حرية التعبير في عصر السوشيل ميديا في لبنان: الشركات تفرض معاييرها


2018-12-07    |   

حرية التعبير في عصر السوشيل ميديا في لبنان: الشركات تفرض معاييرها

يعتبر البعض أن الثورات العربية عام 2011 إنطلقت على مواقع التواصل الإجتماعي. قد لا تكون المعلومة دقيقة بالمعنى العلمي، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي لعبته هذه المنصات على صعيد الحراك العربي. ويوماً بعد يوم أصبحت منصات مثل “فايسبوك” و”تويتر”، مساحات أساسية للتعبير عن الآراء والأفكار، وللتداعي إلى التظاهرات، أو لإنشاء تجمعات لتبادل المعلومات والنقاشات عبرها. أيضاً تحوّلت إلى وسيلة أساسية للتأثير بالرأي العام، ونشر الأخبار والمقالات والدراسات.

على أهمية هذا التطور، فإنه يبقى محكوماً بقوانين الدول، بحيث غالبا ما تقوم الأنظمة القمعية بملاحقة مواطنين على خلفية تغريداتهم على مواقع التواصل الإجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن وضع القيود على المحتوى الذي ينشر ويتداول عبر هذه المنصات، لا يخضع حصراً للقوانين الداخلية للدول، إنما يتأثر بقوانين الشركات التي تديرها. وهو ما يعني أن حرية الأفراد على هذه المنصات، باتت محكومة بمنظومة قانونية رديفة، تطبق وفقاً لمعايير الشركة المديرة.

تقابل “المفكرة القانونية” رئيس منظمة “تبادل الإعلام الاجتماعي” (SMEX) محمد نجم، للوقوف على مكانة حرية التعبير على هذه المنصات.

المفكرة: كيف وضعت الشركات المديرة لوسائل التواصل الإجتماعي سياساتها، وهل تُطبق كما هي ضمن جميع البلدان؟

نجم: أغلب هذه الشركات أميركية المنشأ، وهي تتبع القوانين الأميركية. المنحى الإيجابي في هذا الإطار، هو أنها قوانين ذات وجه تقدمي من ناحية حرية التعبير، لا سيما في ظل المادة الأولى من الدستور الأميركي. بالمقابل، يؤدي تطبيق قوانين العقوبات الأميركية على بعض بلدان العالم، إلى حجب المضمون، مما يمنع مواطني هذه الدول في بعض الأحيان من إستخدام كامل الخدمات لبرمجيات هذه الشركات. كما يؤدي تصنيف الولايات المتحدة لبعض الأحزاب والمجموعات الإرهابية، إلى منع الأعضاء في هذه الأحزاب والمقربين منها من إنشاء حسابات في بعض هذه المنصات.

وعلى سبيل المثال، تبعاً لتصنيف الولايات المتحدة الأميركية لـ”حماس” و”حزب الله” ضمن المنظمات الإرهابية، يتم تطبيق مستويات من الحظر على نشاطها الإلكتروني عبر هذه المنصات.

ونلاحظ وجود بعض الإختلاف بين تطبيق “تويتر” الذي يتيح إلى حد ما وجود حسابات قريبة من هذه الأحزاب، وبين “فايسبوك” الذي يحجب حسابات ومحتوى هذه الأحزاب بالكامل. يمكن الإشارة هنا إلى وجود محاولة لتغيير هذه السياسة، وإتاحة “فايسبوك” لمنصته للأحزاب المذكورة ضمن شروط. ونرى أيضاً كيف تستفيد إسرائيل من هذا الوضع وتحاول التبليغ بشكل دائم ضد الحسابات المرتبطة بهذه الأحزاب.

تشكل هذه القوانين والتصنيفات نقطة الإنطلاق للشركات كـ”فايسبوك” مثالاً. الأهم، أن للحظر درجات مختلفة. فمثلا، يمكن حظر النشر على الحساب مع إبقاء الحساب مفتوحا ويستطيع متابعة المستجدات الحاصلة عليه. كما يمكن أن يصل الأمر إلى حظر الحساب بشكل كامل لفترة معينة، وصولاَ إلى إمكانية حظر الحساب بشكل نهائي.

المفكرة: هل تبدلت مساحة حرية التعبير على هذه المنصات مع ازدياد عدد المستخدمين؟

نجم: مع الإزدياد الهائل للمستخدمين، ومع التحديات في منطقتنا والحروب في بعض الدول وظهور ما يُسمى بـ”داعش”، وتدفق الأخبار الزائفة، وشبهة استغلال الحكومة الروسية لمنصة “فايسبوك” للتأثير على الانتخابات الأميركية، أصبحت المساحة العامة على هذه المنصات تضيق أكثر فأكثر. وقد شهدنا حالات كثيرة من حجب حسابات ومحتوى بطريقة خاطئة أو قمعية. فمثلاً، تم حجب حساب الأكاديمي إياد بغدادي على “تويتر” لفترة، وذلك بسبب تقارب بين اسمه واسم زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي. أيضاً تم حجب حساب الناشط وائل عباس نهائياً بسبب قيامه بشتم الآخرين ضمن المنصة، ودخوله السجن في مصر بعد فترة قصيرة من ذلك. هاتان حالتان من بين المئات أو الآلاف من الحالات التي حصلت وتحصل.

المفكرة: كيف تتأثر الشركات بالقوانين الداخلية للدول؟ هل يمكن أن تحظر مواضيع بحسب قانون الدولة؟

نجم: يجب أن نتذكر بشكل دائم أن هذه المنصات هي شركات تبغي الربح. لذلك للدول القدرة على فرض بعض المعايير أو القوانين على المنصات بحسب السوق. فكلما زادت أرباح هذه الشركات ضمنه، كلما استطاعت الدولة أن تفاوض المنصات على تطبيق قوانينها المحلية كما تريد. ومثال على ذلك، المفاوضات التي تجريها شركة “غوغل” للدخول إلى السوق الصيني بشرط زيادة امكانية الحجب لصالح الحكومة الصينية. وفي هذه الحالة تتدخل المنظمات الدولية المدافعة عن الحريات الرقمية للضغط ضد هكذا قرار بسبب تأثيره ليس فقط على الصين، بل على شبكة “غوغل” حول العالم.

الأمر نفسه يحصل على نطاق أضيق، حيث طورت شركة “فايسبوك” المعايير الخاصة بها[1]، بما يؤدي إلى حجب المضمون وفق النطاق الجغرافي لانتشاره. ومن الأمثلة على ذلك، حجب الأفلام المسيئة لأتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة في تركيا، وتركها متاحة خارجها. أيضاً حظر المنشورات الـ”معادية للسامية”، والتي تنفي وقوع المحرقة اليهودية في ألمانيا، بينما هي متاحة في الولايات المتحدة الأميركية، حظر المواد المتعلقة بالسحر والشعوذة وبمجتمع الميم في المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً.

المثال البارز في هذا المجال، هو تعامل هذه الشركات مع المحتوى المتعلق بفلسطين والفلسطينيين. فالقوانين الإسرائيلية القمعية تؤدي إلى حجب الكثير من المحتوى الفلسطيني على الويب. حتى ملكية الأراضي تتعرض للتغيير بشكل دائم، مثال خريطة “غوغل” وتغيير الحدود والأماكن وأسماء المدن الفلسطينية. وللأسف أيضا بعض القوانين الفلسطينية تُطبق لقمع الحريات والتعبير على الويب.

المفكرة: كيف أثّرت خدمة البث المباشر على حرية التعبير عبر “فايسبوك” كمثال؟

نجم: من ناحية البث المباشر، خوارزمية “فايسبوك” (والتي لا نعرف كيف تعمل، وهنا أذكر بأخلاقيات استخدام الخوارزمية[2]) تتحكم بما يراه الغير. فمثلاً، عند نشر نص مكتوب، قلة قليلة من أصدقائنا يراه. لكن عند البث المباشر، تلقائيا يصل لأغلب أصدقائنا وشبكاتنا، مما يخول هذا المحتوى ليس فقط للمشاهدة أكتر، بل أيضا للحصول على إعجابات ومشاركات وتعليقات، ومن هذا المنطلق استخدام البث يساهم في إيصال المحتوى، مما يزيد من حرية التعبير.

المفكرة: عملياً، كيف يتم حظر المحتوى من قبل الشركات؟ هل هناك موضوعات محددة تحظر تلقائياً وضمن أي آليات؟ 

نجم: مع تطور التكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا من خوارزمية “فايسبوك”، وهو ما يعني أنه نعم يتم حجب بعض المواد بشكل تلقائي، مثال، المواد الإباحية أو المرتبطة بحقوق النشر، أو العنيفة، الخ..

ومن الضروري أن نفهم كيفية إزالة المحتوى ضمن “فايسبوك”، والحواجز التي تمر بها. هذا الأمر حتى الآن غير واضح تماماً. ولكن ما هو معروف هو أن شركة “فايسبوك” لديها مدققين بالمحتوى توظفهم في دول تكون اليد العاملة فيها رخيصة كالهند والفليبين وغيرها. لا نعرف مدى التدريب الذي تخضعهم له. هذه السياسة التي تولي أولوية لمراكمة الأرباح تؤدي إلى إتخاذ الكثير من القرارات الخاطئة على صعيد حظر المحتوى.

وهنا السؤال: كيف لشخص يعيش في الهند مثلاً أن يقيّم تعليقا صادرا عن شخص مقيم في لبنان حول الوضع السياسي السوري أو العراقي؟ كيف لهذا الموظف أن يدقق بالترجمة ليأخذ القرار بأقل من دقيقة لحجب/عدم حجب المحتوى؟

المفكرة: هل تخضع هذه الشركات للرقابة، وهل نعلم إن كانت تعطي بيانات مستخدميها للحكومات أو لأجهزة أمنية؟

نجم: عمليا، فقط موظفو الشركة يراقبون زملاءهم. وتحصل الرقابة بناءً على معايير غير متاحة للعموم. لكن الضغوطات التي مارستها المنظمات الدولية والمحلية الناشطة في مجال الحريات والحقوق الرقمية، دفعت أغلب الشركات إلى نشر تقرير الشفافية  كل 6 أشهر. ويتضمن هذا التقرير عدد الطلبات التي تقدمت بها كل دولة للحصول على بيانات أفراد. كما يتضمن التقرير ما إذا تجاوبت الشركة مع هذا البلد أم إمتنعت. إذن، تعطي هذه الشركات بيانات لجهات أمنية لبعض الدول، ويجب تطوير تقرير الشفافية ليشمل بنودا أكثر تساهم في معرفة ما الذي يحصل في هذه العلاقة الشائكة.

المفكرة: كيف تتدخل إدارة هذه المنصات للتأثير بالرأي العام من خلال إتاحة آراء أو أفكار على حساب غيرها؟

نجم: طبعاً يحصل هذا، وقد شاهدنا بعض الأمثلة التي حصلت في السنوات الأخيرة. مثلاً نظمت مظاهرات في مدينة فيرغسون ضد مقتل شخص من أصحاب البشرة السوداء على يد شرطي بشرته بيضاء. كان العديد من الناشطين حول البلد ككل يتحدثون ويشاركون أخبارا وآراء عن هذا الموضوع. بالمقابل فإن المحتوى الذي سيطر على شريط الأخبار (news feed) على هذه المنصات، كان يتعلق في الفترة ذاتها بتحدي دلو المياه المثلجة، وكل شخص يسقط المياه على وجهه/ا. إذن هذا الأمر هو نتيجة إنعدام شفافية الخورزميات التي تستخدمها “فايسبوك”. وسنجد بعض الأحداث التي لم تأخذ حيزا كافيا مقارنة مع أحداث أخرى تسيطر على شريط أحداثنا.

المفكرة: هل يمكن لهذه الشركات أن تؤثر أو تسيطر على القضايا المطلبية أو التحركات الإجتماعية والسياسية التي تنطلق عبرها، لا سيما أنها مساحة مهمة لهذه الحركات في دولنا، حيث تضيق المساحات العامة ومساحات اللقاءات السياسية؟

نجم: للأسف، الحيز المدني والمساحات العامة الطبيعية مغلقة في أغلب الدول العربية، إن كان من ناحية القوانين التي تمنع حق التظاهر والتجمع، أو الشركات أو المولات وكل أشكال المساحات التجارية التي تسيطر على الأماكن الجغرافية ونتفاعل ضمنها كمقيمين في هذه الدول، والتي أصبحت الآن المساحة الجديدة للتفاعل. بالتالي فإن هذه المنصات تكون على الرغم من مشاكلها، وسيلة ومساحة بديلة للتفاعل والتعبير والتنظيم.

المفكرة: هل تنصح بإستخدام بدائل غير “فايسبوك” و”واتساب” و”غوغل”؟

نجم: للأسف، نحن نتواجد على المنصات التي يكون عليها الأفراد الذين نريد أن نتفاعل معهم. وتبني منصات ذات مصدر مفتوح وآمن ولا تخزن بياناتنا هو مطلب أساسي. فمثلا: يُنصح بإستخدام “سيغنال” كتطبيق للدردشة بدل “واتساب”، و”داك داك غو (duck duck go) بدل محركات بحث “غوغل”. لدينا خيارات متاحة، وبعضها أصبح يُستخدم بشكل أكثر فأكثر.

نشر هذا المقال في العدد | 57 |  تشرين الثاني 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

القمع ليس حيث تنظر: نظام المقامات

 


[1] – لمراجعة المعايير الخاصة بفايسبوك: https://www.facebook.com/communitystandards/

[2]– “أخلاقيات استخدام الخوارزميات – لم يجب أن نهتم بها؟”SMEX News سياسات الإنترنت والحقوق، 27 تشرين الأول 2017، الرابط تاريخ البحث: https://bit.ly/2Re1CoZ

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني