هل يتم إغراق بيطار في هيئة تحقيق جماعية؟ ملامح تسوية سياسية أمام الحكومة اليوم


2022-04-14    |   

هل يتم إغراق بيطار في هيئة تحقيق جماعية؟ ملامح تسوية سياسية أمام الحكومة اليوم
جزء من المرفأ في اليوم التالي للانفجار (تصوير ماهر الخشن)

أمس، برز مؤشران في قضية جريمة المرفأ، أحدهما إيجابي والآخر سلبي. 

الإيجابي، صدر عن محكمة التمييز (الغرفة الرابعة) التي ذهبتْ إلى ردّ طلب قدمته زوجة أحد الضحايا بردّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار. واللافت أن قرار المحكمة المكوّنة من القضاة عفيف الحكيم رئيسا ومهى فياض ونويل كرباج بردّ الطلب استند هذه المرة على أن كل الأفعال التي عابتها المدعية على المحقق العدلي حصلت قبل أكثر من ثمانية أيام من تقديم طلبها، وهي المهلة التي كان يجب تقديم هذا الطلب خلالها تحت طائلة سقوطه وفق المادة 124 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وهذا المؤشر إيجابي لأنه يجرّد عمليا أطراف القضية من إمكانية تقديم طلبات رد تعسفية إضافية عن أي فعل حصل قبل أكثر من 8 أيام، وأهمها الادعاء ضد الوزراء السابقين الحاصل قبل أشهر من تاريخه. وعليه، يؤمل من هذا القرار أن يشكل سابقة تسمح بوقف التعسف المتمادي من قبل الجهات المناوئة للتحقيق بتقديم طلبات ردّ متلاحقة بهدف تعطيله، كل ذلك على خلفية أفعال حصلت قبل أشهر من تقديم الطلبات. 

أما المؤشر السلبي فيتأتّى من جدول أعمال مجلس الوزراء بتاريخ اليوم، حيث ورد فيه اقتراح قانون مقدم من النائب جورج عدوان بإنشاء هيئة للتحقيق مؤلفة من خمسة قضاة في قضية المرفأ بحجّة تعقيدات الملفّ وخطورته. وقد ورد حرفيا في الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ هذه التعقيدات “تبدو أكبر من أن يتمكن قاض فرد تعيّن كمحقق عدلي مهما علتْ كفاءته وعظم نشاطه من أن يحيط بها كاملة وحده بالسرعة المطلوبة”. ويلحظ أن هذا الاقتراح يوضع اليوم على جدول أعمال الحكومة في حين أنه قدم منذ حوالي سنة وتحديدا في 29 نيسان 2021 وأن هيئة التشريع والاستشارات قد أبدت رأيها بشأنه بناء على طلب الحكومة بعد تأخير 7 أشهر من إيداعه لديها. واللافت أيضا أن هذه الهيئة لم تكتفِ بتأييد الاقتراح على اعتبار أن من شأن الانتقال من نظام المحقق العدلي الفرد إلى نظام هيئة التحقيق الجماعية “أن يؤلف ضمانة لعدالة مستنيرة ومحايدة وبعيدة عن أيّ انحراف أو شخصانية”، بل زايدتْ عليه. ففي حين أن اقتراح عدوان كان أناط برئيس هيئة التحقيق المنشأة (المحقق العدلي) وحده صلاحية إصدار القرار الاتهامي، فإن هيئة التشريع والاستشارات رأتْ ضرورة في تعديل هذا التوجّه ليصدر قرار الاتهام عن هيئة التحقيق كاملة بالإجماع أو الأكثرية. 

ومن شأن الأخذ بهذا الاقتراح أن يجعل المحقق العدلي فردا من خمسة، بحيث يكون بإمكان هيئة التحقيق إصدار قرارات معاكسة لتوجّهه طالما أن القرارات تتخذ بالأكثرية. وبذلك، في حال إقرار الاقتراح، يكون بالإمكان حرف ملفّ التحقيق عن المسار الذي انتهجه بيطار سواء بما يتصل بتوقيف بعض المدعى عليهم (ومنهم أشخاص يطالب هذا الفريق السياسي أو ذاك بالإفراج عنهم) أو الادعاء على الوزراء الخمسة السابقين (وهو الأمر الذي أزعج ثنائي حركة أمل وحزب الله إلى درجة تعطيل الحكومة). ومن شأن الخطر أن يتفاقم في حال الأخذ برأي هيئة التشريع والاستشارات بحيث يصبح من الممكن إذ ذاك حرف الحقيقة وتشويهها وعمليا وضع خطوط حمراء يفترض بالقرار الاتهامي أن يلتزم بها. وتتحقق هذه المخاطر في حال تم تعيين أعضاء الهيئة من بين قضاة ملتزمين بالخطوط الحمراء التي تفرضها السلطة الحاكمة، وهو الأمر المرجّح حصوله في ظل إناطة سلطة التعيين بوزير العدل تبعا لاقتراح مجلس القضاء الأعلى،  المكون في غالبية أعضائه الكبرى بناء على محاصصة سياسية. وبذلك، قد تتمثل التسوية التي نخشاها ليس في إزاحة بيطار كما كانت تسعى إليه القوى المناوئة للتحقيق إنما في إغراقه ضمن هيئة تتملّك فيها السلطة السياسية سدّة القرار، كل ذلك بحجة أن الانتقال من نظام القاضي الفرد إلى الهيئة إنما هو أكثر ملاءمة لمبادئ المحاكمة العادلة. وهي حجة بمثابة كلام حق يراد به باطل، طالما أن إبقاء المجلس العدلي (وهي محكمة استثنائية) يشكل بحد ذاته مخالفة لمبادئ المحاكمة العادلة، وبخاصةً أنّ الاقتراح يحصر هذا الاستبدال بقضية المرفأ دون سائر القضايا المحالة إلى المجلس العدلي، والأهم أنه يحصل في إطار القضية التي شابها أكبر كم من الاعتداء على قاضٍ بقيت كلها من دون محاسبة، بما يشكل أكبر تهديد للمحاكمة العادلة. 

من هذه الزاوية، يشبه هذا الاقتراح تماما الاقتراح الذي كان وزير العدل هنري خوري قدمه منذ فترة كحل للأزمة وهو إنشاء هيئة اتهامية خاصة في قضية المرفأ بإمكانها فسخ قرارات المحقق العدلي، وذلك بحجة أن مبدأ المراجعة على درجتيْن أكثر مراعاة لمبادئ المحاكمة العادلة. وكانت “المفكرة القانونية” سجّلت آنذاك تعليقا على هذا الاقتراح تحت عنوان “إنشاء هيئة اتّهامية في المجلس العدلي؟ تسوية سياسية بمثابة تدخّل جماعي في القضاء”. وقد أوردت في التعليق ما ينطبق تماما على هذا الاقتراح: “بعد استنفاد القوى السياسية والوزراء المدّعى عليهم عدداً من الوسائل القانونية لسحب الملف من المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار، يُخشى أن تُؤدّي التسوية إلى إنشاء هيئة بهدف كسر قراراته. ومن شأن ذلك أن ينقل عملياً سلطة القرار منه إليها… وتزداد خطورة هذه التسوية في حال شملت اختيار غالبية القضاة من القضاة المقرّبين من القوى السياسية الرافضة لبيطار… وما يعزّز هذه القراءة هو أنّ هذا الاقتراح يأتي بمعزل عن أيّ تفكير إصلاحيّ بشأن المحاكم الاستئثنائية ومبادئ المحاكمة العادلة”. وقد ختمت المفكرة آنذاك تعليقها بأن اعتبرت أن الاقتراح يشكّل “مسّاً فاضحاً باستقلال القضاء وبمبدأ فصل السلطات”.

آنذاك، سقط الاقتراح بفعل تناقضات مصالح قوى الحكم. فهل يسقط الاقتراح الجديد أيضا للسبب نفسه؟ أم أن قوى الحكم نجحت في ترميم تناقضاتها بمناسبة الاستحقاق الانتخابي لإعادة إنتاج نظام قادر على طمس كل مطالب الحقيقة والعدالة لتبقى الغلبة اليوم وكل يوم للمساومات والمحاصصة من دون أي اعتبار آخر؟ 

لتحميل التعديل على بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية
لتحميل طلب رد طلب رد المحقق العدلي طارق البيطار

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، سلطات إدارية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني