“
نشرنا سابقا ثلاث حلقات حول الحراكات الحقوقية الحاصلة في تونس في 2018. وهي على التوالي: الحراكات حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحراكات حول الحقوق المدنية والسياسية والحراكات الأخرى بخصوص البيئة والعدالة الانتقالية وحقوق المهمشين ومكافحة الفاسد… إلخ. ننشر هنا مقالا حول الوسائل التي استخدمتها هذه الحراكات الحقوقية (المحرر).
كان المرسوم 88 الذي تم إقراره في 24 سبتمبر 2011 أحد أهم مكتسبات الثورة التونسية والذي أفسج المجال أمام حرية العمل الحقوقي وتشكيل منظمات حقوقية. حيث أقر هذا المرسوم في فصله الأول بوضوح “حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها…”. رغم الطفرة التى شهدتها تونس على مستوى تشكيل منظمات وجمعيات، التى تجاوز عددها 11,400 في 2011، إلا أن هذا الإندفاع نحو العمل الحقوقي واجه صعوبات عديدة في بداية الأمر، خصوصاً في ظل النقص على المستوى المعرفي والبشري الذي مثل عقبة أمام الجمعيات والمنظمات التونسية للمضي قدما وبفعالية في هذا المجال. إلا أنه وفي غضون سنوات قليلة حقق الفاعلون الحقوقيون مكتسبات تعد الأبرز في المنطقة العربية، مقارنة بعقود الاستبداد الطويلة التى مثلت عاملا رئيسيا في ركود العمل الجمعياتي والحقوقي. إلا أن المنظمات والجمعيات التونسية استطاعت خلال السنوات القليلة التى تلت الثورة أن تطور أساليب عملها وتحسن أداءها بشكل مستمر مما مكنها من تبني المطالب الحقوقية وخوض المعارك مع المنظومة الحاكمة بل وتحقيق المكاسب.
بعد ثماني سنوات من الثورة، يستطيع المراقب والمتابع للعمل الحقوقي في تونس أن يرصد إضافة إلى التطور الحاصل على مستوى العمل الحقوقي ومدى النضوج النسبي الملحوظ في آليات الحشد والتأثير في الفضاء العام. تجلى ذلك من خلال تجذر العمل الائتلافي التعاوني بين الجمعيات الحقوقية وتواتر المواجهات بين الجمعيات والمنظمات الحقوقية والمنظومة الحاكمة.
أدناه، سنحاول إستعراض أهم آليات المنظمات والجمعيات الحقوقية في تونس للدفاع عن أبرز المطالب التى أثارت جدلا في 2018، إضافة إلى تنوع الوسائل التي مكنتها من تحقيق الحشد اللازم والوعي الحقوقي حولها على مستوى الفضاء العام أو التعاون الجمعياتي. وقد استطاعت المنظمات الحقوقية التونسية تجاوز آليات العمل والإتصال الكلاسيكية، من مؤتمرات وندوات ودراسات، لتوظف مواقع التواصل الإجتماعي، كفيسبوك وتويتر، لخدمة أهدافها وتوسيع قاعدة مناصريها.
هذا التجديد أخرج الخطاب الحقوقي نسبيا من الدائرة الضيقة للنخب السياسية والثقافية ليتوسع نحو فئات جديدة أكثر تأثرا بوسائل الإتصال الحديثة، على غرار الشباب.
المشاركة في بناء ترسانة قانونية: لكن ماذا بعد إقرار القوانين؟
لعبت المنظمات والجمعيات المدنية والحقوقية في تونس دورا كبيرا سواء بالمراقبة أو التدخل المباشر في صياغة دستور تونس الجديد الذي يعدّ على المستوى العربي الأكثر تطورا على صعيد ضمان الحقوق والحريات. استكملت المنظمات الحقوقية بعد وضع دستور 27 جانفي 2014 مسار بناء هذا الدرع من خلال محاولاتها تنزيل مضامين الدستور على أرض الواقع عبر ترسانة قانونية تستطيع لجم المنظومة الحاكمة عن أي إنتهاكات وأي محاولة إنقلاب على مكتسبات الثورة التونسية أو انتهاج الأساليب القمعية.
عام 2018 شهدنا إقرار قانون في غاية من الأهمية يتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والذي يعد هذا القانون سابقة الأولى من نوعها في العالم العربي. من جهة أخرى، كانت “مجلة الحقوق والحريات الفردية” من أبرز ما المقترحات التى ساهم في طرحها نشطاء ومنظمات المجتمع الحقوقي في تونس، وقد بادر عدد من النواب المنتمين إلى مختلف الكتل النيابية، لتقديم مقترح القانون الأساسي عدد 71 لسنة 2018 المتعلق ب”مجلة الحقوق والحريات الفردية، بعدما اكتفت الحكومة بتقديم مشروع قانون حول المساواة في المواريث.” كما وعمل المعهد العربي لحقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان على إعداد مشروع قانون يتعلق بحماية اللاجئين منذ عام 2011، ليبلغ المشروع بنسخة “جوان 2018” درجة متقدمة سمحت بتمريره في آخر 2018 إلى مجلس نواب الشعب على أمل أن يتم لاحقا مناقشته والمصادقة عليه.
وفيما حققت الجمعيات والمنظمات الحقوقية نجاحات كبيرة على صعيد بناء الترسانة القانونية الصلبة، تبقى متابعة تنفيذ القوانين بالمقابل ضعيفة. عملية التحشيد ورص الصفوف لعشرات الجمعيات خلال مسار إقرار القانون سرعان ما تخبو لينتهي الحال بجمعية أو إثنتين لا غير تلتزم بالسهر على تطبيق القانون بعد المصادقة عليه. جمع قانون حماية المرأة من كل أشكال العنف حوله خلال صيغته الأولى كمشروع قانون كل الجمعيات النسوية بالإضافة إلى الجمعيات الحقوقية المنضوية تحت راية الإئتلاف المدني للحريات الفردية. إلا أننا لاحظنا أن جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية هي من الجمعيات القليلة التى تعمل اليوم على مراقبة تطبيق الحكومة لهذا القانون. نذكر هنا أن النساء التونسيات للبحث حول التنمية باشرت بالعمل فورا بعد دخوله حيز التنفيذ في فيفري 2018. كان من أهم نشاطات هذه الجمعية “16 يوما للتوعية بقانون العنف ضد المرأة”. أهمية هذا القانون لا تكمن فقط في المشاركة التى فاقت 3000، كما أشارت أة. سلوى كنو رئيسة الجمعية في حوارها مع المفكرة، بل أيضاً كون نشاطاته ركزت على أربع ولايات كبرى في تونس وهي الكاف، جندوبة، سليانة، وتونس العاصمة.
ويتعزز ذلك من خلال ضعف التقاضي الاستراتيجي أو رصد أعمال القضاء عموما في عمل هذه المنظمات.
مساعدة الجمعيات في الولايات
من الأمور الإيجابية التى تم رصدها في 2018، هي تزايد وعي المنظمات والجمعيات العريقة وذات الإمكانيات التأثيرية والمادية في العاصمة التونسية بأهمية الجمعيات والمنظمات في الجهات والمناطق الداخلية في تونس من جهة ونجاعة اللامركزية بالعمل الحقوقي. أطلقت “أنا يقظ” مشروعها الأول لدعم المنظمات والجمعيات المحلية في مدن تونسية مختلفة، خصوصاً تلك الأكثر تهميشا في 21 مارس 2018. تهدف “أنا يقظ” خلال السنتين القادمتين إلى دعم جمعيات المجتمع المدني الناشئة مادياً وتقنياً. رصدت لهذا الغرض مبلغ 600.000 ألف دينار كمنح. يدخل هذا المشروع ضمن مسار الحوكمة المحلية، وهو مسار أساسي تعمل عليه المنظمة.
منذ إطلاق المشروع، قامت “أنا يقظ” بعقد شراكات مع أكثر من 40 جمعية ومنظمة محلية في عشرين ولاية في إطار هذا المشرع. كان ذلك ضمن استراتيجيتها المتابعة لمسار ملاحظة الانتخابات البلدية تكريس مفهوم اللامركزية.
أما جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية فقامت بالتعاون مع أكثر من سبع جمعيات ومنظمات محلية في أربع ولايات هم الكاف، جندوبة، سليانة، وتونس العاصمة في إطار الست عشرة يوما للتوعية بقانون حماية المرأة من العنف الصادر عام 2017. قدمت الجمعية مساعدات مادية ولوجستية لهذه الجمعيات. كما أعطتهم حرية اختيار النشاطات المناسبة لولاياتهم وفئة النساء التى هم مهتمون بالعمل معها خلال هذه الأيام. فمثلا، إختارت الجمعيات في ولاية الكاف العمل مع السجينات وتوعيتهم على أهمية قانون حماية المرأة من العنف وكيف يمكنهن الاستفادة منهم في حال تعرضهن لأي اعتداء.
مجالات التعبير في الفضاء العام
تنوعت مجالات التعبير في الفضاء العام. فمن دون التخلي عن الاحتجاج الشعبي، تطورت أشكال أخرى أهمها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومهرجانات الأفلام والمعارض ذات الطابع الحقوقي.
الاحتجاجات الشعبية
من أكثر مظاهر الإحتجاج والتغيير الحقوقي شيوعا وتاريخا في تونس هي الاحتجاجات الشعبية التي أصبحت في أذهان التونسيين الطريقة الأمثل لمواجهة المنظومة الحاكمة. بعد ثورة 2010، إستمر التونسيون باللجوء إلى الشارع احتجاجا على السلوك السياسي للمنظومة الحاكمة التى ما انفكت تحاول الانقضاض على مكتسبات الثورة ومسار الانتقال الديمقراطي. منذ بداية 2012 إلى اليوم أخذت الإحتجاجات الشعبية تتزايد بشكل ملحوظ ومستمر. هذا ما أكده الأستاذ مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادي والإجتماعي وهو الأبرز في رصد وتوثيق الحراك الإجتماعي في تونس بعد الثورة. هذا التزايد الذي دفع المنتدى إلى عقد مؤتمره الوطني الثاني في مارس 2018 لتجميع منظمي الحركات الإجتماعية التى برزت خلال السنوات الأخيرة من أجل إيجاد آليات تساعد الحركات الاحتجاجية في تونس وديناميكيتها المشتتة تنظيميا وجغرافيا على التقارب والتضامن والتشبيك.
سنة 2018، كانت كما سابقاتها، سنة إحتجاجية بإمتياز. المثير للإهتمام هو الزيادة في عدد الإحتجاجات هذه السنة، خصوصاً في شهورها الأولى. رصد المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية في تقريره لشهر جانفي 2018 حول الإحتجاجات الإجتماعية الجماعية والفردية، وهو تقرير شهري يصدره المنتدى، حوالي 1490 تحرك احتجاجي 1402 منها تحرك جماعي تركزت هذه الأخيرة في العاصمة التونسية، 155 إحتجاج، وولاية سيدي بوزيد، 123 إحتجاج. من أبرز هذه الإحتجاجات كانت حملة “فيش نستناو”. كانت النشاطات التي تخللت تحرك الحملة مثير للإهتمام. فمثلا تم ترجمة قانون المالية التى قامت الحملة إعتراض عليه إلى “التونسية الدارجة” لتكون المشاركة في الإحتجاج على “وعي” قانوني وسياسي، هكذا وضح منظمو الحملة للمفكرة. بالإضافة إلى أن نشطاء الحملة قاموا بتنظيم نقاشات حول القانون في مقاهٍ مختلفة في العاصمة تونس وباقي الجهات، كمحاولة منهم لتوسيع نطاق النقاش، شاملاً مختلف الفئات العمرية والإجتماعية. استمرت الاجتماعات في هذه المقاهي السياسية طيلة فترة التحرك. حادثة “الحرقة” والتى سبق وتحدثنا عنها في الجزء الأول من هذا التقرير تلتها إحتجاجات كثيرة تضامنا مع ضحايا الحادثة وعائلاتهم. نذكر من هذه الوقفات تلك التى دعا إليها المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية بتاريخ 7 جوان 2018، أمام المسرح البلدي في العاصمة التونسية. شارك فيها العديد من النشطاء الحقوقيين وعموم المواطنين. كما ونظّمت العديد من الوقفات الإحتجاجية في العديد من المناطق التى تصدر العدد الأكبر من الشباب للهجرة الغير شرعية إحتجاجا على الوضع الإقتصادي المتردي ومطالبة للدولة التونسية إتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة المتزايدة. أغلب هذه المناطق تتمركز في الجنوب التونسي مثل مدنين وتطاوين والحامة.
كما نذكر بوقفة 13 أوت والتى دعت إليها جمعية النساء الديمقراطيات بمناسبة اليوم الوطني للمرأة التونسية وتزامنا مع إعلان الرئيس الباجي قايد السبسي عن مشروع المساواة الإختيارية في الإرث. واللافت أن هذه المظاهرة جوبهت بمسيرة معارضة لتقرير لجنة المساواة الحريات الفردية وتحديدا المساواة في الإرث.
وثائقيات وقضايا حقوقية
كان أيضا للأفلام الوثائقية حصة كبيرة في النضال الحقوقي في هذه السنة. وثائقي Deportato، الذي عمل على تنفيذه كل من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وموقع “نواة” وتم عرضه الأول بتاريخ 18 ديسمبر 2018. وقد شكل هذا الفيلم أحد أهم الوثائقيات التونسية التى تتحدث عن موضع “الحرقة”. حيث يتابع الفيلم، الذي أخرجه حمادي الأسود، سيراً ذاتية لمرحلين تونسيين من إيطاليا ومسيرة وصولهم إلى لمبيدوزا في إيطاليا من الشواطئ التونسية.
أما وثائقي “موش وقتو” (ليس الوقت المناسب)، هو الأول من نوعه في توثيق واقع الحريات والحقوق الفردية في تونس بعد الثورة. هو وثائقي من إعداد وإخراج أمل مكي.
مهرجانات ومعارض “حقوقية”
للدورة الرابعة على التوالي، إنطلق المهرجان الدولي للفن النسوي بتونس في شهر سبتمبر 2018. تواصلت فعاليات هذا المهرجان من مدار الأسبوع محتضناً حوالي ال 136 فنان/ة، محاضر/ة، وناشط/ة من مختلف بلاد العالم ليقدموا أعمالهم/ن للجمهور التونسي من أفلام قصيرة، وفنون تشكيلية، مسرح، وموسيقى، وغيرها، تتمحور حول مسائل نسوية. كما تضمن هذه السنة “سوقهنّ” وهو معرض مخصّص للحرفيّات.
أما مهرجان “موجودين للأفلام الكويرية”، والذي انطلق مع بداية سنة 2018 في دورته الأولى، وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية وأفريقيا، فقد عرض فيه أفلام من تونس والعالم تتمحور حول قضايا المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي وعابري ومؤكدي الهوية الجندرية. قال علي بوسالم وهو من مؤسسي جمعية موجودين، خلال لقائه مع المفكرة القانونية “أن الحضور في المهرجان فاق التوقعات. حيث حضر أكثر من 500 شخص، منهم شخصيات فنية وثقافية بارزة في تونس. كنا سعداء جدا بهذا العدد كوننا عرفنا أن لنا جمهور وداعمين على نطاق على ما يبدو واسعاً”.
أما بالنسبة لجمعية إبصار، وهي جمعية تونسية تهتم بتثقيف وترفيه ذوي الإعاقة البصرية، فأطلقت الدورة الرابعة لمهرجانها الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي الإعاقة نهار 27 أكتوبر 2018 بالمسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة بتونس، ليستكمل الإحتفال لغاية 30 سبتمبر بشارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية بشكل مفتوح يمكن لكل القاصدين والمارين الإستمتاع بغناء وعزف ذوي وذوات الإعاقة. أهمية هذا الحدث هو تعريف العامة على مدى إبداع هذه الفئة من المواطنين وقدراتهم التى لا تقل كفاءة وقدرة عن أي مواطن ومواطنة تونسية ويحق لهم التمتع بمواطنيتهم على قدم المساواة.
من جهة أخرى، إنطلق معرض “صوت الذاكرة”، الذي عمل عليه المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وجامعة برمنغهام البريطانية وMuseum Lab بالتعاون مع ثماني نساء تونسيات، في بعضهن ضحايا الديكتاتورية وأخريات من ذوي السجناء السياسيين، في العاصمة التونسية بين 22 و29 سبتمبر 2018. كما انتقل إلى الكاف في 20 أكتوبر واستمر لغاية 27 من نفس الشهر. ليحط رحاله بعدها في صفاقس في 24 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2018. لتكون وجهته الأخيرة رديف من 15 إلى 22 ديسمبر 2018. جمع هذا المعرض أعمالا فنية عديدة لفنانين من تونس والعالم تمحورت حول تصوير معاناة تلك النساء السجينات السياسيات وذويهم عموما. لا يمكن إلا أن يعد هذا المعرض تخليدا لذكرى الضحايا وحفظ ذاكرتهم، والتي هي جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية لتونس والتونسيين، بطريقة مثيرة للإهتمام وملفتة للأنظار. حضر هذا المعرض في العاصمة التونسية والولايات عدد كبير جدا من المواطنين والضحايا، كما حضره شخصيات سياسية وحقوقية عديدة.
مجالات التعبير الإفتراضية
وسائل التواصل الإجتماعي، خصوصاً موقع “فيسبوك”، كان له الفضل الأكبر في تجميع القوة الثورية وتحقيق الحشد الشعبي المطلوب لتحقيق أهداف ثورة الياسمين في أواخر 2010. في 2011، سعت المنظمات والجمعيات الحقوقية في تونس إلى إستخدام شبكات التواصل الإجتماعي في سبيل الوصول إلى أعداد أكبر من الجمهور لزيادة الوعي المواطنين بالحقوق.
اليوم نستطيع القول أن أهمية “فيسبوك” بلغت حدا كبيرا بالنسبة للعمل الحقوقي في تونس. عام 2018 شهد تزايدا كبيرا في أعداد النشاطات الحقوقية، كالمؤتمرات والندوات واللقاءات والحوارات وندوات صحفية وتوقيع دراسات أو كتب كانت تبث بالكامل مباشرة على موقع فيسبوك من خلال خاصية “live broadcasting”. كل جمعية، من خلال صفحتها الخاصة على فيسبوك، تمكنت من بث نشاطها مباشرة للعامة. الأمر الذي قرب هذه النشاطات، التى كانت سابقا عادة ما يحضرها النخب الثقافية والسياسية، إلى العامة، خاصة فئة الشباب التى هي الفئة الأكثر مشاركة وتفاعلا على هذا العالم الإفتراضي. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن نغفل عن مساهمة هذا النقل المباشر في زيادة التوثيق، كون النشاط الذي يبث مباشرة يحفظ بعد إنتهاء النشاط اوتوماتيكيا في أرشيف “الصفحة”. الأمر الذي يسهل عملية أرشفة النشاط. كما سهل إمكانية الوصول إلى المعلومة ونشرها على أوسع نطاق.
في نفس السياق، كان من أبرز إبتكارات الجمعيات الحقوقية في إستعمال “فيسبوك” هو ما أقدمت عليه جمعية “أنا يقظ”، وهي جمعية مهتمة بمكافحة الفساد والوصول إلى معلومة. حيث نقلت بعض من نشاطاتها بالكامل إلى العالم الإفتراضي من خلال بث بعض من اللقاءات والنقاشات والمحاضرات على الهواء مباشرة دون حضور العامة الفعلي في الحدث. حيث قامت الجمعية بجمع المتحدثين اللقاء أو محاضرة أو ندوة في مقرها، ليتم نقل النشاط “أونلاين” ليتابعه رواد صفحة الجمعية الخاصة. تعتبر “أنا يقظ” أن هذه الطريقة تساهم في إيصال المعلومة لأكبر عدد من الناس دون أن يكلف النشاط شيئا على الإطلاق.
في نفس الإطار، شهدنا في 2018 تزايد الحملات والمطالب الحقوقية التى سرعان ما يتحول إسمها أو شعارها إلى “هاشتاغ” يتم تداوله على “فيسبوك” ليعبر كل مواطن وعلى نطاق واسع وعن تأييده للحملة أو الشعار والتعبير عن وجهة نظره بحرية. نذكر بعض الحملات التى برزت في 2018، #2%_حق_مش_مزية، تم إستخدامها لرفع مطلب 2% حق في تشغيل ذوي وذوات الإعاقة في الوظائف العمومية والخاصة، حملة #ما_تمسنيش، وهي حملة أطلقتها جمعية نساء من أجل التنمية ضد التحرش، حملة #المساواة_حق_مش_مزية، للدفاع عن مطلب المساواة في الإرث، #مش_بالسيف، دفاعا عن حرية الإفطار في شهر رمضان، #تقرير_العار، إعتراضا على تقرير لجنة المساواة والحريات الفردية.
كما وقاوم المنظمون لحملة “فيش نستناو”، التى سبق وتحدثنا عنها في الجزء الأول من هذا التقرير، للإعتقالات التى مارستها الأجهزة الأمنية للمحتجين من خلال إطلاق حملة “#تي_سيّب_عاد” (وهي عبارة باللهجة التونسية وهي تعني أطلقوا سراحي)، والتى تحول إسمها إلى هاشتاغ على مواقع التواصل الإجتماعي لاحقاً. هذا الهاشتاغ هو جزء من دعوة كل من علم أو شهد بأي إعتقال لحجتجين لتبليغ “التنسيقية الوطنية للحركات الإجتماعية بتونس” التى أطلقتها “فيش نستناو” وتضم شبكة من المحامين المتطوعين وشمل كل الولايات التى تمت فيها اعتقالات، بالإضافة إلى إطلاق استمارة على صفحة التنسيق على فيسبوك ليتمكن أهل وأصدقاء المعتقلين من إبلاغ التنسيق بالتفاصيل الشخصية لهم، ليتمكن المسؤولون عن التنسيق من تكليف محامي وتتبع القضية.
تطبيقات إلكترونية
من الملفت أيضاً في عام 2018، لجوء بعض الجمعيات إلى التطبيقات الإلكترونية على الأجهزة الذكية والمواقع الإلكترونية للتعريف بقضاياها. تطبيق كان له صدى كبير في 2018 هو تطبيق “الجماعات المحلية”. عملت عليه شبكة مراقبون بهدف توفير كل المعلومات اللازمة عن المرشحين والقوائم الانتخابية وبيانات الحملات الإنتخابية لكل حزب أو لائحة مستقلة. كما شمل شرحا وتعريفا لمجلة الجماعات المحلية بكل فصولها من الناحية القانونية. بالإضافة إلى أنه يتضمن تعريف المواطنين على مفهوم اللامركزية وأهميتها. كما يعرف رواد التطبيق على دور كل من رئيس البلدية والمجلس البلدي والبلدية بشكل عام من ناحية الإدارة وكيف يمكن للمواطن الاستفادة من البلدية لحماية حقوقه وتصريف أعماله. من خلال هذا التطبيق إستطاع أكثر من 15 ألف مستخدم للتطبيق، كما أفادنا الأستاذ كريم سيالة، مدير برامج في شبكة مراقبون، الإطلاع على النتائج الأولية للإنتخابات البلدية التى حدثت في 6 مايو 2018. حيث وزعت شبكة مراقبون ملاحظيها على كافة الدوائر الإنتخابية ل350 بلدية وعملت على تحديث فوري للتطبيق ليتمكن المتابع من معرفة نتائج الانتخابات لحظة بلحظة.
اليوم، مع تحديث هذا التطبيق، أصبح المواطنون قادرين على معرفة أسماء ومعلومات عن رئيس البلدية الفائز والمجلس البلدي بعناصره وكيفية التواصل معهم لرفع أو تقديم أي شكاوى ومطالب. على أن يتم تحديثه مستقبلا لتشمل اللجان الفنية في كل بلدية بأسماء أعضائها معلومات عنهم.
أما بالنسبة للمواقع الإلكترونية، فتم الإعلان عن ثلاث منصات إلكترونية في 2018. في جانفي 2018 أطلقت منظمة راج، وهي جمعية تعنى بتوعية الشباب وتثقيفهم سياسيا، منصة “ڨوللهم – GOULEL’HOM” الإلكترونية. تهدف هذه المنصة إلى دعم الديمقراطية التشاركية ونشر ثقافة البيانات المفتوحة والحوكمة المفتوحة (OPEN DATA / OPEN GOV) كوسيط ﺑﻴﻦ المواطن ﻭالبلديات أو الإﺩﺍﺭات العمومية. هذه المنصة هي بمثابة مساحة للمواطنين للتعبير وطرح المشاكل التى يواجهونها في منطقتهم ومعرفة كيفية التواصل مع الإدارة ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻷﻣﺮ. تعتبر “راج” هذه المنصة بمثابة مساحة استطاعت من خلالها رصد نوعية المشاكل التى يواجهها أغلب المواطنين من خلال مقارنة عدد الشكاوى ودراسة المناطق والمحافظات التى يعاني مواطنوها منها. كما مكنها رصد تفاعل البلدية مع المواطنين ومشاكلهم. وعلى أثر ذلك نشرت جمعية “راج” تقريرا ضم تفاعل المواطنين على هذه المنصة في الثلاثة أشهر الأولى لإنطلاق هذا المشروع. كما نشرت أول تقرير سنوي شامل للشكاوي التى رفعت على المنصة خلال 2018.
أما مركز الكواكبي للإنتقال الديمقراطي فأطلق في 2018 “موقع الهياكل الرسمية لحقوق الإنسان في تونس”. حدثنا أ. أمين غالي خلال لقائه المفكرة القانونية عن الموقع الذي يهدف إلى التعريف بهذه الهياكل العمومية لحقوق الإنسان في تونس عبر خارطة مؤسساتية والتعريف بكل هيكل على حدة عبر عرض مبسط لتركيبته، مجال تدخله، مهامه ووسائل الاتصال به. كما أصدر المركز كتيب تحت عنوان “بطاقة تعريف الهيئات المستقلة” بمحتوى مشابه لمضمون الموقع، تم توزيعه على نطاق واسع. يعتبر “غالي” أن هذه الهياكل “هي أقرب عنصر في الدولة للمجتمع المدني وتعد شريكا في إرساء الديمقراطية في تونس. لذلك يجب بناؤها على أساس مؤسساتي قوي وتعزيز قدرتها التواصلية وتموقعها في الفضاء العام. كما يجب توفير مساحة للمواطن تمكنه من التعرف أكثر على هذه الهياكل وكيفية الإستفادة من وجودها التواصل معها. فكانت فكرة هذا الموقع.”
لزيادة الشفافية في قطاع الطاقة والصناعات الاستخراجية، كشفت منظمة “أنا يقظ”، في أفريل 2018 عن منصة resources.tn، بخطوة تعد رائدة والأولى من نوعها في تونس. تهدف “أنا يقظ” من خلال هذه المنصة التى عملت عليها بالتعاون مع معهد حوكمة الموارد الطبيعية NRGI المختصة في مجال البيانات المفتوحة المتعلقة بقطاعي الطاقة والصناعات الاستخراجية إلى توفير قاعدة واسعة من المعلومات والبيانات كالعقود ورخص الاستكشاف والبحث والاستغلال موارد الطاقة والموارد المستخرجة بالإضافة إلى احصائيات وأرقام معروضة على شكل جداول ورسوم بيانية مفصلة متعلقة بهذا القطاع.
في نفس السياق، أطلقت منظمة “أنا يقظ” في مارس 2018 منصة iassist.tn كأول منصة تعلم عن بعد E-learning مخصصة للجمعيات والمنظمات المدنية الحقوقية الناشئة. توفر المنصة مجموعة من المعارف والمهارات لفائدة النشطاء والجمعيات. يأتي هذا المشروع ضمن عمل المنظمة على تعزيز اللامركزية في العمل الحقوقي وتعزيز الحكم المحلي في تونس.
دراسات وتقارير
من الوسائل الكلاسيكية التى لطالما اعتمدتها المنظمات والجمعيات الحقوقية هي إصدار دراسات وتقارير لإعطاء نظرة أكاديمية أو تحليلية معمقة للمسائل الحقوقية التى هم بصدد الدفاع عنها. عادة ما يهدف العمل الحقوقي من خلال هذه الوسيلة التقليدية إلى مخاطبة طبقة المثقفين من الأساتذة والنشطاء والسياسيين. بالإضافة إلى أن الدراسات والتقارير تساعد على إعطاء لمحة دقيقة ومفصلة عن الوضع الحقوقي في تونس ما يساعد في لفت أنظار الرأي العام المحلي والدولي خصوصا.
الحريات والحقوق الفردية
صدر في 2018 تقرير إستقصائي في غاية الأهمية يرصد بالأرقام والجداول حدة وأنواع العنف الموجه ضد المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي وعابري ومؤكدي الهوية الجندرية. أعدت هذا التقرير كل من مبادرة “موجودين”، جمعية “دمج”، ومنظمة “شوف”. اعتمد هذا التقرير على بيانات تم توزيعها على 300 شخصا تونسيا منتميا لهذه الفئة، تتراوح أعمارهم بين 16 و46 ويقيمون في تونس العاصمة. هذه البيانات كانت عبارة عن استمارة تحتوي على أسئلة دقيقة وموجهة ومحددة تأخذ حوالي 45 دقيقة من كل شخص ويتم ملء الإستمارة مع الأخذ بعين الإعتبار إبقاء إسم المشارك غير معلوم، حفظا لمعطياته الشخصية. إستطاع هذا التقرير تحديد بشكل يبقى نسبيا حجم العنف الموجه ضد هذه الفئة وأنواعه وحدة الإقصاء الممارس والحرمان من الحقوق ومن الانتفاع من الخدمات الإجتماعية والصحية والإقتصادية. كما عرض التقرير نسب محاولات الإنتحار التى يرتكبها المنتمون إلى هذه الفئة والأسباب التى تدفع هذه الأشخاص لهذا الفعل.
أما جمعية النساء الديمقراطيات فأصدرت في مايو 2018 تقرير تحت عنوان “توا وقتو” (الآن وليس غدا، 20 برهانا من أجل المساواة في الميراث).
دراسة أخرى لا تقل أهمية صدرت في 2018 وهي “المناشير السالبة للحريات، “قانون خفي يحكم دولة القانون”. قامت بهذه الدراسة الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية يوم 19 ديسمبر 2018 تضمّن المؤلف عشرة مقالات تناولت عديد الحريات التي يقع المسّ منها والحدّ من ممارستها بموجب مناشير صادرة عن الوزراء والتي من المفترض ألاّ تمسّ بأي شكل من الأشكال من ممارسة الحقوق والحريات لكونها مجالا يختصّ القانون بتنظيمه دون غيره من القواعد القانونية.
الحراك الإجتماعي
كما أصدر المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية في سبتمبر 2018 دراسة تحت عنوان “عن الحركات الاجتماعية في تونس السياقات، الفاعلون، الأفعال، وسيناريوهات التطور المحتملة.” تأتي هذه الدراسة نتيجة لأعمال استقصائية وبحثية خاصة بالمنتدى وينقسم إلى أربعة فصول. القسم الأول يضم الجزء المفهومي النظري. حيث تم تحليل مفهوم الإحتجاجات وبعدها الإجتماعي بشكل أكاديمي. القسم الثاني يعطي نظرة تاريخية للاحتجاجات في تونس، على الأخص خلال الربع الأخير من القرن العشرين وما انقضى من القرن الواحد والعشرين. أما القسم الثالث فيركز على تسجيل أكثر ما أمكن من العناصر المكوّنة للمشهد الاحتجاجي المطلبي النضالي التونسي التونسي. فيما يحاول الفصل الرابع والأخير رسم آفاق مستقبلية للاحتجاجات من خلال طرح سيناريوهات محتملة.
ضحايا عهود الإستبداد
دراسة تعد الأولى من نوعها في تونس صدرت في 2018 تحت عنوان “أصوات الضحايا”. قام بهذه الدراسة الأستاذ حسين بوشيبة، وهو منسق حملة “ملفي أيش صار فيه يا هيئة، تضم مجموعات الضحايا وتعنى بملفاتهم الموضوعة لدى هيئة الحقيقة والكرامة، والناطق الرسمي بإسم تحالف الكرامة ورد الاعتبار، وهو تحالف يضم مجموعات وجمعيات الضحايا. ضم هذا البحث حصيلة سماعات “بوشيبه” لأكثر من ثلاثين ضحية ويهدف إلى نقل الخطاب حول ضحايا الحقبة الاستبدادية من خطاب تعاطف إلى مجال الاعتراف لهذه الفئة المناضلة بدور في صناعة تونس الجديدة.
الإنتخابات البلدية
الحدث الأبرز في تونس لعام 2018 كان الإنتخابات البلدية يوم 6 ماي 2018، وهي الأولى من نوعها في تونس بعد الثورة. نظرا لأهمية هذه الانتخابات خصوصاً فيما يخص تعزيز اللامركزية والديمقراطية الناشئة، جنّدت العديد من الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية في تونس نشطاءها وركزت نشاطاتها في سبيل مراقبة مسار العملية الانتخابية. بعد إنتهاء الإستحقاقات الإنتخابية، أصدرت العديد من الجمعيات والمنظمات تقارير مفصلة بالأرقام حول الخروقات المرصودة والإنجازات. كما تضمنت العديد من التوصيات من أجل ضمان الحد الأقصى من الشفافية والديمقراطية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتوقع عقدها في 2019. منظمة “أنا يقظ” كانت أول من عقد ندوة صحفية بعد اليوم الاستحقاقي في أوت 2018 للإعلان عن تقريرها النهائي حول تمويل الحملات الانتخابية البلدية.
- نشر هذا المقال في العدد | 14 | أبريل 2019، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي علىالرابط ادناه:
لمن القانون في تونس 2018؟
“