القصة الكاملة عن تهريب صفقة المقالع: وياسين يتحفّظ للمفكرة ولكن “لا أحبّ البطولات”


2024-06-01    |   

القصة الكاملة عن تهريب صفقة المقالع: وياسين يتحفّظ للمفكرة ولكن “لا أحبّ البطولات”

كشف وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين للمفكرة القانونية أن مستحقّات الخزينة اللبنانية من قطاع المقالع والكسارات ارتفع من نحو 2.4 مليار دولار قدّرتها دراسة  أجرتها وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في العام 2023، إثر مسح نفذه الجيش اللبناني، إلى أكثر من 3 مليارات دولار اليوم، بعدما أُضيف إلى الدراسة ملحقٌ نتج عن مسح استكمالي أنهاه الجيش مؤخرا. تتزامن هذه المعطيات مع إصدار مجلس الوزراء قرارا في 29 أيار المنصرم يمدّد بموجبه الترخيص “بشكل استثنائي” لأربع شركات ترابة لاستخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة الترابة تلبية لحاجات السوق المحلي لمدة سنة، في إحياء غير قانوني للقرار الرقم 5 الصادر في 15 شباط 2022 والذي سبق أن أبطله مجلس شورى الدولة بتاريخ 20/4/2023 لمخالفته أحكام المرسوم رقم 8803/2002 الخاص بتنظيم المقالع والكسارات.

وكانت المفكرة قد فنّدت مخالفات القرار الحكومي الأخير، معتبرة أنه يستعيد نظام المهل الإدارية الذي اعتبره مجلس شورى الدولة باطلا في 4 قرارات قضائية، على نحو يشكل انتهاكا صريحا لمبدأ فصل السلطات وإلزامية الأحكام القضائية (المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة) التي تصدر “باسم الشعب اللبناني”، فضلا عما يحمله هذا القرار من انتهاك جسيم لحقوق المجتمع ببيئة سليمة وما يرشح عنه من مكافأة لشركات مدينة بمبالغ طائلة للدولة تقدر بالمليارات، من دون إلزامها مسبقا بتسديد فلس واحد.

وإذ ربطت حكومة تصريف الأعمال قرارها بالتعديلات المنوي إدخالها على المرسوم 8803/2002، علمت المفكرة أن وزير الصناعة جورج بوشيكيان قد قاد محاولة لتعديل المرسوم سقطت قبل أشهر عدة في مجلس الوزراء نتيجة معارضة وزارات معنية بملف المقالع والكسارات، ووسط عدم التئام المجلس الوطني للمقالع والكسارات او عقده اجتماعات، وعدم صلاحية وزارة الصناعة وضع تعديلات على مرسوم هو في صلب صلاحيات وزارة البيئة. ورمى بوشيكيان في تعديله أساساً إلى ضمّ منطقة الكورة، وخصوصا مرتع مخالفات شركات الإسمنت إلى نطاق المناطق المشمولة بالمرسوم، علماً أنها غير مشمولة بالمخطط التوجيهي للمقالع والكسارات. وإثر فشل تمرير تعديل المرسوم، ضغطت شركات الترابة على الحكومة من أجل العودة إلى نظام منح مهل إداريّة يسمح لها باستثمار المقالع مجددا في انتهاك صريح للقانون والقرارات القضائية. وكانت جرت محاولة في مجلس الوزراء في نيسان الماضي لتمرير قرار شبيه بقراره الأخير الصادر في 29 أيار 2024 ولكن مجلس شورى الدولة رفضه آنذاك في رأيه الاستشاري بعدما “اتخذ موقفا سلبيا منه” وفق تعبير مصادر مجلس الوزراء طلبت عدم الكشف عن هويتها. وقد علّل مجلس شورى الدولة موقفه آنذاك بالأسباب عينها التي استند إليها في قراره بإبطاله القرار 5/2022، إضافة إلى استناد الحكومة على هذا القرار المبطل بالذات .

ولذا، وتحقيقا لغايته في التمديد لشركات الإسمنت، علمت المفكرة، أن حكومة تصريف الأعمال التفت على وجوب عرض القرارات التنظيمية على مجلس شورى الدولة قبل إصدارها لإبداء الرأي “تفاديا لرأي سلبي متوقع آخر وتجنبا لتوثيق رفضه” (وفق نفس المصادر)، لتصدر قرارها الأخير بمعزل عن رأي القضاء الإداري (لم تعرضه على مجلس شورى الدولة) بل خلافا لرأيه السابق وللقرارات القضائية الصادرة عنه في هذا الشأن ، متغاضية عن تمردها عليه. وحرصا على تمرير القرار لم يُدرج على جدول أعمال جلسة 28 أيار، بل طُرح للتصويت من خارج جدول الأعمال. وعلّل عرّاب القرار وزير الصناعة جورج بوشيكيان القرار خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء بتوقف القطاع منذ عام تقريبا، مبديا تخوّفه من أعمال التهريب ومن السوق السوداء لتلبية حاجة السوق اللبنانية. وغضّ مجلس الوزراء، في ادّعائه ضرورة تلبية السوق اللبنانية وسعيه لتجنب هذه المخاوف (تهريب وسوق سوداء)، النظر عن أرقام تصدير الإسمنت إلى خارج لبنان وأسعاره حيث يُصدّر بأقلّ من نصف السعر الذي يباع فيه داخل السوق اللبنانية.  

وعدّلت الحكومة في صياغة القرار، إذ أدرجت جملة مفادها ضرورة تقيُّد شركات الترابة المستفيدة من امتياز مخالفة القانون “بالقرارات والتعاميم الصادرة عن وزارة البيئة المتعلّقة بآليّات المراقبة البيئية وإعادة تأهيل المواقع المتدهورة بيئياً”. كما أكّدت الحكومة في ختام الجملة نفسها على “تأكيد احترام الحكومة التزامات لبنان والمعاهدات الدولية الموقّعة لجهة الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة” في صلب القرار الأخير، بعدما كانت مُدرجة في ملحق في نص القرار الذي رفضه مجلس شورى الدولة. ويتعلق اشتراط الحكومة تقيّد شركات الإسمنت بالقرارات والتعاميم الصادرة عن وزارة البيئة المتعلقة بآليات المراقبة وإعادة تأهيل المواقع المتدهورة بيئيا، بالقرارين 202 و203 الّلذيّن “ستصدرهما الوزارة (البيئة) قريبا”، وفق ما أكد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين للمفكرة.  

وفي دفاعه عن موقف وزارة البيئة من اصدار الحكومة قرارا مماثلا مخالفا بداهة للقانون، أكّد ياسين أنه يتحفظ على المقاربة الرسمية لمجمل ملفّ المقالع والكسارات ومن ضمنها هذا القرار، ولكنه تحفظ لم يُترجمه فعليا الوزير ياسين حتى الآن في أي موقف رسمي ولا حتى عند اتخاذ القرار من قبل مجلس الوزراء، رغم ما ورد في متن القرار لجهة أنه صدر بناء على اقتراحه واقتراح وزير الصناعة. وقد برّر غياب الاعتراض الرسمي للمفكرة ب “أنا ما بحب إدّعي بطولات، القرار صدر والتحفظ لم يعد يجدي”، مؤكدا أنّه يتمسك بـ”مقاربة شاملة ومتكاملة للملف، وليس معالجته بشكل مُجتزأ”. وأكد ياسين أنه رغم صدور القرار، إلاّ أن شركات الإسمنت لن تبدأ العمل فورا. إذ “يجب أن يقدّموا خرائط ويعملون وفق أذونات شهرية وفقاً لحاجة السوق”. ولكن من سيراقب؟ يؤكد ياسين أنه في ظل عدم وجود فريق كاف في وزارة البيئة للمراقبة، سيتمّ تكليف شركات خاصة لتنفيذ هذه المهمة، وسيتأمّن التمويل من أموال تدفعها شركات الإسمنت وتودع في عهدة معهد البحوث الصناعية الذي يملك صلاحية التلزيم.  

مسار تحصيل مستحقات الخزينة

وعن مسار استيفاء أموال الخزينة المستحقة على قطاع المقالع والكسارات ومن ضمنه مقالع وكسارات شركات الإسمنت سواء في الكورة أو في سبلين، منذ نشر الدراسة قبل عام بالتمام، أشار ياسين إلى أن وزارة البيئة تقدّمت جدا في العمل على تحصيل هذه المستحقّات، وهي موزعة على ثلاثة جداول.  

يتعلّق الجدول الأول، وفق ياسين، بالرسوم المالية، وهو من اختصاص وزارة المالية. أما الجدولان الآخران فيتعلّقان تباعا بالمبالغ المستحقة بنتيجة وجوب إعادة التّأهيل (وهي المبالغ الأكبر) وبفعل حصول ضرر بيئيّ، وهي المستحقات التي تعمل وزارة البيئة على تحصيلها، خصوصا لناحية تطبيق المرسوم رقم 6569 تاريخ  03/07/2020، وقانون موازنة 2019 رقم 144 تاريخ 31/7/2019 لا سيما المادة 61 منه، معتبرا أن الإجراءات التي تتبعها الوزارة وبعد استشارة فريق قانوني، سواء جاءت بقرار مجلس وزراء أم لا، هي محمية، ويمكن تطبيقها. وتعمل وزارة البيئة، وفق ياسين، على ثلاثة أمور أساسية وهي: 1- “تحديد الضرر البيئي، حيث يجب أن ترتبط الكلف التي حددتها دراسة الوزارة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتفاصيل محاضر قوى الأمن الداخلي، أي أن تكون المخالفة مُثبتة من قبل قوى الأمن الداخلي، ولذا يتركز العمل اليوم، وبعد إسقاط معلومات مسح الجيش على خرائط، على إسقاط محاضر قوى الأمن الداخلي المعنية بها”. ولكن ماذا عن العقارات التي لم تُسطّر قوى الأمن الداخلي محاضر مخالفات بحقّها؟ يؤكد ياسين أنه “سيتم الادّعاء على أصحابها عبر هيئة القضايا في وزارة العدل، بعد الانتهاء من إسقاط المحاضر الموجودة، حيث أنه لا يمكننا استكمال عملنا في حال عدم وجود محاضر تؤكد وقوع المخالفة، وهو ما أكده الفريق القانوني الاستشاري”.  

أما بالنسبة للأملاك العامة التي اعتدى عليها أصحاب المقالع والكسارات، وهي تشكل نحو 10% من الأراضي المعنية، فسوف يتم الادّعاء على المخالفين فيها مباشرة ونحن نعمل على فصل هذه الفئة. كما يتمّ العمل لاستكمال المخالفات على الأملاك الخاصة سواء كانت غير مرخصة أو مرخصة وانتهت رخصتها أو تم التوسع خارج الرخصة. “وهذه نعمل عليها أيضاً مع فريق من أساتذة و طلاب جامعيين من الجامعة اليسوعية وجامعات أخرى، وهي داتا ستمكّننا من ربط المخالفة بقيمة الضّرر، كما أن المرسوم 6569/2020 يوضّح كيفية تحصيل المستحقّات”. وتتركز الخطوة الثانية، وفق الوزير ياسين، على وضع آليات التبليغ، وهي مسألة أساسية “لأن من لا يتبلغ بطريقة صحيحة يمكن أن يقول لم أتبلّغ، وهو ما ندرسه وفق مراجعة قانونية لفريق من القانونيين”، مرجحا أن يُعتمد التبليغ عبر قوى الأمن الداخلي كونها تتضمن أوامر التحصيل أيضاً”. 

وبالنسبة لإعادة تأهيل مواقع المقالع والكسارات تتجه الوزارة إلى التأهيل على حساب أصحاب المقالع والكسارات، مع العلم أنه يحق لهؤلاء التأهيل بأنفسهم شرط تقديم خطة واضحة توضّح كيفية هذا التأهيل والطريقة التي سيتم اعتمادها لإنجاز الأمر، وقد وضعت وزارة البيئة معايير تتعلق بهذا الموضوع. وأكّد ياسين أن الوزارة تعي أنه “قد يكون هناك اعتراضات، وحقّ الاعتراض مشروع، ويتم، في حال حصوله، وفق آلية قانونية في هيئة القضايا حيث يعين القاضي خبيرا لتقدير الضرر، وقد يأتي التقدير أكثر مما قدرناه أو أقل، رغم أننا نعمل بدقة عالية”. ويؤكد وزير البيئة أنه سيتم استيفاء المستحقات بعملة الدولار، فيما تم ضرب رسوم المالية ب 66 “يعني كأنها صارت دولار”. 

يبقى أن ثمة واقعة ثابتة وهي أن الحكومة عادتْ ومنحتْ شركات الترابة امتيازا غير قانوني باستثمار المقالع خلافا للقانون، من دون أن تحصل منها ولو فلسا من مجموع الديون المستحقة في ذمّتها، كل ذلك في ظروف الدولة هي فيها بأمس الحاجة إلى تحصيل مستحقاتها لإعادة تسيير مرافقها العامة ومعالجة ذيول الانهيار.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني