دليل لجان الأهل في المدارس الخاصّة: خريطة طريق للمعرفة الحقوقية


2021-12-15    |   

دليل لجان الأهل في المدارس الخاصّة: خريطة طريق للمعرفة الحقوقية

على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان ارتفعت مؤخراً نسبة النزاعات بين أولياء الأمور والمدارس الخاصة على خلفية فرض زيادات على الأقساط المدرسية، الأمر الذي أعاد الحديث عن دور لجان الأهل في حماية حق التلامذة في التعليم، وعن الأطر القانونية الناظمة لعلاقة هذه اللجان ومن تمثّله من أولياء أمور بالمدارس، وصلاحياتها في الدفاع عن التعليم كحق مكتسب، وبالتأكيد عملياً على أنّ المدارس الخاصة تدخل ضمن فئة المؤسّسات غير الربحية التي لا يحق لها ووفق القانون جني أو تحقيق أي أرباح لقاء خدمات التعليم التي تقدمها.

خاض أولياء الأمور الكثير من المعارك في هذا الإطار خلال السنوات الماضية، أغلبها كان بشكل فردي، وعلى الرغم من وصول عدد لا بأس به من المعارك التي خاضها الأهالي في القضاء إلى نهايات تنصف أولياء الأمور، إلّا “أنّه غالباً ما كان هؤلاء الأولياء يصطدمون بعقبتين أساسيّتين، أوّلهما عدم معرفتهم بصلاحياتهم المنصوص عليها في القانون ولاسيّما أنّ المشرع اللبناني أورد هذه الصلاحيات في نصوص متفرقة، وثاني العقبات كانت عدم تشكيل المجالس التحكيمية التربوية التي تعتبر الجهة الأساسية المسؤولة عن النظر في النزاعات بين المدارس وأولياء الأمور” حسب ما تشير المستشارة القانونية لاتحاد لجان الأهل وأولياء التلامذة في المدارس الخاصة المحامية ملاك حمية. وكلّ هذه العوامل دفعت حمية إلى إطلاق دليل “حقوق لجان الأهل وأولياء التلامذة في المدارس الخاصّة” بالتعاون مع الاتحاد نفسه وبدعم من “المفكرة القانونية” وهو مرجع مبسّط لأولياء الأمور يجمع النصوص المتفرقة ويرتّب المواد القانونية متخذاً شكل أسئلة وأجوبة واضحة ومحددة،  ليكون وحسب ما تقول حميّة لـ “المفكرة” أداة للمعرفة الحقوقية المبسّطة للجان الأهل وأولياء الأمور تمكّنهم من الاطّلاع على حقوقهم وحقوق أبنائهم والتمسّك بها والمطالبة بالطريقة الأفضل لإحقاقها. 

جمعت حمية في هذا الدليل (يوزّع مجاناً ومتوفّر في مكتبة الحلبي) مواد الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحق التعليم ومجموعة القوانين والمراسيم المحلية التي تعنى بتنظيم الموازنات المدرسية وأصول تحديد الأقساط والزيادات وإنشاء لجان الأهل وحقوقها. ويشكّل الدليل مرجعاً قانونياً يضمّ جميع الأدوات التي يحتاج إليها الأهالي في أي نزاع يمكن أن يحصل مع الإدارات وجميع القوانين التي تنظّم العلاقة بين أولياء الأمور والمدارس والتي يمكن الاستناد إليها في أي نزاع ينشأ بينهما. كما يرشد أولياء الأمور إلى الجهات المعنية بحلّ النزاعات التي قد تنشأ مع المدارس وكيفية اللجوء إليها ضمن المهل المحدّدة.

معارك الأهل من زيادة الأقساط إلى رفض إعطاء الإفادات 

صحيح أنّ تراجع قدرة أولياء الأمور الشرائية مؤخراً مع خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها  يتسبّب بمزيد من النزاعات بين أولياء الأمور والمدارس الخاصة، إلّا أنّ هذه النزاعات بدأت تظهر إلى العلن قبل إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 وبعدها، كما توضح حمية. وتشير إلى أنّ المدارس عمدت ومنذ العام 2012 أي عند بداية الحديث عن السلسلة إلى زيادة الأقساط المدرسية على أساس سلف على الزيادة التي ستقر، لتعود وبعد إقرار السلسة  إلى فرض زيادات غير مسبوقة. وهذا الأمر رفضه عدد من أولياء الأمور وأبطلوه بالقانون بالتعاون مع ناشطين حقوقيين.

وكان عدد من الناشطين الحقوقيين والأهالي ولجان الأهل في المدارس الخاصة أطلقوا العام 2018 أي بعد إقرار السلسلة، حملات لدعم لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصّة في لبنان منطلقين من القوانين المرعية الإجراء ولاسيّما القانون 81/11 الذي ينصّ في مادته الأولى على أن تنشأ في كلّ مدرسة خاصّة غير مجانية لجنة تمثل أولياء الأمور وهيئة تضم ممثلين عن إدارة المدرسة وممثلين اثنين عن أولياء الأمور تعيّنهما لجنة الأهل وتكون من مهامها درس وإقرار مشروع الموازنة الذي تضعه إدارة المدرسة (المحور الثاني من الدليل).

كما استندت الحملات إلى القانون 96/515 الذي يحدّد كيفية تنظيم الموازنة المدرسية والأقساط المدرسية وصلاحية  لجان الأهل في مراقبة الموازنات والأقساط (المحور الثالث).

وتوضح حمية أنّه انطلاقاً من هذه المواد القانونية وغيرها استطاعت لجان الأهالي وأولياء الأمور وقف الكثير من الزيادات التي فرضتها عدد من المدارس.

وتشير حمية  إلى أنّ المشرّع أوجب بأن تكون الأقساط التي تستوفيها المدارس الخاصّة متساوية تماماً مع نفقاتها وأنّ موازنتها تخضع لرقابة جهات عدّة من بينها لجنة الأهل في المدرسة فضلاً طبعاً عن وزارة التربية كسلطة رقابة إدارية والمجلس التحكيمي التربوي كمرجع قضائي مع مرجع قضائي آخر هو قضاء الأمور المستعجلة الذي يتدخّل في الحالات التي تستدعي اتخاذ التدابير الآيلة إلى إزالة التعدّي الواضح على الحقوق.

وليس بعيداً من موضوع الأقساط، خاضت لجان الأهل معارك أخرى مع المدارس الخاصة انطلاقاً من القوانين التي تحدّد صلاحياتها. ومن هذه المعارك إعادة إلحاق تلامذة كانت منعتهم مدارس خاصة من حضور صفوفهم بسبب عدم دفعهم كامل القسط. وتشير حميّة إلى أنّه في العام الدراسي 2018/ 2019 تمّ إلزام عدد من المدارس بإعادة أكثر من 400 تلميذ إلى صفوفهم عبر قرارات قضائية وإلحاقهم بصفوفهم كون الزيادات لم تكن مبرمة، إذ إنّ القسط المدرسي السنوي يحدّد بموجب الموازنة المدرسية وذلك بقسمة إجمالي باب النفقات على عدد  التلامذة الخاضعين لدفع القسط، وبالمبدأ لا يحق لإدارة المدرسة فرض أي زيادة على الأقساط إلّا من خلال موازنتها السنوية الأساسية وبعد درسها وتوقيع رئيس لجنة الأهل أو مندوبي اللجنة في الهيئة المالية بالموافقة عليها (المحور الثالث من الدليل: الباب الثالث).

وتتطرّق حميّة أيضاً إلى الدور الذي أدّته لجان الأهل في موضوع مواجهة المدارس التي امتنعت عن إعطاء إفادات للتلامذة الذين لم يدفعوا كامل القسط مؤكدة أنّه لا يحق لإدارة المدرسة الامتناع عن تسليم إفادة متابعة السنة الدراسية أو إفادة بإنهائها بحجة وجود مستحقات مالية لها بذمة ولي الأمر أو تحت أي ذريعة أخرى، لأن ذلك يشكل من جهة أولى انتهاكا لحق الطفل في التعليم واستمراريته الذي يكرسه عدد من المواثيق والمعاهدات الدولية، فضلاً عن مخالفة أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون 96/515 التي حفظت حق المدارس الخاصة في تقديم مراجعة أمام المجلس التحكيمي لمطالبة أولياء الأمور بتسديد المستحقات المالية المتوجبة عليهم.

وأمام الدور الفاعل والمتنامي للجان الأهل عملت بعض المدارس إلى إجراءات كيديّة منها الامتناع عن تسجيل أبناء الأشخاص الذين لجأوا إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم في نزاع مع المدرسة، ولكنّ الأمر انتهى بإجبار المدرسة بتسجيلهم انطلاقا من أن القانون ينص على أنه لا يحق لإدارة المدرسة اتخاذ أي إجراء بحق أحد أولاد أولياء التلامذة  بسبب لجوئهم إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم أو حقوق أولادهم أو للمنازعة في صحة الموازنة أو قيمة الأقساط أو الزيادات اللاحقة بها (المحور الرابع: الباب الثالث).  

القرارات مؤقّتة بسبب غياب المجالس التحكيميّة

وتوضح حمية أنّ لجان الأهل تمكّنت من كسب الكثير من المعارك ولكن الأمر كان بشكل مؤقّت لأنّ قرارات وقف الزيادات وغيرها من القرارات كانت تتّخذ من قضاء الأمور المستعجلة بسبب عدم تشكيل مجالس تحكيمية تربوية (المحور السابع من الدليل). وتشرح أنّ هذه المجالس، وهي محاكم خاصة موزعة على الدوائر التربوية مخصصة للنظر في النزاعات الناشئة بين أولياء الأمور والمدارس، معطلة منذ سنوات بسبب عدم استكمال التعيينات فيها،  إذ لا يوجد الا مجلس واحد مكتمل التشكيل وهو الواقع في المنطقة التربوية في جبل لبنان أما المجالس السبعة الأخرى فهي معطلة فقد تم تعيين القضاة الرؤساء لها من دون تعيين المستشارين. 

ويشار إلى أنه في حال كان المجلس التحكيمي التربوي معطلاً أو غير مشكل يحقّ لأولياء الأمور اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة وهو أمر يفصّله الدليل في المحور الرابع ـ الباب الثالث. 

الأمر أصبح أسهل بعد إصدار الدليل

لم تكن مواجهة بعض المدارس والدفاع عن حقوق الطلاب المكتسبة أمراً سهلاً فلجان الأهل تنقصها معرفة بالحقوق والواجبات، وبكيفية اللجوء إلى القانون في حال حصول مشاكل مع المدرسة حسب ما يرى مازن يونس وهو عضو في لجنة الأهل بمدرسة “ليسيه فردان”. ويضيف في حديث مع “المفكرة” أنّ وجود دليل لهذه الحقوق والواجبات سيسهلّ الأمر على أولياء الأمور الذين كانوا يحتاجون وفي كلّ مرة يتحرّكون فيها إلى استشارة قانونية حتى في الأمور البسيطة.

ويضيف يونس أنّ النية دائماً هي بألّا يكون هناك نزاع وأن تكون العلاقة جيّدة بين أولياء الأمور والمدرسة إلّا أنّ التحديات الاقتصادية والسياسية قد تؤدّي إلى المزيد من النزاعات بسبب ضعف القدرة الشرائية للأهل من جهة والضغوطات الاقتصادية على المدرسة من جهة أخرى لذلك جاء الدليل في الوقت المناسب.

وعلى الرغم من أنّ دور لجان الأهل تركّز على المواضيع المتعلّقة بالأقساط مؤخراً إلّا أنّه من المنتظر وحسب يونس أن يكون لها أدوار في عدد كبير من القضايا المتعلقة بحقوق الطلاب منها مثلاً تطبيق البروتوكولات الصحية المتعلقة بوباء كورونا.

وفي الإطار نفسه تلفت سيرين أبو مسلم وهي عضو لجنة الأهل في مدرسة الحكمة أشرفية إلى أنّ لجنة الأهل أيضا تؤدّي حالياً دوراً في دعم التلامذة نفسياً واجتماعياً في ظلّ الأوضاع الصعبة ومنها وباء كورونا والأوضاع الأمنية، كأحداث الطيونة مثلاً، مشيرة في حديث مع “المفكرة” أنّ لجنة الأهل في مدرسة الحكمة مثلاً تعمل للتأكد من متابعة التلامذة نفسيا وأنّها تحاول قدر الإمكان مساعدة المدرسة التي تدمّر جزء كبير منه إثر انفجار الرابع من آب.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، حركات اجتماعية ، قطاع خاص ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني