًا خارج التوقيت الصيفي. ويقول زعرور إنّ “حادثة غرق الطلاب الثلاثة أتت في توقيت خارج توقيت بدء الموسم السياحي،  وكنّا بانتظار أذونات وزارة الأشغال العامة لوضع أكشاك برج المراقبة وإشارات الأماكن المسموحة للسباحة والعلامات اللازمة لذلك”. ويشير إلى أنّه لا يوجد قانون يسمح لرئيس البلدية إقفال ممرات الشاطئ العام، ولا إجبار المواطنين على عدم ارتياده: “نحن ليس لنا حق نصب خيمة أو شراء كرسي للتمدد، من دون توقيع وزير الأشغال والداخلية”. ويضيف زعرور أنّ هذه الأذونات تبدأ في أوائل شهر حزيران، وقبل ذلك لا يمكن للبلدية تأمين رجال إنقاذ وتوزيعهم على الشاطئ”.

ويوضح رئيس بلدية جبيل أنّ هناك 7 مداخل للشاطئ المفتوح للعموم في جبيل، كل مدخل منها يحتاج إلى عامليّ إنقاذ، أي نحتاج إلى 14 منقذا لتغطية كل المداخل، وهذا يعني تأمين رواتب لهؤلاء ومعدات انقاذية، تصل تكلفة كل ذلك إلى ما يعادل مليار ليرة، سائلا من أين سنؤمن هذه الأموال؟. ويؤكد زعرور أنّ البلدية مفلسة، وكذلك الحكومة فـ “لولا تبرعات أهل المدينة لما استطعنا توفير كل ما نحتاجه”.

  من جهته ، يقول رئيس بلدية صور حسن دبوق لـ “المفكرة” إنّ موسم السباحة يبدأ في أواخر شهر أيارـ أوائل شهر حزيران، وإنّ البلدية باشرت استعدادها واستكمال الإجراءات اللازمة لضبط الأمور، من وضع الإشارات والأعلام الحمراء في الأماكن الخطرة التي تكثر فيها حركة التيارات البحرية، ووضع “الفواشات” لتعليم الحدود المسموح الوصول إليها، إضافة إلى تحضير رجال الإنقاذ وعمال تنظيف الشاطئ والحراس للإشراف مواقف السيارات وتأمين عدم تعرض سيارات الوافدين للسرقة. وتتأمّن هذه المبالغ من بدلات ركن السيارات في المواقف المخصصة لذلك ومما تدفعه الخيم البحرية على شاطئ صور. 
ويلفت دبوق إلى أنّ طول الشاطئ الشعبي في محمية صور يبلغ 3 كيلومترات، وعلى الشاطئ نقطة بحرية يتواجد فيها الدفاع المدني والصليب الأحمر للتدخل عند الحاجة. 

الغرق: من المسؤول؟

ينتج غرق الأشخاص المستشري عن أسباب عدّة ومتنوّعة، منها التقلّبات المناخية التي ما زالت مستمرّة على غير عادة لغاية عشية بدء شهر حزيران الصيفي، بالتوازي مع انعدام الرقابة والتدابير والتجهيزات الانقاذية وفق ما لحظته “المفكرة” وأقرّ به المعنيون، وعدم إدارة الشاطئ من قبل البلديات بمعايير واضحة وملزمة للسلامة والأمان، مثل وضع رايات حمراء واضحة تحذّر من ارتياد البحر، ووجود مراقبين يتولّون مراقبة الشاطئ في أماكن مختلفة، إضافة الى عدم تقيّد المواطنين بإرشادات السلامة العامة، وبـ التحذيرات.

وفي هذا الإطار، توضح رئيسة جمعية بيبلوس إيكولوجيا الدكتورة فدوى كلّاب في حديث مع “المفكرة” أنّ غالبية المساحات البحرية العامة في لبنان غير مراقبة وخالية من إجراءات التدخّل السريع للإنقاذ.
وترى أنّ أكثرية الغرقى هم في عمر الشباب، يفتشون على أماكن يتنفّسون من خلالها، ومن المهمّ ترك منفذ لهم للتعويض عن الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، تبعدهم عن العنف والمخدرات وحتى عن إدمان بعض وسائل التواصل الاجتماعي ومنها “التيك التوك”.

وترى أنّ هؤلاء الشباب ليس لديهم خيارات أخرى، إذ لا يوجد ملاعب كرة قدم ومنتزهات مساحات عامة. والبحر معتدى عليه من أصحاب المنتجعات والمسابح الخاصّة، ويبقى لهم بعض المساحات البحرية العامّة كمتنفّس وحيد ولكنّه أقل أمانًا من المساحات المنهوبة.

وتشدّد كلاّب على أنّ معظم الوافدين إلى الشاطئ العام لا يملكون رفاهية تعلّم دروس السباحة في مراكز التدريب، وعليه، لا يعرفون السباحة وليست لهم علاقة بالبحر، أو علاقتهم مستجدة به، ومعظمهم من غير أهل المنطقة، وهذا ما يدلّ على عدم معرفتهم بالأماكن الخطرة.

وفي السياق نفسه ، يدعو يزبك بدوره روّاد السباحة إلى الابتعاد عن القفز العالي بخاصّة في عين المريسة، ما يؤدي إلى حوادث وفاة أو شلل. كما ويدعو أصحاب الزوارق والصيادين الذين يتعرّضون إلى كثير من الحوادث خلال وقوفهم على الصخور لأجل الصيد، الى عدم وضع شباك الصيد على مقربة من الشاطئ كي لا يعلق فيها رواد البحر. وأيضًا بالنسبة لسائقي الدراجات المائية (jet ski) إذ يجب الابتعاد بها إلى أكثر من 300 متر عن الشاطئ، وعدم اقترابها من رواد السباحة.
ويرى يزبك أنّ عدم وجود عدد كاف من عناصر الإنقاذ يساهم في ازدياد حالات الغرق التي تؤدي إلى الوفاة. حيث يشهد شاطئ الرملة البيضاء وصور وعمشيت اكتظاظًا لآلاف الأفراد مع عدم القدرة على مراقبتهم. 

التلوّث بالمرصاد

يُضاف إلى عدم الأمان على الشاطئ من ناحية السلامة العامّة، هناك 24 مكانًا صالحًا للسباحة في العام 2022، تدنّى عددها في العام 2023 إلى 22 مع تزايد نسبة التلوث في البحر. وفيما كان 65% من مساحة الشاطئ اللبناني صالحة للسباحة في عام 2022، تقلّصت هذه المساحة إلى 60% في العام 2023، وتراجعت المساحات المصنّفة “آمنة للسباحة” بحسب التقرير السنوي العام الماضي لمركز علوم البحار في المجلس الوطني للبحوث العلميّة، عن الواقع البيئي للشاطئ اللبناني انطلاقًا من شعار أين نسبح هذا الصيف؟.

وبالنسبة لنتائج تقرير العام الحالي 2024، أشارت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتورة تمارة الزين في اتصال مع “المفكرة”، إلى أنّ المجلس سيعلن تقريره الجديد في مؤتمر صحافي في منتصف حزيران المقبل.
وعليه، تذكّر “المفكرة” بنتائج تحاليل تقرير العام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه، عن الأماكن النظيفة والأخرى الملوثة، إذ سُجّل وجود 24 نقطة كانت صُنّفت من جيّدة الى جيّدة جدًا وممتازة، انخفضت إلى 22 منطقة بحرية صالحة للسباحة بأمان، موزّعة على طول الشاطئ اللبناني، ولا تدخل ضمنها المساحات القريبة من المدن الرئيسية أو تلك المحاذية للمصانع ونقاط الصرف الصحي، وتَبَيّن أنّ هناك 6 مواقع ملوثة جدًا ولا تصلح للسباحة نهائيًا، وبعضها مسمّى بـ “المسابح الشعبية”.

وسجّل التقرير الأماكن على الشاطئ الصالحة للسباحة وتضمّ كلًّا من: طرابلس (بجانب الملعب البلدي)، أنفة (أسفل دير الناطور، وتحت الريح)، الهري (شاطئ ذو منفعة خاصة)، سلعاتا (شاطئ شعبي)، البترون (شاطئ البحصة العام)، عمشيت (الشاطئ الشعبي) جبيل (الشاطئ الرملي، وشاطئ البحصة الشعبي)، البترون (الحمى)، الفيدار (أسفل جسر الفيدار)، العقيبة (مصب نهر إبراهيم)، البوار (الشاطئ العام) جونيه (الشاطئ العام)، الدامور (شاطئ ذو منفعة خاصة)، الجية (شاطئ بمنفعة خاصة)، الأوّلي (الشاطئ شمال مصب نهر الأوّلي)، الصفرا (أسفل شير الصفرا)، الناقورة (شمال مرفأ الناقورة)، صور (شاطئ المحمية الطبيعية)، الرميلة (شاطئ بمنفعة خاصة) وعدلون (شاطئ منفعة خاصة).
ولَحظ التقرير أيضا تلوث 6 مواقع شعبية من أصل 37 ملوّثة إلى ملوّثة جدًا، وهي: جونيه (المسبح الشعبي الرملي)، طرابلس (المسبح الشعبي)، أنطلياس (المسبح الشعبي)، بيروت المنارة (أسفل منارة بيروت)، الضبية (جانب المرفأ) وبيروت (شاطئ الرملة البيضاء الشعبي).

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني