1600 محامٍ تونسي ينتفضون ضدّ التعذيب: “استراتيجية العدد” في مواجهة استخدام القضاء


2024-05-21    |   

1600 محامٍ تونسي ينتفضون ضدّ التعذيب: “استراتيجية العدد” في مواجهة استخدام القضاء
رسم عثمان سلمي

صباح يوم 20-05-2024، تقدّم أكثر من 1600 محامٍ تونسي أي قرابة خمس المحامين المباشرين فعليا، بعريضة لوكالة الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس يطلبون صلبها إجراء بحث ضدّ من اتهمهم زميلهم مهدي زقروبة بتعذيبه أو بالتستر على واقعة تعذيبه فترة الاحتفاظ به. وتبدو هذه الشكاية على أهمية خاصّة إذ أنها توثّق شبهات التغطية على التعذيب علاوة على كونها تبرز استعدادًا للنضال في مواجهة مثل تلك الانحرافات. وهما مسألتان يتعين التوقف عندهما.

الشكاية من أجل التعذيب: إدانة للصمت وإثبات له

مساء يوم 15-05-2024، أحضر زقروبة لمكتب قاضي التحقيق ليُساءَل من أجل ما اتّهم به من اعتداء على أمنيّين في  التحرّك الاحتجاجي للمحامين الذي جدّ قبل يومين. حينها وبحضور محاميه، تمسّك المحامي الشاب قبل كل جواب بطلب معاينة ما خلد بجسده من آثار قال أنها نتيجة ما تعرض له من تعذيب في مقرّ الأمن الذي احتجز به. وقد استجاب قاضي التحقيق لطلبه وضمّن محضر بحثه وصفا دقيقا للجروح والكدمات والزرقة التي شاهدها في مختلف أجزاء جسده. ولكنه رفض طلب محاميه عرضه على الخبرة الطبية وبرر ذلك فيما قال هؤلاء باعتبارات أمنية.

خمسة أيام بعد ذلك، لم يعلم المعني أو محاموه بفتح بحث في شبهة التعذيب التي يدّعي حصولها. كما لم يتم الإذن بعرضه على طبيب شرعي. وبطء التعهد ذاك مع ما قد يؤول له من تبديد لأدلة الجريمة المدّعى بها يخرق بوضوح أحكام المادتين 12[1] و13[2] من اتفاقية مناهضة التعذيب[3] اللتين تفرضان أن يقع النظر في كل ادعاء بحصول التعذيب بسرعة ونزاهة.

وبهذا تكون الشكاية المقدمة من المحامين بمثابة إدانة للنظام القضائي الرسمي الذي أخلّ بواجب التصدي للتّعذيب ومكافحته فضلا عن كونها حراكا حقوقيّا يعيد إلى الذاكرة تقاليد المحاماة التونسية في فترة الاستبداد.

تحرك حقوقي في قالب مهني: استراتيجية العدد

خلال فترة حكم بن علي، طوّر المحامون المدافعون عن الحقوق والحريات ما أسمته المفكرة القانونية “استراتيجية العدد” التي تقوم على تكثيف عدد النيابات في كل القضايا التي يتعهدون بها، بحيث يتمّ الضغط من خلال تقدّم عشرات وفي بعض الحالات مئات المحامين للترافع في قضية واحدة والحضور في يوم الجلسة وطلب العشرات منهم حق الدفاع والمرافعة. وقد برزت هذه الاستراتيجية بشكل خاصّ في قضيّة الحوض المنجميّ حيث قارب عدد المحامين المدافعين في هذه القضية 1000 محامٍ. وتقوم هذه الاستراتيجية على الضغط عدديا على المحاكم التي تتعهّد بقضايا التعليمات، بما يبرز عزلة قاضي النظام ويظهر أهميّة رفض القانونيين للتجاوزات التي تتم ممارستها باسم القضاء ومن قضاة النظام. وتبدو عريضة التعذيب من حيث عدد المحامين الذين أمضُوها استعادة لذلك النهج، بما يفرض قراءتها على أنها وثيقة مقاومة لعودة الاستبداد وممارساته وفي الآن نفسه وثيقة إدانة للتّعذيب واستتباع القضاء للتّغطية عليه.


[1] المادة 12    “تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية.”

[2] المادة 13  “تضمن كل دولة طرف لأى فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في أى اقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفي تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة. وينبغى اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأى أدلة تقدم.”

[3] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

انشر المقال

متوفر من خلال:

حرية التعبير ، مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية ، المهن القانونية ، احتجاز وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني