مبادرة لإعادة تكوين مكتبة محمد المغربي بعد حرقها وكوخ يقيه برد الشتاء


2022-01-23    |   

مبادرة لإعادة تكوين مكتبة محمد المغربي بعد حرقها وكوخ يقيه برد الشتاء
كتب المغربي المحروقة

يجلس محمد المغربي، أو “المثقف المعمار” كما يناديه البعض، بين كتبه التي تنبعث منها رائحة الحريق على الرصيف تحت جسر الفيات متعباً ومبتسماً في الوقت عينه. عاد الرجل نحو السابعة من مساء الجمعة 21 كانون أول 2022، بعد نهار طويل قضاه في مخفر الدرك بعد أن فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في حادثة الحريق الذي طال “مكتبته” التي كان يعتاش منها ويعيش بين كتبها على الرصيف نفسه. وفُتح التحقيق لحصول أضرار في الأملاك العامّة نتيجة الحريق الذي التهم محطتين صغيرتين لشركة أوجيرو، إذ لم يقدّم المغربي شكوى في الحادثة. 

يحدّثنا الأخير بحماسة رغم حزنه على الكتب التي يصفها بـ “القيّمة”، وتحوّلت إلى رماد. ينظر إلى الناس الذين تجمّعوا لدعمه ويصفهم بالمحبين ويقول لـ “المفكرة القانونية”: “لا أقوى على العيش وحيداً، هؤلاء هم عائلتي”.

لا يمكن لأي شخص مرّ سابقاً بالقرب من الرصيف تحت جسر الفيات إلّا أن يلحظ وجود محمد المغربي. ذلك الرجل الثمانيني، الأسمر البشرة، الذي يترك لحيته الطويلة البيضاء، ويجمع حوله الكتب ويبيعها بالثمن الذي يدفعه الزبون ويراه مناسباً. يعيش بلا مأوى لكنه يطعم الكلاب والقطط من حوله، ويرفض أيّ مساعدة ماليّة. رجل يحبّه كلّ من يعرفه من روّاد المنطقة أو محبّي الكتب، فهو بنظرهم “العم المثقّف، محبّ المعرفة” وصاحب اللغز الذي لا يتكلّم عن حياته الخاصة.

لكن المغربي الذي يكافح على طريقته في بلد انعدام ضمان الشيخوخة والحياة الكريمة للمسنّين، تحوّل إلى “نجم” وسائل التواصل الإجتماعي وشغل الرأي العام في اليومين الأخيرين بعدما أُحرقت مكتبته الواقعة في الخلاء والتي زارها وزير الثقافة منذ نحو 10 أيام.

ولم يرشح أيّة معلومات عن أسباب الحريق الذي التهم مساء الخميس الماضي مكتبته بعد “الاعتداء عليه وسرقته” كما يقول. وإثر الحريق، أطلق ناشطون وناشطات مبادرات وحملات تبرّع داعمة له لتمكينه من إعادة تكوين مكتبة جديدة، واستئناف حياته.

ومساء الجمعة تجمّع عدد من الناشطين وأقاموا للمغربي كوخاً من الخشب، في المكان نفسه، وإن كان بلا باب، ليستطيع المبيت به في ظلّ البرد القارس الذي يجتاح البلاد.

كذلك، أعلنت وزارة الثقافة في بيان أنّه “بعد المتابعة الحثيثة للقضية، وبعد الزيارة التي قام بها الوزير محمد وسام المرتضى لمكان سكن المغربي، تمّ البدء بوضع الآليات الممكنة لمساعدة المغربي اجتماعياً وحياتياً بعد التأكّد من أوراقه الثبوتيّة وبعض المعطيات الأخرى، إلّا أنّه ‏وقعت مساء أمس حادثة غريبة نتج عنها إحراق الكتب التي يضعها المغربي في المكان إضافة إلى إحراق أغراضه الخاصة”. 

وجاء في البيان أنّ “وزارة الثقافة تعمل بالتنسيق مع محافظ جبل لبنان محمّد مكّاوي ومع الأمن العام اللبناني، ومع المراجع القضائيّة المختصّة لجلاء ملابسات الحادثة وتداعياتها كما تعمل على معالجة الموضوع في أسرع وقت ممكن، على أن يستكمل بعد ذلك العمل على معالجة أوضاعه (أوضاع المغربي)”.

وكان وزير الثقافة قبل الحادثة بأيام وتحديداً في 13 كانون الثاني الحالي زار المغربي وقدّم له مجموعة من الكتب مع إهداء مكتوب. ولاقت هذه الزيارة انتقادات من قبل ناشطين اعتبروا أنّه كان حرياً بالوزير أن يعمل على بناء مكتبة صغيرة تحت جسر الفيات لتكون نقطة ثقافية في المنطقة، كما يُبنى له غرفة مع مرحاض بدلاً من الصور التي لا تنفع، وتركه في العراء. 

المثقّف المتشرّد

محمد المغربي

“نجمع الكتب نجمع السعادة” عبارة قالها الكاتب فنسنت ستاريت ويتبنّاها محمد المغربي كما يقول، وهو لا يكفّ عن قراءة الكتب، “قرأت أكثر من 25 ألف كتاب” يؤكد لـ “المفكرة”.

محمد المغربي ثمانيني يقيم تحت جسر الفيات منذ حوالي السنتين، يرفض السكن في دار رعاية ولا في دار خاص بالمسنين. اتخذ من الرصيف مأوى ومكتبة تحتوي مجموعة من الكتب والمجلات السياسية والتاريخية والأدبية والدينية، وعلى الرغم من تجاعيد وجهه التي تختصر قصة قسوة سنينه، لا تغيب الابتسامة عنه. 

يُعرف المغربي بين روّاد المكان العابرين والقاطنين في المنطقة من سكان الأشرفية وسن الفيل بالإنسان الغزير الثقافة والمعلومات، الواسع الأفق الاجتماعي والروحاني المتأمّل. يصفه من يعرفه  بالقارئ المتمرّد المحبّ للخدمة والمضياف.

حين تلتقي المغربي تلمس فيه روح الشباب وحسرة الشيخوخة، فهو لا يعترف باليأس والإحباط قدراً، وبرغم وضعه يرفض أي مساعدة مالية، ويعتاش من بيع الكتب، ويقبل بعض المساعدات كالطعام والشراب. 

من يعرف المغربي يظنّ أنّه مصري الجنسيّة لأنّه يتكلّم اللهجة المصرية ويبرر ذلك بأنّه تابع دراسته في الهندسة المدنية في جامعة القاهرة في مصر حيث عاش فترة طويلة. ويعرّف عن نفسه بالقول: “أنا لبناني الجنسية، اسمي محمد إسماعيل المغربي، والدتي فاطمة، وأنا من مواليد ١٩٤٣، رقم سجلّي ١٠ – المزرعة” .

يحمل محمد المغربي، “المثقف أو العم ساكن الرصيف كما يلقبه كثيرون”، هموم البلد و أوضاعه المتردية. يتحدث بالفلسفة والسياسة والروحانيات، ويقول لـ “المفكرة”: “لبنان أرض مقدسة. أرض الأنبياء والرسل. جلتُ في العديد من أنحاء العالم، ولم أجد بلداً يشبه هذه الرقعة المباركة”.  

يردّد المغربي أنّه أوقف لفترة بعدما وقع في “شرك مخادعين” وأنّه تمّ إخلاء سبيله “بعد أن وجدوا ملفّي فارغاً”، ويقول إنّه حين خرج وجد منزله “مهدّماً”. صُدم وبدأ يمشي إلى أن وصل إلى جسر الفيات.

يروي أنّه حين وصل تحت الجسر كان تعباً وقلقاً، وجد كرتونة مرمية على الأرض، فنام عليها، وعندما استيقظ لمعت في رأسه فكرة إقامة مكتبة في المكان، إذ كان شغوفاً بقراءة الكتب، فتوجّه الى منطقتي الحمراء وصبرا وبدأ بجمع الكتب إلى أن أصبح الأمر مهنته.

يقول المغربي إن زوجته توفيت منذ زمن، وأنّه أب لـ 3 شبّان وشابة، جميعهم في المهجر: “هم لا يعلمون بحالي ولن أخبرهم”. 

الحريق 

لم تعرف حتى الساعة أسباب حريق مكتبة المغربي، ولا يزال الفاعلون مجهولين، مع أنّ المنطقة تعتبر أمنية، كونها تقع بالقرب من مكتب تابع لأمن الدولة، وبالتالي فإنّ الكاميرات المحيطة بالمكان والمتواجدة على العمود المقابل لـ”رصيف المغربي” يفترض أن تسجّل وتكشف تفاصيل الحادث. 

وفي حين أشيع أنّ الحريق ناجم عن نار يوقدها المغربي للتدفئة كل مساء، إلّا الأخير وفي حديث لـ”المفكرة” يتّهم شخصاً يدعى “أ. ع. ب” بافتعال الحريق، مشيراً إلى أن هذا الرجل “يريد أن يؤذيني”. 

ويروي لـ “المفكرة”: “كنت نائماً واستيقظت على رائحة الحريق. نظرت إلى مكتبتي وهي تشتعل لم يكن في المكان غيري. قبل الحريق بوقت قصير، عبرت دراجة وعلى متنها شخصان سرقا محفظتي التي تحتوي على 450 ألف ليرة لبنانية و10 دولارات”.

خلال اندلاع الحريق اتّصل أحد المارّة بالدفاع المدني الذي حضر لإخماده. يقول الشاب وهو مصمم أزياء يلقّب نفسه جيوفاني دي لـ “المفكرة” إنّ المغربي كان يحاول إطفاء النيران بنفسه وإنقاذ بعض الكتب وأنّه رفض الذهاب مع الصليب الأحمر لأنّه “كان خائفاً من سرقة ما تبقى من كتبه”.

المكتبة محروقة
انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أجهزة أمنية ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، الحق في السكن ، فئات مهمشة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني