عن الحزبي ابن العشيرة الذي ينتقد عشيرته وحزبه


2021-08-23    |   

عن الحزبي ابن العشيرة الذي ينتقد عشيرته وحزبه
رسم رواند عيسى

عندما قرأ أحمد (اسم مستعار) بيان عشيرة جعفر وهي تتبرّأ من ابنها الشيخ جابر سعدالله جعفر المنشور في جريدة “السفير” في مطلع التسعينيّات بعد التحاقه بحزب الله، أدرك حجم التحدّيات التي ستصادفه كشاب في بداية دراسته الجامعية يعتنق فكر الحزب وينتمي إليه. طلب أحمد عدم ذكر اسمه ونحن نجري معه مقابلة حول “الحزبي ابن العشيرة” ومدى التوافق بين أعراف عشيرته وقواعده الحزبية وهل صادف متناقضات وتحدّيات. “حتى كون مرتاح بالحكي سواء ع العشيرة وسواء ع الحزب، ما تحطي إسمي”، قال.

كان الشيخ جابر من أوائل أبناء عشيرة جعفر الذين أعلنوا انضمامهم إلى حزب الله والالتزام به في وقت كانت العشائر ما زالت منيعة حيال الحزب. يومها، عقدت عشيرة جعفر اجتماعاً لمجلسها الذي يضمّ زعماءها ووجهاءها واستدعت الشيخ جابر وخيّرته بين العشيرة وحزب الله فاختار الحزب. أصدرت العشيرة إذ ذاك بياناً تبرّأت فيه من ابنها الحزبي، ورد جابر بحزم أمتعته ومغادرة منطقة الجعافرة والسّكن بعيداً عنهم والزواج من غير بناتهم. حال الشيخ جابر تغيّرت اليوم طبعاً مع تغيّر علاقة حزب الله وعشيرة جعفر وخصوصاً جعافرة الشمال، أي من يسكنون جرود الهرمل على الحد مع عكار، “ع شوي مقدّسينه”، والذين يراوح عديد شبّانهم في الحزب حالياً ما بين 800 إلى ألف عنصر، على خلفية المنحى الذي سلكته علاقة الطرفين بعد 2005 و2006 ومن ثم 2011، تاريخ اندلاع الحرب السورية.

في منتصف التسعينيات، كان أحمد يكمل دراسته الجامعية في بيروت، وكان عدد شبّان عشيرته الذين ينتمون إلى حزب الله لا يتجاوز أصابع اليدين: “كان عندي أصدقاء يساريين وسوريين قوميين ومن أحزاب أخرى، لكنّي وجدت نفسي منحازاً لأنشطة حزب الله وهيئة دعم المقاومة”. يردّ هذا الانحياز لفطرته الداعمة لأشكال المقاومة كافّة، كما للدّين: “نشأت في عائلة ملتزمة بالخمس والزكاة وفروض الدّين كلّها، في وقت قلّ فيه التزام العشائر، وعليه ارتحت لحزب الله كمقاومة تسقط عندها ليس حدود العشيرة فقط وإنّما حدود الوطن، وكالتزام ديني ينسجم مع نشأتي، وكفكر طبعاً”. مع العلم أنّ أحمد ليس متفرّغاً في الحزب ولا متعاقداً “يعني ما بقبض ولا ليرة من الحزب، حتى إنّي لو وضعي المادي بيسمح كنت بتبرّع له”.

لم يعانِ أحمد من عشيرته فقط حيث لم يكن انتسابه إلى الحزب محبّذاً ومقبولاً: “كنت إتعرّض لمضايقات على الضفّتين العشائرية والحزبية. ولكنّ العشيرة نفسها هي التي حمتني منها أيضاً للأسف”. كيف؟ “لأنّ توازنات القوى ضمن العشيرة تفرض نفسها”. فأحمد ينتمي إلى جبّ له كلمته ضمن عشيرته “فكانوا يحسبون حساب أيّ مضايقة قد تستجرّ خلافاً داخلياً”. وعليه تمكّن من التعايش مع رفض العشيرة لتحزّبه، مع أنّه كان قد حسم خياره: “لو خيّروني بين العشيرة والحزب لاخترت الحزب من دون تردّد”، يقول من دون أن يخفي شعوره بالفخر بالانتماء إلى العشيرة “من زاوية الكرم والنخوة والانتفاض لكرامة الشخص وإكرام الضيف ونصرة الضعيف”. ويرى بالتالي أنّ هناك قيماً إيجابية جداً في العشيرة “لكن بعض أبناء العشائر لم يحافظوا على هذه القيم، بل ساروا في سلوكيات شوّهت العشيرة وجعلت من يرفضها (السلوكيات) يخجل من كونه ابن عشيرة”. إذاً هل أنت اليوم ضد الثأر، وهو أحد الأعراف العشائرية التي ما زالت ثابتة؟ نسأله. فيجيب أنّه لا يمكنه أن يقتل بريئاً لأنّه شقيق قاتل أو قريبه. ولكن هل تثأر من القاتل نفسه؟ نعيد السؤال. هنا يلجأ أحمد إلى الشرع: “في الدين، حتى وليّ الدم (أي من قُتل له قريب، ابن أو أخ أو أب) يحتاج إلى إذن ديني شرعي للأخذ بالثأر، ولذا إذا كنت أتمثّل بالإمام الحسين فإنّي أفضّل العار ولا النار، أي عدم الأخذ بالثأر من دون الإذن الديني “حتى لو عابت عليّ العشيرة ذلك”، كون العرف العشائري يُعيب على من لا يأخذ بالثأر.

على الضفة الحزبية، واجهت أحمد تحدّيات أيضاً: “كان البعض ينظر إليّ كابن عشيرة، خصوصاً على خلفية مواجهات بعض العشائر مع حزب الله (معركة الشراونة) من جهة، وعدم ترحيب العشائر بانتشار الحزب وتمدّده ومقاومتها لهذا التمدّد بين أبنائها”. نحن نتحدّث عن أواخر الثمانينيّات وبداية التسعينيّات “لم يكن الحال كما اليوم حيث تمدّد حزب الله بين العشائر وإن بنسب مختلفة، أما يومها، في بادية التسعينيّات، فكان أبناء العشائر يشعرون أنّ أبناء العائلات غير العشائرية يستقوون بالحزب في مواجهتهم، كما أنّ العصبية العشائرية وخصوصاً الزعامات التقليدية، شعرت أنّها مهدّدة”.

منزل خيمة ما زالت مستعملة للعيش في جرد الهرمل (تصوير حسن الساحلي)

تمسّك أحمد بالقيم الإيجابية للعشائر ومنها، إضافة إلى ما سبق ذكره، “مقاومة المحتلّ ورفض الظلم بأنواعه كافّة، حيث كان أبناء العشائر المقاومين الأوائل للعثماني والفرنسي”، تلتقي مع “النهج المقاوم للحزب” كما يقول، ليرى لو أنّ العشائر تمسّكت بأعرافها الجيّدة والجميلة لتلاقت مع الحزب منذ بداياته”.

وكابن عشيرة، يقف أحمد على مسافة نقدية من العشائر (الثأر من بريء والمخدّرات وبعض أعمال السرقات والنهب وقطع الطرقات) ومن الحزب مع فارق واضح: هو يخجل من ممارسات العشائر ولكن تراه في المقابل يبرّر للحزب بعض المحطّات التي لا يستسيغها “أنا أثق في القيادة وفي قراراتها وأعتقد أنّها ترى السلبيّات ولكنّها تعطي الأولوية للأهداف الاستراتيجية الكبرى”. كفرد قد لا ترضي أحمد “مسايرة حزب الله حالياً للعشائر ولا حمايته لبعض ما يحصل في المنطقة”، ولكن كون قيادة الحزب “ترى مصلحته في هذه المسايرة وتدرك أكثر منّي أبعادها، لذا أقبل بها كون نظرتي إلى الأمور كفرد مختلفة عن نظرة القيادة وما تراه مناسباً للحزب ككل، وأنا أقبل بقرارات القيادة من دون أي تردّد”. إضافة إلى المصلحة الانتخابية “إذا اتفقوا عشيرتان فيهم ينجّحوا نائب”، هناك وجهاء العشائر الذين ما زالوا “يتمتّعون بالنفوذ والحزب يضطرّ لقبول ذلك ولا يسعى لإقفال بيوتهم، والأفضل أن يستوعبهم على أن يتصادم معهم”، وبعض هؤلاء، أي الوجهاء يتمسّكون بالفائدة الفردية “يعني عطول بدهم عن طريقهم يجي كل شي منيح لمناطقهم”.

كما أنّ العشيرة، على ما يقول أحمد، لا تتخلّى عن أبنائها “حتّى لو اعتمدوا سلوكيات خاطئة ومنها الثأر من بريء والمخدرات والتهريب وملحقاته حتى تهريب البشر وغيره”. من هنا يضطرّ حزب الله للتدخّل أحياناً لتسوية أوضاع ابن هذه العشيرة أو تلك، كما حلّ الأمور والمشاكل على الطريقة العشائرية “وأوقات بيزايد ع العشائر في هذا الأمر، حيث تكون المصالحة هي الأولويّة سعياً لحقن الدماء”.

ومن بوّابة وضع منطقة الهرمل وقضائها، يتطرق أحمد إلى الوضع الداخلي: “صحيح أنّ لا غبار على المقاومة”، ولكنّه ينتقد الناحية الإنمائية والتعاطي في البلديات: “يسلك الحزب في البلديات سلوك حركة أمل الذي ننتقده ونعيبه عليها”، وعليه “أقول بكل ضمير مرتاح إنّ حزب الله قد فشل في البلديات”. ولكن التحدّيات كبيرة في مجتمع كالمجتمع اللبناني عامّة، يضيف، ومجتمع المنطقة والعشائر بشكل خاص “لازم نعترف إنّه الشعب فاسد كمان”، فعلى سبيل المثال “بس يجي زفت لطريق، الكلّ بدّه يقبض متل كلّ المشاريع، وينصبّ الاهتمام على الإفادة الشخصية للوجهاء والمؤثّرين وليس على المصلحة العامّة، والسهر على حسن تنفيذ المشاريع”. وهنا يجري غضّ النظر عن التجاوزات “وتدفع المنطقة الثمن، وتصبح حصّتها من الإنماء هي الضحية”.

بعد استعراض الحال، نطلب من أحمد أن يضع خاتمته بنفسه: “كتير يئسان من أيّ تغيير في المنطقة، رح تمرق السنين ويمكن كلّ المناطق تتغير ونحن نضلّ بمكانّا طالما عم نكرّس السلبيات وما نعالجها”.

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، أحزاب سياسية ، فئات مهمشة ، مجلة لبنان ، لبنان ، حراكات اجتماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني