مرافعة في قضية انتقاد هدم المرفأ الفينيقي: “ماذا لو دُمّرت عواميد بعلبك؟”


2024-06-25    |   

مرافعة في قضية انتقاد هدم المرفأ الفينيقي: “ماذا لو دُمّرت عواميد بعلبك؟”
اعمال التجريف في موقع المرفأ الفينيقي في مينا الحصن في بيروت

كان التوتّر سيّد الموقف في جلسة المرافعة أمس الإثنين 24 حزيران 2024 أمام القاضية المنفردة الجزائية في بيروت ضياء مشيمش في قضية القدح والذم التي رفعها المسؤول السابق للحفريّات في المديريّة العامّة للآثار أسعد سيف في حق أستاذ الفنون والآثار الفينيقية والرئيس السابق لقسم الفنون والآثار في الجامعة اللبنانية، البروفسور ناجي كرم. وكانت فصول هذه القضية بدأت عام 2012 عندما وجّه كرم انتقادات لاذعة لسيف على خلفية قرار إزالة موقع أثري، في العقار رقم 1389 في منطقة ميناء الحصن، عن لائحة الجرد العام في 21 حزيران 2012 في عهد وزير الثقافة الأسبق غابي ليّون، بعد أن كان الموقع قد أُدرج على اللائحة في 4 نيسان 2011 في عهد خلفه الوزير سليم وردة.

حضر الجلسة المحاميان فادي عون عن المدعي سيف وميشال عازار عن المدعى عليه كرم وحدهما من دون موكّليهما. وإذ اختصر عون مرافعته ببضع دقائق، طالب عازار بساعة من الوقت ليتمكّن من تقديم مرافعة شاملة يغطّي فيها كافة الأحداث المرتبطة بموقع المرفأ الفينيقي بغرض إقناع المحكمة بمشروعية الانتقادات التي ساقها كرم ضدّ سيف. لم يتحقّق مبتغاه، إذ رفضت القاضية مشيمش الطلب، معتبرةً أنّ هذا التوّسع يخرج عن سياق الدعوى طالبة منه حصر المرافعة بمسألة القدح والذم وليس بموضوع الآثار. وعليه، فإنّ عازار الذي حمل إلى المحكمة رزمة من المستندات، اضطرّ إلى حصر مرافعته بنحو عشر دقائق فقط.

وكيل سيف يضع القضية في إطار الاستهداف السياسي

بداية، ترافع المحامي فادي عون معتبرًا أنّ “كرم ارتكب القدح والذم في حق موكّلي عبر منشورات على فيسبوك بالإضافة إلى مقابلة تلفزيونية”. واختصر عون مرافعته واضعًا القضية في إطار الاستهداف السياسي للوزير غابي ليّون حين كان سيف مستشاره. وأوضح أنّ سيف كان مسؤولًا عن الحفريات الأثرية في عهد الوزراء سليم وردة وغابي ليّون وريمون عريجي. واعتبر أنّه “حين اكتشف الموقع، قيل له إنّه مرفأ فينيقي”. وتابع “على هذا الأساس على أيّام الوزير سليم وردة رفع موكلي تقريرًا إلى وردة طلب فيه تكليف خبراء للكشف (على الموقع)، وتمّ التواصل مع خبيرة ألمانية تحمّست وأتت لتكشف عليه في لبنان. وحين أتت، قالت إنّ هذا ليس مرفأ فينيقيًا”.

واعتبر عون أنّ المستند الذي يستند إليه المدعى عليه ليخلص إلى أنّ سيف عدّل موقفه لناحية أهمية الموقع المكتشف، هو مجرّد تقرير اجتماع مع أصحاب العقار، مشيرًا إلى أنّ “سيف كان دوره جمع المعلومات، ورفعها في تقرير إلى الوزير ولا صلاحيات له في التأثير على القرارات”.  وتسلّح عون بحكم كان قد كسبه سيف في دعوى قدح وذم رفعها ضدّ خبير الآثار هشام الصايغ الذي كان مشرفًا على وحدة الممتلكات الأثرية المنقولة والمستودعات وكان قد كتب تقريرًا في عهد الوزير وردة شدد فيه على أهمية الموقع الأثري. واعتبر أنّ كرم “أخذ كلام الصايغ ونشره في الإعلام”.

وطلب عون “تجريم كرم بالقدح والذم”، وبما يتعلّق بالتعويض أشار إلى أنّ موكّله “لا مانع لديه من الحكم بالتعويض بليرة واحدة في حال تراجع كرم عن كل ما نشره سابقًا”.

عازار: “ماذا لو دُمّرت عواميد بعلبك؟”

حمل وكيل المدعى عليه كرم، المحامي ميشال عازار إلى المحكمة رزمة من الأوراق التي قدمها والتي خطَّ عليها مرافعته. وعلى سماكتها، فهي حفنة من الأوراق أمام الملف الشامل الذي يتضمّن جميع المستندات التي تدل على وجود مرفأ فينيقي في العقار 1389، الذي كان قد سلّمه للمحكمة كمذكرة دفاع، وذلك بهدف إثبات أنّ انتقاد ناجي كرم لأسعد سيف في هذا الملف هو انتقاد مشروع. وشرح عازار أنّ المعلومات التي يُريد أن يُدلي بها في مرافعته تحتاج لساعة من الوقت، لكنّ القاضية مشيمش رفضت منحه هذه المساحة من الوقت وطلبت منه الاختصار. وشرحت مشيمش أنّ سبب رفضها هو ضيق الوقت ووجود ملفات موقوفين بالانتظار. وفي المحصّلة لم يتمكّن عازار من الترافع سوى لعشر دقائق من أصل ساعة كان يأمل أن تتاح له، رغم تأكيده أكثر من مرة على صعوبة اختصار ملف شائك بهذا الشكل في مساحة ضيّقة من الوقت.

اعتبر عازار أنّ هذه “قضية وطنية بامتياز، وأنا أدافع عن آثار البلاد قبل أي شيء آخر”. وتابع أنّ المدعي يقول إنّ “الدراسات السابقة لعهد الوزير ليّون أثبتت أنّ الموقع هو مرفأ فينيقي”. وتغيّر هذا الواقع، حين تقدّمت جمعيّة تعنى بالآثار بطعن أمام مجلس شورى الدولة ضد قرار الوزير ليّون الذي قضى بإزالة الموقع عن لائحة الجرد، فعيّن المجلس المهندس حسن بدوي لمعاينة الموقع وهو غير متخصص بعلم الآثار، فأصدر تقريرًا يُشير إلى أنّ الموقع ليس مرفأ فينيقيًا. وعليه استند مجلس شورى الدولة إلى هذا التقرير في إصدار قرار برد الطعن بقرار الوزير. وخلافًا لذلك، لفت عازار إلى أنّ قاضي الأمور المستعجلة في بيروت كان قد أصدر قرارًا يمنع هدم الموقع تحت طائلة غرامة إكراهية بقيمة مئة مليون ليرة، “والمفاجأة كانت بقيام المتعهّد بهدم الموقع خلال ساعتين من الوقت”.

وخصصّ عازار جزءًا من مرافعته ليردّ على ما جاء في مرافعة عون وفي استجواب سيف في الجلسة الماضية التي انعقدت في 29 نيسان 2024، حين أشار سيف إلى أنّه كموظف في الوزارة هو غير قادر على معارضة قرارات الوزير. وردًا على ذلك، عرض بعض القوانين التي تتضمن مواد تسمح للموظفين العموميين، بمن فيهم العسكريين، بمعارضة قرارات مرؤوسيهم في حال اكتشفوا أنّها غير مشروعة. فأشار إلى المادة 185 من قانون العقوبات التي تمنع “الملاحق بالجرم (…) أن يُدلي بأيّة ذريعة لتبرير فعله كحالة الضرورة (…) أو أوامر السلطة”. كما أشار إلى المادة 14 من نظام الموظفين التي تُعدد واجبات الموظف العام، ومن بينها أنّه “يتوجّب على الموظف بوجه عام أن ينفذ بدقة أوامر رئيسه المباشر وتعليماته المتعلقة بالوظيفة إلّا إذا كانت هذه الأوامر والتعليمات مخالفة القانون بصورة صريحة وواضحة”. وفي هذه الحالة على الموظف أن يلفت نظر رئيسه خطيًا إلى المخالفة الحاصلة، ولا يُلزم بتنفيذ هذه الأوامر والتعليمات.

إضافة إلى ذلك، أشار عازار إلى المادة 387 التي تعتبر أنّه “في ما خلا الذم الواقع على رئيس الدولة، يبرّأ الظنين إذا كان موضوع الذم عملًا ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته”. وهذا ما كان يُحاول عازار إثباته في معرض هذه الدعوى، وهو شرعية انتقاد كرم لسيف في ما يتعلّق بوظيفته كمدير للحفريات بالتوازي مع إثبات صحة الانتقادات التي وجهها إليه.

وأثناء محاولته الاستمرار في المرافعة، حسمت القاضية مشيمش الجدل تجاه الوقت، وقاطعته طالبة منه استكمال المرافعة بدقيقتين. فقفز إلى الخلاصة طارحًا سؤالًا حول: “الفرق بين تدمير المرفأ الفينيقي وما فعلته داعش في آثار تدمر في سوريا؟”. وافترض عازار سيناريو تدمير عواميد بعلبك، متوجّهًا إلى القاضية مشيمش قائلًا: “رجاء يا حضرة القاضية ألّا تدمروا آثار بيروت مرّة ثانية، أقلّه من الناحية القانونية”. وطلب البراءة لموكّله كونه متأكدًا أنّ ما تم تدميره هو مرفأ فينيقي حقيقي.

قبل إرجاء الجلسة للحكم، طلب المحامي فادي عون الاستمهال لتقديم مستند للمحكمة وهو الحكم الذي أصدرته محكمة المطبوعات ضدّ عالم الآثار هشام الصايغ لصالح سيف، وعليه أُرجئت الجلسة إلى 14 تشرين الأول 2024.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني