جلسة المحاكمة الأولى في مقتل الشيخ الرفاعي: المتّهم الرئيسي يتراجع عن إفادته


2024-05-24    |   

جلسة المحاكمة الأولى في مقتل الشيخ الرفاعي: المتّهم الرئيسي يتراجع عن إفادته

عامٌ وثلاثة أشهر مرّت على مقتل الشيخ أحمد الرفاعي (41 عامًا) في عكار في شباط 2023، ودموع والدته فاطمة ووالده شعيب الرفاعي لم تجف. أتى الزوجان الثمانينيان إلى قصر العدل في طرابلس يوم أمس الخميس 23 أيّار 2024 برفقة مجموعة من أقربائهم لحضور جلسة المحاكمة العلنيّة الأولى أمام محكمة الجنايات برئاسة القاضي داني شبلي وعضويّة المستشارين لطيف نصر وطارق صادق وبحضور ممثلة النيابة العامّة القاضية ماتيلدا توما.  

حضر أكثر من عشرة من أفراد عائلة الشيخ المغدور ومعهم وكيلهم المحامي عبد الرحمن الحسن. واقتيد المتهم الشيخ يحيى الرفاعي (1970) وهو الرئيس السابق لبلدية القرقف، من مكان سجنه في رومية لحضور الجلسة التي حُصرت باستجوابه بحضور وكيله المحامي فادي جميّل. كما اقتيد ابنه المتّهم علي يحيى الرفاعي (1995) الذي حضر معه وكيله المحامي شربل أبو شعيا والمحامية كارين أبو شعيا. كما اقتيد المتهمون الأشقاء يحيى (1991)، وعبد الكريم (1982) وأحمد محمد الرفاعي (1991) وحضر معهم وكيلهم إيلي عقيقي. كذلك حضر الجلسة المحامي عبد الرحمن حسن ممثلًا ورثة الضحية. وكان القرار الاتهامي الذي صدر في 25 كانون الثاني 2024 عن الهيئة الاتهامية في الشمال بإجماع رئيستها القاضية سنيّة السبع بالإنابة وعضوية المستشارين إلياس الحاج عسّاف وألين أبي خالد، اتهم هؤلاء الخمسة بجنايات الخطف والقتل وفقًا للمادتين 569 و549 من قانون العقوبات وحيازة السلاح غير المرخّص وفقًا للمادة 72 من قانون الأسلحة والذخائر. 

وكانت حادثة اختفاء الشيخ أحمد الرفاعي قد “أخذت منحى مذهبيًا طائفيًا وراحت تشكل تهديدًا للسلم الأهلي في منطقة الشمال الأمر الذي استدعى تكليف شعبة المعلومات بإجراء التحقيقات” وفق ما ورد في القرار الاتهامي. وقد بُنيَ هذا الاتجاه على مواقف الشيخ القتيل المعارضة لحزب الله سواء عبر خطب الجمعة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تمّ تصوير الجريمة على أنّها تندرج ضمن ما وُصفَ أنّه مخطّط للحزب لتصفية خصومه. وكان شقيق المغدور عبد القادر الرفاعي قد أشار في حديث لـ “المفكرة” إلى أنّ “هذه السردية تولّى نشرها المتهم الشيخ يحيى الرفاعي في محاولة لتضليل التحقيق”. كما أكدّ أنّ “الشيخ يحيى الرفاعي، كان أوّل المطالبين بكشف مصير قريبه وابن بلدته، إذ أنّه كان يمثّل أمامنا أنّه لا يعرف مكان المغدور وشارك معنا في البحث”. وكانت القوى الأمنية قد عثرت على جثة الشيخ أحمد قرب سد البارد في عكار في 26 شباط 2023 بعد خمسة أيام من اختفائه، وأدّت التحقيقات التي قامت بها شعبة المعلومات إلى توقيف المتهمين الخمسة. وأحالت  التحقيقات كما القرار الظنّي الجريمة إلى خلافات بين الشيخ يحيى الرفاعي والشيخ أحمد الرفاعي (المغدور) على خلفية التنافس بينهما على بلدية القرقف وإثارة الأخير ملفّات مالية في القضاء تتعلّق بإدارة السلطة المحلية للبلدة، وهي خلافات طالما نتج عنها مواجهات واشتباكات أحيانًا بين مناصريهما.

 “لا مكان لجلوس النساء”

حضر إذًا والدا المغدور ومعهما عدد من أفراد عائلته، منهم شقيقته زبيدة وشقيقه عبد القادر وزوجته ميساء، وابنته رغد (20 عامًا) ومعهم جدّها لوالدتها الشيخ محمد عبد الواحد الرفاعي ورجال ونساء آخرون من عائلته. الحضور الكثيف لأفراد عائلة المغدور لفت أنظار من تواجد في قصر العدل، موظفين وزائرين وعناصر أمنية، وبخاصّة أصوات النساء التي صدحت حالما مرّ المتّهمون الخمسة أمامهم.  

وأمام قاعة محكمة الجنايات في الطابق الرابع من قصر العدل في طرابلس، جلست والدته الحاجة فاطمة على حافة تنتظر بدء الجلسة، تذرف الدموع وحولها بناتها وأولادها يحاولون تهدئتها تارةً، ويبكون معها تارةً أخرى. وعلى بُعد خطوات، وبصمت جلس والده الحاج شعيب، يُشعل سيجارة تلو الأخرى ووجهه يتكلّم حزنًا وقهرًا. دموع الحاجة فاطمة لم تهدأ طيلة الوقت، هي التي صدح صوتها عاليًا في قصر العدل لحظة مرور المتهمين الخمسة من أمامها، “يا قتلة” صرخت بملء حنجرتها، ولحقها صوت زبيدة وميساء، ونسوة آل الرفاعي، الحاضرات في قصر العدل. وعلى لسان الوالدة عبارة تتكرّر “يتّموا أطفاله، ثمانية أطفال أكبرهم رغد عمرها 20 عامًا، وأصغرهم رضيع كان عمره 7 أشهر حين قُتل والده”. أمّا ابنتها زبيدة فاستفزّتها ابتسامة رسمها أحد المتهمين، وقالت: “عم يضحكوا، كأنّه مبسوطين بقتل أخي” وتُضيف: “لن نقبل بعقوبة أقل من الإعدام”. 

عند الساعة الحادية والنصف صباحًا تقريبًا، بدأت الجلسة، فتقدّمت النساء لدخول القاعة لكنّ العناصر الأمنية أمروهنّ بالبقاء خارجًا. “لا مكان للجلوس، النساء تبقى خارجًا” قال أحد رجال الأمن، وذلك خشية من ضجيج محتمل أن يحصل داخل القاعة خلال انعقاد جلسة المحاكمة. لكن النساء تحدّين الأوامر. فدخلت كلّ واحدة وحدها، وتوزّعن في أرجاء القاعة، ومن وجدت مقعدًا شاغرًا جلست تُراقب فيما وقفت شقيقة الراحل زبيدة وابنته رغد على مقربة من قوس المحكمة. وخلف رغد، كان جدّها لوالدتها الشيخ محمد قد اتخذ زاوية له بين المقاعد ليقف. يستمع بصمت إلى وقائع الجلسة التي حُصرت باستجواب الشيخ يحيى الرفاعي. 

المتهم الرئيسي يتراجع عن إفادته الأوّلية

بعد تلاوة القرار الاتهامي، باشر القاضي شبلي باستجواب الشيخ يحيى الرفاعي، الرئيس السابق لبلدية القرقف، والمتهم الرئيسي في الجريمة، وتوجّه إليه بالسؤال الاعتيادي الذي يُطرح على أيّ متهم في أوّل جلسة استجواب علني: “هل تُكرر إفادتك الأوّلية”، فأجاب: “كلا”، وهي الإفادة التي أدلى بها أمام الضابطة العدلية وأمام قاضية التحقيق في الشمال سمرندا نصّار والتي وردت في القرار الاتهامي وتضمّنت اعترافه بالتخطيط والمشاركة في تنفيذ الجريمة. 

وبرّر الشيخ يحيى تراجعه عن إفادته بأنّه “تمّ أخذ إفادتي أمام شعبة المعلومات بطريقة غير طبيعيّة”. “ماذا تعني بغير طبيعيّة”، سأله القاضي شبلي، فأجاب يحيى الذي توسّط المتهمين الأربعة الآخرين، وحولهم 10 رجال أمن: “توجهت إلى شعبة المعلومات بناءً على موعد مع رئيس الشعبة، وتفاجأت حين وصلت بأنّ هناك أمر من رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمّود بأخذ إفادتي”. وتابع: “طلبت التواصل مع محامٍ والاتصال بأحد المشايخ في دار الفتوى ورُفض طلبي. بعدها طلبت رؤية الشباب الأربعة الموقوفين لديهم، وحين رأيتهم أُصبت بالصدمة بسبب تعرّضهم للضرب العنيف الذي كان ظاهرًا على أجسادهم”. وأشار إلى أنّه أُصيب بارتفاع الضغط وبجلطة ولم يتم عرضه على طبيب وأنّ العناصر الأمنيّة لدى شعبة المعلومات أجبروه على خلع عمامته ومن ثمّ تمّ اقتياده إلى غرفة التحقيق. وأضاف أنّ “إفادتي التي قدّمتها، عبارة عن ثلاث صفحات تم حذفها من الملف، فيما طُلب منّي التوقيع على إفادة مختلفة”. وتابع: “أجبروني على التوقيع على ما لم أقله، فطلبت التوقيع مع التحفّظ، فرُفض طلبي، حينها قرّرت أن أوقّع بغير توقيعي لعلّه يكون الشكل الوحيد للاعتراض”.  

وكانت قاضية التحقيق القاضية سمرندا نصّار عقدت حينها جلسة استجواب المدّعى عليهم في مقر شعبة المعلومات في بيروت، في خطوة رُجّح أنّها جاءت لتجنّب أيّ إشكالات قد ترافق سوقهم إلى طرابلس وإجراء التحقيقات بعد المواجهات التي وقعت داخل العائلة الواحدة إثر مقتل الشيخ الرفاعي. وأشار الشيخ يحيى إلى أنّ أحد الضبّاط حذّره من تغيير إفادته بقوله: “انتبه، لإنّك راجع لعنّا”. وأفاد بأنّه لم يكن يشعر بالحرّية المطلقة خلال استجوابه بسبب وجود عناصر شعبة المعلومات في غرفة التحقيق. من جهته، لفت وكيله المحامي فادي الجميل إلى أنّ “التحقيق مسجّل بالصوت والصورة”. وطلب من رئاسة المحكمة أن تُراسل شعبة المعلومات لتسليم التسجيل، فعارضه القاضي شبلي قائلًا إنّ “هذا الأمر تطلبه بمذكرة وليس بهذا الشكل”، فأجاب الجميل “طلبنا هذا الأمر مرّتين وفي كل مرّة يُرفض طلبنا”. 

وأشار الشيخ يحيى بدوره إلى أنّه في السابق كان هناك خلافات شديدة بينه وبين عائلة الشيخ أحمد، إذ أنّ الأخير “كان دائمًا ما يستخدم أسلوب التجريح والتشهير بي وبسمعتي منذ العام 2013”. واعتبر أنّ ذلك يعود إلى أنّ “الشيخ أحمد كان يطمح ليكون رئيس بلدية وكان يوجد وراءه أشخاص يحرّضونه ضدّي”. وأوضح أنّ “الخلاف بيننا كان ذائعًا في القرقف وخارجها”. وقال إنّه كان (شخصيًا) يسعى دائمًا إلى تهدئة النفوس بين عائلتينا حتّى لا تتعاظم الأمور، “كنت أقوم بذلك انطلاقًا من واجبي الديني كشيخ معمّم ومن موقعي كرئيس بلدية” بحسب تعبيره. ونفى أن يكون قد هدّد الشيخ أي مرّة، وردًا على سؤال ممثلة النيابة العامّة عمّا إذا كان الشيخ أحمد قد ادعى عليه سابقًا أمام النيابة العامّة، نفى ذلك.  

وبسؤال القاضي شبلي عن سيارتَي الكيا السوداء والرمادية اللّتين استخدمتا في تنفيذ الجريمة، قال الشيخ يحيى “السيارتان لي ولابني علي الذي يعمل في تجارة السيارات”. وعن الهواتف الخليوية التي تمّ شراؤها قبل تنفيذ الجريمة قال يحيى: “لم أكن أعلم بوجودهما”. ونفى أن يكون له علاقة بجريمة القتل قائلًا: “لم أعلم بجريمة القتل إلّا بعد أربعة أيّام، يومها توجّهت إلى المنزل ورأيت ابني علي وحينها قال لي إنّه هو وراء مقتل الشيخ أحمد”. ولفت الشيخ يحيى إلى أنّه سلّم ابنه علي بنفسه إلى شعبة المعلومات. 

لم تتجاوز مدّة الجلسة الساعة، إذ ارتأى القاضي شبلي استكمال الاستجواب في جلسة تنعقد في 11 تمّوز المقبل، وذلك بعدما طلبت ممثلة النيابة العامّة القاضية توما إيداعها الملف للاطلاع عليه. وقبل أن ينتقل القاضي إلى ملف آخر، كانت فاطمة الرفاعي والدة المغدور الشيخ أحمد تتقدّم نحو القوس طالبة الكلام. امرأة في الثمانين من عمرها، عكّازها لا يعينها على تسريع الخطى، ورغم محاولة العسكريين منعها ظلّت تتقدّم، “بدي إحكي القاضي”، ثم قالت له “دم ابني برقبته، هوّي لي قتل ابني”، في إشارة إلى الشيخ يحيى، وطالبته بـ “أقصى العقوبات”. وخرجت وعلى لسانها عبارة وجهتها مرارًا نحو المتهمين “لعنة الله عليكم، قتلتموه، ويتّمتم أطفاله”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني