آثار التعذيب على المحامي مهدي زقروبة: المحاماة غاضبة


2024-05-17    |   

آثار التعذيب على المحامي مهدي زقروبة: المحاماة غاضبة

تجمّعَ عدد من النشطاء والمحامين، أمس الخميس 16 ماي، أمام المحكمة الابتدائية بتونس، استجابة للنداء الّذي أطلقه مجلس الهيئة الوطنية للمحامين في 12 ماي فيما سمّوه “يوم الغضب”، إثر مداهمة دار المحامي وتنفيذ بطاقة الجلب الصادرة في حق المحامية سنية الدهماني. تمّ تأكيد النداء في بيان مجلس الهيئة الصادر بتاريخ 15 ماي الجاري، على خلفيّة إيقاف المحامي مهدي زقروبة بطريقة لا تقلّ استعراضيّة عن تلك الّتي أوُقفت بها الدهماني. يذكر البيان الهيئة أنّ إيقاف المحامي تمّ باستعمال “القوة المفرطة”، وأنّه كان يحمل آثار عنف مادّي بأجزاء مختلفة من جسده عاينها قاضي التحقيق المتعهّد”، وهو ما يؤكّد “تعرّضه للتعذيب” وفق نصّ البيان.

وانتقلت الوقفة الاحتجاجية من أمام المحكمة إلى وزارة العدل، حيث رفع المحامون والناشطون شعارات منادية برحيل وزيرة العدل ليلى الجفال، وبالقطع مع دولة البوليس وقضاء التعليمات، مذكّرين بدور المحاماة في الإطاحة بنظام بن علي.

المحاماة ضد التعذيب

“أنت كرئيس جمهورية درّست 40 أو 45% من المحامين والقضاة، وتجاهر بخرق القانون؟ نحن لسنا ضدّ المحاسبة ولكن في عهدتك القانونية أنت توافق بطريقة مباشرة على التعذيب وعلى سحل الزّميل”، تقول المحامية فاطمة الماطري في تصريح للمفكرة القانونية، مذكّرة بأنّ الغاية من هذا التحرّك ليس المواجهة مع السلطة. “لسنا في تصعيد معها، وهذا خطأ بيّن تقوم به بعض الجهات لإخضاع المحاماة في نهج معيّن. نحن هنا صمّامات لاحترام الإجراءات وحسن تطبيق القانون”، وهو ما يتقاطع مع ما ذكره المحامي أمين بوكر للمفكّرة: المحاماة في طليعة القوى المدافعة عن الحريات العامّة وعن احترام الإجراءات وقرينة البراءة، ولا يمكن سوى أن تنتفض إزاء ما يتعرّض له مهدي زقروبة ،وهو ما دوّنه قاضي التحقيق صلب محضر الاستنطاق وما عاينه من تعرّض الأستاذ إلى أبشع أنواع التعذيب”.

يطالب أيضا المحامون بتطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين عمّا حصل خلال استنطاق المحامي مهدي زقروبة: “المساءلة القانونية ستشمل وزير الداخلية ووزيرة العدل، ونحن لن نرضى إلاّ بتقديم كلّ من سوّلت له نفسه خرق القوانين والإجراءات”، تقول المحامية فاطمة الماطري، لتضيف: “الدخول دون إذن قضائي وتهشيم دار المحامي دون إعلام الوكيل العام أو قاضي التحقيق أو رئيس الفرع مخالفة صادمة وصارخة للفصل 46 من مرسوم 2011″[1]، فيما يدعو المحامي أمين بوكر إلى فتح بحث تحقيقي عاجل ضدّ كلّ من سيكشف عنه البحث وتتبّع الجناة “في جريمة التعذيب والمشاركة فيه ومن نفّذه ومن أمر به ومن تستّر عليه وحاول إخفاء أدلّته”، مؤكّدًا أنّ المحامين لا يطالبون سوى بتطبيق القانون “وأسلحتنا هي المجلات والفصول القانونية”.

يتّفق  جلّ المحامين الحاضرين في الوقفة الاحتجاجية على أنّ ما حصل لمهدي زقروبة هو تعذيب، حيث أفادت المحامية ليلى بن دبّة أنّ مهدي زقروبة “تعرّض للتعذيب بمعاينة قاضي التحقيق”، مؤكّدة أنّ كلّ القطاعات مشمولة بالمضايقات، بدءًا بالقضاء فالأطباء (إثر وفاة طبيب خلال الإيقاف التحفّظي) ثمّ المحاماة وغيرها. “هل يحسّ الرئيس بنبض الشارع؟ طلبات هذا الجمع من الناس هي حرية التعبير والكلمة الحرّة. هو يعتبر أنّ حرية التفكير تسبق حرية التعبير، ولكن لا يجب الاعتقاد أنّ هؤلاء الّذين يتحركون لا يفكّرون. هو في السلطة، ومعرّض للنقد، وليس للانتقاد”، تضيف بن دبّة للمفكرة القانونية.

أمّا المحامية سامية عبّو، فقد اعتبرت في تصريح للمفكرة  أن “التعذيب أبشع جريمة، وهو لا يسقط بمرور الزمن، مضيفة أنّ “ما حصل فظيع جدًّا من حيث العودة إلى هذه الممارسات، وهو إنذار للمواطنين بأنّ القادم أسوأ. إذا أُهين المحامي وعُذّب ولم يُحترم، ابكِ يا مواطن على همّك لأنّ القادم أخطر بكثير”.

من جانبه  قال المحامي سمير ديلو للمفكرة إنّه لم يكن حاضرًا مع مهدي زقروبة خلال الاستنطاق، لكنّ قاضي التحقيق عاين أنّ ثيابه ممزّقة وأنّ عليه آثار كدمات ودماء، مشيرًا إلى بيان هيئة المحامين التي تحدّثت صراحةً عن التعذيب. “المقصود من هذا هو أنّ على المحامين الذين يتصورون أنّهم مدافعون عن المواطنين أن يبدؤوا بأنفسهم أوّلا” هكذا وضح ديلو.

أمّا المحامي يوسف خريّف، فقد سرد على المفكرة القانونية الحالة التي كان عليها مهدي زقروبة خلال الاستنطاق: “عند دخول لسان الدفاع، شرع مهدي في رواية تفاصيل الاعتداء عليه، ولا يمكن أن نذكرها بالتفصيل لأنّنا نخجل في دولة قانون وحريّات أن يتمّ الاعتداء على محامٍ. حتّى لو قام بجُرم حسب ما يُروَّج، لا يجوز الاعتداء عليه بتلك الطريقة”. ويضيف: ” قال مهدي  بأنه دُهس من أعوان الشرطة وهو يردّد: لقد قهروني، لقد عذّبوني. تعكّرت حالته الصحية، وتقيّأ، وحينها فقط تمّ الاتصال بالحماية المدنية ونقله إلى المستشفى. لقد كان من الوارد جدّا أن يموت مهدي”، ليضيف بعد ذلك: “مررنا البارحة بوضعية سيئة. لسنا فوق القانون أو ضدّه لكنّنا نريد تطبيق القانون على الجميع، ويجب أن يُحاسَب المسؤولون والمعتدون على مهدي”.

وإذ حاولت المفكرة القانونية الاتصال بالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب للحصول على تصريح حول ما عاينته من آثار تعذيب على المحامي مهدي زقروبة، فإنّها تحفّظت على مدّنا بتصريح، في انتظار صدور تقريرها، الذي لا  نعلم إلى حد كتابة هذا المقال متى سيصدر.

وعيد الرواية الرسمية

تقول وزارة الداخلية وفق بيان لها إنّ سبب الإيقاف مردّه الاعتداء بالعنف المادي واللفظي على عونيْ أمن تابعين للشرطة العدلية وإخراجهما من مقرّ قصر العدالة ومنعهما من القيام بواجبهما المهني من خلال مقطع فيديو متداول يوثّق الحادثة، مؤكّدة أنّ ” الإجراء الذي تمّ اتّخاذه في شأنه من قبل النيابة العمومية يأتي على خلفية معاينتها لجريمة هضم جانب موظف عمومي” إثر هذه الحادثة.

من جهته، أكّد الناطق الرسمي باسم وزارة الدّاخلية فاكر بوزغاية في تصريح لإذاعة خاصّة أنّ الوزارة “سترفع قضايا وستتبّع كلّ شخص ينشر المغالطات والادعاءات سواء كان محاميا أو غير ذلك”، مشيرا إلى وجود أطراف “تريد تشويه العمل الأمني”.  مضيف بالقول: “أي إنسان يقدّم معلومات وادّعاءات والكذب والتشويه في حق وزارة الداخلية والسادة القضاة سيتم تتبعه”، مؤكّدًا أنّ “الأطراف التي تشوّه عمل مؤسسات الدولة ويتصورون أنفسهم فوق القانون ولا يريدون التفاعل مع القضاء فهذا أمر يخصهم ولن نتسامح مع هذا، ونحن نعمل على تكريس العدالة وإعطاء كل ذي حق حقّه، والمفروض أن يكون المحامون في نفس الاتجاه”. ويوّضح في التصريح ذاته أنّ إجراءات الإيقاف والبحث، سواء في مركز الاحتفاظ بوشوشة أو في الوحدة المتعهدة بالبحث، سليمة، وأنّ كلّ الأعمال موثقة ومسجّلة، “ومن يتكلّم دون دليل لا يلوم إلا نفسه”.

فيما ينفي بلاغ نشرته صفحة رئاسة الجمهورية يوم 16 ماي “أيّ مواجهة مع المحامين كما يتم الترويج لذلك”، ويشير “إلى أنّ المحامي ليس فوق القانون والهيئة الوطنية للمحامين لم تتردّد في كثير من الأحيان في إحالة عدد من المحامين على مجلس التأديب وتسليط العقوبات التي ارتأتْها على كل من أخلّ بواجباته وبشرف المهنة”. كما يذكّر البيان بـ “أنّ ما حصل خلال الأيام الأخيرة لا يتعلّق أبدًا بسلك المحاماة بل بمن تجرّأ وحقّر وطنه في وسائل الإعلام بل ورذّله وبمن اعتدى بالعنف على ضابط أمن”.


[1] المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة 

انشر المقال

متوفر من خلال:

حرية التعبير ، مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية ، احتجاز وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني