مخالفة زيادة على قرار الدستوري 1/2016: رفضٌ لامتناع المجلس عن احقاق الحق


2016-01-11    |   

مخالفة زيادة على قرار الدستوري 1/2016: رفضٌ لامتناع المجلس عن احقاق الحق

لم يغب ذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مقدمة الدستور والفقه والإجتهاد في القضاء الدستوري عن قرار المجلس الدستوري الصادر يوم أمس الخميس بخصوص الطعن المقدم أمامه على قانون إستعادة الجنسية، وقد حمل رقم 1/2016. اللوازم الثلاث لقرارات المجلس، جاءت في ظل القرار مفرغة من قيمتها ومن الغاية التي وضعت لأجلها أساساً. غاية مناصرة حقوق الإنسان وصونها وحمايتها.

صدر إذاَ قرار المجلس الدستوري برد الطعن المقدم أمامه مقتضبا ومبتورا. فهو اكتفى بالرد على ما أثاره الطعن فرأى أن بإمكان المشرع أن يستثني من استعادة الجنسية المتحدرين من أشخاص اختاروا جنسية المقيمين في دولة منفصلة عن السلطنة العثمانية حيث أن التمييز يجوز عند اختلاف الأوضاع القانونية. بالمقابل، لم يكلف المجلس نفسه عناء الخوض في نقاش حول المعايير الفعلية للإختلاف الذي بنى عليه قراره. فخرج بقرار مقتضب لا يحمل أي إضافة الى الإجتهاد الدستوري، الأسوأ من ذلك هو أنه تجاهل أمرين أساسيين: الأول مدى دستورية القانون بحد ذاته، لجهة إعطاء الحق باستعادة الجنسية من دون اثبات أي ارتباط فعلي بلبنان، والثاني، والأهم، مدى دستورية التمييز ضد النساء. فقد تناسى المجلس جملة من النضالات يخضنها النساء لتكريس المساواة في هذا المضمار، وأنه في اللحظة التي طعن أمامه بقانون يتعلق بالجنسية يلحظ التمييز الجندري ضد المرأة، بات المرجع  لنصرة المرأة والإعتراف بمواطنيتها وفتح النقاش على مصراعيه.

“تخاذل على القضية”

بهذا المعنى جاء القرار مفاجئاً للجمعيات النسوية الناشطة بهذا المجال. بشكل خاص بعد أن قدمت المفكرة القانونية” و”مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل على التنوعمذكرة توضح بالتفصيل دور المجلس الدستوري إزاء هذه القضية، كمسألة بديهية. في هذا الإطار تعبر منسقة حملة “جنسيتي حق لي ولأسرتي” لينا أبو حبيب لـ”المفكرة القانونية” عن مفاجأتها بالقرار. “كنت أتوقع من المجلس الدستوري أن يكون صوت العقل، وأنا متعجبة كيف ضرب قضية المساواة عرض الحائط”. تضيف أبو حبيب، “لقد فوّت المجلس على نفسه مناسبة تاريخية ليكون رائداً في هذه القضية”. فبعد أن كانت الآمال معلقة على المجلس لإزالة هذا التمييز ضد المرأة، بات بالنسبة للحملة “مثله مثل أي مؤسسة فاشلة لا تحترم حقوق الإنسان والمواطنين”. ذلك بعد “التخاذل الكبير على مستوى مؤسسة ليست بصغيرة”. تضيف أبو حبيب أن “المشكلة باتت اليوم بتحديد من هي المرجعية التي يمكن اللجوء اليها في قضايا الحقوق والمساواة؟”

من جهتها تتساءل المحامية منار زعيتر من “التجمع النسائي الديمقراطي” في حديث مع المفكرة عن طبيعة المجلس الدستوري. فـ”هل يعتبر نفسه محكمة عادية فيلتزم بحدود الطعن المقدم امامه من دون التوسع كما يلتزم القاضي العادي بحدود الدفوع؟”. وبما أنه من المعروف أن طبيعة المجلس الدستوري تختلف عن المحاكم العادية بشكل كبير، فإنه برأي زعيتر “حوّل نفسه بهذا القرار الى محكمة عادية”. تضيف زعيتر أنه في “بلد يحكى فيه عن المساواة وقانون الجنسية موضع أخذ ورد في هذا الإطار، كان المجلس الدستوري أمام فرصة لإصدار قرار بهذا المجال، بالأخص أنه سبق أن صدر أحكام قضائية في هذا المجال”.

مياه الوجه في المخالفة

مكامن أزمة القرار واضحة في المخالفة الوحيدة الواردة عليه. فمن بين 10 أعضاء في المجلس، لم يلتفت الى مسألة التمييز الفاقع ضد المرأة في القانون المذكور سوى نائب رئيس المجلس القاضي طارق زيادة. وتحفظ المخالفة شيئاً من ماء وجه هذا المجلس، ليقال أن قاضياً فيها وقف لأجل الحق وفضح إستنكاف الآخرين عن إحقاقه. يبني زيادة مخالفته على ركيزتين أساسيتن، أغفلهما المجلس عمداً في قراره. وهما بشكل أساسي واجب المجلس الدستوري بالنظر في دستورية كل القانون وليس فقط المواد المطعون بها، ووجوب إبطال القانون لإنطوائه على شرط الأصل اللبناني عن طرق الذكور في طالب إستعادة الجنسية. 

وتؤكد المخالفة أن “المجلس الدستوري جرى على أنه عندما تقدم مراجعة لمخالفة القانون للدستور، فإن هذا المجلس يضع يده عفواً على كل مخالفة للدستور ممكن أن تكون قد وقعت فيه”.  والهدف من التمسك بهذه الصلاحية كما يورد زيادة، “أنه لا يجوز لأي قانون جديد أن يكون مخالفاً للدستور”. بمعنى آخر، فإن صلاحية المجلس “تأخذ مداها الكامل وتطلق يده في إجراء رقابته على القانون برمته بمجرد تقديم المراجعة، دون أن يكون مقيداً بمطالب الجهة المستدعية للطعن”. 

وإمتناع المجلس عن ممارسة واجبه بالنظر بدستورية القانون ككل، أدت الى إغفال مناقشة دستورية الأصل الذكوري لطالب إستعادة الجنسية اللبنانية. يلقي زيادة الضوء على هذه المسألة في مخالفته، مستنداً الى الفقرة “ج” من مقدمة الدستور والمادة السابعة المكرسة لمبدأ المساواة بين المواطنين اللبنانيين. وقول زيادة في هذا الخصوص أن “المقصود بالمواطنين اللبنانيين الذكور والإناث دون تفريق بينهم، ولم يسند الدستور اللبناني موضوع الجنسية الى الأصل الذكوري لطالبها…”. لينهي بالقول أن “القانون الجديد الذي يصدر بشأن إكتساب الجنسية يجب ألا يخالف الدستور، وبما أنه على فرض أن القانون المطعون فيه هو تمديد جديد لمهلة إكتساب الجنسية، فإنه يتوجب أن يكون مراعياَ لأحكام الدستور وغير مخالف لها كما وقع في هذا القانون مما كان يوجب إبطاله لهذه الأسباب.

يقول الدكتور في القانون الدستوري زهير شكر في حديث مع “المفكرة القانونية” بهذا الصدد أن ما أورده زيادة في قراره هو تحديداً “البديهيات بالنسبة للمجالس الدستورية”. أما وجود إعتراض فيعني أن البديهيات المغفلة أثيرت في المداولات السابقة على إصدار القرار. والحال أن عدم إثارتها ما هو إلا دليل على أن الأعضاء كانوا “على قناعة أن موقف نائب الرئيس صحيح وأن إثارته تلزمهم بقرار مخالف لتوجهات السلطةلا سيما بوجود جهة رافضة لمنح المرأة حقها الطبيعي بنقل جنسيتها”. ويكون المجلس بهذا المعنى، وفقاً لشكر قد “إستنكف عن إحقاق الحق لا سيما في ظل إجتهادات المجلس السابقة لناحية صلاحياته بوضع يده على كامل القانون”. بالنسبة لشكر، موقف زيادة المخالف هو حصراً الموقف الذي كان يجب أن يتبناه المجلس الدستوري”. أما قرار المجلس فـ”ضعيف” حتى بالنسبة لما أثاره في حدود الطعن المقدم أمامه”، لا سيما أن “أحداً لم يحصل على جنسيته في الدول المنفصلة عن السلطنة طوعاً”.

“لا قيمة قانونية للمخالفة، بل قيمتها معنوية” يقول شكر. أما زعيتر فتجد أن طرح أحد قضاة المجلس الدستوري لقضية حق المرأة نقل جنسيتها، بحد ذاته مهم”. بالتالي يجب أن يكون العمل كجهات نسائية منذ الآن “على تكرار إدماج قضايا النساء في المجلس الدستوري”. غير أن إيفاء زيادة حقه واجب، فهو الوحيد في المجلس وقف بمواجهة سيطرة السلطة على القرار، وسجل رفضه لذكورية النظام صراحةً. وهو أيضاً الذي فضح قبول المجلس الدستوري إستنكافه عن إحقاق الحق، لا بل رفضه لإحقاق الحق، وتصميمه على تكريس إرادة السلطة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، جندر ، محاكم دستورية ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني