محكمة الرباط تقرّ مبدأ عدم التمييز في تسجيل ولادات الأجانب: تطبيق آخر لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل


2020-02-17    |   

محكمة الرباط تقرّ مبدأ عدم التمييز في تسجيل ولادات الأجانب: تطبيق آخر لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل

أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا حكما مبدئيا[1]، يقر حق الأطفال الأجانب المزدادين في المغرب في الحصول على شهادة ميلاد لتسجيلهم في سجلات الحالة المدنية بغض النظر عن الوضعية القانونية لوالديهم.[2]

القرار يعكس من جهة أولى تطورا في حق اللجوء إلى القضاء خاصة بالنسبة لبعض الفئات المهمشة وعلى رأسها الأجانب المنتمين إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء المقيمين بطريقة غير نظامية، والذين يواجهون عدة صعوبات في الحصول على الوثائق الإدارية اللازمة لتسوية وضعيتهم، كما أنه يعكس من جهة ثانية تطورا في إعمال القضاء المغربي للاتفاقيات الدولية، حيث طبق القرار القضائي وبشكل صريح مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة بالجريدة الرسمية على القانون الداخلي، مؤكدا على مبدئين أساسيين هما المصلحة الفضلى للطفل، وحظر التمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو أي اعتبار آخر.

ملخص القضية

تتلخص وقائع القضية في أن مواطنة تنحدر من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وضعت حملها في إحدى المستشفيات العمومية بمدينة الرباط، وتفاجأت بامتناع إدارة المستشفى عن تسليمها شهادة الولادة، بعلة عدم أدائها لمصاريف الاستشفاء.

فتقدمت بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالعاصمة الرباط، أكدت فيها أن هذا المنع ترتب عنه حرمان مولودها من الحق في الهوية، حيث تعذر عليها تسجيله بسجلات الحالة المدنية، مؤاخذة على القرار اتسامه بتجاوز السلطة لوروده مشوبا بعيب مخالفة القانون، والتمست من المحكمة إلغاء القرار، مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية.

وأدلت إدارة المستشفى العمومي بمذكرة جوابية التمست فيها رفض الطلب بعلة انعدام الإثبات.

موقف المحكمة

بتاريخ 12/02/2019، أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكمها بقبول طلب المدعية، وإلغاء قرار إدارة المستشفى المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية. وقد اعتمدت المحكمة في تعليل حكمها وبشكل لافت على مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، مؤكدة على أن “الحق في الهوية والاسم هو من الحقوق الأساسية للطفل المضمونة بمقتضى الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل، والتي أكدت على أهمية تسجيل الولادة لإثبات الوجود القانوني لكل فرد، وبالتالي ضمان تمتعه بالحقوق المكفولة له، من قبيل الحق في الجنسية والهوية والتسجيل في الحالة المدنية. فقد نصّت الاتفاقية المذكورة في مادتها السابعة في فقرتها الأولى على أنه يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق مند ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما.”

كما اعتمدت على كون “الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية والمنشورة بالجريدة الرسمية تكتسي طابع الإلزام الذي للتشريع الوطني، بل وتطبق بالأولوية في حال تعارضها مع التشريع الداخلي، انطلاقا من مقتضيات الدستور التي أكدت التزام بلادنا بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا”.

واستندت المحكمة أيضا على مقتضيات قانون الحالة المدنية الذي “يكفل الحق في الاسم والهوية، والوثائق الإدارية التي تثبتها”، و”نطاق تطبيقه يشمل المغاربة والأجانب على حد سواء، بصريح المادة 3 منه، التي جاء فيها أنه يخضع لنظام الحالة المدنية بصفة إلزامية جميع المغاربة كما يسري نفس النظام على الأجانب بالنسبة للولادات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني”، كما أن “من شروط الاستفادة من نظام الحالة المدنية تعزيز التصريح بالولادة بشهادة تثبت هذه الولادة يسلمها الطبيب المولد أو المولدة الشرعية، أو السلطة المحلية.”

وخلافا لما دفعت به إدارة المستشفى المدعى عليها، من كون ملف القضية خاليا من الإثبات، اعتمدت المحكمة على نسخة من مستخرج سجل الولادة تبين أن المدعية وهي من دولة الكونغو وضعت حملها بمستشفى الولادة بتاريخ 17/11/2016، وولد لها مولود من جنس ذكر على الساعة الثامنة مساء.

وعليه، خلصت المحكمة إلى أن “تقاعس إدارة المستشفى الذي وضعت فيه المدعية مولودها عن تسليمها شهادة الولادة بغض النظر عن أي مبرر مرتبط بعدم القدرة على دفع مصاريف الولادة أو غيره، يتنافى مع القانون المنظم للحالة المدنية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ويشكل مساسا بالحقوق الأساسية التي تكفلها هذه المقتضيات القانونية، سواء للمغاربة أو للأجانب على حد سواء، وخاصة مبدأ تقديم مصلحة الطفل باعتبارها مصلحة فضلى أولى بالرعاية والاحترام أكثر من أي التزام قانوني آخر، وكذا مبدأ عدم التمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين، ويجعل رفضها تسليم هذه الشهادة قرارا سلبيا مشوبا بعيب مخالفة القانون الموجب لإلغائه وترتيب الآثار القانونية على ذلك”.

مواضيع ذات صلة

قرار قضائي يقرّ حق أبناء المقيمين غير النظاميين في المغرب بالتسجيل


[1]-حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 542، في الملف 684/7110/2018، بتاريخ 12/02/2019، غ.م.

[2] – يقصد بعبارة “الحالة المدنية” نظام يقوم على تسجيل و ترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج وطلاق. وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية.

-المادة الأولى من ظهير رقم 239-02-1 بتنفيذ القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية، منشور بالجريدة الرسمية رقم 5054 ، صادرة بتاريخ 07/11/2002.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني