بيت “زغتور” كالسّهم في قلب كفرعبيدا وناشطِيها: أنانية درغام تجتاح المكان


2024-06-13    |   

بيت “زغتور” كالسّهم في قلب كفرعبيدا وناشطِيها: أنانية درغام تجتاح المكان
التحركات أمام فيلا درغام

تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة، باسم راغدة درغام، ولكن هذه المرّة ليس بصفتها الإعلاميّة، وإنّما “كمعتدية على الأملاك العامة البحريّة”، كما وصّفها عشرات المتظاهرين أمام منزلها المستحدث في كفرعبيدا في منطقة البترون، الأحد 9 حزيران 2024. 

يومها تداعى ناشطون وناشطات وعدد من أهالي المنطقة إلى وقفة احتجاجية على شاطئ البرج في كفرعبيدا، تحت شعار “الشطّ لكل الناس”، احتجاجاً على التعديات الحاصلة على الأملاك البحرية، وطلبًا لتدخّل سريع من السلطات المعنيّة لتطبيق القوانين وحماية الملك العام والولوج الحرّ إلى الشاطئ. 

وجاءت الوقفة أمام منزل درغام التي خالفت رخص البناء، كما تثبت المستندات التي حصلت عليها “المفكّرة القانونية”، وتكمن مخالفاتها التي تمسّ عموم الناس في التعدّي على الأملاك العامة البحريّة، ومنع الولوج الحرّ إلى الشاطئ و السنسول البحري المواجه لإنشاءاتها الإسمنتيّة.

وفي حين وقفت المفكّرة القانونية عند الصرخة الاحتجاجية لبعض الناشطين والأهالي، كما اتصلت  بالإعلامية درغام التي رفضت بـ “لأ” رباعيّة التحدّث إلى الإعلام، مؤكّدة أن تصريحاتها ستكون عبر القانون وأننا سنعلم بالتطورات حين توفّرها.

آخر هذه التطورات تمثّل باستدعاء عشرات الناشطين من قبل مخفر البترون، في إثر الشكوى التي قدّمتها درغام بحقهم، ومن خلال التعرّف على هوية الناشطين التي رصدت وجوههم كاميرات المراقبة وهواتف أطلّت من نوافذ وشرفات فيلّلا درغام.

ليست المرة الأولى التي يعلو فيها الصوت بوجه مخالفات درغام العديدة والمتلاحقة. فقد سبق ووثّقت المفكّرة  الكباش الحاصل يومها في ما بينها (بين درغام) وبين حملة أنقذوا شاطئ كفرعبيدا، حيث استمرّت بإنشاءاتها التي تشوه الشاطئ الصخري عبر ردمه وعبر أعمال البناء، ضاربة عرض الحائط قرارات وتوصيات الجهات المعنية في المنطقة وكذلك المنظومة القانونية التي تحمي الملك العام. 

فما هي مخالفة درغام التي استفزّت الحراك الشعبي اليوم؟ وما هي التهم التي دفع بها الناشطون الساهرون على حماية ما تبقى من الشاطئ العام في ظلّ تقاعس الجهات المعنية؟ والسؤال الأهم الذي يطرح هو: ماذا عن مسح الجيش اللبناني الذي يجري بتكليف من وزارة الأشغال العامة والنقل المشترك؟ هل يلحظ اعتداءات درغام؟ وهل ستشهد الأيام المقبلة موجة إزالة للتعديات؟ أم سيبقى بحر المساءلة هادئا ليوفّر الأجواء الإستجمامية ويتيح للسيدة درغام تحقيق نيتها الذهاب إلى شاطئ كفرعبيدا؟ “بدي روح ارتاح… رايحة لعيش هونيك .. ولأكتب كتابي وأعمل مذكّراتي أو أعمل أرشيفي.. مني عاملة منتجع” وفق ما جاء في تصريحاتها السابقة قبل زمن الصوم الإعلامي.

قطع حق الولوج الى الشاطىء عبر زراعة الصبّار

بناء على شكوى المعتدي: الدولة تستدعي “الناس” المحتجّين

بعد تحرّكهم في 9 حزيران الجاري أمام فيللّا درغام، استفاق عشرات الناشطين الذين شاركوا بالوقفة الاحتجاجية على استدعاءات من مخفر البترون. 

محمد أيوب رئيس جمعية نحن، المعنية بحماية الشاطئ والأملاك العامة والقضايا البيئية، والذي شارك في التحرّك عينه، يوضح للمفكّرة أنه تم التحقيق معه من قبل القوى الأمنية ومن ثم تُرك على ذمّة التحقيق. ويستعرض أيوب كوكتيل التهم التي واجهته خلال التحقيق، من “قدح وذم وتدمير وتكسير وبعثرة ممتلكات خاصة وتهديد للوجود”، ليستنكر ما حصل بالقول “يمكن مش سامعة درغام بحرّية التعبير وحق التظاهر وما بدّا تشوف أنها معتدية على الأملاك العامّة”. وبوجه الاستدعاء، يأتي جواب أيوب: “ما رح تقدر تسكّتنا ولا رح نوقّف نطالب بحقنا”، أما بالنسبة للقدح والذم، نحن نتكلّم عن فعل التعدّي وليس عن الفاعل، فتحرّكنا نفسه سيكون بوجه الفاعل “كائنا من كان”، ولقد أبرزنا المستندات التي توثّق تعدّيات درغام.

أما بالنسبة لتعدّي الناشطين على الملك الخاص، حيث داسوا شجيرات الصبّار التي غرستها درغام للحؤول دون الولوج إلى شاطئ البحر أمام منزلها، يحسم أيوب للمفكرة كما للتحقيق أن: “هذا ما لم يحصل أبداً، فالقوى الأمنية كانت حاضرة، بل وسمحت لنا بالمرور لأنها تعلم تماماً أن ذلك من حقنا”. وفيما خص الصبّار الذي داسه الناس في طريقهم إلى ملكهم “أي الشط”، فالمشكلة تكمن في غرسه بطريقة تعيق تطبيق القانون وحقنا المكرّس في الدخول إلى الشاطئ. 

بدورها كلارا الخوري، الناشطة في حماية الشاطئ وفي حملة عرفت بـ Save Kfaraabida ، استدعيت أيضا للتحقيق، تؤكّد للمفكّرة أن “الحملة لم تُطلق في وجه تعديات درغام، ولا تشويه سمعتها كما تدّعي الأخيرة، بل هي حملة انطلقت منذ عام 2016، نتيجة “كثرة التعديات الصارخة على شاطئ كفرعبيدا وخاصّة في السنوات الثماني الأخيرة.” وكان أول نشاط لها عند الشط المحاذي لفيللّا درغام، في وجه مرسوم كان سيتم توقيعه لردم حوالي 37 ألف متر مربع، إلا أن أسباباً عديدة حالت دون وقوع هذه المجزرة البيئية، وفق الخوري. وتؤكّد الخوري أنها والناشطين “كنا من الداعمين لحملة Save Abou Ali Beach الصيف الماضي، ومن المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية التي جالت مع وسائل الإعلام على معظم المخالفات بين تحوم وكفرعبيدا والبترون” ومن ضمنها “Villa درغام” أو “بيتها السكني الزغتور” كما تحب توصيفه في إطلالاتها الإعلامية. 

وتختم الخوري حديثها للمفكّرة التي رصدت تلك التحركات وانتصار الشاطئ: “تمكّنا يومها بجهود عدد كبير من الناشطين والأهالي من إزالة التعدّي عن بحر أبو علي ولن نسمح بأي تعديات على ملكنا، كائناً من كان المعتدي!”. 

صورة للتحرك أمام فيلا درغام

تعددت النصوص والتشريعات وتقارير الخبراء: وليت التعدي واحد

“بعدما قامت مالكة العقار رقم 298 (درغام) في كفرعبيدا بأعمال ردم وصب باطون وزراعة الأملاك العامة البحرية المتاخمة لعقارها، والذي يقع على أحد أهم الشواطئ اللبنانية من حيث أهميته الإيكولوجية”، وفق ما جاء في دعوة التحرك، تداعى أهالي كفرعبيدا والناشطون لوقفة احتجاجية، خاصة و”أن التعديات قد طالت أكثر من 80 % من الشط، وأنّ السلطات المعنية التي سبق وتبلّغت لم تتحرك، رغم قطع تواصل الشاطئ وتهديد الحياة البحرية والنظم الإيكولوجية” وفق ما تناقله المحتجّون، مندّدين بمخالفة السلطات المعنية لـكل من الأطر القانونية المتمثلة بـ: 

-القرار 144/ 1925

-المرسوم رقم 4810 الصادر سنة 1966

-بروتوكول مدريد لحماية المناطق الساحلية الموقّع من الدولة اللبنانية سنة 2008 والذي أصبح نافذا سنة 2017

-الهدف 14 من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 الصادرة عن الأمم المتحدة. 

صورة توضح مخالفات البناء

ماذا عن سلطة الوصاية وشاطئ الاستثناءات

وبالعودة إلى منزل درغام عند الشاطئ، فالمخالفات بحسب ما حصلت عليه المفكّرة من مستندات من الجمعية البيئية “نحن” وبلدية كفرعبيدا وقائمّقامية البترون ووزارة الأشغال والنقل والتنظيم المدني ومجلس شورى الدولة وتقارير الخبراء، تشير وبكل وضوح إلى أن الواقع الذي فرضته درغام على العقار 298 في منطقة كفرعبيدا – البترون، فيه من المخالفات ما يكفي لتبرير هذا الغضب والاحتجاج الشعبي. 

نبدأ بارتفاعات الطوابق المخالفة للترخيص، الذي يسمح لها ببناء طابقين، في الوقت الذي نفّذت فيه أربعة طوابق لغاية الآن، إضافة إلى التلاعب في “شقلات” الأرض الطبيعية وتسجيلها أعلى من الواقع. كما وإقامة تصوينة وصبّ باطون ضمن التراجع عن الأملاك العامة البحرية في الوقت الذي يمنع القانون إقامة أي إنشاءات ضمن هذا التراجع. 

فالتنظيم المدني واضح تحديداً في الشروط الخاصة لأقسام من الشواطئ الشمالية في المناطق والتي تذكر كفرعبيدا العقارية، في منع أي إنشاءات ضمن التراجع عن الأملاك البحرية بما فيها برك السباحة والبرغولا وغيرها..

كما أن قانون البيئة رقم 444/2002 يمنع حجب البحر عن النظر ويحفظ مبدأ وحدة الشاطئ والولوج الحرّ إليه. أما في حالة درغام، قد قامت بإنشاء حائط دعم وتصوينة وزراعة الصبّار لحجب النظر ومنع الوصول إلى الشاطئ. 

وفي الوقت الذي لا يجب أن يزيد ارتفاع البناء عن خمسة أمتار عن مستوى الطريق العام الساحلي القديم، تخطّى البناء الحالي الإرتفاع القانوني، هذا من دون احتساب ثكنة القرميد التي لم تنفّذ بعد. علما أن هذا الارتفاع غير القانوني، جاء محمياً بطلب استثناء تقدّمت فيه راغدة درغام وحازت عليه في أول آب 2022، حيث يسمح لها ببناء 7.40 متر إضافة إلى ثكنة قرميد تصل الى ثلاثة أمتار، أي ما مجموعه 10.40 متر. في الوقت الذي يحدد النظام المعتمد 5 أمتار فقط. إلا أن درغام التي طبّقت الاستثناء خالفت قواعد الرخصة وأبسط مثال هو مخالفتها بزيادة طابقين على الأقل. 

يسجّل بتاريخ 8 حزيران 2023، أن توجّهت وزارة الأشغال والنقل العام بكتاب إلى وزارة الداخلية والبلديات لاتخاذ الإجراءات الفوريّة لوقف الأعمال في تنفيذ رخصة البناء على عقار درغام لمخالفته أنظمة التنظيم المدني. إلا أن درغام لم تستسلم بل حاولت من جديد الاستفادة من سياسية الاستثناءات التي تكاد تصبح هي القاعدة. 

فما كان على مانح الاستثناء الأول، المجلس الأعلى للتنظيم المدني، تطبيقا للقانون أولاً، وبعد الاحتجاجات المنددة، وتوثيق مخالفات درغام والقرارات الصادرة بحقها من قبل السلطات المحلية والمعنية، سوى رفض طلب الاستثناء الآخر المقدّم من درغام، بتاريخ 20 تموز 2023، والتي كانت تسعى من خلاله لاستصدار استثناء على الإستثناء، لأنها تجاوزت السبعة أمتار. 

لجأت درغام إلى مجلس شورى الدولة لتواجه وزارة الأشغال وتحديداً المجلس الأعلى للتنظيم المدني الذي أوقفها عن البناء، ورفض تجاوز الارتفاع، وإزالة المخالفات ضمن التراجع وعدم موافقته على السفلي المكشوف مع طلب وجوب ردمه. 

وقد جاء قرار مجلس شورى الدولة الصادر بتاريخ 20 شباط 2024، شبيها إلى حد كبير بتقارير الخبراء والمهندسين، ونذكر منهم تقرير المهندس مارون شكور في أيار 2023 والذي أثبت فيه وجود عدة مخالفات وأعمال غير قانونية لم تلحظ في خرائط الرخصة ولم يكن هناك أي تقيّد بالشروط الخاصة لنظام المنطقة وأنظمة البناء.

وقد سطّر قرار مجلس شورى الدولة طلب إزالة تسوية الأرض وإزالة الدرج والممر من تراجع الأملاك البحرية واسترجاع الأرض الطبيعية قبل البدء بالبناء، إزالة الحائط على حدود العقار جهة البحر، إزالة الغرفة التقنية في السفلي وإزالة قسم من الريغارات وحائط المسبح، تخفيض علّو التصوينة على حدود الطريق واحترام جسم البناء لجهة التراجع عن الأملاك البحرية. ويشير مجلس شورى الدولة أنه بعد إزالة المخالفات والتعديات وتطبيق التعديلات المذكورة، يصبح البناء يحترم شروط المرسوم 72/ 3362، كما يحترم الشروط الخاصة لأقسام من الشواطئ الشمالية في المناطق.

للوقوف عند موقف واجراءات الوزارة من كل ما يحدث اليوم من تعديات واحتجاجات، اتصلت المفكرّة بمدير عام وزارة الأشغال العامة والنقل الدكتور أحمد تامر، الذي أكّد أن الوزارة لن تقبل بأي تعدّ على الأملاك العامة وطالب الناشطين بإرسال كل ملاحظاتهم ليتم متابعتها مع كل المعنيين. 

وفي هذا السياق، نشير إلى الشكوى التي سجّلتها جمعية “نحن” في قلم بلديّة “كفرعبيدا” بتاريخ 10 حزيران 2024، أي في اليوم التالي للاحتجاج، على قاب قوسين من الاستدعاءات التي انهالت على الناشطين المحتجين. 

أبعد من هذه الحالة “النموذج”، من الجدير تسليط الضوء على سياسة الاستثناءات التي ينتهجها المجلس الأعلى للتنظيم المدني، مطيحاً بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء والكفيلة بصون الأملاك العامة. حيث يؤكد استديو أشغال عامة في مقال نشره بأن:” “قرارات الاستثناء هذه ما هي إلّا إخفاق في عملية التنظيم المدني، حيث أصبح منطق “الاستثناء عن القانون” أداةً تخطيطية رئيسية فقد حوّلت ممارسة المجلس الأعلى هذه، دور المجلس إلى البحث عن مبرّرات لخروج مالكي الأراضي المتموّلين والنافذين عن الأنظمة التي تحمي الملك العام والموارد الطبيعية، حيث يتم أيضاً تجاهل الخطة الشاملة لترتيب الأراضي، كما هو الحال في كفرعبيدا.” 

صورة منشورة على صفحة save abu ali على منصة أكس

منع الولوج إلى الشاطئ: جريمة تصل غرامتها إلى 35 ألف د.أ

وبالعودة إلى لغة القانون ونصوصه، فإن من شأن منع الولوج الحرّ إلى الشاطئ أن يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون. وهذا ما أكده بشكل خاص قانون الموازنة العامة للعام 2024، رقم 324 الصادر بتاريخ 15 شباط 2024، الذي عمد إلى فرض غرامات على مخالفة مبدأ الولوج إلى الشواطئ ومخالفة المراسيم التنظيمية لهذا المبدأ. وقد جاء بحرفية نصّ المادة 45 من القانون المذكور أنّه: “خلافا لأي نص آخر يعاقب بالغرامة من 10,000 إلى 35,000$ أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان، كل مرخص له بإشغال أملاك عمومية بحرية أو من استفاد من أحكام المادة 11 من القانون 64/ 2017، وكذلك أي شخص آخر، خالف أو يخالف: مبدأ ولوج الشاطئ عبر الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية إلى الشاطئ البحري أو البحر، عن طريق فرض تدبير مباشر أو غير مباشر أو عن طريق وضع أو إنشاء أي حاجز مادي..” ورغم أن بعض الكتل (كتلة الجمهورية القوية) طعنتْ في هذه المادة، فإن المجلس الدستوري أكد على دستوريتها. 

كثر هم الذين تنطبق عليهم أحكام هذه المادة، ويكادون يفترشون الشاطئ اللبناني من أقصى جنوبه إلى شماله. ولكن، من سوء حظ درغام، بدتْ مخالفتها فاقعة مقارنة بالممر الذي خصصه مالكو العقار 22 المجاور بهدف تمكين العامة من ولوج شاطئ أبو علي بحرية. وقد أفادت المهندسة والناشطة هلا يونس أن هؤلاء تعمدوا إنشاء هذا الممرّ بعدما تبين أن مجمل مالكي العقارات المجاورة قطعوا أي سبيل إلى هذا الشاطئ الذي بات تبعا لذلك شبه محاصر. 

فيديو يوثق تعديات ومخالفات درغام ضمن التراجع عن الأملاك البحرية
انشر المقال



متوفر من خلال:

تحقيقات ، أملاك عامة ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني