في عددها 18، نشرت “المفكرة” ملاحظات مقتضبة استعادت من خلالها بعض محطات المجلس الدستوري التي صبغته حسب رأيها بسمَة الاستنكاف عن إحقاق الحق. وقد تمثلت هذه المحطات (1) بامتناعه عن النظر في الطعون المقدمة على دستورية قوانين خلال فترة فراغ المجلس من أعضائه، و(2) بامتناعه عن النظر في الطعن المقدم على قانون تمديد ولاية المجلس النيابي الصادر في 2013 بعدما قام ثلاثة من أعضائه بتعطيل نصابه و(3) بامتناعه عن النظر في الطعنين المقدّمين من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وعدد من النواب على قانون تحرير الإيجارات القديمة على خلفية أن القانون نُشر في الجريدة الرسمية قبل موعد صدوره الحاصل بعد يوم من تاريخ النشر.
ومع صدور القرار الدستوري الجديد في 28-11-2014 في الطعن على قانون تمديد ولاية المجلس النيابي في 2014، تسجل “المفكرة” استنكافاً جديداً عن إحقاق الحق: فرغم إقرار المجلس بالحق (صحة الطعن وعدم دستورية التمديد لسنتين وسبعة أشهر والتي هي مدة طويلة لا يبررها أي ظرف استثنائي آني حسب المجلس)، فإنه استنكف عن إحقاقه خشية حصول فراغ في المؤسسات الدستورية يتعارض حكماً مع الغاية التي وجد من أجلها الدستور ويؤدي الى إدخال البلاد في المجهول. وبذلك، بدا المجلس وكأنه يرضخ لقوى الأمر الواقع، وتحديداً للسلطة التشريعية التي وُجد أصلاً لمراقبتها. فبدل أن يضبط أعمالها المخالفة للدستور، رضخ هو لما قررته (هي) بعدما اعتبر “التمديد أمراً واقعاً” (العبارة بين القوسين مأخوذة من قرار المجلس). وقد ادعى المجلس انعدام (تقليص) الخيارات المتاحة له على أساس “أن قانون تمديد ولاية مجلس النواب صدر قبل انتهاء الولاية بتسعة أيام فقط”، وأن الطعن في دستوريته قدم “قبل أسبوع من انتهاء الولاية”. ففي ظرف كهذا، يؤدي إبطال القانون الى عدّ ولاية المجلس النيابي المنتهية حكماً، ما يحرم هذا المجلس من إمكانية تقصير مدة التمديد على نحو يتناسب مع الظروف الاستثنائية الراهنة. ومن هذه الوجهة، يكون المجلس تالياً أمام أمر من أمرين: فإما تغليب الدستور، فيحصل فراغ مؤسساتي يجر البلاد الى مخاطر كبيرة، وإمّا الرضوخ للواقع تفادياً للفراغ ولهذا الكم من المخاطر. والانتقاد الأكبر الذي يوجه الى المجلس الدستوري يكمن تحديداً في حصر نفسه في هذا الخيار المخادع والذي أدى طبعاً الى ترجيح التوجه الثاني. فإذا صح ما جاء في الحكم لجهة أنه ليس بإمكان المجلس الدستوري أن يحل محل المجلس النيابي فيقصّر مدة التمديد مثلاً، فإنه كان بإمكانه بالمقابل إبطال القانون مع تعليق مدة نفاذ القرار لأسابيع أو أشهر تمكيناً للحكومة من إجراء انتخابات نيابية أو للمجلس النيابي من إصدار قانون تمديد ثان لمدة أقصر يحتمل تبريرها وفق منطق المجلس بالظروف الاستثنائية الحاضرة. وما يؤكد ذلك هو وجود سوابق حديثة في دول مجاورة في هذا المجال، أبرزها القرار الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في مصر في 2-6-2013 حين علقت نفاذ قرارها المتصل بإعلان عدم دستورية قانون مجلس الشورى وتالياً حله، الى حين انتخاب مجلس النواب الجديد تفادياً للفراغ التشريعي. أما وأن المجلس تجاهل هذه الاحتمالات الأخرى، فذلك يعني أنه اختار عمداً الاستنكاف عن إحقاق الحق. وما يزيد هذا الاختيار قابلية للانتقاد هو سعي المجلس الى إحاطة الاستنكاف بقوة فوق دستورية: فإذا شكل التمديد مخالفة للدستور من حيث المبدأ، فإن قبول الفراغ يتعارض وفقاً لما جاء في إحدى حيثياته الختامية، مع الغاية التي وضع الدستور من أجلها وبكلمة أخرى مع المبادئ فوق الدستورية[1]. وبذلك، يكون المجلس قد خطا خطوة عملاقة في اتجاه إلغاء ذاته.
نشر هذا المقال في العدد | 24 |كانون الثاني /يناير/ 2015 ، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.