وحصلت المرافعة في قضية نقابيي سبينس بعد 6 سنوات تأجيل: “ما بدهم يسجّلوا إنّو العمّال انتصروا”


2024-05-15    |   

وحصلت المرافعة في قضية نقابيي سبينس بعد 6 سنوات تأجيل: “ما بدهم يسجّلوا إنّو العمّال انتصروا”

وأخيرًا انعقدت جلسة المرافعة في قضيّة نقابيّي عمّال “سبينيس” الثلاثة ميلاد بركات وسمير طوق وإيلي أبي حنّا أمس الثلاثاء في 14 أيّار2024، أمام محكمة استئناف الجنح في بيروت بعد تأجيلها أربع مرّات. أملٌ لاح في أفق هذه القضيّة التي ينتظر المدّعون فيها الفرج منذ ستّ سنوات، أي منذ أن استأنفت شركة “غراي ماكنزي ريتايل ش. م. ل. (صاحبة متاجر “سبينيس” في لبنان) حكم القاضية المنفردة الجزائية في بيروت القاضية رلى صفير الذي أدانها ورئيس مجلس إدارتها السابق مايكل رايت بجريمة التعدي على الحقوق المدنيّة للعمّال. 

ومع أنّ مؤسسي النقابة استبشروا خيرًا في انعقاد المرافعة إلّا أنّ الحكم لن يصدر قبل سبعة أشهر، إذ حددت جلسة إصداره في 3 كانون الأول 2024. سبعة أشهر ستكون طويلة على عمّال يترقبون ماذا سيحصل في قضية دخلت عامها الثاني عشر. وكانت الفترة الماضية مليئة بالتأخير وساعات الانتظار الطويلة في أروقة العدلية مع ما يترافق ذلك من قلق وتعب واهتراء أعصاب.

نقابيّو “سبينيس” يعودون إلى الأشرفيّة بعد 12 عامًا

يوم الجمعة في 10 أيّار أي قبل أربعة أيام من الجلسة، نظّم مؤسّسو النقابة وقفة أمام فرع “سبينيس” في مار متر – الأشرفيّة، المكان الذي وقفوا فيه مرارًا في العام 2012 في اعتصامات حاشدة احتجاجًا على امتناع الشركة عن تصحيح الأجور بعد صدور مرسوم تصحيح الأجور في ذلك العام. وذكّر مؤسّسو النقابة في بيان قرأه طوق بأنّ “قضيّتهم قضية نضال مستمر وحق مطلق بحياة كريمة وليست منّة من أحد”. وأوضح أنّ الهدف من الوقفة “إعادة التأكيد على حقوقهم ومطالبة إدارة “سبينيس” بأن تمتثل للدستور والقوانين اللبنانية والأحكام الصادرة ضدّها وتحترم حرّية موظفيها النقابية وتعوّض للنقابيين عن التعسّف الذي لحق بهم من خلال إعادتهم إلى العمل ودفع تعويضاتهم كاملة من تاريخ صرفهم حتى اليوم، ورفع اليد عن العمل  النقابي”. وقال طوق إنّ “الظلم لا يزال مستمرًا مع العمّال والموظفين” في الشركة، داعيًا إيّاهم إلى الوقوف معهم. 

سنوات من الظلم تراءت أمام العمّال المصروفين الثلاثة إيلي وميلاد وسمير، الّذين بقوا وحدهم يُصارعون لأجل حقوقهم العمّالية. ميلاد الذي تعرّض للضغط بعد إعلان تأسيس النقابة للتوقيع على استقالته، يؤكّد لـ “المفكرة”: “لا زلت متمسكًا بحقي حتّى اليوم رغم مرور كلّ هذه السنوات”. ويضيف: “النقابة مستمرّة ولم تمت كما يتخيّلون ويدّعون، ونحن موجودون لنراقب ماذا سيفعلون”. أمّا إيلي أبي حنّا الرجل السبعيني الذي  لم يتمكّن حتّى اليوم من إيجاد فرصة عمل منذ صرفه من سبينيس، فيتحدّث بأسى عن الانتظار الطويل: “صرنا نازلين على المحكمة سبع مرّات وما في شي”. ويُضيف: “أخشى أن تكون التعويضات التي سنحصل عليها قد فقدت قيمتها، فالمبلغ الذي رصده لنا الحكم الابتدائي لا تصل قيمته إلى 500 دولار اليوم”. ويلفت إلى أنّ وضعه الاجتماعي لم يعد يسمح بالانتظار أكثر، بخاصّة وأنّه لا يملك وظيفة تؤمّن له ولو حتّى ثمن علبة دواء. وينتظر أبي حنّا أن يصدر حكم عادل يأخذ موضوع انهيار العملة بعين الاعتبار. ويذكّربأنّه حين كان يعمل في “سبينيس” مورست عليه ضغوطات عدّة بسبب عمله النقابي “حيث تمّ نقلي من فرع الأشرفية إلى فرع الجناح لأعمل في موقف السيارات لـ 15 ساعة يوميًا في الشمس وأنا أقف على قدمي ما أدى إلى تدهور وضعي الصحي”. 

وكان حكم محكمة البداية الذي أصدرته القاضية المنفردة الجزائيّة في بيروت رلى صفير في تاريخ 20/12/2018، واستأنفته “سبينيس” انتهى إلى إدانة الشركة ومديرها التنفيذي مايكل رايت بجرم المادة 329 من قانون العقوبات التي تعاقب كل فعل من شأنه أن يعوق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية بالحبس من شهر حتى سنة إذا اقترف بالتهديد والشدة وبأية وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي. كما أدانتهما بالقدح والذم بحق العمّال وألزمت الشركة بدفع غرامات والتعويض للمدّعين الثلاث بمبلغ 40 مليون ليرة لبنانية. وشكّل هذا الحكم سابقة قضائيّة كونه الأوّل الذي يُطبّق المادّة 329 من قانون العقوبات في الدعاوى العمّاليّة على اعتبار أنّ الحريّة النقابيّة هي من الحقوق المدنية للأفراد. 

ولم يكن هذا القرار الوحيد الذي انتصر لعمّال سبينيس، فخلال مرحلة تأسيس النقابة في أيلول 2012، ومحاولات العرقلة من قبل الشركة، أصدرت قاضية الأمور المستعجلة السابقة في بيروت زلفا الحسن قرارًا قضى بمنع “سبينيس” من صرف مؤسّسي النقابة إلى حين صدور قرار وزير العمل آنذاك سليم جريصاتي لناحية التوقيع على طلب تأسيس النقابة الذي تأخر لأكثر من شهرين.  كما صدر حكم عن محكمة التمييز في 3 تمّوز 2018 في قضية صرف مخيبر حبشي من العمل المعروضة أمام مجلس العمل التحكيمي في بيروت، ألزم الشركة دفع تعويض الصرف وتعويض الإنذار لمخيبر. 

وأخيرًا.. انعقدت جلسة المرافعة

تنفّس سمير طوق الصعداء عند إعلان بدء جلسة المرافعة عند الساعة الواحدة ظهرًا. فطوق الذي أتى وحده لحضور الجلسة ممثلًا رفيقيه إيلي وميلاد، وصل باكرًا إلى قصر العدل وكان يخشى قبل دخوله إلى الجلسة من تأجيل خامس. وراح يُعدّد المرّات الأربعة التي أرجئت فيها المرافعة منذ تمّوز 2023، مرّة بسبب عدم اكتمال الهيئة، مرّة ثانية بسبب اعتكاف القضاة، مرّة ثالثة بعد اقتراح القاضي الصلح بين الأفرقاء الذي لم يتكلّل بالنجاح، ورابعة على خلفية انتداب قاضٍ جديد. يسأل سمير “متى أحصل على حقّي؟ متى أقدّم على وظيفة وأُقبل فيها”، مشيرًا إلى أنّه يواجه بالرفض من جميع الشركات التي تقدّم منها بطلب توظيف لأنّه أصبح معروفًا بعدما طالب بحقه في سبينيس. ويصف سمير هذه المعاناة بأنّها كـ “جرح نازف أُمنع من تضميده”. 

وغالبًا ما تتأخر محكمة الاستئناف في بيروت لتلتئم نظرًا إلى الشغور بين أعضاء الهيئة، ففي كلّ مرّة يُنتدب لها قضاة جدد وإذا لم يتوفر قاض متفرغ تؤجل الجلسات. وهذه المرّة ترأس المحكمة القاضي إميل شهاب، وجلس إلى جانبه المستشارتان ميراي ملاك (التي انتدبت مؤقتًا لتلبية حاجة محكمة الاستئناف) ورين أبي مطر في حضور ممثلة النيابة العامّة القاضية ساندرا خوري . 

وتكرّرت المرّات التي تغيّر فيها رئيس هذه المحكمة منذ تقاعد رئيسها السابق رفّول البستاني عام 2020 إذ يُنتدب لها في كلّ مرّة قاض ومستشارة، وتعاقب على رئاستها بالصورة المؤقتة القضاة هبة عبدالله، نسيب إيليّا، حسام عطالله وحبيب رزق الله وصولًا إلى القاضي شهاب. والواقع أنّ معظم أعضاء الهيئة هم منتدبون، يعملون في مناصب أخرى، ما يؤدي في كلّ مرّة إلى تأخر اكتمال أعضائها إلى حين انتهائهم من جلساتهم في المحاكم التي يعملون فيها. وهذا يضع المحامين والمتقاضين في حالة من التململ والإحباط جرّاء فترات الانتظار التي تتخطّى ثلاث ساعات إلى حين التئام الهيئة. وبدت هذه الحالة واضحة في وجوه المتقاضين والمحامين الّذين تجمّعوا على باب مكتب القاضي شهاب وعلى الدرج المحاذي له، وذلك نظرًا لعدم وجود قاعات محاكم كافية لانعقاد الجلسات، ونظرًا لعدم وجود مقاعد كافية للجلوس في مكتب القاضي. ومن بين المنتظرين أهالي موقوفين الّذين أتوا أيضًا من ساعات الصباح الأولى، ومثلهم مثل غيرهم، يُعانون من التأخير والتأجيل المستمرّين، ويعبّرون عن أسفهم على هذا التأخير. “القضاء مرمطة”، تقول لنا والدة موقوف، وتُضيف “نأتي من الجنوب عند كلّ جلسة، وتؤجّل الجلسات تارةً بسبب تعذّر السوق وتارةً بسبب عدم اكتمال الهيئة”. وتزداد صعوبة الوصول إلى العدالة لدى هذه السيّدة بسبب عدم قدرتها على توكيل محام لمتابعة قضيّتها إذ تقول: “أوكلت محاميًا فقط لتسجيل الاستئناف ودفعت له مئتي دولار، ولا سبيل لديّ لتأمين أي مبلغ إضافي”. 

مرافعة تسرد أحداث إثني عشرة سنة

دامت جلسة المرافعة في قضيّة عمّال “سبينيس” المنتظرة أقل من نصف ساعة، طلب خلالها القاضي شهاب من المحامين اختصار المرافعات قدر الإمكان بسبب ضيق الوقت، فترافع فيها وكيل الشركة المستأنفة المحامي رشاد سلامة  ثمّ وكيل العمّال المحامي نزار صاغية.

سلامة خصّص مرافعته لانتقاد الحكم المستأنف الصادر عن القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير، واعتبر أنّه أخطأ في إدانة الشركة بالمادة 329 من قانون العقوبات وطلب إعلان براءة الشركة منها ووقف التعقّبات في حقّها. وانتقد “استماع القاضية صفير للشاهد شربل نحّاس، وهو خصم سبينيس في دعوى قدح وذم، والاستماع حصل من دون تحليفه اليمين القانونيّة”، ورأى أنّ “الحكم حدّد تعويضات تتخطى مطالب المدّعين”. وشدّد على أنّ “للشركة الحق في نقل الموظفين من مكان عمل إلى آخر وذلك منصوص عليه في النظام الداخلي للشركة”. 

في المقابل، سرد صاغية في مرافعته وقائع القضية وأبرز الانتهاكات التي تعرّض لها العمّال. وأكّد أنّ “العمّال على ثقة كاملة في القضاء رغم مرور ستّة سنوات على الاستئناف”. وشرح أنّ “هذه القضية ليست قضية عادية، بل هي تتعلّق بالحريّات النقابية المصونة بالدستور اللبناني”. وسرد أبرز المحطات التي مرّت بها بدءًا من “رفض الشركة عام 2012 تنفيذ مرسوم غلاء المعيشة وإجبار الموظفين على توقيع براءة ذمّة تُعفي الشركة من دفع الزيادة على الراتب. وهذا ما دفع عدد من العمّال إلى تنظيم عريضة تُطالب تطبيق المرسوم”. وتابع أنّ “الشركة ضغطت على الموظفين لسحب تواقيعهم، لكنّ المدّعي المستأنف بوجهه سمير طوق رفض ذلك، فعمد إلى تأسيس نقابة عمّالية مع عدد من العمّال”. وأكمل صاغية مرافعته عارضًا أساليب الضغط التي مارستها الشركة على مؤسسي النقابة، “بالهجوم عليهم، ومحاولة منع إجراء انتخابات النقابة التي حصلت بحضور عناصر من قوى الأمن الداخلي لحمايتها، وإجبار 40 عاملًا على الاستقالة من النقابة مهدّدة بصرفهم من العمل، ثمّ تمادت بأساليب القمع حتّى نقل مؤسسي النقابة من مكان العمل إلى أماكن بعيدة عن مكان سكنهم (مثلما فعلت مع سمير طوق الذي نقلته من ضبيه إلى صيدا)، وتغيير طبيعة العمل (كما حصل مع إيلي أبي حنّا الذي كان مساعدًا أمنيًا في فرع الأشرفية ويسكن في الزوق فنقلته ليعمل في موقف السيارات في فرع الجناح)”. وقال صاغية إنّ أفعال الشركة “تنوّعت من الضغط والتهديد بالصرف إلى سلسلة من العنف” ووصفها بـ “التعذيب”. 

وعليه طلب صاغية أن “يصدر حكم عادل، وأن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصاديّة”. ولفت إلى أنّ الموظفين الثلاثة ادعوا أمام مجلس العمل التحكيمي لكنّ الملف معلّق في انتظار المحكمة الجزائية على قاعدة “الجزاء يعقل الحقوق”. وردّ صاغية على سلامة فيما يتعلّق بموضوع التعويضات مشيرًا إلى أنّ “التعويض الذي حكمت به القاضية صفير هو أقلّ ممّا طلبه المدّعون، إذ كانوا قد طلبوا تعويضًا بقيمة 50 ألف دولار أميركي فيما الحكم حدّد تعويضًا بقيمة 40 مليون ليرة لبنانيّة للعمّال الثلاث (26 ألف دولار على سعر الصرف الرسمي آنذاك)، وهذه القيمة هي نصف ما طلبه المدّعون”.

واللافت أنّ ممثلة النيابة العامّة القاضية خوري طلبت في مرافعتها ردّ استئناف الشركة وتصديق الحكم الابتدائي، وختم القاضي شهاب الجلسة محدّدًا تاريخ 3 كانون الأول موعدًا لإصدار الحكم. 
وقبل اختتام الجلسة، طلب سمير طوق كلمة أخيرة، قائلًا: “نحن العمال الثلاثة سمير طوق، وإيلي أبي حنّا، وميلاد بركات بالإضافة إلى مخيبر حبشي، وقعت علينا جميعًا أضرار كبيرة بسبب هذه القضية، بعضنا تفكّكت عائلته أو هاجرت، ومنّا من يُعاني من ظروف صحيّة صعبة ولا يملك ثمن علبة دواء”. وطلب طوق حكمًا عادلًا، مؤكدًا على ثقته في القضاء. ثمّ عاد طوق واستغل الثواني القليلة قبل خروجه من مكتب القاضي شهاب إذ التفت نحوه وقال: “ما بدهم يسجّلوا إنّو العمّال انتصروا”، وخرج.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني