الناطق الرسمي لحركة نداء تونس للمفكرة القانونية: التمايز الإيديولوجي لن يؤثر في الناخب وعلينا تعديل قانون الانتخاب لتكوين حكومة منسجمة


2018-10-09    |   

الناطق الرسمي لحركة نداء تونس للمفكرة القانونية: التمايز الإيديولوجي لن يؤثر في الناخب وعلينا تعديل قانون الانتخاب لتكوين حكومة منسجمة

منذ ما قبل الثورة، عُرف خالد شوكات بحنكته وتمرّسه السياسي. اليوم، بالإضافة إلى كونه الناطق الرسمي لحركة نداء تونس، فهو كاتب وباحث متخصص في الإسلام السياسي. كان آخر ما كتبه حول هذا الموضوع كتاب يحمل عنوان “حكم الترويكا .. أو شوكيّات زمن النهضة” في 2014، وهو الذي كان منخرطاً في صفوف الحركة الإسلامية منذ سنيه الجامعية الأولى عندما إنضم إلى الإتحاد العام التونسي للطلبة، وهو التيار الطلابي لحركة النهضة الإسلامية. في ظل جدل المساواة والحريات الفردية في تونس، كان للمفكرة القانونية هذا اللقاء مع أ. خالد شوكات كمحاولة فهم حركة نداء تونس اليوم وفهم موقفها من خصمها السياسي حركة النهضة.

المفكرة القانونية: حزب نداء تونس هو خليط من التيارات الفكرية، بورقيبي ويساري ونقابي وليبرالي. ما هي الرؤية التي توحد كل هذه التيارات؟

خالد شوكات: نشأت حركة نداء تونس خلال حكم الترويكا. ظرفية نشوئها جعل شعارها السياسي في 2012 حتى عام 2014 معارضة حركة النهضة الإسلامية باعتبارها الحزب الحاكم الرئيسي في ذلك الوقت. لكن حركة نداء تونس لم تتأسس على قاعدة “الضدية” بل المعارضة. وهذه التيارات المختلفة تشكّل حركة نداء تونس التى نؤمن أنها إمتداد للحركة الوطنية التونسية. عموما، هناك أربع عائلات سياسية في البلاد العربية، حركات الإسلام السياسي، الحركات اليسارية، والحركات القومية العربية، ونأتي أخيراً الحركات الوطنية. حركة نداء تونس تحمل نفس خصائص الحركة الوطنية التي تأسس حزبها الأول عام 1920، ثم تتالت الأحزاب لتصل إلى حركة نداء تونس. الأحزاب الوطنية عادة تتجاوز البرامج الاقتصادية والاجتماعية وتتميز عادة بالتنوع الوسطي بين أعضائها.

المفكرة: يقابل هذا البعد الوطني الإصلاحي لحركة نداء تونس والذي يعبر عن جزء من الهوية التونسية، بعد آخر تتبناه حركة النهضة الإسلامية والذي يعبّر هو أيضاً عن جزء مهم من هوية المجتمع التونسي، ما تعليقكم على ذلك؟

خالد شوكات: في الواقع، ما يجعل حركة نداء تونس تختلف عن غيرها من الحركات هو أنها، مثلها مثل الأحزاب الوطنية، تجعل من مصلحة بلدها أولوية دائما. نحن دائما نقول: “تونس أولاً”. وعندما قررنا نحن في نداء تونس التوافق مع حركة النهضة، كان هدفنا حماية البلد من التشنج والصراعات، خصوصاً أننا كنا محاطين بدول فيها نزاعات أهلية وعودة لحكم قمعي استبدادي. وقتها، كنا حريصين على عدم دفع البلاد نحو أزمة أو حالة إقصاء، رغم أننا كنا مدركين أن توافقنا مع النهضة سيسبب للنداء خسائر انتخابية. حيث أن نسبة كبيرة من خزاننا الإنتخابي كان معترضاً على هذا التوافق. أذكر ما قاله الرئيس الباجي ذات مرة أن النداء والنهضة خطان متوازيان لا يلتقيان. لا يمكن إنكار أن التوافق مع النهضة ضَمِن لتونس أربع سنوات من الاستقرار السياسي الذي أعاننا على إستكمال المسار الديمقراطي في تونس.

المفكرة: هل تحظى النهضة اليوم بالنسبة الأكبر من القبول الشعبي؟ خصوصاً في ظل الفوز الذي حققته في الإنتخابات البلدية في مايو 2018؟

خالد شوكات: أنا لا أعتقد أن النهضة تملك الشارع اليوم. للإتحاد العام التونسي للشغل إتصال وتواصل مع الشارع التونسي ربما يفوق ما تملكه حركة النهضة. هناك الجماعات التي تتطور وتنمو اليوم في تونس وهي مناهضة للنظام الحاكم ولكل الأحزاب الحاكمة وتعبر عن ذلك خلال تحركاتها الإحتجاجية الشعبية. لا أعتقد أن الإنتخابات البلدية الأخيرة تمنح النهضة صفة الأغلبية في الشارع. أثبتت الإنتخابات البلدية أن المنظومة الحزبية في تونس عامةً قد خسرت ما لا يقل عن حوالي المليونين أو ثلاثة ملايين ناخب. حوالي المليون و800 ألف هم من توجهوا للصناديق يوم 6 مايو 2018. لم يكن للنهضة منهم إلا 4050 ألف تقريبا. حركة النهضة، باعتبارها جماعة دينية، كان لديها جمهور ثابت ونواة تعد صلبة استطاعت تجيّشها في الاستحقاقات البلدية. ولكن نحن أيضاً في نداء تونس لدينا جمهورنا الثابت ومن هنا أقول أن ليس هناك متحكم واحد في الشارع التونسي.

المفكرة: اليوم، أين هو التوافق بين حركة نداء تونس وحركة النهضة؟

خالد شوكات: قال الرئيس الباجي في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أن النهضة غسلت يدها من الباجي، مشيراً إلى رغبة النهضة إنهاء سياسة التوافق التى قامت عليها علاقتها مع نداء تونس منذ عام 2013. في حال وجود نية حقيقية لإنهاء سياسة التوافق قبل الإستحقاقات الإنتخابية القادمة في 2019، فأنا أعتقد، بالنسبة لحركة النداء، أن القطيعة لن تتمحور حول نقطة التمايز الإيديولوجي. أنا لا أعتقد أن الناخب التونسي سيأخذ على محمل الجد موضوع التمايز الإيديولوجي. هذا التمايز أيضاً لن يكون له الأثر نفسه في نفوس التونسيين كما كان قبل أربع سنوات. فتركيز الناخب التونسي يصب اليوم على فعالية الأداء الحكومي. لذلك نذهب نحن اليوم في نداء تونس نحو تحميل حركة النهضة مسؤولية الفشل الحكومي. تمسك النهضة بالشاهد يعني تمسكها بالأداء الحكومي السيئ وبالتالي يجب أن تتحمل النهضة صراحة وبشكل واضح نتيجة هذا القرار.

المفكرة: في حال لم تقم الإستحقاقات الإنتخابية في 2019 على أساس توافقي كما سابقاتها وبالرغم من ذلك قُدّر الفوز لحركة النهضة في هذه الإنتخابات هل يمكن للإسلام السياسي أن يحكم منفرداً في تونس برأيكم؟

خالد شوكات: لا أعتقد أن هذا التيار قادر أن يحكم بمفرده في تونس أو أي دولة عربية. عملية الإئتلاف أو التوافق أصبحت أيضاً صعبة على حركة النهضة اليوم. تجربتها الإئتلافية أظهرت بأن أي حزب يضع يده في يدها حتماً سيخسر الكثير بل وسينتهي نهاية حزينة. وهم أنفسهم أكدوا ذلك من خلال ممارستهم السياسية والذي نعيشه اليوم من انقسامات وانشقاقات سياسية. لذلك يجب تغيّر القانون الإنتخابي التونسي بآخر قادر على منح الحياة السياسية حالة من الاستقرار والثبات، لإفراز خريطة حزبية واضحة ومتينة تستطيع تشكيل حكومة ثابتة وقادرة على الإستمرار. فالقانون الحالي هشّم المشهد الحزبي وجعل الحكومات ائتلافية غير منسجمة لا فكرياً ولا إيديولوجياً وهشّة. استمرارنا عليه سيعيدنا بعد انتخابات 2019 لنفس المأزق الذي وجدنا عليه أنفسنا في 2014.

المفكرة: يقابل الفكر الإصلاحي لنداء تونس خطاب تجديدي تقدمي من قبل حركة النهضة، ما تعليقكم؟

يأخذنا هذا السؤال إلى ما سبق وذكرته عن إرتباط حزب نداء تونس بأهداف الحركة الإصلاحية التونسية. هذه الحركة التى تكبدت منذ القرن ال19 الكثير من المعاناة من جراء نزعتها الإصلاحية. هنا اختلافنا مع النهضة أو ما يعرف بتيار الإسلام السياسي. هم يريدون العودة بالأمة إلى ما كانت عليه من الدين. أما الحركة الإصلاحية فتؤمن بالتجديد الديني. نداء تونس اليوم تحاول مواصلة هذا التراث الإصلاحي.

في الواقع، الحدود بين التيارات السياسية الكبرى ليست جامدة خصوصا في ظل عيشهم في نفس البلطقة وتفاعلهم بين بعضهم البعض. قلت لحركة النهضة قبل الثورة أنهم بورقيبيون رغم نشأتهم على فكر معارض لبورقيبة، بدليل أن ليس منهم من تجرأ بالزواج بثانية إلا سراً. تفاعل حركة النهضة مع حركة نداء تونس جَدَدَ خطاب الإسلام السياسي في تونس. ولأن مشروع نداء تونس مشروع وطني، لا يمكن أن نكمله إلا عبر التشارك مع كل التيارات. لذلك عملنا على أن يكون الإسلاميون متجذرين في بيئتنا التونسية. وبالمقابل تتبنى نداء تونس الإسلام المتنور كجزء أساسي من رؤية الحركة.

المفكرة: لكن لم نجد من ضمن أعضاء لجنة المساواة والحريات الفردية التى شكلها الرئيس الباجي في 13 أوت 2017، علماء في مجال الفقه للعمل على تقديم مقترحات حقوقية من ضمن المنظومة الفقهية ومن داخل الإطار الإسلامي.

خالد شوكات: الزيتونة ليست مؤسسة على شكل الأزهر في مصر. فهي ليست مدرسة أو جامعة دينية تخرج مُعمَمين. كما ليس هناك مشايخ بالمعنى السائد في العالم العربي والإسلامي في تونس. هناك شخصيات علمية زيتونية وقع الاستئناس برأيها خلال عمل اللجنة. وفي نهاية الأمر، كتبت اللجنة تقريراً وليس قانوناً. حتى أن الرئيس لم يعتمده في كليته في خطابه يوم 13 أوت 2018، بل إختار ما يستكمل به مشروعه الإصلاحي، مركزاً على موضوع المساواة في الإرث. كما وأن مقترح القانون الإختياري في المساواة في الإرث هو مجرد عنوان. حيث أن الرئيس الباجي لم يبلور مشروعه على أساس التقرير حتى الآن. بالتأكيد عندما سيعمل على بلورته سيأخذ بعين الإعتبار أمورا أخرى شملها التقرير.

لا يمكن لأحد إنكار وجود نزعة غوغائية في الشارع التونسي اليوم حول تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة. هذه النزعة تزعم تمثيلها للمؤسسة الدينية وهذا غير صحيح. من المفترض أن يكون لهؤلاء الناس من يمثلهم في البرلمان. وقتها سيتم الدفاع عن رأيهم في ظل هذه المؤسسة. وأنا أعتقد أن هناك ورشتين تركهما الرسول بعد وفاته. هناك ورشة الرق وورشة المرأة. وأعطى عليه السلام فيهما إشارات تحفيزية بالاتجاه الإيجابي للتطوير والتحسين وزيادة الحقوق. إن كنا التزمنا بحرفية النص القرآني وقتها لما كنا حررنا العبيد مثلا.

صراحة، داخل النداء هناك اختلافات فيما يخص تقرير اللجنة ومقترح المساواة الإختيارية في الإرث. نحن حزب كبير متنوع. كما أن حركة النهضة ليست على قلب رجل واحد فيما يخص التقرير والمقترح، في نداء تونس هناك محافظون رافضون لتغيير الشريعة وإقرار المساواة الكاملة بين الجنسين، كما هناك تقدميون.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني