الحريري يقترح تعديل الدستور لرفع الحصانات: مناورة احتيالية ثالثة لعرقلة التحقيق في مجزرة المرفأ 


2021-07-28    |   

الحريري يقترح تعديل الدستور لرفع الحصانات: مناورة احتيالية ثالثة لعرقلة التحقيق في مجزرة المرفأ 
سعد الحريري (دالاتي ونهرا)

عقد رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري في 27/7/2021 مؤتمرًا صحافيًا لشرح موقف كتلته من مسار التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت، محاولًا الرد على الهجوم الذي طاله وأعضاء كتلته عقب توقيعهم على العريضة النيابية المطالبة بإحالة الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وفيما يُشبه الهروب إلى الأمام، أعلن الحريري عن تقديم كتلته اقتراحا يقضي بـ “تعليق كل المواد القانونية التي توفر الحصانات لرئيس الجمهورية ورؤساء الحكومات والنواب ‏والوزراء وحتى المحامين” بما يتيح الادعاء عليهم في ملف انفجار مرفأ بيروت. وبموجب هذا الاقتراح، وإضافة إلى تعليق العمل بمواد بعض القوانين كقانون الموظفين وتنظيم مهنة المحاماة وأصول المحاكمات الجزائية، فهو يقترح تعليق العمل بالمواد 40 – 60 – 61 – 70 – 71 – 72 و80. فما مدى واقعية طرح الحريري وإمكانية تطبيقه بسرعة لعدم التشويش على مسار التحقيق وعرقلته؟ والأهم ما هو أثره على طلبات رفع الحصانة عن النواب الثلاثة المشتبه بهم والموجهة من المحقق العدلي طارق بيطار؟ 

وبمعزل عن مدى صدقية مبادرة الحريري إلى تعديل دستوري للمواد المذكورة أعلاه ومدى قابلية قبولها في الظروف الحاضرة، فإننا سنبين أدناه الخطوات التي يتطلبها هذا التعديل والتي تبين بحد ذاتها مدى صعوبته والتعقيدات فيه. كما نتبين منها أن مجرد تقديم هذا الاقتراح هي مناورة احتيالية جديدة لعرقلة النظر في طلبات رفع الحصانات وتاليا عرقلة التحقيق في قضية مجزرة المرفأ. فالمطلوب هو المبادرة إلى رفع الحصانة وليس عرقلتها من خلال مقترحات يعرف مقدموها استحالة إقرارها ضمن مهل معقولة. 

العائق الأول: لا يتم النظر في الاقتراح قبل تشرين الأول

یحقّ لمجلس النواب خلال عقد عادي وبناء على اقتراح عشرة من أعضائه على الأقل أن یبديَ اقتراحه بأكثریة الثلثین من مجموع الأعضاء الذین یتألف منهم المجلس قانونا بإعادة النظر في الدستور (المادة 77 من الدستور). ولا ينعقد المجلس عقدًا عاديًا إلّا في دورتين سنويًا، تكون الأولى بين یوم الثلاثاء الذي یلي 15 آذار وتتوالى جلساته حتى نهایة شهر أیار، أما دورة الانعقاد الثانية فهي تبدأ من یوم الثلاثاء الذي یلي 15 تشرین الأول وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصویت علیها قبل أيّ عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة.

وعليه، بأحسن الأحوال، لا يُمكن النظر في الاقتراح المذكور إلا ابتداءً من 19 تشرين الأول المقبل، علما أن المادة 32 من الدستور تمنع البحث في هذا العقد في أي موضوع سوى قانون الموازنة حتى إقراره ما سيؤجل البحث في هذا الاقتراح لمدة أطول.

وعليه، فإن مجرد مناقشة هذا الاقتراح لا يمكن أن تحصل قبل مدة ثلاثة أشهر من الآن.

العائق الثاني: لا يُقبل اقتراح الحريري إلا بموافقة ثلثي مجلس النواب

فضلا عن ذلك، إن تحويل اقتراح عشرة نواب إلى اقتراح للمجلس النيابي وإرساله للحكومة يتطلب توفر ثلثي النواب، وهو أمر مستعصٍ جدا في ظل التناحر السياسي القائم حاليا، وهو يفتح الباب لجميع أنواع المساومات والفيتوات. 

العائق الثالث: اقتراح يحتاج إلى موافقة حكومة عاملة وليس حكومة تصريف أعمال

العائق الثالث يتمثل في وجوب عرض الاقتراح الذي وافق عليه ثلثا مجلس النواب على الحكومة. وعليه، يجب أن يبلغه رئیس مجلس النواب إلى الحكومة طالبًا منها أن تضع مشروع قانون في شأنه. فإذا وافقت الحكومة المجلس على اقتراحه بأكثرية الثلثين وجب عليها أن تضع مشروع التعدیل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر (المادة 77 من الدستور).

كما هو معلوم، لا توجد حكومة حاليًا، وهي الممر الإلزامي كما هو مذكور في المادة 77 لأي تعديل دستوري. فإذا لم تتألف حكومة، لا يُمكن بأي شكل من الأشكال وصول مشروع التعديل الدستوري إلى مجلس النواب للبت به أصلًا، حيث أنّ تعديل الدستور يخرج عن مهمة تصريف الأعمال المنوطة بحكومة حسان دياب الحالية. 

العائق الرابع: اقتراح يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء

ما يزيد من إمكانية عدم حصول التعديل هو أنّ أكثرية الثلثين مطلوبة في الحكومة للموافقة على المشروع وهو أمر صعب المنال وفق التوازنات السياسية ومواقف كل منها في ما خص هذه القضية.

وفي حالة عدم تأمين الثلثين، أي إذا لم توافق الحكومة على الاقتراح، فعليها أن تعيد القرار إلى المجلس لیدرسه ثانية، فإذا أصر المجلس علیه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئیس الجمهوریة حينئذ إما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حله وإجراء انتخابات جديدة في خلال ثلاثة أشهر، فإذا أصر المجلس الجديد على وجوب التعدیل وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل في مدة أربعة أشهر.

 هذه العملية وبغض النظر عن استحالة تحققها نظرًا لتطلّبها لإرادة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، أي 96 نائبًا من أصل 118 باقون فيه، وبغض النظر عن تعقيداتها واستحالتها لجهة حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات، فهي قد تأخذ أكثر من سنة للانتهاء منها وهو ما يعني المماطلة والتسويف، وما يعني تجاوز مدة ولاية المجلس الحالي أصلًا. 

العائق الخامس: لمجلس الوزراء أن ينظر في الاقتراح خلال 4 أشهر من إبلاغه 

فضلًا عن ذلك، يمنح الدستور مهلةً طويلةً (4 أشهر) للحكومة قد تستخدمها بأكملها في حال كانت النية هي المماطلة أكثر في التحقيق، وهو ما يتبدّى من مناورات القوى السياسية على اختلافها في الأسابيع الأخيرة.

العائق السادس: تعديل يتطلب ثلثي مجلس النواب

في حال تخطّي المشروع لكل هذه العقبات، سيجد عقبةً جديدة أمامه في المجلس النيابي. فعندما یُطرح على المجلس النيابي مشروع يتعلق بتعديل الدستور لا یمكنه أن یبحث فیه أو أن یصوت علیه ما لم تلتئم أكثرية مؤلفة من ثلثي الأعضاء الذین یؤلفون المجلس قانوناً ویجب أن یكون التصویت بالغالبیة نفسها (المادة 79 من الدستور). وأكثرية الثلثين هذه يُصعب تأمينها في ظروف عادية، فكيف بمجلس منقوص من 10 من أعضائه أصلًا.

خلاصة

ثمة عوائق كبرى أمام أي تعديل دستوري يستشف منها أنه لا يمكن بدء أي إجراء لتعديل الدستور قبل منتصف تشرين الأول 2021 وأنه لا يمكن إكمال مسار أي تعديل من دون حكومة فعلية وأن الموافقة على التعديل تتطلب موافقة غالبية كبرى من القوى السياسية، وأن مهلا طويلة معطاة لمختلف الاجراءات. ويرجح تاليا وعلى فرض حصول توافق سياسي أن لا يتمكن مجلس النواب من النظر في التعديل قبل انتهاء ولايته. من البديهي في ظل ذلك القول أن مجرد تقديم هذا الاقتراح يشكل مناورة احتيالية لعرقلة النظر في طلبات رفع الحصانة وجعلها شبه مستحيلة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، البرلمان ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، استقلال القضاء ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني