لم يعِش شعب في العالم ما يعيشه اللبنانيون منذ 2019. لم يحصل أن خسر مواطنون دفعة واحدة مدّخراتهم المتراكمة والقيمة الشرائيّة لرواتبهم وشبكات أمانهم الاجتماعيّ. أزمات متداخلة في السياسة والاقتصاد والاجتماع رفعت نسبة الفقر إلى 85% والبطالة إلى أكثر من 30%، أزمات كان يمكن أن تنتج زلزالًا شعبيًا يُطيح بجميع أركان السلطة لولا النظام الطائفي المتجذّر. نظام تسبّب تاريخيًا بأزمات دورية غير مسبوقة، وراوغ وأمعن في قطع الطريق على الحلول التي ما كان ممكنًا أن تتمّ إلّا على حساب مصالحه المتفلّتة من العقاب والعصيّة على مبدأ المحاسبة العادلة، نظام استحكم بالنّاس عبر تأجيجه المستمرّ لمشاعر القلق والخوف والتخويف واستبداله حقوق المواطنة بالمصالح الزبائنية حتى خفت صوت الناس. هكذا يُلخّص الباحث والخبير الاقتصادي ومدير مؤسسة البحوث والاستشارات في لبنان كمال حمدان الواقع اللبناني، معتبرًا أنّ لبنان في مرحلة السقوط الحرّ وفي طور بنية اجتماعية تتشكّل من جديد، ولا نعرف قابليّتها للاستقرار أو الحياة، مع احتمال الاتجاه نحو فوضى كبيرة.
كان سؤالنا الأساسيّ عن “الدّولرة” وعن تطوّر مؤشّر أسعار الاستهلاك مقارنة بتطوّر سعر الدولار تجاه الليرة، مؤشر الأسعار الذي تولّى حمدان إصداره ومتابعته مع فريق عمل إحصائي من المؤسسة منذ عام 1977. وسؤالنا هذا مستمدّ من قناعتنا بأنّ خطوة الدولرة لا تأتي من خارج سياق عام تعتمده السلطة منذ بداية الأزمة، سياق قائم على إخضاع المصلحة العامة لصالح فئة قليلة متحكّمة، وكان لا بدّ من الحديث عن الأزمة وتبعاتها وعن خطط التعافي وبطبيعة الحال عن نمط تعاطي هذه السّلطة مع الأزمة.
“الدولرة” أرباح على حساب المواطن
“قبل يومين ذهبت إلى المخزن لشراء ركوة قهوة كنت اشتريْتها ذاتها من المخزن ذاته قبل عام بـ 10 دولارات، فوجدتُ أنّ سعرها أصبح 15 دولارًا. سألتُ عن السبب وكان جواب البائعة أنّ المخزون قد نفد، وأنّ الدفعة الجديدة المستوردة ارتفع سعرها بسبب التضخم العالمي. ابتسمت وأجبت بأنني خبير اقتصادي، وأنّ نسبة التضخّم العالمي المتراكمة على مدى عامين لا تتجاوز 20% على حدّ علمي، ما يعني أنّ ثمن الركوة يفترض ألّا يزيد على أبعد تقدير عن 12 دولارًا. فمن أين أتت الـ 3 دولارت الإضافية؟ ولماذا تزيدون ما بين 5% و10% سعر دولار السوق بالليرة اللبنانية إذا سددنا الثمن بالعملة الوطنية؟ وهل يتمّ تصحيح معاشك الشهري المدفوع بالليرة اللبنانية في كلّ لحظة تبعًا لتطوّر سعر الدولار في السوق؟ “قصة يخبرها الخبير الاقتصادي كمال حمدان عندما نسأله عن “الدولرة” ومؤشّر الدولار مقابل مؤشّر الأسعار.
وانطلاقًا من قصة “الركوة” التي تنطبق على كلّ السلع بما فيها الغذائيّة، يشرح حمدان كيف تصبح “الدولرة” مرادفًا لاستغلال المواطن واستيلاد هامش أرباح إضافيّة لصالح التجّار والمحتكرين. ويُضيف أنّ الجريمة الأكبر تحصل في الأساس عندما ينطلق التسعير بالدولار من مقاربة تتيح له تضخيم هامش أرباحه غير المشروعة، إذ هو يرفع سعر السلعة على أساس سعر السوق السوداء، وكأنّ جميع بنود كلفته “مدولرة” ومحكومة بسعر السوق السوداء وهذا غير صحيح. ويذكر حمدان من ضمن البنود غير المدولرة بشكل مباشر، أجور الموظفين (كلفة اليد العاملة) والضرائب والرسوم واشتراكات الضمان والإيجارات وأيضًا جزءًا من تكاليف الكهرباء والمياه والاستهلاكات ويقول: “إذا ما جمعنا هذه البنود وغيرها من البنود غير المدولرة نجد أنّ نسبتها قد تبلغ حوالي 50%، ولكن في واقع الحال كلما ارتفع سعر الدولار تُضاف نسبة الارتفاع على كامل البنود، ونصفها كما ذكرنا غير مدولر، فيحقق التجار أرباحًا من البنود غير المدولرة على حساب المواطن”.
هامش الأرباح غير المبرّرة التي يتحدّث عنها حمدان، يمكن قراءته من خلال متابعة منحى تطوّر مؤشّر الأسعار مقابل تطوّر مؤشّر سعر صرف الدولار منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي هذا الإطار، يتحدّث عن حقبتين قبل العام 2019، ومن ثمّ عن السنوات التي تلت الأزمة.
فيقول حمدان إنّه في فترة ما قبل تثبيت سعر الصرف وتحديدًا من العام 1977 إلى العام 1997 أي على امتداد عشرين عامًا (باستثناء سنتين في أواسط الثمانينيات)، ظلّت النسبة السنوية لارتفاع مؤشّر الأسعار تزيد على الدوام عن النسبة السنوية لارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة. وبعد تثبيت سعر صرف الليرة في العام 1997، واصل مؤشّر أسعار الاستهلاك ارتفاعه التراكميّ مذّاك ليصل إلى 121% في العام 2012 الذي شهد بدء تحرّك هيئة التنسيق النقابية الرامي إلى تصحيح الأجور. ويغطي هذا المنحى التفارقي قدرًا كبيرًا من الأرباح الرأسمالية المخبّأة.
ويفنّد حمدان زيف ادّعاء التجار وأصحاب الأعمال بأنّ ارتفاع أسعار الاستهلاك خلال فترة التثبيت النقدي كان مردّه إلى التضخم العالمي، ذلك أنّ نسب التضخم في البلدان التي يستورد منها لبنان كانت حينها لا تتجاوز سنويًا 1% أو 2% بفعل اشتداد التنافس بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين وغيرها من الدول المصدّرة. وهذا يعني أنّ ارتفاع أسعار الاستهلاك في لبنان رغم ثبات سعر صرف الليرة تجاه الدولار ما كان إلّا انعكاسًا لمدى عمق وسطوة شبكة الاحتكارات المتحكّمة بمستوردات لبنان نوعًا وسعرًا، ولا سيّما احتكارات المحروقات والأدوية والحبوب ومستلزمات الإنتاج الزراعي كما مستلزمات القطاع الصحي وغيرها الكثير. وهذه التكتلات الاحتكارية كانت ولا تزال محميّة ومُحتضَنة من قبل تحالف تشكيلات السلطة والمؤسسة الدينية.
وفي هذا الإطار، يذكّر حمدان بدراسة أجرتها مؤسسة البحوث والاستشارات بالتعاون مع د. توفيق كسبار في العام 2003 (بطلب من وزير الاقتصاد الراحل باسل فليحان) حول درجة تركّز النشاط الاقتصادي في لبنان، أي حول واقع الاحتكار والمنافسة في الاقتصاد اللبناني. وبيّنت نتائجها، بالاستناد إلى قاعدة البيانات الإحصائية التفصيليّة المُتاحة عن نحو 7000 شركة مسجّلة آنذاك في المديرية العامة للقيمة المضافة، أنّ هذه الشركات تتوزّع على نحو 300 سوق أمكن حصرها، وأنّ 3 شركات فقط في كلّ من هذه الأسواق تسيطر وحدها على 70% من حجم أعمال السوق. ويُضيف أنّه في ظلّ هذا الاحتكار وضعف الدور الرقابي للدولة والخلل والنقص في التشريعات، يميل مفهوم المصلحة العامّة نحو التلاشي ويدفع المواطن الثمن، تمامًا كما يحصل حاليًا وبشكل أكثر وقاحة.
“مع بداية الانهيار المالي والاقتصادي عام 2019، برزت علاقة متنوّعة (حتى لا أقول عكسيّة)”، وفق حمدان، “ما بين تطوّر مؤشّر الأسعار وتطوّر سعر صرف الدولار”. فنسبة زيادة الدولار تجاه الليرة تجاوزتْ حسب حمدان (عكس الفترة التي سبقت) نسبة زيادة مؤشّر أسعار الاستهلاك. ففي كانون الأول من العام 2020، ارتفع مؤشّر سعر الدولار 243% مقارنة بكانون الأول 2019، بينما ارتفع مؤشّر الأسعار 73% في هذه الفترة. ثم اتّجهت نسب ارتفاع المؤشرين إلى التقارب في العام 2021 حيث بلغتْ نسبة الزيادة السنوية في سعر صرف الدولار 189% في كانون الأول 2021 مقابل زيادة 173% في مؤشر أسعار السلع. أما في العام 2022، فقد تغيّر الاتّجاه كلّيًا، حيث ارتفع سعر الدولار 93% في نهاية العام مقابل ارتفاع الأسعار 173%. ويجب متابعة ما إذا كان هذا التغيّر سوف يتواصل في العام 2023. ويؤكّد حمدان أنّه لا يمكن توقّع منحى تطوّر العلاقة بين المؤشرين في انتظار ما ستؤول إليه محصّلة مفاعيل عوامل عدّة، من ضمنها وقف الدعم والدولرة الفجّة والعشوائية للأسعار والارتفاعات المتلاحقة لسعر منصة صيرفة ونمط تأثره بدولار السوق السوداء.
تثبيت الدولار والسياسات الاقتصادية
يقودنا الحديث عن أزمة الليرة وعلاقتها بالدولار بطبيعة الحال إلى الحديث عن السياسات الاقتصادية التي اتُّبعت سابقًا والتي تركت بصماتها على مجمل المشهد الاقتصادي. وهذه السياسات ليست بعيدة عمّا يسمّيه حمدان الانقلاب على اتفاق الطائف وحلول سلطة “التحالف الفج” بين أمراء الأمر الواقع والأوليغارشية المالية، مكان الدولة.
ويضيف حمدان أنّ سياسة التثبيت النقدي اعتمدت من قبل القوى الحاكمة بحجّة القضاء على الكوابيس التي سيطرتْ على اللبنانيين على امتداد سنوات الحرب الأهلية بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار تجاه الليرة ألف مرّة من 3 ليرات إلى 3 آلاف ليرة، شارحًا أنّ هذه السياسة التي طبّقت في كثير من الدول كانت تتلازم عادة مع سلّة شروط متكاملة أهمها السيطرة على العجز في موازنات الدولة وعدم التوسّع بالإنفاق الجاري والتركيز على بناء مرافق البنى التحتيّة، وهذه الشروط كلّها لم تتوافر في الحالة اللبنانية.
ويشرح حمدان أنّ سياسة التثبيت النقدي استخدمت بصورة خاصّة لتسهيل شراء الولاءات السياسية لصالح المكوّنات الحاكمة، لأنّ تثبيت سعر الصرف أدّى عمليًا إلى زيادة ضمنية فعلية لسعر صرف الليرة وأضفى الشعور المضلّل بالاستقرار الاجتماعي، ولكنّه أدّى في الوقت ذاته إلى إعاقة حركة التصدير وسهّل حركة الاستيراد على نطاق واسع. وهذا ما جعل لبنان يسجّل أعلى نسبة استيراد مقارنة بالناتج المحلي على مدى سنوات (40% قبل حقبة الانهيار).
ويقترن تثبيت الدولار أيضًا، حسب حمدان، برفع الفوائد أي تشجيع الناس على العيش من الريع وعدم الإنتاج وعدم الاستثمار وعلى تخصيص الادّخار طمعًا في الفوائد، لافتًا إلى أنّ تثبيت سعر الصرف ترافق أيضًا مع إلغاء التصاعدية الضريبيّة وخفّض أو حتى ألغى الحماية الجمركية في أواسط التسعينيات، الأمر الذي قلّص مساهمة القطاعات المنتجة كالصناعة والزراعة في الناتج المحلي وفي القوى العاملة إلى النصف تقريبًا مقارنة بحقبة ما قبل الحرب.
ويشرح حمدان أنّ كلّ هذه السياسات ما كانت تستهدف سوى المضيّ قدمًا في استجلاب القروض الداخلية والخارجية ضمانًا لاستمرار نظام التثبيت النقدي، وهي ترافقت مع فوضى عارمة وطفرة غير مسبوقة في الإنفاق العام الجاري المصطبغ بقدر كبير من الفساد وقلّة الإنتاجية ومن المصالح الزبائنية التي تشجّع التهرّب الدائم من المساءلة والمحاسبة ومن إجراء قطع حساب للموازنات العامة. وقد أفضتْ في المطاف الأخير إلى إضعاف الاقتصاد الحقيقي والسطو على الدولة لصالح القوى المتنفّذة في السلطة، وهي لم تنتج سوى الأزمات الدورية المتعاقبة التي كانت في كل فترة تستدعي تدخّل “الخارج” بغية تعويم النظام.
تبعات الأزمة بالأرقام
يصف حمدان الوضع الحالي بالابن الشرعي لمجمل تلك السياسات التي اتبعت منذ التسعينيات، ولم يسبق لشعب في التاريخ أن عاش ما يعيشه اللبنانيون راهنًا بعدما فقدوا مدّخراتهم وقيمة رواتبهم وشبكات الأمان الاجتماعيّ في آن واحد، وباتوا معرضّين للفقر والجوع والبطالة والهجرة. ويشرح حمدان أنّ نسبة الذين كانوا يعيشون تحت خطّ الفقر الأعلى في لبنان كانت بحدود 30% قبيل الانهيار المالي، لافتا إلى أنّ هذا الخط يمثّل كلفة الأكل والشرب للبقاء على قيد الحياة إضافة إلى بعض المصاريف التي تضاف إلى الغذاء. وبصورة عامّة، كان خطّ الفقر الأعلى قبيل الانهيار يطال الأسر التي لا يتجاوز إجمالي دخلها الشهريّ 1200 دولار.
ويوضح حمدان أنّ نسبة من يعيشون تحت خطّ الفقر الأعلى ارتفعتْ إلى ما يراوح بين 70% و85% بعد العام 2019، بحسب تقديرات إحصائية تتداولها منظمات دولية. والأشدّ خطورة هو ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع أي أولئك الذين لا يملكون القدرة على تأمين قوتهم الغذائي اليومي، إذ ارتفعت هذه النسبة من 10% قبل الأزمة إلى نحو 30% بعدها.
كما ارتفعت نسبة البطالة من 11% في العام 2018 (دراسة الإحصاء المركزي) إلى ما يقارب 35% بداية العام 2022. أما بالنسبة إلى أرقام الهجرة، فيشير حمدان إلى أنّ الأرقام المتداولة تتحدث عن هجرة ما بين 200 و250 ألف لبناني منذ 2019 حتى اليوم. وتكمن خطورة الرقم في أنّ معظم من هاجر هم من القوى العاملة، وبالأخص من ذوي الخبرة والمهارات، مما يعني عمليًا أنّ حوالي 10 أو 15% من مجموع القوى العاملة قد ترك لبنان. وعند سؤالنا عن تبعات الأزمة بالأرقام يكرّر حمدان أنّ أيّ رقم بشأن حجم الهجرة لا يمكن اعتباره دقيقًا لأنّ إحدى أكبر النواقص في لبنان – إذا أردنا بناء دولة – هو عدم حصول مسح ديموغرافي للسكان منذ العام 1932.
تكيّف ونظام طائفي لا يزال قويًا
في ظلّ الأزمة التي يعيشها اللبنانيون، كثيرًا ما ترد عبارة “تكيّف الشعب” وذلك انطلاقًا من تراجع وهج انتفاضة 17 تشرين من جهة، ومن مشهد المطاعم والمقاهي والمرافق السياحية المكتظّة. يعلّق حمدان على ذلك بالقول إنّ معاناة اللبنانيين من هذه الأزمة غير المسبوقة كان من المتوقّع أن تحدث زلزالا يطيح بكلّ أركان السلطة لولا النظام الطائفي الذي يًعتبر برأيه أقوى نظام في المنطقة العربية إذ لا تزال أطراف السلطة الحاكمة قادرة حتى تاريخه على التحكّم النسبي والمؤثّر بالناس (نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة) عبر مضيّها في تشجيع القلق اليومي في صفوفهم وتعظيم مشاعر الخوف والحذر من الآخر. ويؤثّر أيضا بشكل سلبي في عدم انتفاض الشعب بصورة منظّمة في وجه السلطة حسب حمدان – بالإضافة إلى سياسة التخويف وإثارة مشاعر القلق – ضعف القوى الشعبية، بما فيها الحركات السياسية والنقابية والديمقراطية المعارضة، وعدم قدرتها على بلورة كتلة شعبية قادرة على إحداث خرق في النظام السياسي الطائفي-الطبقي.
فالقوى الحاكمة لا تزال قادرة برأيه على الإمساك بقواعدها على الرغم من تراجع هامش الخدمات الزبائنية التي كانت تقدّمها بسبب انهيار القطاع العام. وتسعى تلك القوى إلى استحداث بدائل هجينة للحماية الاجتماعية، سواء عبر توزيع المنافع الصغيرة العينية وغير العينية أو تنظيم أعمال التسول والمساعدات المموّلة من منظمات دولية أو سفارات، والتي لا يمكن أن تطال أكثر من 5% أو 10% على أبعد تقدير من القاعدة الاجتماعية لتشكيلات السلطة. أمّا في ما خصّ المرافق السياحية المليئة بالناس وكأنّ لبنان لا يعاني من أزمة اقتصادية، فيشرح حمدان أنّ الأزمة أنتجت ازدواجيّة في نمط الإنفاق والعيش، بين فئات غالبة يتحقّق دخلها من مصادر دخل بالليرة اللبنانية وفئات من أجراء وأصحاب عمل وذوي مغتربين يتشكّل دخلها – جزئيًا أو كليًا – بالدولار الأميركي، والتي لا تزيد نسبتها عن 15% أو 20% من الشعب اللبناني.
الاقتراب من الارتطام وتغييب الحلول
يعتبر حمدان أنّ الدولة ما عادتْ تملك الكثير من الأدوات وهي حصرت – بسبب عجزها – كلّ تدخّلاتها في المجال النقدي عبر مصرف لبنان، وعملت على إقرار مجموعة قوانين أو مشاريع قوانين يشوبها الكثير من المطبّات والألغام سواء لجهة الهدف الفعلي المأمول منها أو لجهة القابلية للتطبيق. ويذكّر حمدان بقانون السرّية المصرفية الذي لم يرضَ به حتى صندوق النقد الدولي وقانون الكابيتول كنترول الذي لم يقرّ بعد، وقانون استقلاليّة القضاء وإجراءات مكافحة الفساد، كمثال على تعاطي السلطة مع الأزمة في وقت المطلوب فيه وضع خطّة تعاف كلّية وشاملة تندرج فيها مجمل هذه الإصلاحات القانونية، كما تتحدّد فيها الفجوة الماليّة وآلية توزيعها بدءًا من القطاع المصرفي في الأساس، بما يشمل رأس مال القطاع وأصوله المالية والعينية وكبار المدراء التنفيذيين وكبار المساهمين لا سيّما أولئك الذين أفرطوا في الاغتناء من سياسة الفوائد المرتفعة على مدى سنوات. وذلك، بالتزامن مع مراسيم تنظيمية مفصّلة تضمن حسن تنفيذ القوانين الاصلاحية المختلفة.
وفي هذا الإطار، يقول حمدان: “أستطيع أن أتحدّث طويلًا عن الحلول، أستطيع الحديث عن رفع السرّية المصرفية، ورفع الحصانة عن كلّ من تعاطى الشأن العام، وعن المراجعة والتدقيق في الحسابات المصرفية لا سيما تلك التي تزيد عن المليون دولار وصولًا إلى إلزام أصحابها بإعادة فائض الفوائد التي حصلت عليها، ولكن لا أمل من استعراض عناوين للحلول، إذا كان المطلوب هو أن تتولى التشكيلة الحاكمة تنفيذ هذه الحلول”.
ويختم حمدان قائلًا: “نحن في مرحلة السقوط الحرّ وفي طور قيام بنية اجتماعية تتشكل من جديد، ولا نعرف قابليتها للاستقرار أو الحياة، مع إمكانية الاتجاه نحو فوضى كبيرة”. ومواجهة هذا الخطر لا تكون إلّا بالعودة – ولو بمنطق سوريالي قد يبدو شديد التفاؤل بل خارج الزمان والمكان – إلى البدايات: العمل على تشكيل الكتلة الشعبية الخارقة للاصطفافات الطائفية والطبقية المتنفّذة، وتجسيد البرنامج السياسي والاقتصادي الوطني لإعادة بناء الدولة الديمقراطية، وإرساء قواعد تشكيل القيادة (ولو المرنة) المعنية بمتابعة تنفيذ هذا البرنامج.
يمكنكم/نّ قراءة المقابلة باللغة الانكليزية عبر الضغط هنا