مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية في تونس


2015-11-18    |   

مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية في تونس

مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية في تونس:

صدرت دراسة ميدانية حول مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية لتعيد الحديث من جديد حول مكون أساسي من مكونات العدالة الانتقالية و من التحول الديمقراطي ألا و هو الضحية، التي تم تغييبها تماما عن النقاش العام منذ فترة.
و تأتي هذه الدراسة في إطار مشروع “بارومتر العدالة الانتقالية” وهو مشروع يجمع كلا من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية من تونس، ومركز حقوق الإنسان التطبيقية في جامعة يورك ببريطانيا ومنظمة Impunity Watch  الهولندية.
وجاءت الدراسة في ثلاث لغات العربية والفرنسية والإنجليزية، لتكون أول دراسة من نوعها في تونس تتعرض لمسار العدالة الانتقالية كما يراه الضحايا.
وقد تولّى جمع المعطيات في الميدان كلّ من أحمد علوي وهاجر بن حمزة ضمن فريق بحث يُشرف عليه وحيد الفرشيشي. كما تولّى التحليل وصياغة التقرير كلّ من كورا أندريو ووحيد الفرشيشي وسيمون  روبينس، بدعم من ﭘول ﭬريدي ومارليزستابر ورالف سبنكلس.
و فيما يلي أهم ما ورد في الدراسة :
–         إن تونس كغيرها من التجارب وضعت الضحايا في الصفوف الأولى في مجال العدالة الانتقالية. إلا أنه وبالنسبة للضحايا، فإن الآليات التي وضعت لإشراكهم في المسار، وإن كانت غايتها إضفاء المشروعية عليه، إلا أنها لم تكن تتطابق مع انتظاراتهم وتصوّرهم لدورهم. فالحوار الوطني والحوارات الجهوية والقطاعية حول مسار العدالة الانتقالية “سابقا” لم تشرك مباشرة إلا عددا قليلا من الضحايا.
–         إن مسار العدالة الانتقالية في تونس جاء مجزّءاً ومسيّساً، يعكس التفرقة العميقة بين الإسلاميين والعلمانيين. فحكومة النهضة والتي حكمت البلاد بعد أوّل انتخابات حرّة قامت بتنفيذ برامج الحكومة الانتقالية فيما يتعلق بجبر الضرر والتعويض. إلا انه سرعان ما تمّ  انتقادها على أساس أنها تفضل وتحابي مناضليها من المتضررين في فترة الاستبداد، خاصة وأن هؤلاء يمثلون جزءا كبيرا من ضحايا الاستبداد. هذه الانتقادات والتي غذتها التعويضات أدّت إلى الاتهامات بما يعرف “بالضحايا المزورين”، إلى جانب رفض جزء من الرأي العام العلماني للإسلاميين كضحايا خاصة عندما يتمّ ربطهم بالإرهاب.
وفي هذا الإطار، تحاول هذه الدّراسة أن تتطرق إلى الطبيعة الحقيقية لمشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية، وما تعنيه لهم بحق هذه المشاركة في محاولة لصياغة توصيات قد تعزز دورهم في مراحل المسار.
وفي دراستنا هذه، تكون المشاركة في المسار بمعنى القدرة على التأثير لتحسين آليات العدالة الانتقالية، ودعم استقلالية الضحايا وتغيير علاقتهم بالدولة، فالدراسة الحالية جاءت في وقت يمكن فيه تزامنا مع المسار، تحسين الظروف وتغيير بعض العوائق أمام مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية. وبصفة عامة، تساهم هذه الدراسة أيضا في الحوار العالمي حول العدالة الانتقالية.
ولإنجاز الدراسة، توخينا المقاربة الكيفية. وهو ما جعلنا نلتقي بأكثر من مائة شخص في حوارات فردية ومجموعة نقاش، في تونس وبنزرت ونابل وسيدي بوزيد والقصرين.
هذا العمل البحثي الذي ينجز لأوّل مرّة بالتركيز على رأي الضحايا في مسار العدالة الانتقالية، واحتياجاتهم وانتظاراتهم، ومدى فهمهم وتفاعلهم مع آليات العدالة الانتقالية.
وللقيام بهذا البحث تمّ إعداد استبيانات مختلفة بحسب علاقة المستجوبين بالعدالة الانتقالية. خصّصنا الاستبيان الأوّل للضحايا الذين شاركوا في المسار. أما الاستبيان الثاني،فكان مخصصا للضحايا الذين لم يشاركوا في المسار. أما الاستبيان الثالث فخصصناه للناشطين والخبراء التونسيين والدوليين في مجال العدالة الانتقالية.
كل الحوارات تمّ تسجيلها واستنساخها وتحليلها، لتكون بنية بحثنا مستمدّة من هذه اللقاءات والتي استعملنا عديد المقاطع منها كشهادات مباشرة طعمنا بها هذا العمل رغبة منا في تبليغ صوت الضحايا الذين غيّبوا لمدّة طويلة.
هذه الإرادة في إسماع صوت الضحايا كانت تحدّيا فعليا. من ذلك أن نسبة النساء الذين شاركن في الدراسة كانت 23 %فقط. فأغلب جمعيات الضحايا التي ساعدتنا في الوصول إلى الضحايا الذين استجوبناهم هي جمعيات يغلب عليها الرّجال، يضاف إلى ذلك بعض الجوانب المحافظة والقيود الاجتماعية في بعض المناطق خاصة منها غير الحضرية، منعت عديد النساء من تقديم شهاداتهن.

نتائج الدّراســـة :
يدرك أغلب المستجوبين أن الضحايا ليسوا فقط الضحايا الذين تعرضوا مباشرة للانتهاك بل أن عائلاتهم هم أيضا ضحايا، فالنساء يصبحن ضحايا بمجرد حبس أزواجهن، إلا أن الحقوق المترتبة عن هذا الوضع ليست بالوضوح الكافي.
في نفس السياق، لاحظنا بأن فكرة “المجموعة الضحية” و”المنطقة الضحية” كانت حاضرة وبوضوح في اللقاءات التي قمنا بها، والتي ركزت بكل وعي على الانعكاسات الهيكلية للانتهاكات على التشغيل وعلى فرص التعليم. إلا أنه تجدر الملاحظة أن عديد المستجوبين يرفضون أو يتحفظون على عبارة “الضحية” ويرون فيها عبارة سلبية لا تتناسب مع دورهم كناشطين ومناضلين من أجل العدالة.
إلىجانب ذلك تأثر مفهوم الضحيّة بتسييس المسار وتسييس الجدل حول مسار العدالة الانتقالية وخلق نوع من “التنافس” بين الضحايا بحسب انتماءاتهم الأيديولوجية : إسلاميين وعلمانيين. هذا الوضع استفادت منه بعض الأحزاب السياسية. هذا التسييس مثل أيضا عائقا هامّا أمام مشاركة الضحايا في المسار، معتبرين أن مسارا مسيسا لا يستجيب لحاجياتهم وانتظاراتهم.
يعتبر الضحايا، بصفة عامة أن العدالة الانتقالية هي اعتراف وردّ اعتبار، بينما لا تتمثل المحاسبة والمساءلة في العقاب فقط، بل تشمل أيضا الإقرار والاعتراف بأخطاء الماضي. فمفهوم العفو والمصالحة ترد عادة في أغلب اللقاءات بكثير من التحفظ والحذر ويربطها المستجوبون عادة باعتراف المسؤولين عن الانتهاكات بذنبهم.
فما يغلب على انطباع الضحايا أن العدالة الانتقالية لم تحقق إلى اليوم النتائج المنتظرة منها باستثناء الملتقيات والندوات الكثيرة، كما أن العديد من الضحايا المستجوبين يعتبرون بكثير من الحسرة أن المسار يرتبط بحسابات ومصالح الساسة.
ومما زاد الضحايا اضطراباً هو تعدّد الآليات والهياكل المتدخلة: “كلما كثر المتدخلون كلما قلّ ما سنحصل عليه”. هكذا عبّر أحد الضحايا عن هذا الوضع. خاصّة وأنه ليشارك الضحايا في المسار يكون أغلبهم مضطرا لإيداع ملفاتهم أمام هياكل وهيئات متعدّدة ويخضعون لبيروقراطية معقدة.

مشاركة الضحايا في المسار:
يعتبر الضحايا المستجوبون أن كل علاقة بالمسار هي مشاركة في أعمال العدالة الإنتقالية ليشمل ذلك الحوارات الوطنية، إيداع المطالب. وفي حالات عدّة يعتبر الضحايا المشاركة غير المباشرة شكلا من أشكال المشاركة في المسار، من ذلك المشاركة في النشاط الجمعياتي وفي الدورات التدريبية والتظاهرات العامّة.
وبذلك يقرّ الضحايا بوجود “منظومة” للعدالة الانتقالية تشمل الآليات الرسمية والهياكل التي تشرف عليها والمنظمات والجمعيات التي تمثل فضاء غير رسمي يثري الفضاء المؤسساتي.
ويكون للمجتمع المدني بحسب الضحايا الدّور المحدّد لإبلاغ أصوات الضحايا والتأثير في أصحاب القرار السياسي. فالمشاركة بالنسبة للضحايا هي وسيلة للانتفاع الفعلي بالمسار وإسماع صوت حاجاتهم وانتظاراتهم. كما كان الشأن أثناء المشاركة في الحوار الوطني الذي أدّى إلى صياغة القانون الأساسي للعدالة الانتقالية. فتقييم الضحايا لهذه المرحلة (مرحلة الحوار) هو تقييم إيجابي، انتهى بالقانون الذي يعكس فعلا انتظاراتهم. وتكون المشاركة في هذا الإطار مصدر أمل ووسيلة للحصول على الاعتراف ولإعادة صياغة العلاقة بين الدّولة والضحية وبيان كيفية فهم المواطنة. “فمشاركة الضحايا هي بالنسبة لهم تعويض نفسي ومعنوي”.
وطالما أنه لم يكن ممكنا إشراك الجميع في المسار أو على نطاق واسع في مسار العدالة الانتقالية. فكان للمجتمع المدني الدّور الهام كوسيط بين الضحايا ومسار العدالة الانتقالية، فكان المجتمع المدني هو الحاضر الأبرز.
إلا انه تجدر الملاحظة أنّ عديد الضحايا عبّروا عن إحساسهم بوجود هوّة بينهم وبين هذه المنظمات والجمعيات والتي اعتبروا جزءا منها “صناعة” بعيدة عن أهدافهم وتطلعاتهم.
فالتمثيلية برزت على أنها الأسلوب البديهي للمشاركة غير المباشرة، بالرّغم من أنها تثير عند عديد الضحايا التحفظ وبعض الريبة خاصة عندما يلاحظ الضحايا أن هذه الجمعيات ذات طابع نخبوي ولا يتمّ الاستماع إلا لهذه النخبة والتي لا تشبههم عادة. ممّا دعا عديد الضحايا المستجوبين إلى الدّعوة إلى تجنب التمثيلية حتى يتمكن الضحايا من المشاركة مباشرة. فالملاحظ أن المدافعين عن حقوق الإنسان هم الأكثر نشاطا وبروزا في مجال العدالة الانتقالية. إلا أنّ ذلك لم يمنع العديد من المستجوبين من أن يثنوا على بعض جمعيات الضحايا (القليلة) والتي لعبت دورها في دعم مشاركة الضحايا في مسار العدالة الانتقالية عن طريق المناصرة والضغط والمساعدة القانونية والاجتماعية، وعملت هذه الجمعيات أيضا على مساعدة الضحايا في مجابهة إرث ماضي الانتهاكات التي تعرضوا لها.
بالمحصلة تبقى حركة الضحايا في تونس مجزأة ومنقسمة بحسب الانتماءات السياسية أو التاريخية وبدأت تتقلص أهميّة مسألة الضحايا في محيط لا يشجع غالبا على مطالب الضحايا.

معوقات المشاركة :
لاحظنا أنّ بعض الضحايا لا يعلمون شيئا عن المسار الحالي وخاصّة في المناطق المهمّشة. فمركزية المسار في تونس أدّى إلى إقصاء عديد المجموعات.
فالتوعية يعتبرها الضحايا شكلا من أشكال المشاركة في المسار وجزءا من آليات عدّة من شأنها تعميق المشاركة والإعلام.
وعبّر الضحايا عن انتظاراتهم الكبرى من فتح المكاتب الجهوية لهيأة الحقيقة والكرامة مؤكدين على وجوب أن تقوم وسائل الإعلام بدور أكبر في نشر المعلومات حول المسار إلى جانب تأكيد الجميع على وجوب نقل المعلومات من الضحايا إلى الإعلام والجمعيات والمنظمات وإلى العموم. فالانطباع العام لدى الضحايا المستجوبين أن صوتهم لم يصل بعد.
تمثيل النساء ومشاركتهنّ الفاعلة في المسار تبقى من نقائص هذا الأخير. ذلك أنّ 5 %من الملفات المقدّمة لهيئة الحقيقة والكرامة قدمتها نساء وهو ما يعكس حجم تهميش المرأة وإقصاءها خاصّة عندما تتعلق المسألة بالحديث عن الانتهاكات الجنسية إذ تعمل بعض المحظورات الاجتماعية على صدّ النساء على المشاركة كما أنّ بعض النساء يمنعهن “رجالهن”، الزوج، الأخ، الأب، … من المشاركة فيكون العمل على دعم  مشاركة المرأة بمثابة الحافز على تحسين نوعيّة مسار العدالة الانتقالية وتوسيع استقلالية الضحايا.
تكون أيضا بعض العوائق النفسية حاجزا أمام المشاركة فالإحساس بالنظرة الدونية وعدم الثقة ومحاولات شيطنة الضحايا ومطالبهم والخوف من تصنيف الضحايا، جعل عديد الضحايا لا يقبلون على المشاركة.
يضاف إلى ذلك عدم الثقة في السياسة والأجهزة بما فيها القضاء، والتي يذهب الضحايا إلى النظر إليها وكأنها إرث الماضي الذي لن يساعد على بلوغهم غاياتهم.
ثمّ وبالرغم من وعي الضحايا بأهميّة إقرار قانون العدالة الانتقالية بمفهوم المنطقة الضحية، إلا أن ذلك لم يساعد على إنهاء تهميش هذه المناطق من المسار نفسه مع التركيز على مناطق بعينها دون أخرى. وتطرح مسألة المنطقة الضحية بكل حدّة خاصّة فيما يتعلق بتمثيلية هذه المناطق في المسار. فكيف ستنظم هذه المشاركة و كيف ستتمأسس؟ من سيمثلها ؟ وكيف؟ خاصّة وأنه تمّ التركيز منذ البداية على التمثيلية الفردية في المسار.
بصفة عامة، ترتبط المشاركة عادة بدرجة استقلالية الضحايا، والعمل على دعم هذه الاستقلالية لتدرك الضحية قيمتها في ذاتها وقدرتها على تبليغ صوتها. إلا أن عديد الضحايا المستجوبين يرون بأن مستواهم التعليمي وأحيانا الثقافي لا يمكنهم من المشاركة، ويجعل بينهم و بين المسار حاجزا نفسيا.
البعض الآخر يرى بأن العوائق والحواجز أمام المشاركة هي مادية لوجيستية بالأساس. فالأكثر فقرا والمعطلون لا يحتكمون على موارد تسهل تنقلهم ومشاركتهم حيث لا موارد لهم لدفع ثمن وسيلة النقل والذهاب أمام المؤسسات للمطالبة بحقهم.

للاطلاع على الدراسة كاملة انقر/ي على الرابط ادناه:

 

انشر المقال



متوفر من خلال:

مساواة ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس ، عدالة انتقالية ، دراسات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني