“البطاقة التمويلية”: التمويل موجود نظرياً وعملياً غير موجود


2021-11-07    |   

“البطاقة التمويلية”: التمويل موجود نظرياً وعملياً غير موجود
رسم رائد شرف

قبل شهرين تقريباً أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال البطاقة التمويلية معلنةً أنّ تقديم الطلبات لهذه البطاقة يمتدّ من 15 أيلول إلى 15 تشرين الأوّل ليتاح للمواطنين بعدها وفي مهلة قصيرة البدء بالاستفادة الفعلية من هذه البطاقة، انطلاقاً من أنّ تمويلها متوافر وآليات التسجيل والتوزيع باتت جاهزة. ذهبت حكومة تصريف الأعمال، وشكّلت حكومة جديدة، انتهى تشرين الأوّل، والأزمة المعيشية تستفحل، ولا بطاقة أطلقت ولا حتى منصّة، ويبدو أنّ لا بطاقة ستطلق أقلّه خلال الأشهر المقبلة.

بطاقة تمويلية من دون تمويل 

منذ بداية الحديث عن إطلاق البطاقة التمويلية في حكومة حسان دياب ومصادر تمويلها لم تكن واضحة، وعلى الرغم من التوتّر الحاصل بين وزارتي الشؤون السابقة والحالية إذ تصرّ الأولى على أنّ البطاقة كانت حاضرة وأنّ المعايير وآلية التطبيق كلّها كانت جاهزة في حين تؤكّد الوزارة الحالية أنّ الأمور لم تكن مكتملة وأنّها خلال مدّة قياسية أنهت الجزء المتعلّق بآلية التطبيق والتفاصيل اللوجستية، تنحو الوزارتان إلى الحديث عن تمويل البطاقة بالطريقة نفسها والتي يستنتج منها أنّ التمويل موجود نظرياً وغير موجود عملياً.

وقد أوضح وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار في مؤتمر صحافي قبل أيّام خصّصه لعرض المشاريع التي عمل عليها منذ اليوم الأوّل لتولّيه مهامه في الوزارة في 10 تشرين الأوّل، أنّ الجهات المانحة  والمقرضة تشترط لمنح الدولة اللبنانية الأموال اللازمة لإطلاق البطاقة التمويلية، البدء بتنفيذ “المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية في لبنان” أو الـ ESSN واستكمال العمل بالبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، وأن يثبت المعنيّون شفافيّتهم في تنفيذ هذين المشروعين.

وليس بعيداً، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السابقة أعلنت أنّ “التمويل موجود” وأنّه تمّ رصد حوالي 565 مليون دولار لهذه البطاقة تموّل حصّة منها من أموال صندوق النقد الدولي ضمن حقوق السحب، وحصة أخرى عن طريق قروض من البنك الدولي كانت مخصّصة لغايات أخرى. وعاد بعدها وزير الشؤون الاجتماعية السابق رمزي مشرفية ليقول في حديث تلفزيوني إنّ “تمويل البطاقة من موازنة 2021 ووزير المال السابق غازي وزني كان تواصل مع البنك الدولي لتحويل قرض مشروع النقل العام الذي يحتاج إلى 5 سنوات على الأقلّ لإنجازه، إلى البطاقة التمويلية”، مضيفاً أنّه يمكن “الاستعانة بموازنة 2022 وبالتالي التمويل موجود”.

وهنا يجدر التوضيح بأنّ هناك 3 بطاقات (مشاريع) في وزارة الشؤون الاجتماعية تهدف إلى مساعدة اللبنانيين، وهي: أولاً: المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد 19 في لبنان أو ESSN وهو المموّل بموجب قرض بقيمة 246 مليون دولار حصل عليه لبنان بموجب اتفاقية مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير صادق عليها مجلس النواب في جلسة عقدت في 2021/3/12 ولم ينّفذ حتى اليوم بسبب إجراء لبنان تعديلات من طرف واحد على الاتفاقية احتاجت إعادة التفاوض مع البنك وهي حالياً بحاجة إلى إقرارها في مجلس النواب. ثانياً: البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً أو NPTP وهو مطبّق منذ 11 سنة في لبنان وتعمل الوزارة على زيادة عدد المستفيدين منه. ثالثاً: البطاقة التمويلية أو BCCT التي لا تزال تنتظر التمويل المشروط بتنفيذ المشروعين الأوّلين بشفافية.

إطلاق منصّة لـ”سمك بالماء”

على الرّغم من أنّ التمويل لا يزال غير متوافر، أقلّه حالياً، أعلن حجّار أنّ  كلّ التحضيرات اللوجستية انتهت لإطلاق المنصّة المخصّصة لتسجيل الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على البطاقة، وأنّ المواطنين يمكنهم البدء بالتسجيل بحلول 8 تشرين الثاني الحالي، بعد أن عملت وزارته “على إزالة الإرباك الأمني بين منصة impact ووزارة الداخلية والبلديات”. ولكنّه ربط الانطلاقة الفعلية بإقرار مجلس النوّاب التعديلات التي  التي طرأت على لمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي (القانون رقم 219/2021) وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يحصل في جلسة مجلس النواب الماضية التي رفعت في 28/10/2021  بسبب عدم اكتمال النصاب.

وناشد حجّار رئيس مجلس النوّاب نبيه بري أن يعيّن جلسة لمناقشة هذه التعديلات وإقرارها في أسرع وقت ممكن لما في ذلك من منفعة للشعب اللبناني.

التمويل متوافر لـ 160 ألف أسرة فقط

وبعيداً من أنّ موضوع عقد جلسة نيابية تحول دونه في الوقت الحالي خلافات سياسية حادة، فإقرار تعديلات القانون 219 يعني فقط البدء بإعطاء مساعدات لحوالي 160 ألف عائلة لبنانية من الأسر الأكثر فقراً، إذ إنّ هذا القانون متعلّق فقط  بتنفيذ مشروع ESSN، أيّ انّه سيتم اختيار هذا العدد فقط من الأسر التي تقدّم على المنصّة للاستفادة، لأنّ أموال هذا المشروع موجودة، فيما سينتظر الباقون أي حولي 500 ألف أسرة حصول الدولة اللبنانية على تمويل لكي يستفيدوا من البطاقة التمويلية.

ويشار هنا إلى أنّ وزارة الشؤون كانت أعلنت أنّ هناك حوالي 750 ألف أسرة تحتاج إلى مساعدة في لبنان انطلاقاً من دراسات لمنظمة العمل الدولية ودائرة الإحصاء المركزي في لبنان توصّلت إلى نتيجة مفادها أنّ 74% من كلّ من يتقاضى دخلاً في لبنان بحاجة للمساعدة، فقرّرت الوزارة إعطاء البطاقة التمويلية لـ 500 ألف أسرة على أن تستستفيد الـ 250 ألف أسرة المتبقية من برامج دعم أخرى منها مشروع شبكة الأمان أي ESSN.

ومن المقرّر وفي حال المضي بالبطاقة التمويلية أن يحصل كلّ فرد من الأسر المستفيدة على 25 دولاراً ولمدّة عام على شكل دولار طازج أو ما يعادل قيمتها على أساس سعر الصرف بالسوق الموازية وقت الدفع، مع اشتراط حد أقصى للأفراد المستفيدين في الأسرة الواحدة وهو 5 أفراد (الحد الأقصى للأسرة الواحدة 126 دولاراً شهرياً) بالإضافة إلى 15 دولاراً لكلّ أسرة تضمّ مسنّاً تجاوز الـ64 عاماً.

تأجيل البطاقة رشوة للإنتخابات!

يرى الكثير من المتابعين أنّ التأجيل والمماطلة التي حصلت في موضوع إطلاق البطاقة التمويلية والتي كانت يجب أن تكون متلازمة مع رفع الدعم، يهدف إلى استغلالها لمصالح انتخابية إلّا أنّ حجّار شدّد على أنّ هذا الأمر غير ممكن حتى تقنياً إذ إنّ اختيار العائلات المستفيدة تلقائياً بواسطة المنصة ولا يوجد فيه أي تدخّل بشري، فالآلية المعتمدة على المنصّة تحدّد إن كان الشخص المقدّم ضمن المؤهلين أو غير المؤهلين للاستفادة من هذه البطاقة.

وكانت وزارة الشؤون أعلنت أنّ عمليّة التأكد من المعلومات والمراقبة سيقوم بها بشكل أساسي التفتيش المركزي فضلاً عن البنك الدولي وعدد من الجهات الأمنية والمجلس النيابي بطبيعة الحال.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، البرلمان ، مؤسسات عامة ، حركات اجتماعية ، فئات مهمشة ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني