النفس ممنوع.. إيقاف عرض مسرحي خوفاً على مقام الرئاسة


2021-10-05    |   

النفس ممنوع.. إيقاف عرض مسرحي خوفاً على مقام الرئاسة
من الوقفة الاحتجاجية تزامناً مع التحقيق مع المخرج

بلد يحكمه ماريشال اسمه “أوكاشو”، يمارس القمع والاستبداد ضد شعبه ويحرمهم من أبسط حقوقهم مثل الكهرباء والدواء، فيقرّر الشعب وبعد أن وصل إلى حدّ الاختناق أن يتنفّس ويثور على الحاكم “ثورة جوع ثورة ذل ثورة طال راس الكل”. ولكنّ الحاكم يزداد بطشاً وتمسّكاً بالحكم، فيهاجر الشعب ويبقى هو وحيداً في قصره. هذه باختصار قصة “تنفيسة” العرض المسرحي الطالبي الذي أوقفه الأمن العام في مسرح المدينة في شارع الحمرا واستدعى مخرجه عوض عوض إلى التحقيق، في إجراء وضعه الناشطون في إطار قمع الحرّيات وتكريس الدولة البوليسيّة.

لم يذكر العرض أيّ اسم للحاكم غير “أوكاشو” ولكن يبدو أنّ “من تحت باطه مسلّة بتنعره” بحسب الممثل طارق تميم المشارك في العرض الذي يشرح في حديث مع “المفكرة القانونية” أنّ العرض الأول لـ “تنفيسة” كان يوم الجمعة الماضي ولاحظ فريق العمل وجود ضابط بزيّ عسكري يراقب العرض، ولكنّ أحداً من الأجهزة لم يبلغهم شيئاً حتى قبل ساعة واحدة من العرض الثاني يوم السبت الماضي حين حضر عنصران من الأمن العام وطلبا بأن يحضر مخرج العمل فوراً إلى دائرة التحقيق الأمني كي يوقّع تعهداً بعدم عرض المسرحية كونها لم تعطَ إذناً مسبقاً للعرض، وبعد أخذ ورد تمّ الاتفاق على إيقاف عرض المسرحية وحضور عوض التحقيق يوم أمس الإثنين.

وبعد إيقاف العرض، عمدت الممثلات والممثلون المشاركون في العرض إلى تقديم 3 أغان من العمل على الطريق العام أمام المسرح تعبيراً منهم عن رفضهم لإيقاف العمل والرقابة المسبقة.

ويشرح تميم أنّ عرض تنفيسة يأتي ضمن فعاليات مهرجان “مشكال” الذي ينظّم للسنة العاشرة وأنّ عروض هذا المهرجان لم تستدع ولو لمرّة واحدة طلب إذن مسبق من الأمن العام لأنّه  طالبي ومجّاني، مضيفاً: “لكن يبدو أنّ هناك من عمِل إسقاطات أزعجته، فأراد وقف العرض”.

عوض بعد خروجه من التحقيق

الأمن العام يتحجّج بقانون لا ينطبق على العرض

وكان الأمن العام أرجع  إيقاف عرض “تنفيسة” إلى ما أسماه “عدم مرورها بالمسار القانوني”، وقال في بيان إنّ مخرج العمل أقدم “على عرض مسرحية داخل أحد مسارح بيروت دون المرور بالمسار القانوني للعرض من خلال مكتب الإعلام في المديرية العامة للأمن العام، حيث تم الاتّصال بالمسرح المعني الذي عمل القيّمون عليه مشكورين على وقف عرض المسرحية، بعدما تبيّن لهم مخالفة عرضها للأصول القانونية”.

ورفض الأمن العام في بيانه وضع إيقافه للمسرحية في إطار التعدّي على الحريات إذ اعتبر أنّ  “بعض مدّعي المعرفة الشاملة عمدوا على تصوير الموضوع وكأنّه تعدّ على الحرّيات العامّة، بينما هو تأكيد على صونها وعدم السماح بالتلطّي وراء الشعارات لإسقاط القوانين ومفاعيلها” وأنّ “محاولات التذاكي والخلط بين صلاحياتها وصلاحيات أخرى هدفه تعمية الرأي العام لتجاوز القوانين من خلال البطولات الوهمية، والتي لن تمنع المديرية عن القيام بواجباتها حماية لحريات الجميع التي نص عليها القانون اللبناني حصراً”.

غير أنّ المحامي أيمن رعد وكيل عوض أكّد في حديث لـ”المفكرة” أنّ “تنفيسة” تصنّف من العروض التي لا تحتاج حسب القانون إلى إذن مسبق لأنّها عرض طلابي مجاني وجزء منها ارتجالي. 

وفي بيان اعتبرت مجموعة “عاملات وعاملون في الفن والثقافة” أنّ اللبنانيين يعيشون “في بلاد لا يتاح فيها الغذاء ولا الطاقة ولا المياه ولا السكن ولا الطبابة ولا الطمأنينة ولا الأمان للجميع، بينما يتاح ضرب القيمة الشرائية للأجور والمدخرات وتجويع الناس وتهديد أمنهم وقمع الأعمال المسرحية”.

ودان البيان “الممارسات البوليسية القمعية التي يبدو أنها جزء من مشروع الحكومة الجديدة لفرض احترام المجرمين على الناس بالقوّة”، داعياً “فنانات وفناني المسرح إلى الامتناع عن تقديم أي نص للرقابة المسبقة على أعمالهم” و”المسارح والمراكز الثقافية إلى عدم اشتراط تقديم النصوص المسرحية لرقابة الأمن العام المسبقة قبل تقديمها”.

وكان ملفتاً في بيان الأمن العام مرور عبارة “ المخرج الفلسطيني عوض عوض” أي الإشارة إلى جنسيته الأمر الذي تناقلته أيضاً بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة  يعتبرها والد عوض تحمل ضرباً من العنصرية قائلاً في حديث مع “المفكرة”: “ابني ولد هنا وربي ودرس هنا وهو لبناني ولو من غير جنسية، من غير المقبول أن تتمّ الإشارة إلى الفلسطيني بالإصبع وهو جزء من المجتمع”.

موقف المسرح

بعد ورود إشارة في بيان الأمن العام إلى أنّه تمّ التواصل مع المسرح المعني الذي عمل على إيقاف المسرحية، تواصلت “المفكرة” مع مديرة مسرح “المدينة” نضال الأشقر لاستيضاح موقفها. فتشير إلى أنّ إدارة المسرح قرّرت السبت الماضي عدم عرض “تنفيسة” بعد حضور الأمن العام إلى المسرح واعتباره بأنّ هذا العرض لا يصنّف ضمن المحترفات أي أنّه غير معفي من المرور على الأمن العام قبل العرض. وتضيف: “نحن تعاملنا مع المسرحية وكأنّها محترفات فلم نطلب الإذن من الأمن العام مسبقاً، ولكن تبيّن لاحقاً أنّها مسرحية ومدّتها 70 دقيقة فأوقفنا العرض وتقدّمنا بطلب الإذن”.

وتوضح الأشقر أنّ “تنفيسة” ستعرض من جديد على مسرح المدينة بعد حصولها على الإذن من الأمن العام إذ ستجتمع إدارة المسرح وتقرّر متى يمكن استكمال عرض المسرحية ولاسيّما أنّ للمسرح جدولة عروض لسنة كاملة ما قد يؤخّر عرض “تنفيسة” قليلاً.

وتشدّد الأشقر على أنّها ضدّ الرقابة وتعتبر المسرح منصّة حرية وإبداع ولكن طالما هناك قانون مراقبة على المسرحيات سارٍ منذ سنوات ولم يغيّر حتى اللحظة لا بدّ من احترام القانون والمرور عبره.

“استشعار” التعرّض لرئاسة الجمهورية من “مُخبر سرّي”

عند الساعة العاشرة تقريباً من يوم الاثنين، حضر عوض إلى دائرة التحقيق الأمني بعدما استدعاه الأمن العام بناء لإشارة النيابة العامّة التمييزية من دون ذكر أي سبب للاستدعاء، ليتبيّن بعد التحقيق أنّ الاستدعاء كان لسببين أحدهما يتعلّق بالأمن العام لجهة عدم أخذ المسرحية إذناً قبل العرض، والثاني يتعلّق بالنيابة العامّة التمييزية ويرتبط بمضمون هذه المسرحية والتعرّض لمقام رئاسة الجمهورية، حسب ما أشار وكيل عوض المحامي أيمن رعد.

ويشرح رعد في حديث مع “المفكرة” أنّ عوض “ترك حرّاً”  من دون أي إجراء بحقه، وأنّه وقّع على تعهّد بتقديم طلب إذن للرقابة عن أي عمل مسرحي يقوم به ولكن حين تدعو الحاجة إلى ذلك مع التشديد على أنّ العرض لا يتطلّب إذناً مسبقاً. ويضيف أنّه وفي كلّ الأحوال ليس عوض هو الشخص المعني بتقديم طلب الإذن بل الجهة المنتجة وتمّ تبيان الأمرين في التحقيق.

وفيما خصّ الجانب المتعلّق بمضمون المسرحية، يوضح رعد أنّ النيابة العامّة التمييزية تحرّكت بعدما وصلها إخبار من “مخبر سرّي” يفيد بأنّ العرض المسرحي يتعرّض لرئاسة الجمهورية. فأوضح عوض ووكيله أثناء التحقيق أنّ المسرحية تتحدّت عن الأنظمة القمعية الاستبدادية في العالم وهي تستند على كتاب للكاتب أسامة العارف ويتحدّث عن الأنظمة الاستبدادية والأنظمة المهترئة. ويضيف: “اذا هم شعروا بأنّهم معنيّون فهذا شأنهم، وبذلك يكونون هم من أعطوا أنفسهم  صفة الاستبدادية والقمعية وليس العرض المسرحي، هم من استشعروا  تعرّضاً لرئاسة الجمهورية من دون أن يأتي العرض على ذكر أي اسم”.

ويلفت رعد إلى أنّ موكّله عوض أصرّ خلال التحقيق على أنّ النصوص القانونية التي تلزم برقابة مسبقة هي نصوص تحدّ من حرية التعبير، وأنّه يجب تغييرها وسيجري العمل على الأمر. 

النفس ممنوع

بعد ساعتين من التحقيق معه، خرج عوض مؤكداً أنّه سيعاود عرض “تنفيسة” قريباً، مشيراً في حديث مع “المفكرة” إلى أنّه تحت القانون وأنّه سيتقدّم بطلب إذن من الأمن العام لأي عرض عندما يستدعي القانون ذلك مع التأكيد على رفضه مبدأ الرقابة. 

وفيما يشير عوض إلى أنّ “تنفيسة” هو عمل يحاكي علاقة الأنظمة القمعية مع شعوبها بشكل عام، يعتبر أنّ ما حصل من إيقاف العرض واستدعائه بمثابة تأكيد أنّنا نعيش في بلد قمعي.

وبالتزامن مع التحقيق مع عوض تجمّع عدد من الناشطين والعاملين في مجال المسرح أمام مبنى الأمن العام حاملين لافتات تؤكّد على حريّة التعبير كحق غير قابل للنقاش وعلى رفض الرقابة المسبقة على أي عمل مسرحي.

وفيما غاب عن التحرّك الوجوه المسرحية المعروفة ولاسيما تلك التي نشطت في انتفاضة 17 تشرين الأوّل، وقف الممثلون والممثلات المشاركون في عرض “تنفيسة” هاتفين ضدّ الرقابة معبّرين عن رفضهم أي محاولة لإسكات صوتهم.

وأشار عدد من الممثلين في المسرحية (معظمهم من طلاب المسرح أو خريجين جدد)  في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ إيقاف العرض واستدعاء المخرج للتحقيق معه كان بمثابة صدمة لهم وكأنّ السلطة وبعدما حرمتهم من أبسط حقوقهم وتنصّلت من كامل مسؤولياتها تجاه شعبها تأتي اليوم لتقول لهم حتى الشغف ممنوع والنفس ممنوع وإذا أردتم “تنفيسة” فعليكم طلب الإذن مسبقاً.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، أجهزة أمنية ، حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني