“
“أنت محامٍ؟..تريد الدخول الى سجن رومية لزيارة موقوف ..وتظن أن مهنتك قد تمنحك احتراماً معيناً نظراً لطبيعتها فأنت مخطئ.. اخلع نعليك وحزامك وقف على أرض مليئة بالأوساخ والقاذورات واعطهم لعنصر الدرك لإدخالهم إلى السكانر ..واقطع مسافة حافي القدمين قبل أن تنتهي عملية تفتيشك ويسمح لك بالدخول لزيارة موكلك”.
بهذه الكلمات، وصف المحامي محمد صبلوح واقعة جرت معه ومع زميل آخر له عندما حاول زيارة أحد موكليه في سجن رومية نهار الجمعة 10/8/2018، وعندما سأل عن السبب قيل له أن هذا القرار صادر عن مدير سجن رومية، دون أن تحدد الأسباب والدوافع له.
وفي حديث مع “المفكرة” قال صبلوح: “رغم كل شيء كنا قد اعتدنا على التفتيش العادي وسلسلة الممنوعات المفروضة حيث يمنع علينا أن نحمل ساعة في يدنا أو المال أو قلم سوى أقلام bic، ونضع محفظتنا في الأمانات حتى تنتهي الزيارة، ومع ذلك كنا نسكت عن الموضوع ذلك أننا لا نريد إحداث مشاكل، لكن أن يصل الأمر لأن نخلع حذاءنا وأحزمتنا، فهذه إهانة لا يمكن أن نقبل بها”. تبعا لذلك، رفض صبلوح الالتزام بالتدبير المطلوب، فترك السجن احتجاجا ساعيا إلى تحويل القضية إلى قضية نقابية، عامة.
كيدية وانتقام؟
أكد صبلوح أن القرار المتخذ يطبق فقط في سجن رومية وقد حصل مع زميلين له هما “حافظ بكور” و”محمد شما”، ورأى ألا مسببات رئيسة له، ذلك إنه إن كان يتخذ من أجل الحد من عملية تهريب الممنوعات التي تحصل بين الحين والآخر، فإنه يستحيل على المحامي أن يدخل شيئا لعدة أسباب أبرزها “أن هناك حاجز زجاجي يفصل بينه وبين موكله، وأن هناك كاميرات مراقبة للمكان” ووضع هذا الإجراء “في خانة عرقلة دور المحامي أثناء تأدية واجبه”.
ويذهب صبلوح في تحليله للأسباب التي دفعت إلى مثل هذا القرار أبعد من مسألة الأمن والتهريب ليتحدث عن كيدية إزاء المحامين ومحاولة انتقام نتيجة حادثة حصلت منذ فترة. وهو يردف: “منذ حوالي الأسبوعين، توفي عبد القادر سنجقدار بالسجن نتيجة ذبحة قلبية وذلك بعد أن ترك لمدة ساعة في السجن قبل أن يتم نقله إلى مستشفى ضهر الباشق التي تبعد مسافة خمس دقائق وحسب عن سجن رومية. وجاءت وفاة الرجل نتيجة غياب طبيب السجن الذي اضطروا إلى طلبه من المنزل وقد استغرق وصوله نصف ساعة، ناهيك عن أنه كانت لديهم معدات طبية مخبأة في المستودعات لم يتم استعمالها فيما أنها كانت كفيلة بإنقاذ حياته. وهذا ما أكده مستشار وزير الداخلية في حديث له إلى جريدة المدن الالكترونية، والذي فتح تحقيقاً في الموضوع بعد أن قمت بالادعاء باسم ورثة الرجل. وأنا أعتقد ان هذا الموضوع خلق ردة فعل ودفعتهم إلى اصدار هذا القرار ضد جميع المحامين”.
ورأى صبلوح أنه إذا استمرت الاجراءات على هذا النحو سيصار إلى مقاطعة زيارة المساجين في رومية. وأكد أن المحامين بانتظار الموقف الذي سيصدر عن نقابة المحامين في الشمال في هذا السياق. لافتاً إلى أن “هناك عددا لا بأس به من المحامين من مختلف التيارات السياسية قد تواصلوا معه وأعلموه عن استعدادهم للتصعيد من خلال مقاطعة الجلسات وإعلان الإضراب المفتوح إلى حين حل هذه المسألة”.
مواقف نقابتي المحامين وحراك المحامين
وفي اتصال مع نقيب المحامين في طرابلس عبدالله الشامي، عبر هذا الأخير عن امتعاضه من هذا القرار وأكد رفضه الكلي للتعاطي مع المحامين على هذا النحو المهين. فبدل “أن تكون مهمة المحامي الدفاع عن الناس، فهو بات بحاجة لمن يدافع عنه وصار في موقع المتهم. إن هذا الأمر مرفوض كليا” حسب قوله. وقد أردف أن الإجراء المتبع هو حصرا في سجن رومية ويطبق على جميع المحامين دون استثناء”.
وفي وقت لاحق لمكالمته، تقدم النقيب بتاريخ 14/8/2018 بكتاب إلى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بهذا الشأن. ومن أهم ما جاء فيه: “أن مرفق المحاماة ومؤسسة الأمن الداخلي إنما يشكلان مرفقا واحدا لتأمين سير العدالة في تنفيذ القوانين… وأن السادة المحامين يقومون بمهمة مقدسة ألا وهي حماية الحريات المنصوص عليها في الدستور والقوانين المرعية الإجراء، الأمر الذي استدعى مراجعة معاليكم طالبين في حال كان هناك من تعميم ألا يشمل السادة المحامين مع قناعتنا التامة بأنكم لا ولن تقبلوا بهكذا إجراء، آملين منكم اتخاذ التدابير الآلية لمعالجة هذا الموضوع..”.
وقد أكد النقيب أنه “بإنتظار جواب وزير الداخلية في هذا السياق وعلى ضوء ذلك يبنى على الشيء مقتضاه”.
لافتاً الى أنه في حال لم يلق الرد سوف يتصل بنقيب المحامين في بيروت لأخذ موقف مشترك.
في هذه الأثناء، لم تكن نقابة محامي بيروت الغارقة في ملف التأمين قد قامت بأي إجراء. وبسؤال عضو مجلس نقابة المحامين في بيروت ندى تلحوق عن الأمر، أجابت: “بالنسبة للنقابة نحن سبق لنا أن تواصلنا مع المسؤولين في هذا الشأن، وقد تمّ الاتفاق على ألاّ يتم إخضاع المحامين لكل هذا التفتيش، وأحيانا نجدهم يلتزمون وأحيانا لا، والحقيقة أن هذه معضلة، لا يعرف المرء كيف بالإمكان معالجتها، فدائما ما يتم التذرع بموضع “الأمن”.
تابعت: “إن هذه الإجراءات مؤذية للمحامي وقد توقفت لفترة والآن تعود مجدداً. نحن لدينا لجنة متابعة للأوضاع في السجون، ولكن نصل إلى مرحلة يقولون لنا فيها أن هناك أمورا أمنية ولا يمكن الحديث في هذا الموضوع. لذا عند أي محاولة دفاع نقوم بها دائماً يمسكوننا من يد الأمن”.
أما المحامي جاد طعمة، الناشط ضمن ما يعرف بحراك المحامين في قضية التأمين الاستشفائي فقد صرح أنه “لا يجوز التعامل مع المحامي الا وفقاً لقواعد الاحترام، لاسيما أن المحامي وإن كان يضطر في عمله أن يتنقل ويذهب لرؤية السجين فإنه يمارس دوره في تحقيق العدالة. وبالتالي فإن الاجهزة التي تحمي سجن رومية وتطبق جزءا من العدالة وتنظم منظومة العدالة فإنها تفعل ذلك بالمشاركة مع المحامي والقضاة، وعليه لا يمكنها أن تخضع المحامين لاجراءات مذلة لأن التكامل مع بعض يفترض التعامل على مستوى عالٍ من التنسيق والاحترام المتبادل”.
واستذكر طعمة الإجراء المذل الذي طال المحامين غداة “الجلسة الشهيرة لسمير جعجع في العدلية” واعتبر أن “ما جرى يدل على وجود خلل في التعاطي مع جسم المحامين في مكان من الأمكنة وهذا الخلل لا يمكن أن يملأه أو يسد فراغه إلا نقابة المحامين”.
وختم مطالباً “نقابة محامي بيروت بأن تضطلع بدورها في هذا المجال، وأن تكون الى جانب المحامي لتعيد التوازن. فيبدو أن المحامي بات مكسر عصا لكل الناس على جميع الأراضي اللبنانية”. وقال:” لا يجوز أن يكون المحامي هو الحلقة الأضعف ضمن المنظومة التي تتشارك في تحقيق العدالة وهذه المسألة تحتاج موقفاً حازما من قبل النقابة لنصرة المحامي”.
قوى الأمن ترد: حماية للمحامي قبل الأمن
بعد انتشار ما تعرض له المحامي صبلوح وزميله عبر مواقع التواصل الإجتماعية، تضاربت الأقاويل حول صحة هذا الإجراء وإن كان يتم تطبيقه على جميع المحامين الذين يزورون رومية. مصدر مطلع لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أكد “صحة هذه الإجراءات وتطبيقها فعلا في سجن رومية دون سواه، وهي لا تطال المحامين وحسب بل حتى جميع العناصر الأمنية والغاية من ذلك أمنية بإمتياز”.
ورأى المصدر أن”هذه الخطوة هي أكثر أمناً بالنسبة للمحامين أنفسهم وتبعد عنهم أي شبهة محتملة بإدخال ممنوعات للسجناء. إذ تم تسجيل حوادث في السابق عن إدخال الممنوعات إلى السجن ولذلك فإن هذا التدبير المتبع على جميع الأفراد من مواطنين ومحامين وعناصر، ويسري على قاعدة “من ساواك بنفسه ما ظلمك” ولا يمكن الاستسهال في هذا الموضوع حتى يتم ضبط الوضع قدر الإمكان”.
وعليه، يتبدى أن قوى الأمن الداخلي ترى أن من حقها أن تفرض على المحامين ما تفرضه على عناصرها التابعين لها بما يتصل باجراءات التفتيش، من دون أن تكون ملزمة تجاهم بأي معاملة خاصة، بالنظر إلى دقة مهمتهم وطبيعتها. وهذا الاعتقاد بحد ذاته يطرح أكثر من تساؤل في رسم نقابتي المحامين.
يتبع…
“