ناجي كرم يكسب دعواه الثانية بالشكل: هل تتحرك النيابة العامة في قضايا تدمير الآثار؟


2019-12-20    |   

ناجي كرم يكسب دعواه الثانية بالشكل: هل تتحرك النيابة العامة في قضايا تدمير الآثار؟

في آخر السنة الماضية (4 كانون الأول)، كسب الأستاذ الجامعي المتقاعد ناجي كرم الدعوى التي كان أقامها ضده وزير الثقافة غابي ليون أمام محكمة المطبوعات في بيروت. وبتاريخ 17 كانون الأول 2019، منحت محكمة التمييز كرم انتصارا ثانيا، في قضية أخرى كان رفعها ضده المدير العام السابق لمديرية الآثار أسعد سيف، ولكن هذه المرة شكلا بعدما اعتبرت محكمة التمييز أن محكمة المطبوعات غير صالحة للنظر في ما قد ينشر على صفحة الفايسبوك. يلحظ أن كلا من الوزير والمدير العام السابق كانا تقدما بالقضيتين ضد كرم على خلفية انتقاداته للسياسة الرسمية في مجال الآثار وتلميحه لوجود فساد غالبا ما يؤدي إلى تغليب مشاريع التطوير العقاري على حماية الآثار.

ويجدر التذكير أن محكمة المطبوعات في بيروت، كانت عدلت عند النظر في قضيته الأولى، عن مواقفها السابقة بمعاقبة أي قولٍ مُجافٍ لقاموس الأدبيات الاجتماعية، بمعزل عن الدوافع النبيلة أو الضرورات الاجتماعيّة التي قد تبرّره. وهذا ما أشارت إليه “المفكرة” في تعليقها على الحكم المذكور حيث رأت أنه “يشكل من دون ريب أحد أبرز الأحكام الصادرة عن محكمة مطبوعات بيروت في العقدين الأخيرين”، وأملت أن “يشكل منعطفا ومبعث أمل في انتهاج محكمة المطبوعات وبشكل أعم القضاء اللبناني دورا حمائيا لحرية التعبير” وأن “يشكل محفزا لكل المدافعين عن حقوق المجتمع (والدولة)، والذين غالبا ما يجدون أنفسهم موضع اتهام وملاحقات على خلفية تعرضهم لأصحاب النفوذ، للمضي قدما في الدفاع عن قضاياهم. فمن شأن أحكام كهذه أن تعيد للقانون وتاليا للقضاء دوره الأساسي في إرساء عدالة تنسجم مع الصالح العام والمنطق: فلا يكون سلاحا بيد الفاسد ضد من ينتقده، إنما أولا سلاح بيد المجتمع ضد من يعتدي عليه”. وقد جاء عنوان تعليق “المفكرة” آنذاك والمستمد من حيثيات الحكم نفسه جدّ معبر ومفاده: “لا يستقيم عدالة وقانونا إدانة من يصوّب على الفساد والخلل بشكل موضوعي”.

وكانت “المفكرة” أجرت في أوائل 2019 مقابلات مع د. كرم ومع وكيله المحامي ميشال عازار بشأن هاتين القضيتين، حدثنا آنذاك د. كرم مطولا عن ألمه وحاجته ودوافعه للدفاع عن الآثار. “أنا أتكلم بقلب مجروح. تبيّن في إحدى الحفريات وجود آثار تعود لما قبل التاريخ، تطوعت للكشف على الموقع مع أربعة من طلابي بعد أخذ موافقة مديرية الآثار، ذهبنا في اليوم التالي إلى الموقع وجدنا أنه قد تمّ جرفه. مرة أخرى، أتتني طالبة تخبرني أنها اكتشفت وهي تعمل في موقع أثري ساحة البرج، موزاييك بطول 19 متر، وقتها ركضت إلى الموقع، لكنهم كانوا باشروا بتدميره ورفعه بالبوكلين وطالبتي تصرخ طالبةً أن يتاح لها تصوريها لكنهم لم يسمحوا. عندما يرى دكتور في الآثار، خصص حياته للدفاع عن هذه الأمور، ماذا يتوقع منه أن يقول؟” ويتابع كرم: “هم يخشون من اكتشاف الآثار خوفا من أن تعطل مشاريع عقارية وإذا وجدوها سارعوا إلى جرفها. حتى بالنسبة لأسوار بيروت لم يسمحوا لنا أن ندرسها كلّها، بيروت كانت محاطة بأسوار مثل جبيل، وهو دلالة أن المدينتين كانتا تتطوران بطريقة متشابهة. بالنتيجة، 90% من تاريخ بيروت القديم لا نعرفه. وقد تمّ إخفاء هذه الحقائق بشكل منهجي”.

في الاتجاه نفسه، ذهب المحامي عازار الذي لا يكف عن التأكيد على اختياره الدفاع عن موكله في إطار المناصرة لقضية عامة (حماية الآثار والذاكرة الاجتماعية) وليس عن دعوى شخصية. “أنا رفضت الذهاب إلى معاجم اللغة العربية لكي ألطّف من كلام موكلي أمام المحكمة، فتنتهي القضية وكأنها إعتذار. إنما أصررت معه أن يكون دفاعنا في القضية دفاعا عن “آثار بلادنا وتاريخها”. ويتابع عازار: “…أحاسبك وهذا حق لي، عندما يكون من يوجه الإنتقاد دكتور في علم الآثار ومدرس هذه المادة لسنين طويلة ورئيس قسم الفنون والآثار في الجامعة اللبنانية لأكثر من 23 سنة وقد خرّج أجيالاً من علماء الآثار”، ثم يضيف: “في هذا الملف موكلي متهم من أجل كلمة أو عبارة أو تعبير فيما المهم لا بل الخطير الجريمة الوطنية أو أقلّه الفضيحة ليس هذه العبارة أو الجملة إنما التدمير الممنهج وجرف آثارات البلاد القديمة دون حسيب أو رقيب”.

على أمل أن ننتهي إلى محاسبة المعتدين على الآثار وبخاصة الذين أثروا إثراء غير مشروع بفعل غض النظر عنها أة السماح بتدميرها. فالآن وقد انتهى ملف محاكمة الكاشف عن الفساد بصورة إيجابية، هل تدور عجلة القضاء في اتجاه محاكمة المتورط فيه؟

مقالات ذات صلة:

محكمة التمييز اللبنانية أمام استحقاق وطنيّ: هل نعاقب الذي يدافع عن ذاكرتنا الجماعية؟

قرار رائد لمطبوعات بيروت في قضية حماية الآثار: “لا يستقيم عدالة وقانونا إدانة من يصوّب على الفساد والخلل بشكل موضوعي”

4 قرارات للقاضية صفا بكفّ التعقبات بحق ناشطي الحراك اللبناني: الدفاع عن المجتمع يبرّر المسّ الظاهر بكرامة الحكومة ووزرائها

من يدافع عن الدولة، وكيف؟ حكم قضائي يكرس دور الناس في مكافحة الفساد ويفضح دور هيئة القضايا في منعها

نظام المقامات في لبنان

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني