بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، تمكّنت ليليان شعيتو التي أصيبت في رأسها في التفجير، من رؤية طفلها للمرة الأولى “افتراضياً” عبر شاشة هاتف من على سرير إحدى مستشفيات بيروت حيث ترقد بعد أن استيقظت جزئياً من الغيبوبة. وبحسب أطباء ليليان، ترك اللقاء أثراً إيجابياً ملحوظاً على حالتها، ما يعني بلا شكّ أن علي ابن السنة و3 أشهر هو مفتاح تحسّن أمّه وربما عودتها إلى طبيعتها.
ولكن للأسف يأتي اللقاء في خضمّ معركة تخوضها عائلتها في وجه زوجها ووالد طفلها حسن حدرج. فالأخير تقدّم باعتراض أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز على قرار المحكمة الجعفرية بالسّماح لعائلة الأم برؤية الطفل 4 ساعات يومياً، كما اصطحابه إلى المستشفى لرؤية والدته، ليصبح مع ذلك حقّ ليليان في رؤية ابنها مرهوناً بحكم القضاء المدني.
زوج ليليان لم ينف في اتصال سابق مع “المفكرة القانونية” عدم السماح باصطحاب طفله لزيارة أمه، وأعاد ذلك إلى “ظروف كورونا”. لكنّه نفى أن يكون منع عائلة زوجته من رؤية حفيدها “قلنا لهم أنّه بإمكانهم زيارته في منزلنا في الجنوب. وأعلمناهم أنّهم في حال لم يرغبوا في رؤية أهلي يمكنهم أن يتركوا البيت لهم”. في المقابل، تؤكّد شقيقة ليليان، نوال شعيتو لـ”المفكرة” أنّ العائلة لم تتمكّن من رؤية الطفل علي ولا من اصطحابه لرؤية أمه منذ أيلول الماضي.
اللقاء الافتراضي الأوّل بين ليليان شعيتو وابنها
حالة ليليان التي كانت تبحث عن هديّة لزوجها المقيم في أفريقيا يوم إصابتها في التفجير، وفقاً لشقيقتها نوال، قد بدأت بالتحسّن تدريجياً، حيث خضعت قبل شهر لعمليّة زراعة عظمة إصطناعيّة في رأسها، وستحتاج بعد ذلك لنقلها من المستشفى إلى مركز مختصّ للرعاية الصحيّة في حال عدم حصول أي مضاعفات، وفق ما أوضحه طبيبها حسين درويش في اتصال مع “المفكرة”. ولفت درويش إلى أنّ “ليليان ليست في غيبوبة تامّة ولا بكامل وعيها، بل هي في حالة تسمّى vegetative state”، حيث يتوقّف جزء من الدّماغ عن القيام بوظائفه فيما يستمرّ جزء آخر في العمل، فيفتح المرضى أعينهم ويبدون مستيقظين من دون أن يستجيبوا للتحفيز بأيّة طريقة ذات معنى، ولا يمكنهم التحدّث ولا يشعرون بأنفسهم أو بمحيطهم.
وهنا تفسّر المعالجة الانشغالية زينب فحص التي تتابع حالة ليليان، ردّات فعل الأخيرة، موضحة أنّها “باتت تتمكّن من التواصل بصرياً لمدّة تصل إلى سبع ثوانٍ، أي باستطاعتها أن تدقّق في الوجه وتتمكّن من متابعة الأشياء، كما باتت قادرة على القيام بمهارات حركيّة عدّة”، لافتة إلى أنّ حالتها قد شهدت تطوّراً ملحوظاً بعد اللّقاء الافتراضيّ الأوّل الذي تمّ بينها وبين طفلها عبر الهاتف. وقد حصل الاتّصال بفعل تدخّل “وسيط” من أقرباء الزوج رفض الكشف عن هويّته، تقول نوال شعيتو، مشيرة إلى شروط تمّ وضعها من قبل عائلة الزوج منها عدم التصوير أثناء الاتصال.
لقاء ليليان مع طفلها الرّضيع الذي بات يبلغ من العمر سنة و3 أشهر قد تركها غارقة بدموعها، بحسب ما روته المعالجة زينب لـ”المفكرة” كاشفة عن لحظات صعبة جداً عاشتها ليليان ومن كانوا معها حين لم تتمكّن من التّعرف إلى ابنها في بداية الاتّصال بالرّغم من أنّ جميع المحيطين بها قد أخبروها مرّات عدّة أنّ من تراه هو طفلها، كما طلبوا منه أن يلفظ كلمة “ماما”، ولكنّ ذلك لم يجدِ نفعاً في البداية، فالزّمن بالنّسبة لها قد توقّف عندما كان طفلها علي لا يزال يبلغ من العمر حوالي شهر ونصف الشهر. وتابعت المعالجة “بعد عشر دقائق من بداية الاتصال بدأت ليليان بالبكاء، ثمّ حاولت جهدها أن تلتقط الهاتف لكي تتكلّم مع الطفل الّذي تراه خلف الشاشة كما أنّها حاولت اللحاق به من خلال نظراتها والتواصل معه من خلال تحريك يدها”.
“بعد الاتّصال لمسنا تطوّراً في حالة ليليان وبدأت تتفاعل بشكل أسرع، وقد لاحظنا كفريق طبّي أنّ هذا اللقاء قد أعطاها دافعاً كي تتحسّن”، تقول المعالجة، موضحةً أنّه ليس يإمكانهم التّأكّد ممّا إذا كانت ليليان قد تمكّنت من التعرّف إلى ابنها أم لا، ولكن ما هو مؤكّد أنّها قد تفاعلت معه بشكل إيجابي، والأطبّاء سيواصلون العمل مستفيدين من هذا التطوّر لمساعدتها على استرجاع حياتها الطبيعية قدر المستطاع.
من هذا المنطلق، تؤكّد المعالجة على أهمية حصول ليليان على الدّعم العاطفي من محيطها ومن طفلها، مشيرة إلى أنّ دراسات عدّة أكدت على التأثير الإيجابيّ لرؤية الطفل لأمّه في مثل هذه الحالات، حيث ترى أنّ “تكرار رؤيتها للطّفل قد يحسّن من حالتها ويساعدها على إدراك أنّه جزء من عائلتها”.
قضية ليليان شعيتو في يد القضاء المدني
“حقّ ليليان برؤية طفلها” هو كلّ ما تحارب من أجله عائلتها، وهو ما أصرّت عليه شقيقتها نوال شعيتو، لافتة إلى أنّ زوج شقيقتها كان المسؤول عن وصولهم إلى المحاكم، حيث رفع قضية حجر مفادها أنّه ليس بإمكان أحد التصرّف بموضوع ليليان، وهو ما أيّدته المحكمة الجعفرية على اعتبار أنّ “وضع شقيقتها صعب”. وكان سبق أن قدّم عنصر من الأمن العامّ إلى المستشفى حيث ليليان، وأخبر العائلة أنّ جواز سفر يتمّ تحضيره لطفلها. عندها علمت العائلة بنيّة والده وعائلته تحضير الطفل للسفر إلى أفريقيا، وتفاعلت القضية عبر وسائل الإعلام.
وبناء على ذلك تقدّمت العائلة بطلب شفهي، هو بمثابة أمر على عريضة، إلى القاضي حسن الشامي المفتش المدني في المحكمة الجعفرية ومدعي عام المحكمة القاضي بلال وزني اللذين أوصلاه إلى القاضي كنعان الذي أصدر في 2 كانون الثاني 2021، قراراً يقضي “أوّلاً بمنع سفر الولد علي حسن حدرج (…) حتّى إشعار آخر، وثانياً إلزام من معه الطفل حالياً تسليمه إلى جدّته أم أمّه أربع ساعات يوميّاً من الساعة الواحدة ظهراً إلى الخامسة بعد الظهر بهدف تقريبه من أمّه المريضة بعد أخذ كلّ الاحتياطات الطبيّة بإشراف الأطبّاء المختصين”. واعتبر الشيخ كنعان، في حكمه أنّ المحكمة هي القيّم الشرعيّ على ليليان كونها مريضة “لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وحقّها بما يعود لجميع مصالحها بما في ذلك حضانة الطفل ورعايته”.
وكيل الزوج، المحامي علي رحّال، اعترض على القرار أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بانتظار قرارها مع حلول نهاية العطلة القضائية، باعتبار أنّه “لا يحقّ للقاضي أن يتّخذ هذا القرار غير المنطقي”، مضيفاً أنّ “ليليان في حالة غيبوبة مطلقة وهي فاقدة لحواسها وبالتالي لن تتمكّن من التعرّف إلى ابنها عند رؤيته، والمستشفى قد رفضت السّماح بدخول الطفل خوفاً عليه من التقاط فيروس أو نقل فيروس إلى الأم”. طبيب ليليان، الدكتور حسين درويش، أوضح بدوره أنّ “مستشفى الجامعة الأميركية لا تحبّذ دخول الطفل ولكنّها لا تمنع”، معلّقاً “شخصيّاً ليس لدي أي تحفّظ إذا كانت إدارة المستشفى تسمح لها برؤيته”.
الملفت أنّ رحّال قال لـ”المفكرة” أنّ “الشيخ كنعان قد تراجع عن قراره ليتحوّل حقّ الرؤية من 4 مرّات إلى مرّة واحدة في الأسبوع”. فيما أكّد أحد قضاة المحكمة الجعفرية المطّلعين على القضية أنّ “القاضي كنعان قد أنصف، من جهته، ليليان بأعلى درجات الإنصاف ولكن لم يصار إلى تنفيذ القرار في دائرة التنفيذ (حتى تاريخ كتابة هذه المقالة)”. وتابع قائلاً إنّ “كنعان لم يتراجع عن قراره بل عدّل فيه قبل وصوله إلى دائرة التنفيذ، وذلك ضماناً لمصلحة الطّفل”. يُشار إلى أنّ محامي ليليان شعيتو كان قد حصل على تفسير للقرار من المحكمة الجعفرية نزولاً عند رغبة دائرة التنفيذ، إلّا أنّه لم يتمكّن من تسليمه للدائرة بسبب إضراب المحامين.
الجدير بالذّكر أنّ الاعتراض المقدّم من وكيل الزوج أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لا يوقف التّنفيذ، ودائرة التنفيذ بدورها ليس بإمكانها إبطال الحكم ولكن بإمكانها فقط رد طلب تنفيذه. وبحسب المادة 95 من أصول المحاكمات المدنية “تنظر محكمة التمييز بهيئتها العامّة في الاعتراض على قرار مبرم صادر عن محكمة مذهبية أو شرعية لعدم اختصاص هذه المحكمة أو لمخالفته صيغاً جوهرية تتعلّق بالنظام العامّ”.
من جهتها، ترفع نوال شعيتو الصوت عالياً متّهمةً المحكمة الجعفرية بالتقصير، معلّقة بالقول “المحكمة تأخذ جوائز في حرمان الأم من أولادها”، معربةً عن رغبتها الكبيرة وعائلتها في رؤية حفيدهم. “لا نطالب سوى بحقّ ليليان في رؤية طفلها علّه يشكّل حافزاً لتحسّن حالتها الصحية. هل هذا كثير؟”، تسأل شقيقة ليليان وتعلّق بغصّة “صعبة عليي إحكي معها وما ترد عليي غير بعيونها. لما تفيق وتسألني ليه تركتوا ابني شو بقول؟”.