“الرشوة” الأوروبيّة تحجبها خطابة الكراهية والعنف: “لا صوت فوق صوت المواجهة الوجودية للنزوح السوري”


2024-05-29    |   

“الرشوة” الأوروبيّة تحجبها خطابة الكراهية والعنف: “لا صوت فوق صوت المواجهة الوجودية للنزوح السوري”

في الثاني من أيّار الماضي، عقد مؤتمر ثلاثيّ ضمّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرّئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس ورئيسة المفوضيّة الأوروبيّة أورسولا فون دير لاين. وقد أعلن فيه عن تقديم الاتّحاد الأوروبي حزمة دعم (مليار يورو لفترة حتّى عام 2027) غطّت خدمات أساسية للفئات الأكثر ضعفاً من لاجئين ومجتمعات مضيفة ومهجّري الداخل، ومساعدة في إصلاحات يطلبها صندوق النقد الدولي، ودعم لإدارة الحدود وتعزيز لدعم الجيش. وقابلها التزام رئاستيْ الحكومة والبرلمان بتشديد الرقابة على الحدود البحريّة. وقد سعى الاتّحاد الأوروبي إلى استرضاء المجتمع المضيف (اللبنانيين) من خلال فتح باب “الهجرة الموسمية” أمامه، ما يتيح له انتقاء يد عاملة ماهرة من دون الالتزام بمنح الإقامات الدائمة.

فور الإعلان عن هذه الهبة، استثارت مجموعة من ردود الأفعال بحيث اعتبرتْها قوى سياسية عدة بمثابة رشوة زهيدة لحماية حدود أوروبا مع الالتزام بعدم ترحيل المواطنين السوريين المقيمين في لبنان. وفيما شهدنا ما يشبه المزايدة وبخاصة بين القوات والتيار الوطني الحرّ في ردود الأفعال هذه والتي بدت مفعمة بالعنف والكراهية، فإن المجلس النيابي الذي انعقد في 15 أيار انتهى عمليا إلى قبول الهبة تحت غطاء هذا الخطاب وقائمة من التوصيات وجهها لحكومة تصريف أعمال وهي في أغلبها غير قابلة للتطبيق. 

سنحاول هنا الإضاءة مجددا على خلفية الهبة والخطاب الذي استثارته. 

قبرص تسمع إلى نداء الأمولة

إلى جانب 88% من لاجئين سوريين يعانون فقراً مدقعاً، تعاني 46% من الأسر اللبنانية من انعدام الأمن الغذائي. هذا ملخّص إحصاءات برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة WFP، الذي يقدّم قسائم غذائية لعائلات النازحين ومساعدات لما يزيد عن مليون لاجئ و680 ألف لبناني (وفق تقرير للبرنامج عن كانون الأوّل 2022). وتقدّم المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين UNHCR بدورها مساعدات ماليّة مباشرة وغير مباشرة للنازحين والمجتمع المضيف، وقد تقلّصت هذه المساعدات مؤخراً، ومن هنا بحث الحكومة عن أمولة جديدة. وحتّى لو تحقق شعار ترحيل السوريين تبقى مشكلة الفقر قائمة.  

وكان طبيعياً أن يشهد العامّ الماضي تدفّقاً لطالبي اللجوء عن طريق البحر إلى قبرص في ظلّ الظروف الاقتصادية المزرية. لكن في أيلول، توجّه وزير داخلية قبرص كونستانتينوس يوانو بتصريح إلى نائب رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريتيس سخيناس ليقول أنّ “لبنان حاجز، إذا انهار ستواجه أوروبا بأكملها مشكلة”، طالباً مساعدة لبنان في موضوع اللجوء. ثمّ أشارت تقارير، إلى وصول أكثر من 2600 لاجئ بقوارب من لبنان إلى قبرص في الربع الأوّل من العام الحالي، وقد عبر 300 لاجئ دفعة واحدة في نيسان الماضي. إذ ذاك، حضر رئيس قبرص للقاء ميقاتي، ولقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأشير في اللقاءيْن إلى أهمية إيجاد حلّ شامل ومستدام للملف. وسعتْ قبرص لدى الاتحاد الأوروبي لوضع “إطار عملي” كالذي وضعه الاتحاد مع كل من مصر وتونس. في المقابل، أفاد ميقاتي بإمكان التعاون لتمكين المؤسسات المختصة من ضبط الحدود البحرية. 

وفي أواخر نيسان، عنونت معظم الصحف ونشرات الأخبار “رشوة أوروبية للبنان“. وفي التفاصيل، نقلت جريدة الأخبار عن مصادر نيابية مقرّبة من ميقاتي أن “الموقف الأوروبي في ملف النازحين السوريين لم يتغيّر”، في إشارة إلى الموقف من عودتهم إلى سوريا، وأشارت إلى موقف مغاير لإيطاليا وبعض دول شرق أوروبا. كما أشارت تقارير إعلاميّة إلى لقاء قصير جمع زعيم التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بوفد من حزب الله، صرّح خلاله بضرورة دعم ميقاتي وحكومته في تقديم رؤية موحّدة لعلاج ملف النزوح، على اعتبار أنّ من شأن ذلك أن يدعم لبنان أمام المجتمع الدولي. 

فرصة للمزايدة القوّاتيّة والعونيّة حول “الخطر الوجودي” 

سبق لقائد حزب القوات سمير جعجع في 19 نيسان أن عقد مؤتمرا صحافيا حول النزوح السوري، قال فيه أن السوريين “خطر وجودي فعلي يهدد وطننا” وطرحوا حلولاً ل “ترحيل السوريين” في معرض المزايدة على الوطني الحرّ. وربطت المسألة في ضرورة مواجهة حزب الله، وترجمة ذلك في تحشيد جبهة، وقيادتها للمواجهة. كما زايدت القوّات من جهة أخرى على وزراء الحكومة ودعتْهم إلى ترحيل السوريين. أمّا التيار الوطني الحرّ فعبّر عن موقفه مؤخراً، من خلال عدم مشاركة وزرائه (الدفاع والخارجيّة) في المحادثات مع الوفد القبرصي في 8 نيسان. كما أعلنت اعتصامات ضد المساعدات المقدّمة. وعموماً، يقدّم الوطني نفسه أنّه سبّاق إلى دعوة “ترحيل السوريين”، وأنه هو من ضغط في اتّجاه تقديم مساعدات للفقراء اللبنانيين في موازاة المساعدات للفقراء اللاجئين. 

وحاول جعجع في 27 نيسان جمع قوى “معارضة” تحت شعاري “الدفاع عن القرار 1701” ومواجهة “النزوح السوري”. ثمّ صعّد من المزايدات الخطابيّة مع التيّار الوطنيّ الحرّ بشأن إجراءات ترحيل السوريين. وتملّصت القوّات في هذا الصدد من دورها في الحكومات المتعاقبة، مسلّطةً الضوء على فكرة نسبة الوزراء الراجحة المقربّة من الوطني الحر في الحكومات المتوالية منذ عام 2011. ومن المناوشات، برز تعليق نائب رئيس التيار الوطني الحرّ ناجي حايك بأن “أخطأوا القوات ولكن عادوا عن الخطأ في موضوع السوريين”. وردّت القوّات بأنّ “السلطة في مرحلة الدخول الكثيف للاجئين كانت بيد محور الممانعة ومن ضمنه التيار الوطني الحر الذي كان له وحده 11 وزيرا”. كما كانت اعتبرت النائبة ستريدا جعجع في 1 أيّار، أن الوجود السوري غير الشرعي أصبح كالقنبلة الموقوتة. وتركّز خطاب القوات الأسبوعين المنصرمين على وصف بقاء اللاجئين على أنّه خطر وجودي أو كياني، مع ترداد تعبير “قنبلة موقوتة” للتدليل على ذلك.

بعد المؤتمر الثلاثي، تحدّث النائب زيّاد الحوّاط على منصّة “إكس” عن “رشوة موصوفة دُفعت لإبقاء النازحين عندنا”، وأشار إلى “المخاطر الوجودية الناجمة عن هذا الإيواء”. ودعا إلى ردّ “الرشوة” ووصفها بكونها “خيانة عظمى تتجلّى بكل حللها”. كما دعا النائب جورج عقيص إلى فتح الحدود البحريّة، والى “استصدار قانون في المجلس النيابي يمنع الحكومة من قبول مساعدات وهبات دولية إذا كان هدفها تسهيل إقامة النازحين السوريين”. ووصف اللقاء بأنّه “خيانة عظمى”. النائب رازي الحاج بدوره وصف اللاجئين ب “القنبلة الموقوتة”، داعياً رئيس الحكومة إلى إعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية كافة لترحيلهم، وداعياً البلديّات إلى انتفاضة في كلّ المناطق لتطبيق القانون وترحيل السوريين. 

على صعيد مواقف الوطني الحرّ، تحدّث نائب رئيس التيار الوطني ناجي حايك في تاريخ 27 نيسان في إحدى المقابلات. قال: “لمسنا تقدّماً في موقف الأوروبيين وزيارة سوريا ليست مستبعدة”، وألمح إلى أنّ التبدّل في مواقفهم يعود إلى اقتراب موعد الانتخابات البرلمانيّة الأوروبيّة. بينما ندد النائب السابق أمل أبو زيد ب “سياسة التسويف والرياء التي يمارسها الغرب تجاه لبنان في ملفّ النزوح”، مطالباً “أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً بالوقوف فعلاً إلى جانب لبنان ومصلحته العليا من خلال إزالة الخطر الوجودي عليه من جراء القنبلة المتمثلة بالنازحين السوريين”، وحذّر من جعل لبنان “وطناً بديلاً”. اليوم التالي، وجّه حايك نداءً على منصة” اكس” للناخبين من أصل لبناني أن يصوتوا لمن يضع على جدول أعماله “إعادة السوريين النازحين إلى مناطق آمنة في سوريا”. 

 وفي إطار المزايدات، صرّحت نائبة رئيس التيار للشؤون السياسية مارتين نجم كتيلي بأنّ “عودة النازحين السوريين تتطلّب أولاً جرأة الدولة في تطبيق القوانين”، مشيرةً إلى إمكانيّة رد مساجين سوريين إلى سوريا، وكأنّه موضوع حسابات دفتريّة لتقليص الأعداد. لكن تحدّثت أيضاً عن إمكانيّة ردّ عائلات العمّال السوريّين الذين أتوا عقب الأزمة بسبب توفّر المساعدات. وكرر النائب فريد البستاني في 29 نيسان، أنّ “النزوح السوري غير الشرعي يشكل خطراً وجودياً على لبنان واللبنانيين بكلّ اطيافهم”. كما عاد حايك ليردّ على القوّات أنّ فريقهم هو من كان لديه الاكثرية حتّى عام 2018، متسائلاً ماذا حققوا. وفي 30 نيسان، عقد مؤتمر صحافي لنواب بيروت في تكتل لبنان القوي عن النزوح السوري ردد ذات مضمون كلام كتيلي، وسرد النائب نيقولا الصحناوي أرقاماً عن تواجد السوريين في مناطق ذات طابع مسيحي في بيروت، واعتبرها أرقاما مخيفة على اعتبار أنّه في حال وجدت نيّة لأجهزة أمنيّة معادية، ف “يمكنها أن تفعل ما تشاء بوجود هذه الأرقام” (قدرها بنحو 180 ألف بيروت الأولى و20 ألف في بيروت الثانية). كما حوّل الوطني الحر مناسبة الأوّل من أيّار للقيام بحملة ضد “المضاربة غير المشروعة التي يقوم بها العامل الأجنبي” ضد العامل اللبناني. ودعا النائب سليم عون، “كل من اتّهم التيار وعون وباسيل بالعنصرية: إذا فيكن شرف بتعتذروا”. 

نهج الرئاستيْن: أكثر مرّة نلمس جديّة!

كان ملفتاً إزاء “دعوة جمع قوى المعارضة في معراب” في 27 نيسان، تصريح لأمين سرّ كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب هادي أبو الحسن، طالباً من رئيس حزب القوات سمير جعجع “ضبط التصريحات والمواقف لضبط الشارع كي لا يحصل أي تفلت”، وذلك بعد كلامه عن سلبيّة الدعوة لأنها “تقسيميّة”. وأردف أنّه “لا مونة بين بري وجنبلاط” في ملفّ “النزوح” إنما هناك تلاقٍ. فيما أشار برّي خلال لقائه مع خريستودوليس وفون دير لاين يوم انعقاد المؤتمر الثلاثي في 2 أيّار، إلى كون “هذه أكثر مرّة نلمس فيها جدية في موضوع النازحين”.

عملياً، لم يتّضح مضمون الجديّة المشار إليها، سوى ما نعهده من آليّة عمل الحكومات في البحث عن تمويل. وفيما قدّر ميقاتي موقف الاتحاد الاوروبي “الجديد” بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية، فهو أغفل التقليص الحادّ في ميزانية المفوضية المخصّصة للصحة، والذي أسف بشأنه وزير الصحّة فراس الأبيض (أشارت تقارير مؤخراً إلى انتشار أمراض عدّة في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال بسبب تقلص المساعدات). أمّا ما أشار إليه ميقاتي من “تخصيص جزء من الدعم لتحفيز العودة الطوعية للنازحين السوريين”، فبدا أقرب إلى كونه مزايدة خطابيّة على الأطراف التي تدعو إلى ترحيل السوريين، من دون ما يشير إلى مضامين إجرائيّة فعليّة. 

وفي تعليق على سرديّة ميقاتي اعتبر الصحافي في جريدة الأخبار فراس الشوفي ، أن حصول لبنان على الدعم أمر جيّد، لكن ميقاتي “رمى مهمّة ترحيل السوريين على الأمن العام اللبناني” لدى كلامه عن ترحيب سوريا بعودة النازحين، ما اعتبره الشوفي غير واقعي: “فلا الأمن العام باستطاعته القيام بعمليات ترحيل قسرية إلى سوريا، ولا السلطة السياسية بأكملها ستحتمل نتائج مثل هذه الخطوات أمام الدول الداعمة وحتى أمام جزء كبير من اللبنانيين، ولا الدولة السورية باستطاعتها استيعاب أعداد كبيرة من العائدين…” فيما تميّزت بعض وسائل الإعلام مثل جريدة اللواء، وتلفزيون الجديد بتركيزها على أنّ قيمة المساعدات تعدّ بخسة بالمقارنة مع دول أخرى حصلت على مساعدات.   

وعموماً، تميّز الإعلام الموالي لثنائي أمل-حزب الله، بالحديث بإيجابيّة وإن بتحفّظ حول مخرجات زيارة رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة. فكان ملفتاً في هذا الصدد تصنيف الصحافي عماد مرمل للمواقف من اللقاء الثلاثي (جريدة الجمهوريّة). قال أن المرتابين يعتبرونه “رشوة علنية هي أقرب إلى ذرّ للرماد في الجيوب مقارنةً مع الكلفة الهائلة التي تحمّلها لبنان”، لكن أضاف أنّ آخرين يجدونه “جزءاً ولو كان قليلاً من تعويض مستحَق عن سنوات النزف منذ عام 2011”. وأشار إلى واقعيّة الطرف الثاني “على قاعدة (خذْ وطالبْ) في انتظار أن تحين اللحظة المناسبة للمعالجة الجذريّة التي تسمح بإعادة النازحين الى بلادهم”. فيما غرّد الإعلامي سالم زهران أنّ ” زيارة اليوم ومليارها الموعود لهدف واحد هو حماية الشواطئ من الهجرة الجماعية وليس عودة النازحين إلى بلادهم “.

أمّا ضمن المواقف التي أثنت على دور ميقاتي فبرزت سرديّة الصحافي آلان سركيس (نداء الوطن)، الذي اعتبر أنّه “ليس صحيحاً وجود بيئة منتفضة على الفوضى وأخرى راضية عنها”، وذلك في سياق حديثه عن “إشارات إيجابية توحي بإحراز تقدّم في قضية ضبط الفلتان السوري”. وفيما بدا تبنياً لمنطلقات حزبي القوّات والوطني الحرّ، اعتبر سركيس أنّ ثنائي أمل حزب الله حاولا حماية بيئتهما من “التمدّد السوري”، لكن أضاف أنّ “طمع بعض المواطنين في الاستفادة المادّية سمح للسوريّين بالتمدّد داخل المناطق الشيعية”. وأردف أنّ “الصرخة المسيحية نتيجة الانفلاش السوري”، هي التي جعلت القادة المسيحيين يقومون بدعوة “المعتدلين السنة إلى لعب دورهم الإنقاذي” (في إشارة إلى رئيس الحكومة ووزير الداخليّة)، لأنهم على حد تعبيره “أكثر قدرة على معالجة هذا الموضوع بحكمة وبتطبيق القانون”.

ولم تخلُ مواقف المقربين من ثنائي أمل-حزب الله من المزايدات، وبرز في هذا الصدد موقف المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي توجه للحكومة خلال خطبة الجمعة  قائلاً: “لا نريد نحر لبنان بمليار يورو مسمومة، وأوروبا شريكة واشنطن بالخراب في سوريا وبالحصار المضروب على لبنان، ويجب أن يأكلها النزوح كما يأكل لبنان”. وحذّر من لعبة الحارس الأمني والسياسي لأوروبا، على اعتبار أنّ “قضية النزوح بحاجة ماسة إلى حسم، وترف الوقت انتهى”، وأننا أمام تهديد أمني واقتصادي. 

قبول الهبة تحت غطاء “وحدة اللبنانيين”

مقابل التسليم بالوضع القائم على ما هو عليه، لم يجرِ ربط “الخطر الوجودي” لدى كلا الوطني الحر والقوّات بتدهور الوضع الاقتصادي وتفكّك الدولة، إنما بحجج دائريّة حول ما يراه كلا الحزبين خطراً وجودياً. ومن المفيد الإشارة هنا، إلى تبرير ميقاتي لخطوة الحلّ عبر التمويل المحض، بحديثه عن تصاعد النفور بين النازحين وبينهم وبين المجتمع اللبناني نتيجة ارتفاع وتيرة الجرائم، والتي على حدّ تعبيره، “باتت تهدّد أمن لبنان”. أي أنّه تبنّى خطاب “ربط الأجنبي بالعنف”، ومثل مقاربة مختلف القوى، فهو اعتبر هذا الأمر مسؤوليّة الدول الأوروبيّة، على اعتبار أنّ “أمن لبنان من أمن دول أوروبا والعكس”.  

وعقب المؤتمر الثلاثي، وفي معرض الشعبويّة ورمي الأرقام جزافاً، اعتبر النائب جورج عطا الله على منصة “إكس” أنّ “الكلام عن دعم لبنان بمليار دولار لا قيمة له إذ إن المجتمع الدولي مدين لنا ب 45 مليار دولار نتيجة ما تكبّده لبنان نتيجة النزوح”. وفصّل النائب سيمون أبي رميا أكثر بقليل من زميله لكنه طرح رقم 41 مليار، كحاصل لما تحمّله لبنان. وأردف “لسنا شحّاذين كي نقبل بحفنة من اليوروهات او الدولارات”. وأشار آخرون في التيّار للأمر نفسه. والأمر ذاته أشار له رئيس التيّار جبران باسيل في مؤتمر عقده في 4 أيار، واعتبر أنّ أوروبا تريد استبدال الشعب اللبناني بالسوريين، وأنّ “المشكلة الفعلية هي الشكر الدائم للسياسات الخارجية التي تدمّرنا، والانصياع الكامل لها وتنفيذها ولو على حساب مصلحة ووجود لبنان”. 

وانتشرت على مواقع التيار الإعلاميّة، دعوات إلى وقفة في 9 أيّار، للتمسّك بأرض لبنان و”رفضاً لكل المحاولات الخارجية لتصفية قضية النزوح السوري على أرضه”. على أن تكون خطوة أولى من سلسلة تحركات شبهها أحد المواقع بتحركات “17 تشرين” ولكن “ليس على خلفيّة معيشيّة إنما على خلفيّة وجوديّة”. ونقرأ على موقع التيار في اليوم التالي أنّه “لا صوت يعلو فوق صوت المواجهة الوجودية مع مخاطر النزوح السوري وتداعياته”. ويشير إلى “جولات سياسية وتحرك شعبي في مواجهة تداعيات الجولة الأوروبية”. 

ورصدنا أخبارا عدّة عن جولات قام بها نواب الوطني الحر على مسؤولين وكذلك فعل نوّاب القوّات. وإزاء مؤتمرات الوطني الحر، عقد النائب جورج عدوان مؤتمراً في 7 أيّار عنونه “مشكلة الوجود السوري في لبنان”، الذي أصبح “يطال الهوية والكيان اللبناني وله انعكاسات على الاقتصاد ومعيشة اللبنانيين”. وقال أنّ الوجود السوري غير شرعي “ولا يحاولنّ أحد بما فيها المفوضية العليا لشؤون النازحين تصنيف الأمر بطريقة أخرى ومن لديه أي اقتراح فليتفضّل باستقبال النازحين في بلده”.

كما أجرى باسيل مقابلة مع روسيا اليوم في 8 أيّار، كرر فيها مواقفه وقال أنّ “حل مشكلة النزوح لا يكون بمنح لبنان المال لتقوية الجيش ليقفل الحدود البحرية أو لإدامة بقاء النازحين بل بتمويل عودة النازحين إلى أراضيهم، خاصة أن أوروبا اعترفت بوجود مناطق آمنة في سوريا والبرلمان الأوروبي أكد هذا الشيء”. 

 كما كانت مقابلة لجعجع على برنامج “جدل” (ال بي سي) في 9 أيّار، انتقد خلالها “التصرف الركيك والضعيف للحكومات المتعاقبة”، ورغم اعتباره أن الاتحاد الأوروبي مكوّن من مجموعة دول صديقة للبنان، قال أنّ “لبنان دولة مستقلة وحق القرار على أرضه يعود لها”. وأردف أنّ “ما من مجتمع في العالم يمكنه تحمل 40% من مجمل سكّانه لاجئين غير شرعيين”. وحول حكومات أكثريّة قوى 14 آذار بين 2011 و2014، التي بدأ في عهدها تزايد أعداد اللاجئين قال جعجع أن “الممانعة والوطني الحر هم أكبر كذابين ونصابين، يحوّرون موقفنا الحقيقي ويلبسونه وضعية أخرى”. بالموازاة انتشر على وسائل التواصل هاشتاغ “#المواجهة_مستمرة” وقال جعجع خلال المقابلة أن جريمة اغتيال باسكال سليمان “ما قطعت” وأنّ “أولى نتائجها ما يحصل الآن في ملف اللاجئين السوريين”. وتحدّث جعجع عن تنظيم تحرك شعبي في بروكسيل، في 27 أيار، تزامنا مع اجتماع الدول المانحة، للمطالبة بمنح المساعدات للسوريين داخل بلدهم وليس في لبنان.

ومؤخراً، في 13 أيّار، كان خطاب لأمين عام حزب الله حسن نصر الله تحدّث خلاله عن إجماعٍ وطنيّ على معالجة “ملفّ النازحين السوريين”، وحثّ مجلس النواب على “تشكيل لجنة تذهب إلى الدول التي تعارض عودة النازحين لتحميلهم المسؤولية”، داعياً إلى “إجماع لبناني يقول فلنفتح البحر أمام النازحين السوريين بإرادتهم بدلًا عن تعريضهم للخطر عبر الرحيل عبر طرق غير شرعية”، وقال أنّ هذا يحتاج لغطاء وطني، وأردف أنّه إذا تم ذلك “سيأتي الأميركي والأوروبي إلى الحكومة لإيجاد حلّ فعلي”.

لكن يبقى أنه مهما كانت إيجابيّات توحدّ الموقف اللبناني تجاه سياسات الخارج، فهذا لا يعفي من ضرورة قيام الدولة في دورها المجتمعي إزاء كل المقيمين، والتي تغاضت عنه مختلف القوى في فترة معينة، لاعتبار سياسي ما -أو اقتصادي ما- أو آخر. 

بعدئذ، انعقدتْ جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب انتهت بتوحيد الموقف الوطني في مجموعة من التوصيات، تحت شعار توحيد الموقف الوطني حول شعارات غير قابلة للتطبيق، شعارات أدّت عمليا إلى قبول الهبة الأوروبية من دون أي سؤال حول شروطها الحقيقية.    

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، منظمات دولية ، قرارات إدارية ، فئات مهمشة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني