“الثقب الأسود”: المسرح يترافع عن عاملات المنازل بحضورهنّ


2021-06-24    |   

“الثقب الأسود”: المسرح يترافع عن عاملات المنازل بحضورهنّ
من العرض الأول على خشبة مسرح دوار الشمس

اعتلت مولو خشبة المسرح من خلال شاشة، أتت لتخبر رواية العاملة المنزليّة المعرّضة لشتّى أنواع الاضطهاد بحكم نظام الكفالة. تمثّل مولو شخصيّة عاملة منزليّة في مسرحية “الثقب الأسود” (كتابة وإخراج هاشم عدنان)، وتقول ما لم تتمكّن من قوله آلاف من عاملات المنازل داخل منازل أرباب العمل. وهي ليست المرّة الأولى التي تعتلي عاملات المنازل المسرح للحديث عن نظام الكفالة، إنّما هذه المرّة يعالج المسرح الواقع من الزاوية القانونية. فخرجت قضيّة عاملات المنازل والعاملات المهاجرات من المساحات المتعارف عليها حيث تطرح قضاياهنّ، كوسائل الإعلام التقليدية والإعلام البديل وورش العمل والمؤتمرات، إلى مساحة بديلة تشكّل فضاء للتعبير لا يجدنه في الواقع لا في المنازل التي يعملن فيها ولا في الشارع ولا في المراكز الأمنية ولا في القضاء. وتحوّلت خشبة المسرح إلى قاعة محكمة والمسرحية إلى مرافعة، يحضر فيها القاضي، والمحامية ورجل الأمن، وربّة العمل. وحضرت عاملات مهاجرات، تكلّمن عن تجاربهنّ، وهي تجارب في العمل وفي الشارع وفي المنزل. وحضرن المحاكمة على عكس ما يحصل على أرض الواقع حيث تغيّب العاملات عن محاكماتهنّ سواء بسبب ترحيلهنّ قبل المحاكمة أو لعدم سوقهنّ إذا كنّ محتجزات، فتعقد لهنّ جلسات وتصدر بحقهنّ أحكام من دون أن يحضرن ويتمكنّ من تقديم إفاداتهنّ وتجاربهنّ.

أراد المخرج هاشم عدنان تجنّب أن تواجه العاملات المهاجرات المشاركات في المسرحية، مولو وتيريزا وميريام وصوفي أيّ مشاكل قانونية لناحية مشاركتهنّ في مسرحية الذي يحتاج إلى أن يكون لديهنّ “إجازة عمل فنانة” من الأمن العام اللبناني، لذلك استعان بشاشة تخرج عبرها العاملات ويعطين إفاداتهنّ. وبحكم ذلك، ظهرت العاملات وكأنهنّ يحاربن أيضاً في المسرح للبوح بمعاناتهنّ، فكانت الشاشة سبيلهنّ إلى ذلك.

يتألّف فريق التمثيل من هاشم عدنان ونضال أيّوب، ويلعب الموسيقى الحيّة هادي دعيبس مستعيناً بآلات “الدجيمبي، والكلارينيت، والدندن، والكرين” وتُشارك في الإخراج والدراماتورجيا بترا سرحال. وقدّم الفريق العرض رقم صفر يوم الأربعاء في 16 حزيران ليشكّل البروفا الأخيرة للمسرحية، وقدّم العرضان الأوّلان يومي الخميس والجمعة، على أن يتم استكمال عرضها في مناطق ومدن مختلفة في مواعيد تحدّد لاحقاً.

شهادات العاملات المنزليّات تملأ المسرحية

يتنوّع محتوى المسرحية بين التجارب الشخصية الحقيقية التي تقدّمها تيريزا وصوفي وميريام عبر رواية أحداث حقيقية عايشنها خلال عملهنّ في لبنان، وبين التمثيل والإلقاء الذي تؤدّيه نضال وهاشم اللذين استعانا بشخصيات متعدّدة لوصف نظام الكفالة، أمّا مولو فهي “مديرة المسرح” التي توجّه الشخصيات في حال استغرقت طويلاً في مشهد معيّن وكذلك تتحدث بلسان العاملة عن مشاكل نظام الكفالة وعن البيت الذي يتحوّل إلى سجن والشرفة التي تتحوّل إلى نافذة للهروب سواء عبر الانتحار أو عبر الفرار. 

ووردت على لسان ثلاث عاملات منزليّات، صوفي وتيريزا وميريام، روايات سلّطت الضوء على حوادث تحصل مع عاملة مهاجرة تظهر بشاعة الواقع الذي يفرضه نظام الكفالة عليها. فتروي صوفيا أنّها منذ اللحظة الأولى التي وطأت منزل رب العمل، بدأت تتعرّض للإهانات حين طلبت منها ربّة العمل مثلاً أن تستحمّ لحظة دخولها إلى المنزل ووقفت تراقبها لتتأكّد أنّها تستحمّ بالشكل المطلوب. وتروي تيريزا كيف أصرّ سائق سيارة الأجرة على أن تدفع له أجرة “تاكسي 10 آلاف ليرة لبنانية” بدلاً من البدل المعتمد 2000 ليرة لبنانية وحين لجأت إلى رجل الأمن المتواجد في الشارع نفى حقها بأن تدفع العمولة المعتمدة. وميريام نقلت إلى الحضور أبسط الأزمات التي تمرّ بها أي عاملة لا تتحدّث لغة يفهمها رب العمل، فتتحمّل هي عبء عدم تلبيتها متطلّبات رب العمل بسبب ذلك ويتمّ تأديبها لذلك السبب، فيصبح عدم فهم اللغة وعدم تفهّم رب العمل لذلك عاملاً أساسياً للتعب النفسي اليومي الذي يُرهق العاملة معنوياً ويحمّلها أعباء.

مرافعة مسرحية 

يلعب كلّ من هاشم ونضال، أدواراً متعدّدة حيث يؤدّي هاشم دور الناشط والقاضي ورجل الأمن والناشط وأحد أفراد عائلة توظّف عاملة منزلية وتؤدّي نضال دور الناشطة والمحامية وربّة العمل وفرد من عائلة توظّف عاملة. في دور الناشطين الغاضبين بطبيعة الحال على نظام الكفالة، ينبري الممثلان في استعراض مفصّل لكلّ مشكلة تعتري هذا النظام، مشيرين إلى امتيازات أصحاب العمل التي تبيح لهم حجز حريّة العاملة، والتحكّم بتنقّلاتها وتفاصيل يوميّاتها، وحرمانها من الخصوصية. ويتحدّثان عن واقع مؤسّساتي يُلقي بثقله على كاهل العاملات، بحرمانهنّ من حماية قانون العمل، وبحرمانهنّ من العقد الموحّد الذي أطلقته وزيرة العمل في أيلول 2020 من ثم طعنت به نقابة مكاتب الاستقدام أمام مجلس الشورى فتم إيقاف تنفيذه.

وتتأرجح المسرحية بين إظهار الارتدادات النفسيّة لنظام الكفالة على العاملات والصدمات التي تواجهها العاملة المنزليّة في لبنان جرّاء استبعادها عن طريق العدالة، وبين المحتوى النظري الذي يمثّل المشكلات التي تعتري نظام الكفالة والضرورة القصوى للخروج منه. وعبّرت المسرحية عن واقع المحاكمات الغيابيّة التي تُعقد بدون البحث الجدّي عن فرصة لإعطاء العاملة حقّها في تقديم روايتها. من هنا، أطلق معدّو المسرحيّة عنواناً إضافياً على مسرحيّة “الثقب الأسود”، وهو “قضية تغييب 200 ألف عاملة”. وهو الرقم التقديري لأعداد العاملات المنزليّات في لبنان اللواتي يعتبرهنّ عدنان مغيّبات عن الوصول إلى العدالة.

يستند جزء كبير من مضمون المسرحية على دراسة متاهة العدالة: عاملات المنازل أمام المحاكم اللبنانيّة” (نُشرت في 29 آذار 2021) وهي من إعداد المفكرة القانونيّة ومنظمة العمل الدولية التي تلقي الضوء على تداعيات نظام الكفالة على العاملات المهاجرات والظلم اللاحق بهنّ أثناء جميع مراحل الدعاوى التي ترفع ضدّهن بدءاً بالتحقيق مروراً بالاحتجاز وصولاً إلى المحاكمات الغيابية التي تخرج عنها قرارات قلّما تنصفهنّ. وإضافة إلى الدراسة، يستند سيناريو المسرحية إلى ورش عمل وشهادات عاملات منزليّات في لبنان، كما استعان عدنان بتجربته الشخصيّة كشخص ينتمي إلى عائلة استقدمت عاملات منزليّات.

تغرق المسرحية أحياناً في تلقين المعلومات المباشرة، بدءاً بالمشهد الأول الذي يستعرض فيه نضال وهاشم مشاكل نظام الكفالة ومن ثم في أحاديثهما في مشاهد تمثيلية أخرى، قبل أن تعود الشخصيّات إلى أنسنة المشاهد بتدخّل من مولو “مديرة المسرح”. من هذه المشاهد، مشهد “المدام” (نضال) في مواجهة مع العاملة المنزليّة (مولو)، حيث تقدّم كلّ منهما روايتها، وذلك أمام رجل أمني صامت (هاشم) لا يحرّك ساكناً أمام هشاشة رواية ربّة العمل وحججها الواهية. 

تفكيك علاقة العاملة مع القضاء

تُشكّل هذه المسرحية بالنسبة لهاشم عدنان “مرافعة”، وهي مزيج بين الحياة الواقعية للعاملة المنزليّة ومجريات المحاكمة. إذ تتطرّق إلى “جوانب عدّة من حياة العاملة المنزلية، منها المنزل، العلاقة مع رب العمل والأسرة، التنقّل في الشارع، الرجل الأمني، والمحكمة والقاضي…”.

أما الهدف فهو الكشف عن تداعيات نظام الكفالة على عاملات المنازل وبخاصّة في القضاء، فهي تفكّك العلاقة بين العاملة المنزلية والقضاء وتطرح صعوبة وصول العاملة إلى العدالة. ويستند عدنان إلى المشكلة الأبرز التي تعيق الوصول إلى العدالة وهي “المحاكمات الغيابية التي تغلب على ملفات العاملات المنزليّات أمام القضاء، بحسب الدراسة التي نشرتها “المفكرة القانونية” وأثبتت أنّ 91 بالمئة من الأحكام الصادرة بحق عاملات المنازل هي أحكام غيابيّة”. يعتبر عدنان أنّ “فتح النقاش حيال نظام الكفالة ضروري، لناحية ما تتعرّض له العاملات تحت وطأته، كالتبعية المباشرة لسلطة الكفيل، وحرمانها من التنقّل، وحرمانها من حقّها في تغيير العمل. فهدفنا ليس فقط توجيه النقد للسياسات العامّة بقدر ما هو دعوة لفتح النقاش حول هذه المسائل”، حسبما يقول.

صوفي وميريام وتيريزا: نريد أن تُسمع صوتنا

صوفي وميريام وتيريزا، سيّدات أتين إلى لبنان للعمل منذ عشرات السنوات، ولكلّ منهن رواية خاصّة. وتجتمع السيدات على ضرورة الاستمرار بالكلام والتعبير عن الواقع الذي تعيشه عاملات المنازل تحت رحمة نظام الكفالة، وهو النظام الذي لا تختلف عاملة مع أخرى على ضرورة إلغائه نهائياً. تقول تيريزا (55 عاماً) لـ “المفكرة” عن تجربتها في المسرحية، “هدفي هو التوعية حول آثار نظام الكفالة على حياة العاملة المنزليّة، وأنا رأيت أن أشارك تجربتي مع سائق أجرة أراد سلبي مالاً لا يستحقه، لسبب أنّني واثقة أنّ ذلك حصل معي بسبب أنني أجنبية، وخاصّة أنّ هذه الحادثة تتكرر مع عاملات منزليات، فسمعت عشرات الحوادث المشابهة وتيقنت أنّه من الصعب حماية عاملة منزلية في الشارع لأنّه ينظر إليها حقوقها وكأنها غير مهمة”.

تشرح تيريزا عن واقع عاملات المنازل اليوم في لبنان تحت وطأة الأزمات المتتالية التي تعصف في البلاد، الأزمة القتصادية، وانتشار فيروس كورونا وأيضاً تفجير مرفأ بيروت، لافتة إلى تفهّمها أنّ “هذه أزمة تطال جميع المقيمين في لبنان، فاللبنانيون هم الأكثر تضرراً اليوم، وأنا أعلم ذلك، وأؤكد أنّ عاملات المنازل يعانين على مستوى مشابه، فالحاجة للطعام والسكن والملبس والأدوية تتفاقم كل يوم”.

ميريام  (50 عاماً) تلتقي مع تيريزا عند الموقف نفسه، وتُضيف “الخيار اليوم إمّا العودة إلى بلادهن حيث لن يكون هناك مداخيل لتأمين معيشة عوائلهن أو السفر إلى الخليج والبدء من جديد في بلد آخر. وتؤكد ميريام أنّ “الكثير من العاملات يرغبن البقاء في لبنان لكن هذا الخيار لم يعد متاحاً”.

وتشدد على “ضرورة إنهاء نظام الكفالة، وهذا ما نسعى له بفضل المنصات المختلفة التي نتمكن من خلالها التعبير عن رأينا كالمسرح وغيره”. وتقول: “هدفي أن تسمعني العاملات المنزليات، وأن يعلمن المشاكل التي تواجههن ويعرفن حقوقهن”.

ومن جهتها تتمنى صوفي أن تلقى قضيّة عاملات المنازل آذاناً صاغية لدى السلطات اللبنانيّة لأجل إنهاء معاناة عاملات المنازل. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، قضاء ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، حريات ، لبنان ، جندر ، مقالات ، عمل ونقابات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، آسيا ، حراكات اجتماعية ، أجهزة أمنية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، محاكم جزائية ، حقوق العمال والنقابات ، سلطات إدارية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، قرارات قضائية ، إفريقيا ، عمل منزلي ، احتجاز وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني