“
في سياق متابعتها للأحكام الرائدة، تنشر المفكرة قرارا قضائيا مغربيا صدر عن محكمة استئناف جنح تازة آل إلى تعزيز حماية الحرية الشخصية في الملاحقات الجزائية. فأن تحيل النيابة العامة شخصا ما إلى قاضي الحكم بعد انقضاء الأجل القانوني بالاحتفاظ يعني أنها أوقفته تعسفا خارج الحالات التي يسمح بها القانون وذلك خلافا للمعاهدات الدولية والدستور المغربي. ولم تكتفِ المحكمة بإعلان ذلك، إنما سجّلت أن الخرق الحاصل ليس خرقا للاجراءات الشكلية التي يقررها القانون والتي يمكن تداركها، بل خرق (جوهري) يفرض على المحكمة إبطال المتابعة والإحالة إليها والامتناع تاليا عن التصدي لأساس القضية. ومن اللافت أنها بررت موقفها هذا بأن أي نظر في القضية يؤدي إلى إضفاء الشرعية على الإحالة.
من يتابع الشأن القضائي والملاحقات في دول عربية أخرى يعلم أن تجاوز مدة الاحتفاظ المسموح بها قانونا في سياق التحقيقات الأولية يشكل ممارسة منتشرة، غالبا ما تبررها النيابات العامة بضغط العمل وتعقيدات التحقيق. وهي ممارسة قلما يرتب عليها قضاة الحكم أي نتيجة. لا بل بالإمكان القول أنه غالبا ما يتم التطبيع مع هذه الممارسة على نحو يؤدي إلى إضفاء شرعية (خلافا للقانون) contra legem عليها.
بقي أن نشير مجددا إلى حيثية أخرى بالغة الأهمية وردت في القرار، مفادها تثبيت التصور الجديد للوظيفة القضائية لدى طائفة واسعة من القضاة وقوامها أولا “حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي”.
إذ ترجو المفكرة أن يشكل هذا الحكم رافعة لتصويب الممارسات غير القانونية واسعة الانتشار في المنطقة العربية، فإنها تدعو جميع قرائها في مختلف الدول العربية إلى إرسال تعليقات حول مدى انتشار ممارسة توقيف الأشخاص بما يتجاوز المهل المسموح بها قانونا من قبل النيابات العامة (المحرر).
في سابقة فريدة من نوعها قضت محكمة بالمغرب ببطلان إجراءات اعتقال أحد الموقوفين خلال فترة الأعياد وأمرت بالإفراج عنه فورا، لعدم احترام النيابة العامة لأجل عرض الموقوف احتياطيا على المحكمة[1].
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 16/08/2018 حينما أوقفت الشرطة القضائية شخصا يشتبه في تورطه في الإتجار في المخدرات. وبتاريخ 18/08/2018، عرض على النيابة العامة التي أصدرت قرارا باعتقاله، وأحالته على جلسة الحكم المقررة بتاريخ 27/08/2018.
المرحلة الابتدائية
أثناء المحاكمة قدم دفاع المتهم دفعا ببطلان الإجراءات بعلة عدم احترام النيابة العامة لأجل ثلاثة أيام المقررة لاحالة المعتقل على الجلسة.
وردت النيابة العامة على هذا الدفع بكون الأيام التي تلت قرار الاعتقال صادفت أيام عطل لتزامن الاحتفال بعيد الأضحى مع عيدين وطنيين، ومع عطلة نهاية الأسبوع.
وقد قررت المحكمة الابتدائية رد الدفع وقضت بإدانة المتهم من أجل المنسوب اليه ومعاقبته بعقوبة سجنية نافذة.
قرار محكمة الاستئناف
أثناء عرض القضية على أنظار غرفة الجنح الاستئنافية بتازة، جدد دفاع المتهم الدفع المتعلق ببطلان الإجراءات، موضحا بأن المتهم أحيل على المحكمة بعد 9 أيام من اعتقاله. والحال أنه كان يجب إحالته داخل الأجل القانوني الذي لا يتجاوز 3 أيام، مما يجعل اعتقاله تعسفيا. وأضاف بأنه سبق وأن أثار هذا الدفع أمام المحكمة الابتدائية، ملتمسا الإفراج عنه فورا. والتمست النيابة العامة رد الدفع متشبثة بصحة قرارها.
واستجابت المحكمة للدفع وقضت ببطلان إجراءات الاعتقال والإفراج عن المعتقل.
حيثيات القرار
عللت المحكمة قرارها بمواد من الاتفاقيات الدولية، ومن الدستور، ومن القانون. وجاء في قرارها بهذا الخصوص:
“وحيث أنه بمقتضى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والفصول 23 و71 من الدستور، لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، والذي له الاختصاص الحصري للتشريع في ميدان المسطرة الجنائية والحريات الأساسية.
وحيث أنه بمقتضى المادتين 47 و74 من قانون المسطرة الجنائية فإنه إذا أصدر وكيل الملك أمرا بإيداع المتهم في السجن، فإن القضية تحال على أول جلسة مناسبة تعقدها المحكمة الابتدائية حسب الشروط المنصوص عليها في المادة 385 من نفس القانون، وهي المادة التي تنص على أنه: “يقدم المتهم إلى الجلسة في الحالة المنصوص عليها في المادة 74 من نفس القانون بدون استدعاء”، وفي كل الأحوال داخل أجل ثلاثة أيام، … وأنه يترتب البطلان عن مخالفة هذه المقتضيات، وهو جزاء تشريعي صريح لا لبس فيه.
وحيث أنه يتجلى … إنه كان يتعين على النيابة العامة إحالة القضية والمعقل على أنظار المحكمة في أول يوم عمل بعد العطلة، أي يوم الجمعة 24/08/2018، وليس يوم الإثنين 27/08/2018.
وحيث أنه ونظرا للمعطيات الواقعية والقانونية أعلاه، ولما كان القضاء يتولى حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون (الفصل 117 من الدستور) فإن المحكمة قررت إلغاء الحكم المستأنف والتصريح ببطلان مسطرة إحالة المتهم على المحكمة طبقا للمادة 358 من قانون المسطرة الجنائية.
وحيث أنه ولما كان إلغاء الحكم المستأنف غير مؤسس على خرق الاجراءات الشكلية التي يقررها القانون والتي يمكن تداركها فإنه لا يمكن للمحكمة أن تتصدى وتبت في موضوع القضية وتضفي بالتالي الشرعية على المتابعة والإحالة الى المحكمة.
وحيث أن التصريح ببطلان مسطرة الإحالة إلى المحكمة يقتضي حتما البت في اجراءات الاعتقال الاحتياطي، فقررت المحكمة بالتالي الإفراج عن المتهم ما لم يكن معتقلا لسبب آخر”.
[1] – قرار محكمة الاستئناف بتازة عدد 478، في الملف 443/18، بتاريخ 08/10/2018، غير منشور.
“