أصدرت وزارة التربية قرارًا رقمه 2023/م/585 قضى بحسم نصف راتب من رواتب 61 أستاذًا. استند القرار إلى نظام الموظفين الصادر سنة 1959 وخصوصًا المادّة 15 منه التي تحظّر على الموظّفين الإضراب أو التحريض عليه. كما استند القرار إلى النظام الداخلي للثانويّات الرسميّة الصادر سنة 1974، الذي يعدّ كلّ غياب ولو جزئيًا غيابًا كليًا عن العمل. بالإضافة إلى تقارير بعض المدراء.
المرجعيّات القانونيّة لقرار الحسم
يظهر بشكل واضح ضعف المرتكزات القانونيّة لهذا الإجراء. إذ أن بعض المواد الاشتراعيّة وخصوصًا نظام الموظفين الذي اعتمد عليه القرار، مضى على إقراره أكثر من 70 سنة وبات في حال تعارض تامّ مع الحقّ بالإضراب والتجمّع، وبشكل أعمّ مع الحقوق النقابية. وما يلفت أيضا هو أن الحلبي عمد إلى قراءة مجتزأة للنظام الداخلي للثانويات الرسمية، بحيث أخذ منه ما يناسبه ل “تأديب” الأساتذة في موازاة إجراء مناقلات كيدية لهم بخلاف مبدأ عدم نقلهم إلا برضاهم. فضلا عن أن الوزير لا يلتزم بشروط أو معايير تعيين المدراء ومنسّقي المواد ولا بشروط التعاقد أو مواعيد توزيع الكتاب المدرسي الوطني وغيرها الكثير الكثير ما جعل المدارس الرسميّة “مشلّعة الأطراف” غير قادرة على تقديم خدمة ذات جودة للمتعلّمين اللبنانيين.
علاوة على ذلك، عمل الحلبي على دقّ إسفين بين الأساتذة والمدراء، وحاول منذ بداية استلامه الوزارة على التفريق بين الطرفين، فدفع للمدراء 50 دولارًا إضافيّة من الحوافز، وألزمهم برفع تقارير يوميّة عن الأساتذة الممتنعين عبر النظام الآلي sims، ولجأ أحيانًا إلى تهديدهم بعزلهم عن الإدارة أو إغلاق ثانويّاتهم وضمّها إلى مؤسسات قريبة لتحويلهم إلى خنجر في ظهر الأساتذة.
معايير اختيار المُعاقَبين
لا يبيّن القرار المعايير المعتمدة لتحديد من يستحقّ هذا الحسم، ولا يذكر سوى عبارة عامّة “عدم استحقاق الراتب”. فالبعض من المُعاقبين عاد إلى التعليم في نهاية العامّ الدراسي بعد جلسة مجلس الوزراء التي أقرّت الرواتب الأربعة الإضافية في 18 نيسان 2023 والبعض الآخر لم يعد بتاتًا للتعليم. وفي بعض الثانويّات عوقب من عاد للتعليم ولم يُحسم أيّ مبلغ ممن استمرّ ممتنعًا حتّى نهاية العام الدراسيّ. ما يؤكّد اعتماد القرار على الكيديّة السياسيّة واستهدافه الناشطين المؤثّرين على زميلاتهم وزملائهم واستخدامه أساليب تافهة مثل مراقبة مجموعات الواتساب للأساتذة وتقارير النميمة من بعض المستزلمين من الأساتذة والمدراء.
ولم تحترم العقوبة تسلسل العقوبات المعتمد في نظام الموظفين، فمعظم المعاقَبين لم يتلقَّ أي انذار سابق أو تنبيه. والجدير ذكره أنّ أوساط الأساتذة تداولت خبر الحسم منذ شهر آذار الماضي 2023. لكنّ الحلبي وأركان وزارته قرّروا تمرير الامتحانات من دون إثارة غضب الأساتذة، واستعمال الحسم عصًا يسوقون بها الأساتذة في بداية العام الدراسي 2023/2024.
الاستقواء على الأساتذة مقابل مهادنة المصارف
بالإضافة إلى تدنّي قيمة الرواتب الشرائيّة منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة في الـ 2019 حتّى اليوم، لم يتقاض الأساتذة رواتبهم وتقدماتهم من بدل نقل وغيره بشكل منتظم، إذ تتأخّر الرواتب وبدلات النقل بشكل متكرّر، وتحجز المصارف أموال صناديق المدارس والثانويات، ويتأخّر دفع الحوافز وتشوب عمليّة إرسالها عبر الـ OMT شوائب وأخطاء كثيرة، إلى درجة أنّ الأساتذة منذ بداية الأزمة لا يعرفون بدقّة الأشهر التي حوّلت عنها رواتب وحوافز وتلك التي تأخّر القبض عنها. ومن المضحك المبكي أنّ الحلبي لم يحوّل أيا من موظفي وزارة التربية أو المركز التربويّ إلى ديوان المحاسبة كما حصل في عهد سلفه الوزير طارق المجذوب للحدّ من الهدر والفساد في وزارته، ولم يستعمل أيّ نقد أو إجراء ذي معنى تجاه مسبّبي أزمات تدنّي الرواتب أو تأخير تحويلها بل خاطب مرّات متكرّرة وزير الماليّة أو رئيس مجلس الوزراء عبر المناشدة والاستجداء، ولم يوجّه نقدًا أو كلمة واحدة للمصارف، فيما يستعمل العصا والقمع وفسخ العقود والمناقلات الكيديّة والحسم من الرواتب تجاه الذين يدفعون ثمن الأزمة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.