تزويج طفلة مغتصبة في تونس: قرار قضائي في تعارض مع اتجاه الإصلاح التشريعي


2016-12-14    |   

تزويج طفلة مغتصبة في تونس: قرار قضائي في تعارض مع اتجاه الإصلاح التشريعي

تناقلت يوم 13-12-2016 وسائل الإعلام التونسية خبرا مفاده أن رئيس المحكمة الابتدائية بالكاف أصدر إذنا سمح بمقتضاه لضابط الحالة المدنية بإبرام عقد زواج طفلة تبلغ من العمر 14 سنة من شاب واقعها بشكل أفضى لحملها. صدر الإذن بعد أن تقدم الشخص الذي واقع الطفلة  بطلب في ذلك. إستند القاضي في إعطاء موافقته على الطلب لأحكام الفصل الخامس من مجلة الأحوال الشخصية الذي يفرض إذنا قضائيا لتحرير زيجات من يبلغون السن القانونية للزواج أي ثمانية عشر عاما كاملة. يؤدي إبرام عقد الزواج إلى إيقاف المحاكمة الجزائية التي كانت جارية في حق من تقدم بالطلب من أجل جناية مواقعة قاصرة سنها دون الخمسة عشر كاملة في حق الشاب تطبيقا لأحكام الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية التونسية [1].

كشف النقاش العام حول القرار القضائي أن المنظومة القانونية التونسية  لم تتخلص بعد من عدد من الأحكام التي يؤدي إعمالها لانتهاكات في حق الأطفال من جهة والى فرض مؤسسة الزواج كبدل تعويضي عن الانتهاكات الإجرامية الجنسية لحرمة أجسادهن من جهة ثانية. كما كشف ذات النقاش عن كون التطبيقات القضائية التونسية للقوانين السارية يجب أن تخضع لتقييم حقوقي بغاية تخليصها من ممارسات تستند لوعي جمعي لا يكترث كثيرا بهذه الحقوق.

يتبين من الإطلاع على تعليقات القضاة حول الإذن القضائي والتي وردت أساسا في صفحات التواصل الاجتماعي أن جانبا منهم يؤيد القرار ويستنكر الإعتراضات الحقوقية عليه. برر هذا الشق موقفه بكون الزواج سترة وبكون قبول الشاب بعقد القران ينهي إشكالية قائمة ويضمن للفتاة عدم التعرض للإقصاء الاجتماعي.

ويشار إلى أن الحكومة التونسية كانت تقدمت بتاريخ 27-07-2016 بمشروع القانون الأساسي عدد 60 لسنة 2016 والذي يتعلق "بالقضاء على العنف ضد المرأة". وينص هذا المشروع في الفصل 14 منه على تنقيح للفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية وكل الفصول القانونية التي تجيز إيقاف المحاكمة في حق من يعتدون جسديا أو جنسيا على نساء في حال إسقاطهن حقهن في التتبع أو قبول الجاني الزواج منهن بحسب الحالات. وتعمل حاليا على مشروع هذا القانون لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب. وكان رئيسها عماد الخميري تعهد عند  بداية الدورة البرلمانية 2016-2017 بأن يكون مشروع القانون هذا في صدارة اهتمام لجنته وهو أمر تأكد لاحقا في برنامج عملها. طرح الحكومة لاصلاح تشريعي وتحمس نواب الشعب لهذا الاصلاح يفرض القول بأن التشريعات التونسية تتجه لأن يتم اصلاحها فيما يتعلق باحترام حقوق المرأة.

يؤكد في المقابل إصدار القضاء لأذون زواج تمس بحق الطفولة وعلى نحو يناقض الإصلاح التشريعي المشار إليه أعلاه أن أي إصلاح يجب أن يعاضده عمل مكثف على نشر الوعي الحقوقي في الوسط القضائي. كما يجب أن يؤول لإيجاد مؤسسات تضمن للمتضررات القاصرات من الإعتداءات الجنسية حماية من التمييز الاجتماعي بعيدا عن ثقافة "السترة".

وتدعو المفكرة القانونية في هذا الاطار القائمين على تكوين القضاة في تونس إلى تطوير اهتمامهم بالمقاربة الحقوقية في عملهم وإلى تطوير نقاش عام داخل الوسط القضائي  موضوعه العنف المسلط على المرأة وأن يكون هدف عملهم هذا تمكين القاضي من أداء وظيفته في "حماية الحقوق والحريات" كما نص عليه الدستور. ومتى تحقق ذلك سيكون القضاء القاطرة التي تطور منظومة الحقوق وهو أمر سبق وأن نجح القضاء التونسي في تحقيقه خلال سبعينات القرن الماضي في مادة الأحوال الشخصية[2] وكان من أثره تطوير حقوق المٍرأة. فمن غير المقبول أن يتخلف القضاء عن الإضطلاع بدوره هذا في فترة تشهد تطورا للوعي العام بمفاهيم حقوق المرأة والطفولة.

 


[1] الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية  ينص على "يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما  .وإذا كان سن المجني عليها فوق الخمسة عشر عاما ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة خمس أعوام .والمحاولة موجبة للعقاب  . و زواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة .وتستأنف التتبعات أو آثار المحاكمة إذا انفصم الزواج بطلاق محكوم به إنشاء من الزوج طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من مجلة الأحوال الشخصية وذلك قبل مضي عامين عن تاريخ الدخول بالمجني عليها ".
[2] طور خلال تلك الحقبة فقه القضاء التونسي مؤسسة الحضانة و اعتمد معيار المصلحة الفضلى للطفل المحضون لينتهي لإقرار حق الام في حضانة طفلها و أن يضيق من مجال الاستثناءات الواردة على هذا الحق   وقد أدت هذه التطبيقات القضائية لتعزيز قيم حماية حقوق المرأة ولان تدخل المشرع التونسي سنة 1981  ( بموجب القانون عدد 7 لسنة 1981 المؤرخ في 18/02/1981 ) والذي ادخل اصلاحات ثورية على مجلة الأحوال الشخصية كان سندها تطبيق قضائي

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني