بيان ائتلاف استقلال القضاء حول قضية النافعة: “استعداء القاضي الذي يتجرّأ” يهدّد جهود المحاسبة

بيان ائتلاف استقلال القضاء حول قضية النافعة: “استعداء القاضي الذي يتجرّأ” يهدّد جهود المحاسبة
رسم رائد شرف

في سياق ممارسة أصبحت نمطاً مقلقاً، يشهد الرأي العام، مؤخراً، تطورا لافتا في التحقيق حول هيئة إدارة شؤون السير (النافعة) والمخالفات المرتكبة ضمنها. تم توقيف عشرات الأشخاص تبعا لتحقيقات تناولت ليس فقط الرشاوى المقبوضة من هذا الموظف أو ذاك، إنما شملت أيضا آليات الفساد الممنهج والمنظم داخل النافعة. وفي حين دارت التحقيقات مع الموظفين من المراتب الدنيا بإشراف المحامية العامة في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب بصورة شبه طبيعية، فإنها اصطدمت فور امتدادها إلى رأس النافعة (رئيسة هيئة السير هدى سلوم) بوسائل دفاع من العيار الثقيل، وهي وسائل الدفاع نفسها التي شهدنا ممارستها في عدد من القضايا اتّصلت بكبار المسؤولين. فعدا التهجّم والتنمّر الإعلاميين الحاصليْن تبعا لذلك بحقّ القاضية الخطيب، سارع وكلاء سلّوم إلى تقديم دعوييْن بهدف كفّ يدها عن التحقيق مع سلوم. وإذ ردّت محكمة استئناف بيروت دعوى الرد بتاريخ 24/11/2022، تبقى دعوى مخاصمة للدولة على خلفية عمل الخطيب عالقة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز.

على ضوء تطور الأحداث في هذه القضية، يهمّ “ائتلاف استقلال القضاء” إبداء ما يأتي:

أولا- بروز “نموذج استعداء القاضي” بهدف وقف ملاحقة المسؤولين الكبار:

أول ما نلحظه هو لجوء العديد من المسؤولين الكبار الذين فتحت تحقيقات جزائيّة بحقهم إلى تقديم دعاوى ردّ القضاة ومخاصمة الدولة على خلفية أعمالهم. وقد رمى هؤلاء من هذه الدعاوى إلى الاستفادة من مفعولها الفوري والمتمثّل في كفّ يد القاضي المعنيّ بها وعمليا وقف الملاحقة ضدهم. وينطبق هذا المفعول الفوري عملا بأصول المحاكمات المدنية مهما كانت الدعوى واهية وتعسفية، من دون أن يكون للمحاكم الناظرة فيها وسائل كافية لردع التعسف الحاصل بموجبها في حال تبين لاحقا ذلك.

وقد سجل تقديم هذا النوع من الدعاوى في قضايا المرفأ والطيونة والمصارف والفساد ومن أبرزها القضايا المفتوحة ضد الأخوين سلامة. ولا نبالغ إذا قلنا أننا في معرض نشوء نموذج جديد في الدفاع مخصص للمسؤولين الكبار ويقوم على استعداء القضاة لوقف ملاحقتهم. وما يزيد من فعالية هذا الأسلوب هو الامتناع عن إصدار مرسوم التشكيلات القضائية بتعيين رؤساء غرف التمييز، مما أفقد ويفقد هذه الهيئة نصابها ويمنعها من النظر في دعاوى مخاصمة الدولة على خلفية أعمال القضاة العالقة أمامها. ومؤدى ذلك هو تحوّل المفعول الفوري لدعوى المخاصمة بكف يد القاضي إلى مفعول شبه دائم، أقله إلى أجل غير محدود. وعليه، من شأن التعسّف في انتهاج هذا النموذج أن يحوّل إحدى ضمانات المحاكمة العادلة (حق الدفاع بتقديم طلب ردّ للقاضي أو نقل الدعوى للارتياب المشروع أو مخاصمة للدولة) إلى أداة لتقويض المحاكمة برمتها، ومن ضمنها الدعاوى العامة المقامة لحماية حقوق المجتمع أو مكافحة الفساد. ومؤدّى ذلك هو عمليا تعطيل مبدأ فصل السلطات والسلطة القضائية.   

ثانيا- خطورة إجهاد القضاة الذين يتجرؤون وإحباطهم وتظهير جهودهم على أنها مجرد عبث:

أمر آخر لا يقلّ خطورة عمّا تقدّم، وهو إخضاع القضاة الذين قد يتجرؤون على فتح ملفات بوجه مسؤولين كبار لشروط في منتهى القساوة، قوامها إغراقهم تحت كمّ من الدعاوى المقامة ضدّهم من دون الحديث عن التنمّر الإعلاميّ ضدهم وتحقيرهم والذي غالبا ما يترافق مع تقديم هذه الدعاوى، فضلا عن تحوير الاهتمام العام من متابعة المسؤوليات في جرائم كبرى إلى أسئلة حول ميول القاضي وروابطه. وتبعا لذلك، يرزح العديد من القضاة الذين يتجرؤون تحت ثقل الدعاوى المقامة ضّدهم، من دون أن يكون بإمكانهم مواصلة تحقيقاتهم. كما يظهر إذ ذاك أي مسعى قضائي للتحقيق في قضايا وطنيّة هامة على أنه مسعى عبثي ذو أفق مسدود، بما يحبط القضاة ويدفعهم إلى مزيد من الانكفاء والتقييد الذاتي لسلطتهم SELF RESTRAINT فيما المطلوب منهم في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان إعلان تعبئة عامّة لحماية الحريات والحقوق والمصالح الاجتماعية.       

وعليه، وأمام هذه التحولات المقلقة جدا، يعلن الائتلاف ويطالب بالأمور الآتية:

  1. نتضامن مع القضاة الذين يتجرؤون بهدف حماية الحقوق والحريات والصالح العامّ مع التقدير التام لجهودهم، 
  2. نحمّل القوى السياسية المهيمنة مسؤولية تعميم “نموذج استعداء القضاة” للتفلّت من أي مساءلة، بما يقارب انقلابا على القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات،  
  3. ندعو نقابتيْ المحامين إلى ممارسة أدوارهما التوجيهية والتأديبية في ضمان ممارسة حق الدفاع من دون تعسف بما يضمن شروط المحاكمة العادلة من دون تقويضها،
  4. ندعو النواب إلى المبادرة والإسراع في تعديل قوانين أصول المحاكمات المدنية والجزائية، على نحو يحول دون ترتيب مفعول فوري ومباشر على طلبات كفّ يد القضاة بمعزل عن مدى جديّتها،
  5. وبشكل أعم، ندعو مجددا مجلس النواب إلى إعلان الأولوية لإنجاز اقتراحي قانون استقلالية القضاء العدلي والإداري وفق المعايير الدولية لاستقلال القضاء والمحاكمة العادلة، مع ضمان تحرير مجالس القضاء ومراسيم التشكيلات القضائية من عبث المساومات والفيتوات السياسية. 
انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، مؤسسات عامة ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني